Wednesday, January 30, 2008

المحاكم العسكرية ليست محاكم والقضاة العسكريون ليسوا قضاة

المحاكم العسكرية ليست محاكم والقضاة العسكريون ليسوا قضاة

للاستاذ عادل عيد المحامي

حرص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن يورد في المادة العاشرة منه أن لكل إنسان الحق على قدم المساواة مع الآخرين في أن تنظر قضية أمام محكمة مستقلة نزيهه نظرا عادلا للفصل في حقوقه والتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه.

وقد أقر الدستور المصري الحالي الصادر سنة 1971هذا الحق الطبيعي للمواطن المصري فنص في المادة 68 منه على أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي ، وقد وردت هذه المادة ضمن مواد الباب الخاص بسيادة القانون مما يؤكد أن الإخلال بهذه الضمانة الأساسية يعتبر في نفس الوقت - إخلالا سيادة القانون، وحق المواطن في المحاكمة العادلة أمام القاضي الطبيعي يعتبر واحدا من أهم حقوق الإنسان، بل لعله الضمان الحقيقي لكل تلك الحقوق .

إذ لا قيمة لها ولا جدوى منها ما لم يكن هناك من ورائها ذلك القاضي الذي يذود عنها في غير تردد ولا وجل ، أي عدوان يقع عليها وينزل حكم القانون على أي معتد دون ان يتأثر في قضائه بغير سلطان القانون.

زمن البديهي أن مثل هذا القاضي حتى ينهض بهذه الرسالة الجليلة والنبيلة لابد له من توافر فيه كان هو القاضي الطبيعي الذي يؤتمن على صيانة حقوق المواطنين

ورغم هذه النصوص الواضحة التي أوردها الدستور - وهو أساس الشرعية لنظام الحكم- والتي لا ينبغي أن تخالفها أية نصوص وردت في تشريع أدنى ، ولا وصمت بهدم الدستورية ، ورغم أحكام قانون السلطة القضائية التي تؤكد كلها حق المواطن المصري في ألا يحاكم إلا أمام قاضيه الطبيعي ، رغم ذلك كله فما زال ها الحق الأساسي عرضة للعبث والانتهاك بين الحين والحين من جانب السلطة التنفيذية التي دأبت على أن تعهد إلى ضباط القوات المسلحة بمحاكمة المواطنين المدني محاكمات جنائية مستندة في ذلك إلى نصوص مخالفة للدستور وردت في القانون رقم 25 لسنة 1966 بشان الأحكام العسكرية وفي القانون رقم 162 لسنة 1958 بشان حالة الطوارئ وهما قانونان سابقان على صدور الدستور الحالي، وفيما يلي نفصل القول في مدى توافر مقومات القضاء، والقاضي الطبيعي في المحاكم العسكرية ، والقضاة العسكريين المنصوص عليهم في هذين القانونين:

أولا : حرص الدستور على أن يفرد للسلطة القضائية فصلا مستقلا باعتبارها إحدى سلطات الدولة الثلاث، وقد نص في موارد هذا الفصل على أن (السلطة القضائية مستقلة (النادة 165 والمقصود بهذا الاستقلال تحصين تلك السلطة ضد تدخل أي من السلطتين التنفيذية او التشريعية عملا بمبدأ فصل السلطات الذي هو الركيزة الأولى لقيام حكم المؤسسات كبديل عن الشمولية وحكم الفرد.

وفي المقابل ، نجد عكس ذلك تماما في قانون الأحكام العسكري ، فالمادة الأولى منه تنص صراحة على أن (الإدارة العامة للقضاء العسكري هي إحدى إدارات القيامة العليا للقوات المسلحة)، ثم تنص المادة الثانية على أن (يتولى الإدارة العامة للقضاء العسكري مدير ضابط مجاز في الحقوق يتبع وزير الدفاع مباشرة والمقارنة لا تحتاج إلى تعليق .

ثانيا : فضلا عن استقلال القضاء كسلطة، فقد نص الدستور على استقلال القضاة أنفسهم فنصت المادة 166 على أن (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا او في شؤون العدالة .

وتكيدا لهذا الاستقلال وتجسيدا له، نصت المادة 67 من الدستور على أن (يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها وينظم طريقة تشكليها ويبن شروط وإجراءات تعيين أعضائها ونقلهم .

واستجابة لهذا التوجيه الدستوري، قنن المشروع في قانون السلطة القضائية في نصوص واضحة كل ما يتعلق بالمحاكم وبالقضاة على ترتيب المحاكم بدرجاتها المختلفة وتنظيمها وتحديد مقارها وكيفية إنشاءها (المواد من 1 إلى 14-) ، ثم أوضح ما يدخل في ولاية المحاكم وما يدخل فيها (المواد 15-17)، ثم ناط بالجمعية العمومية للمحكمة المشكلة من كافة قضاتها الاختصاص بترتيب وتأليف الدوائر وتوزيع القضايا على الدوائر المختلفة وتحديد عدد الجلسات وأيام الانعقاد وندب المستشارين للعمل بمحاكم الجنايات والقضاة للعمل بالمحاكم الجزئية على ما تصدر قرارات الجمعيات العمومية بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين (المواد 30-37).

ومحكمة ذلك أن المشرع رأى في توزيع العمل بين القضاة بواسطتهم أنفسهم على هذا النحو ضمانة لابد منها لتأكيد حيدة القاضي واستقلاله وأبعاده عن المؤتمرات وعن شبهة التحيز التي لابد وان يثور إذا ما نتقى قاضي بعينه لنظر دعوى بعينها وهو ما جرى قضاء محكمة النقض على اعتباره أمرا منافيا لاستقلال القضاء وحدته ومؤديا على انعدام المحاكمة وبالتالي انعدام الحكم ، ثم حدد القانون شروط تعيين القضاة وترقيتهم وتحديد أقدمياتهم وجعل التعيين لجميع رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة بقرار من رئيس الجمهورية بموافقة مجلس القضاء وأعضاء النيابة العامة بقرار من رئيس الجمهورية بموافقة مجلس القضاء الأعلى (المواد 328 حتى 51 )، وفي المقابل نجد أن قانون الأحكام العسكرية لم يكتف بنفي الاستقلال عن القضاء العسكري ، وتأكيد انتمائه عضويا للقيادة العامة للقوات المسلحة وتأكيد عضويا للقيادة العامة للقوات المسلحة وتأكيد تبعيته المباشر لوزير الدفاع ، وغنما مضى على ذات النهج بالنسبة للقضية العسكريين فنص صراحة في المادة 57 على ان (يخضع القضاة العسكريون لكافة الأنظمة المنصوص عليها في قوانين العسكرية) وفي نفس الوقت اغفل تماما أي تنظيم بتعلق بطريقة تشكيل وراء المحاكم العسكرية وتوزيع القضايا فيما بينهما، كما خلا قانون الأحكام العسكرية من أي نصوص تنظم نقل القضاة العسكريين او ندبهم لغير عملهم أو تأديبهم أو وجوب قبول استقلالهم إذا ما تقدموا بها.. الأمر الذي يؤكد أن القاضي العسكري هو ضابط أولا وأخيرا ، وإنه يخضع لكل ما يخضع له سائر الضباط من أحكام وأنظمة عسكرية بلا أدنى تفرقة او تميز ، مما يجعله عرض للتدخل في عمله ولأن يمارس عليه رؤساؤه المؤثرات ترغيبا وترهيبا - وعلى وجه الخصوص مدير القضاء العسكرية الذي يتبع وزير الدفاع مباشرة حسبما تنص المادة الثانية من ذات لقانون والذي يمتلك ان يصدر إلى القضاة العسكريين الأقل منه رتبة وأقدمية التعليمات والتوجيهات مثلما يصدر القائد التعليمات إلى ضباطه ولا يمتلك هؤلاء تطبيقا لقواعد الانضباط العسكري - إلا أن يرضخوا أو يستجيبوا وإلى حقت عليهم المساءلة التأديبية .

ثالثا: أما بالنسبة للمعاملة المالية فقد نص المشرع في المادة 68 على تحديد مرتبات القضاة بجميع درجاتهم وفق الجدول الملحق بقانون الجدول بقانون السلطة القضائية وحظر حظرا صريحا أن يقرر لأحد منهم مرتبات شخصية أو أن يعامل معاملة استثنائية بأية صورة ، بل انه زيادة في الحيطة لما قد تعمد إليه السلطة التنفيذية من مكافأة قاضي بعينه وبذاته أو معاملته معاملة مميزة فقد أناط بمجلس القضاء الأعلى وحده تحديد المكافأة التي يستحقها القاضي في حالة ندبه لغير عمله أو بالإضافة إليه (المادة 62) وذلك تقريرا من المشرع أن المعاملة المالية للقاضي - إذا ما تركت بغير ضابط - جاز ان يكون ذريعة للتأثير عليه - سلبيا أو إيجابيا من قبل السلطة التنفيذية ، ثم تابع هذا المشرع هذا النهج فنص على أنه استثناء من أحكام قانون نظام العالمين المدنيين بالدولة وقوانين المعاشات لا يترتب استقلال القاضي سقوط حقه في المعاش أو المكافأة ،وان تعتبر استقالته مقبولة من تاريخ تقديمها لوزير العدل (المواد 68 حتى 70)، ثم نص المشروع على واجبات القضاة وما يحظر عليهم من أعمال (المواد 71 حتى 77) ، ثم نظم كيفية التفتيش على القضاة والتظلم والطعن في القرارات الخاصة بشؤونهم (المواد من 78 حتى 85) ، كما نظم إجازات القضاء السنوية (المواد 86حتى 115).

أما بالنسبة للقضاة العسكريين الذين تشكل منهم المحاكم طبقا لقانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966، او القضاة الضباط الذين يتم اختيارهم بواسطة رئيس الجمهورية للجلوس في محاكم أمن الدولة طبقا لقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، فإن العامل المالية الخاصة بهؤلاء الضباط منذ تعيينهم في هذه المحاكم او تلك لا يتناولها القانون بأي تنظيم ، وإنما هي سر مجهول لا يعلمه أحد ،مما يلقي عليهم بظلال كثيفة من الريبة وعدم الاطمئنان إلى حيدتهم وبعدهم عن المؤثرات ، ويفتح الباب واسعا أمام شبهة التأثير عليهم من السلطة التنفيذية في قضائهم ، نظرا لما يتولد لديهم من الحرص على استدامة ما يتقاضونه - بل ربما يغدق عليهم من مرتبات وميزات وعدم تعويضها للضياع خصوصا وانهم غير محصنين ضد العزل أو النقل كما سبق القول.

ولا شط أن تجهيل المعاملة التالية للقضاة العسكريين أمر ينعكس على المهتمين الذين يوكل إليهم محاكمتهم إذ لا يمكن لهؤلاء أن يطمئنوا إلى أن قضاتهم يعيدون عن أي مؤثرات قد تؤثر في قضائهم ، من أهم تلك المؤثرات - بل لعل أهمها المرتبات والمزايا العينية التي تمنح لهم بمناسبة جلوسهم مجلس القضاء.

رابعا : اما بالنسبة لحصانة القاضي أو عدم قالبيته للعزل، فهاك نص المادة 168 من الدستور الذي يقضي صراحة بان (القضاة غير قابلين للعزل ) وينظم القانون مسائلتهم تأديبا ثم تعود المادة 67 من قانون السلطة القضائية ، فترددت ذات الحكم ويقترن بضمانة عدم العزل ضمانة القابلية للنقل سواء كان نقلا إلى وظيفة أخرى خارج السلطة القضائية -فهو ما لا تملكه السلطة التنفيذية بغير اتخاذ الطريق التأديبي إلا انه يعتبر عزلا مقنعا وإسقاطا لولاية القضاء عن القاضي أم كان نقلا مكانيا هو ما قد يتخذ وسيلة غير مباشرة لعقاب القاضي ، ومن هنا حرص قانون السلطة القضائية على أن ينظم نقل القضاة وان يحدد المدد التي لا يجوز نقلهم من محاكمهم قبل انقضائها ، وجعل النقل في جميع الأحوال بقرار يصدره رئيس الجمهورية وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى وحظر أن يتم النقل إلا في الأحوال والكيفية المبنية بهذا القانون (المواد 52 إلى 54).

كما نص القانون على ألا يتم ندب القاضي بغير عمله أو بالإضافة إليه أو إعاراته للحكومات الأجنبية إلى بعد أخذ رأي الجمعية العمومية للمحكمة التابع لها القاضي وموافقة القضاء الأعلى أن يصدر بالندب أو العار قرار من رئيس الجمهورية (المواد 62 حتى 66)

مما تقدم يبين ان مبدأ قابلية القاضي للعزل بغير الطريق التأديبي يعد مبدأ دستوريا لا يملك الشرع المساس به بشكل مباشر أو عير مباشر إذ هو ضمانة كبرى تكفل له الاستقلال في الرأي والتأبي على أية ضغوط او مؤثرات.

أما بالنسبة للقضاة العسكريين ، فإن الأمر على العكس من ذلك تماما إذ تقضي المادة 59 من قانون الأحكام العسكرية بأن (يكون تعيين القضاة العسكريين لمدة سنتين قابلتين للتجديد نقلهم إلى مناصب أخرى إلا للضرورات العسكرية) ، وهذا النص صريح في ان القاضي العسكري قابل للعزل منه في أي وقت بقرار يصدره وزير الدفاع مضي العامين بذريعة الضرورات العسكرية ، ومن هنا نستطيع ان نقدره مدى ما يستشعره القاضي العسكري من قلق على منصبه ومستقبله وهو يجلس مجلس القضاء مما لابد وان ينعكس بالضرورة على ما يصدر عنه من أحكام .

خامسا: وأخيرا ، وبالنسبة لتهل القاضي فقد اشترط قانون السلطة القضائية في المادة 38 منه فيمن يتولى القضاء، ان يكون حاصلا على إجازة في الحقوق من إحدى الجامعات المصرية، بينما ان قانون الأحكام العسكرية لم يتطلب توافر هذا المؤهل في القاضي العسكري واكتفى - فقط - بالنص على أن (يعين القضاة العسكريون من ضباط القوات المسلحة ) ومؤدى ذلك ان القاضي العسكري الذي يجلس للفصل في أخطر الجنايات ويقتضي فيها بأشد العقوبات ، قد يفتقر لأبسط قدر من الخبرة والمران والتمرس فضلا عن العلم بأصول القانون ومبادئه ، ناهيك عن نظرياته وتطوراته .

من كل ما تقدم يبين ان أي حديث عن توافر مقومات الحيدة والاستقلال والحصانة والتأهل في القاضي العسكري هو لغو لا محل له

أما بالنسبة للقضاة العسكريين الذين تشكل منهم محاكم أمن الدولة طبقا لقانون الطوارئ، فإن الأمر بالنسبة إليهم اكثر وضوحا وأشد غرابة ، إذ يصدق عيهم - ومن باب أولى - ل ما قلناه عن انعدام التأهل والحيدة والاستقلال والحصانة لدى قضاة المحاكم العسكرية ، ويضاف إلى ذلك ان انتقاء هؤلاء يتم بواسطة السيد رئيس الجمهورية - وحده - بصفته الحاكم العسكري العام/ دون التزام منه بضوابط معينة تو معايير معروفة ، ما يجعل هذا الانتقاء محفوفا بتساؤلات ومحطوطا بالظنون ، إذ ليس هناك ما يمنع من أن يقع الاختيار - مثلا- على ضابط بالحرس الجمهوري أو المخابرات العامة ليجلس مجلس الفضاء في إحدى محاكم أمن الدولة- فضلا عن ذلك ، فإن المعاملة المالية لهؤلاء الضباط منذ تعينهم في تلك المحاكم - تبقى سرا لا يعلمه أحد مما يؤدي إلى عدم الاطمئنان إلى حيدتم وبعدهم عن المؤثرات حسبما يبق القوا

هذا، ومما يزيد من خطوة المحاكمات التي تتم أمام تلك المحاكم المشكلة من القضاة العسكريين أن أحكامها لا تقبل الطعن فيها بطريق النقض وكل ما يملكه المتهم المحكوم ضده ، و إن يقدم التماسا إلى مكتب الطعون العسكرية بالنسبة للأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية أو تظلمتا إلى مكتب التصديق على الأحكام بالنسبة الصادرة من محاكم أمن الدولة وهذا التظلم او الالتماس يفصل فيهما بطريقة مكتبية بعد مطالعة الأوراق وفي غيبة المتهم ودون استماع من ضمانة مهنة وجوهرية تتمثل في رقابة محكمة النقض على سلامة إجراءات المحاكمة وعلى صحة تطبيق القانون على الواقعة .

حاصل القول.

إن المحاكم العسكرية ، محاكم أمن الدولة المشكلة من العسكريين إذ قيست بما ينبغي أن توفر من مقومات المحكمة وفي القاضي طبقا للدستور ومواثيق حقوق الإنسان، فضلا عن تشريعات السلطة القضائية، إنها لا تعتبر محاكم، كما أن قضائها لا يعتبرون قضاة ، والأحكام التي يصدونها ليست أحكاما.

No comments:

Post a Comment