Sunday, January 27, 2008

جرائم الانترنت ولدت لتبق

جرائم الانترنت ولدت لتبقى

سألني صاحبي عن جرائم الانترنت، وهذا بعض جوابه الذي يتضّح منه أن الإنسان هو بطل الجريمة - بسيطة كانت أم معقدة - وهو أيضا بطل مكافحتها، ولأن "الحاجة أم الاختراع" فقد تفتّق الذهن الإنساني المبدع عبر التاريخ عن كثير من المنجزات البشريّة التي سهّلت حياة الناس ودعمت رفاههم وأمنهم. وعبر عقود القرن العشرين الماضي تحديدا وحتى اليوم تتابعت مخترعات التقنية الحديثة لتشمل مختلف مناحي النشاط الإنساني. ومع تطور الاحتياجات الإنسانية، وتقدّم العلم المعاصر انفجرت ثورة الحاسبات والمعلومات في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي محققة ما يمكن تسميته بالحضارة الرقميّة العالمية التي أدت بجاذبية وسائلها إلى شيوع وجماهيرية استخدامات التقنية ووسائل الاتصال بين الناس من كل جنس ولسان.
ولكن إساءة استخدام معطيات التقنية، وتطويع المخترعات الحديثة للدمار، والإيذاء لم تتوقف وفق معادلة (use & abuse)، فعلى سبيل المثال لم تكد تمر 15سنة فقط على اختراع الأخوين (رايت) للطائرة حتى حلّقت الطائرات المقاتلة في سماء باريس، وكذا الحال مع الديناميت ، واستخدامات الذرة وغيرها. وحين انتشرت شبكات الحاسب والمعلومات بطول العالم وعرضه ودخلت تطبيقاتها في بنية المجتمعات المعاصرة، أسهمت ولاشك في تعزيز التواصل الحضاري والثقافي وتعزيز التفاهم الإنساني وكسر حواجز العزلة الاتصاليّة بين الشعوب، إلا أنها في الجانب الآخر ساعدت على شيوع الجريمة بمختلف أشكالها لتقود إلى ما يمكن تسميته بعولمة الجريمة. والمتأمل في حال شبكة الانترنت على وجه الخصوص يدرك مدى ما قدمته هذه الوسيلة الجماهيرية من تسهيلات كبرى للأنشطة الإجرامية -المنظمة والفردية- على السواء جاعلة الأمن الوطني لكثير من البلدان عرضة لمخاطر أنماط جديدة من الجريمة الذكيّة عابرة الحدود التي باتت اليوم تهدّد كيان المجتمع الإنساني كلّه.
وفي سياق الجريمة وظروف ارتكابها يذكر بعض خبراء علم الإجرام، بأن الجريمة (أي جريمة) تحتاج إلى أربعة عناصر رئيسة ليتشجّع المجرم على ارتكابها وهي أولا: دافع (معين) لارتكاب العمل، ثانيا:هدف (ضحيّة) مناسب، ثالثا: الفرصة المواتية، ورابعا: غياب عيون الأمن. وبتطبيق هذه العناصر الأربعة نجد أن التقنية الحديثة تسهل لذوي الدوافع الإجراميّة الوصول إلى الأهداف (الضحايا)، وتمنح الفرص الكثيرة للفتك بالضحية، وبحكم طبيعة جرائم التقنية ، وبحسب خبرة مرتكبيها فان عيون الأمن (وضحاياها) لا ترى في الغالب معظم (مرتكبي) هذه الجرائم.
وفي ظل قلق أمني متزايد بشأن هذه الظاهرة بدأ الخبراء يسألون، ويتناقشون في بحوثهم ومؤتمراتهم حول طبيعة جرائم المستقبل التي عمادها التقنية الحديثة ، ومما يزيد الأمور تعقيدا ذلك القصور الواضح في آليات مكافحة الجرائم الجديدة سواء من حيث التقنية العلميّة المستخدمة، أو من حيث تأهيل العناصر البشريّة القادرة على اكتشاف هذا النمط من الجرائم، ويمتد هذا الضعف العام إلى مهارات التحقيق الجنائي سواء من حيث القدرة على التعامل مع مختلف القرائن، و الأدلة الرقميّة أو تتبع مرتكبيها.
ومشكلة هذه الجرائم الجديدة التي ولدت لتبقى بقاء التقنية أنها تتطلّب التأهيل (المستمر) لمتخصصين محترفين للمساعدة في العثور على المعلومات الالكترونية من مخازنها، وفك كلمات المرور ورموز التشفير التي تحمي بعض هذه المعلومات والأجهزة، كذلك فحص المعلومات المختزلة، وتعقّب مصادر البريد الإلكتروني الذي بات لوحده مشكلة أمنية مقلقة. ومن تتبع قصص جرائم الانترنت تحديدا يلاحظ مدى عمق الصعوبات التي تواجه المؤسسات الأمنية في مسائل تتبع قراصنة الشبكات، أو استرجاع البيانات المحذوفة، أو ربط المعلومات والأقراص المرنة بالحاسبات التي عولجت بواسطتها، ناهيك عن مهارات رفع الأدلة الإلكترونية لتقديمها أمام المحكمة بشكل يضمن عدم إفلات المجرم، أو المخالف من العقوبة خاصة في ظل قصور التشريعات الدولية والوطنيّة في معظم دول العالم.
مسارات
قال ومضى: حينما يكون (الصمت) في زمن الكلام (حكمة) الجميع، يصبح (الكلام) في (زمن الصمت) (واجب) الشرفاء وحدهم.

No comments:

Post a Comment