Thursday, January 31, 2008

رفع العرض على منتوج بيع الأموال المحجوزة

رفع العرض على منتوج بيع الأموال المحجوزة

من إعداد: الأستاذ يونس الزهري قاض بالمحكمة الابتدائية بمراكش باحث بكلية الحقوق ـ مراكش

تعتبر الحجوز بمثابة وسائل قانونية تكفل للدائنين الحفاظ على الضمان العام الذي تشكله أموال مدينهم وذلك بغل يد هذا الأخير عن التصرف في أمواله المحجوزة، إلا أن يتمكن الدائنون من اقتضاء ديونهم من ثمن بيعها.

ومبادرة أحد الدائنين إلى إيقاع الحجز على أمال مدينه لا تعطيه أية أولوية في اقتضاء دينه بالأسبقية على بقية الدائنين لمجرد أنه كان سباقا في إيقاع الحجز (1)، وذلك على اعتبار أن أسباب الامتياز تنشأ من القانون وحده الذي يحدد مصدرها ورتبتها (2)، وبالتالي فإنه لا يجوز القياس عليها أو التوسع في تفسيرها ومن تم فإنه يبقى الحل العادل والسليم قانونا هو توزيع هذه الأموال بالمحاصة (3) أي كل بسبب نسبة دينه ما لم توجد بينهم أسباب للأولوية حيث توزع هذه الأموال بحسب الترتيب.

ولما كان الحجز لا يخرج أموال المدين من ملكه فإنه يحق لباقي الدائنين أن يتدخلوا في مسطرة الحجز الجارية وذلك من غير حاجة إلى إعادة الإجراءات من جديد عن طريق إيقاع حجز ثان، وهذه القاعدة مقررة لمصلحة المدين ودائنيه على السواء وذلك بقصد توفير النفقات والجهد.

ويترتب على التعرض على الحجز منع المحجوز لديه من الوفاء لأي من الدائنين الحاجزين والمتعرضين، ومن تم يبدو أن التعرض على الحجز يشكل خطرا على حق الدائن الممتاز الذي يتعين عليه انتظار انتهاء إجراءات التوزيع بالمحاضة، الشيء الذي يفرغ حق الامتياز من كل مزاياه، مما يطرح معه التساؤل حول مدى جواز اللجوء إلى قاضي المستعجلات لرفع التعرض لفائدة الدائن الممتاز.

وعليه، فإن تناولنا للموضوع سيتمركز حول نقطتين أولهما تدخل الدائنين في الحجز، وثانيهما دعوى التعرض.

المطلب الأول : تدخل الدائنين في الحجز لدى الغير.

إن مجرد إيقاع الحجز على مال من أموال المدين لدى الغير لا يخرجه عن ملكه، وبالتالي لا يمنع غير الحاجز من دائنيه من التنفيذ عليه والاشتراك مع الحاجز الأول في قسمة المبالغ المحجوزة، ذلك أن الحجز لا يمنح أي امتياز للحاجز الأول لمبادرته في التنفيذ قبل غيره من الدائنين، أما الدائن الذي لا يتدخل في الإجراءات فلا يبحث عنه ولا يوزع عليه شيء.(4).

والقاعدة الأساسية في التشريع أنه لا يجوز إيقاع حجز ثان على شيء سبق حجزه (5) وذلك لأن الشيء الذي وضع فعلا تحت يد القضاء بالحجز عليه ولم ترفع عنه يده، لا يتصور طلب وضعه تحت يده مرة ثانية بإيقاع حجز جديد عليه، وهذه القاعدة مقررة لمصلحة المدين ودائنيه على السواء، إذ يقصد النفقات والوقت والجهد.

ومن بين الحالات التي أقر فيها المشرع المغربي هذه القاعدة نجد الفصل 493 من ق م م والذي جاء فيه:

"يقيد كل حجز لدى الغير في كتابة الضبط بتاريخه في سجل خاص وإذا تقدم دائنون آخرون فإن طلبهم الموقع والمصرح بصحته من طرفهم والمصحوب بالمستندات الكفيلة بإعطاء القاضي بيانات لتقدير الدين يقيد من طرف كاتب الضبط في السجل المذكور، ويقتصر كاتب الضبط على إشعار المدين المحجوز عليه والمحجوز لديه بالحجز في ظرف ثمان وأربعين ساعة وذلك بكتاب مضمون أو تبليغ بمثابة تعرض.

ومن خلال هذا النص يتبين أنه لا يمكن لأي دائن للمدين ان يحجز بين يد المدين ما سبق الحجز لديه من دائن آخر، عملا بمبدأ وحدة الحجز، فلا يستطيع دائن لاحق للحاجز الأول الحصول على إذن من الرئيس المال المحجوز عليه تحت يد ذات المحجوز لديه، وكل ما يستطيعه هو اتباع ما نص عليه الفصل المذكور من إجراءات والتي تتلخص في التقدم إلى كتابة الضبط المختصة بطلب بمثابة تعرض (7)، ويجب أن يكون مصحوبا بالمستندات الكفيلة بإعطاء الرئيس بيانات لتقدير الدين مؤقتا، ويقيد الطلب من طرف كاتب الضبط بالسجل المذكور بالنص، وعلى كاتب الضبط إشعار الميدان المحجوز عليه والمحجوز لديه في ظرف 48 ساعة بالتعرض الجديد بكتاب مضمون أو تبليغ بمثابة تعرض.(8)

وخلافا للاتجاه الذي تبناه المشرع المغربي والتشريعات المقارنة المذكورة، ذهب رأي فقهي إلى القول بجواز إيقاع حجز ثان على حجز لجميع الدائنين مباشرة إجراءات الحجز، على اعتبار أن من شأن ذلك الحفاظ على مصالح كل منهم على وجه المساواة.(9)

وقد تبنى القانون اللبناني هذا الموقف، حيث اعتبر أنه إذا تعدد الدائنون في الحجز لدى الغير، فإن كل دائن يستطيع إيقاع الحجز على أموال المدين لدى الغير بتبليغ موجه إلى المحجوز لديه، يلتزم بمقتضاه بما في ذمته، وفي هذه الحالة يكون كل دائن حجزا مستقلا عن غيره من المحجوز، كما يشترك كل حاجز في توزيع الحصيلة بنسبة ماله من الدين.(10)

كما ذهب الفقيه جان فانسنان (11) إلى إمكانية تعويض التعرض على الحجز الأول بإيقاع حجز ثان إذا أدرك الدائن المتعرض أن الحجز الأول مهدد بالبطلان. وذلك بشرط أن تكون لمخاوفه أسباب جدية. (12)

الخلاصة إذن، أن المشرع المغربي منع إيقاع حجز ثان على حجز أول إذ أنه جعل مجرد التبليغ يعد بمثابة تعرض بين يدي الغير المحجوز لديه وعلى الدائنين المتعرضين أن يؤدوا الرسم القضائي المنصوص عليه في الفصل 60 من ظهير 27 أبريل 1987 المنظم للمصاريف في المادة المدنية والتجارية والإدارية (13)، وأن يرفقوا طلبهم بالحجج والوثائق المثبتة للدين، حتى يتمكن القاضي من تقييم

جدية الطلب وخاصة في الحالة التي لا يكون فيها بيدهم سندات تنفيذية أو وثائق تتضمن دينا ثابتا وحالا ومستحق الوفاء.

وإذا كان الدائن الذي بيده سند تنفيذي يمكنه أن يتعرض مباشرة بين يدي العون القضائي، فإن الدائنين الجدد الذين لا يتوفرون على مثل هذا السند عليهم أن يستصدروا امرا بالتعرض من رئيس المحكمة، وهنا لابد من ملاحظة أن الفصل 493 من ق م م لم يبين الإطار القانوني الذي يصدر فيه الأمر بالتعرض هل في إطار الأوامر الاستعجالية أو في طلب الأوامر المبنية على طلب؟

جوابا على هذا السؤال ذهب الدكتور عبد الله بودهرين إلى التقرير أنه عندما يقدم طلب إلى القاضي من أجل البث في التعرض، فإن هذا الأخير يبت فيه بصفته قاضيا للمستعجلات حتى يتمكن جميع الأطراف من أن يبدوا آراءهم ويناقشوا مدى أحقية الدائنين الجدد في التعرض على الحجز.(14) ومما تجب ملاحظته أنه بعد التعرض على الحجز لدى الغير، قد يحكم ببطلان هذا الأخير مما يطرح معه التساؤل حول أثر بطلان الحجز الأول على مركز الدائن المتداخل؟

ذهب رأي فقهي إلى أن الإجراءات التي تقوم بها الدائن المتدخل ترتكز وتعتمد على الحجز الأول، فمن الواجب ان يكون صحيحا حتى يعتد بهما، وإن قضى ببطلانه زال وزالت الآثار القانونية المترتبة على قيامه، وتبطل إجراءات التعرض (15).

وذهب رأي آخر إلى أنه يجب التمييز بين ما إذا كان البطلان ناتجا عن عيب في شكل الإجراءات، بحيث لا يتصور حجز قائم يمكن الاستناد عليه وبالتالي يبطل التعرض، وبين ما إذا كان سبب البطلان يرجع لسبب يتعلق بموضوع دين الحاجز أو صفته أو سنده، حيث لا ينبغي أن يضار الدائن من خطأ وقع من غيره ولا حيلة له في معرفته أو تجنب عواقبه.(16)

في حين هذب راي ثالث إلى أن بطلان الحجز لا يؤثر بأي حال في مركز الدائن المتدخل، إذ لكل حجز استقلاله من ناحية صحته وبطلانه.(17)

ونرى هذا الرأي الأخير حري بالتأييد على اعتبار أن القانون يمنع الدائن من إيقاع حجز ثان على أشياء سبق حجزها، فبل فلا يحاسب إن هو اعتمد على الحجز الأول، إذ لا يعقل ان يمنعه المشرع من إيقاع حجز، ويحمله خطأ غيره من الدائنين.

ويترتب على التعرض على الحجز لدى الغيرة منع المحجوز لديه من الوفاء لأي من الدائنين الحاجزين والدائنين المتعرضين، الأمر الذي يطرح معه التساؤل حول أثر الأمر بحصر الحجز لدى الغير متى صدر قبل تعرض الدائنين الجدد على الحجز؟ هل يمنع على المحجوز لديه الوفاء للحاجز الأول؟ أم أن هذا التعرض لا يكون له أثر، حيث يختص الحاجز الأول بكل المبلغ المقصور عليه الحجز؟

لم تبين النصوص المغربية المنظمة للحجز لدى الغير حكم هذه الحالة، ومع ذلك نعتقد أن الحكم بقصر الحجز يرتب أولوية للدائنين في استيفاء حقوقهم من الأموال التي يقصر الحجز عليها، ذلك أن الدائن المتعرض أهمل القيام بالإجراءات الضرورية لحماية حقه، فعليه أن يتحمل نتيجة

ذلك.(18)

وعموما فإنه إذا كانت المبالغ المحجوزة كافية لسداد جميع التعرضات المعترف بها من المدين المحجوز عليه أو المحكوم بثبوتها فإن ذمة المحجوز لديه تبرئ بالوفاء بديون الحاجز والمتعرضين جميعا بما فيها رأس المال والتوابع التي تقررها المحكمة.

أما إذا كان المبلغ المحجوز غير كاف لسداد جميع التعرضات المقبولة قبل حصول الإيداع وجب على المحجوز لديه أن يودع هذا المبلغ بكتابة الضبط لتبرأ ذمته، حيث توزع المبالغ على الدائنين بالمحاصة، وهذا الحكم قرره الفصل 495 من ق م م الذي جاء فيه: "يبرئ المحجوز لديه في حالة وجود مبلغ كاف لتسديد جميع التعرضات المقبولة ذمته بأدائه بين يدي المتعرضين مبالغ ديونهم بما في رأس المال والتوابع التي تقررها المحكمة.

إذا لم يكن المبلغ كافيا فإن المحجوز لديه تبرأ ذمته بإيداعه المبلغ في كتابة الضبط ويوزع على الدائنين بالمحاصة".

وعلى ضوء هذا النص نتساءل : هل يلزم الدائن الحاجز ولو كان كائنا ممتازا بانتظار إنجاز قائمة التوزيع بالمحاصة؟ أم أنه يحق له اللجوء إلى قاضي المستعجلات لرفع تعرض باقي الدائنين العاديين الممتازين الموالين له في الرتبة؟

سؤال سنحاول مقارنة من خلال المطلب الموالي:

المطلب الثاني: دعوى رفع التعرض على الحجز:

لا يشترط في الدائن المتعرض على الحجز لدى الغير أن يكون دائنا ممتازا إذ أنه يجوز لكل دائن كيفما كانت صفته أن يتعرض على الحجز، وبالتالي توزع المبالغ المحجوزة على جميع الدائنين المتعرضين بالمحاصة عند عدم كفايتها، وتتميز هذه المسطرة بطول إجراءاتها حيث يتعين أولا إجراء محاولة اتفاق بين الدائنين والمحجوز عليه، وعند فشلها إعداد مشروع التوزيع بالمحاصة، وهذا المشروع لا يصبح نهائيا إلا بعد مرور أجل الثلاثين يوما الموالية لتاريخ تبليغه للأطراف وعدم الاعتراض عليه من طرفهم، أو بعد الفصل من طرف محكمة الموضوع في الاعتراض المرفوع إليها، ومن تم يبدو أن حق الامتياز يعطل ظرفيا بتقديم تعرضات من طرف دائنين عاديين أو دائنين أو دائنين ممتازين موالين للدائن الأول في المرتبة، مما يجعل التساؤل مشروعا حول مدى جواز تقديم الدائن الممتاز لطلبه الرامي إلى رفع التعرض على الحجز إلى قاضي المستعجلات للصبغة الاستعجالية للطلب؟

لقد اختلف العمل القضائي بشأن اختصاص قاضي المستعجلات برفع التعرض بسبب وجود امتياز إلى اتجاهين سنعمل على توضيحهما من خلال الفقرتين التاليتين:

*الفقرة الأولى: الاتجاه القائل بعدم اختصاص قاضي المستعجلات

*الفقرة الثاني: الاتجاه القائل اختصاص قاضي المستعجلات

*الفقرة الأولى: الاتجاه القائل بعد اختصاص قاضي المستعجلات:

في نظرنا أنصار هذا الاتجاه فإنه عند تزاحم الدائنين، وعدم كفاية المبالغ المحجوزة لسداد جميع الديون، فإن قاضي المستعجلات يكون غير مختص للبت في طلب تعرض الدائنين العاديين أو الدائنين التاليين في المرتبة للدائن الممتاز الذي قدم الطلب، والإذن لهذا الأخير في سحب مبلغ دينه دون الدخول في مسطرة التوزيع بالمحاصة.

وسند هذا الاتجاه أن شرطي اختصاص قاضي المستعجلات وهما وجوب توفر عنصري الاستعجال

(19) وعدم المساس بجوهر النزاع (20) يكونان غير متوفرين في طلب رفع التعرض، على اعتبار أن هذه الحالة لا تقتضي تدبيرا فوريا يخشى إن لم يتخذ حدوث ضرر لا يمكن تداره في المستقبل، كما أن شأن تحقيق الديون وترتيب الدائنين حسب حق الأولوية تناول حقوق الأطراف والتزاماتهم بالتفسير والتأويل، وتعديل للمركز القانوني لأحدهم، وفي هذا كله مساس بجوهر الحق الذي يحظر على قاضي المستعجلات الخوض فيه.

وعليه فإن ترتيب الدائنين حسب حقوق الأولوية هو نزاع يتعلق بالطعن في إجراءات التنفيذ، وهو ما يجعل الاختصاص ينعقد لمحكمة الموضوع وهي تبت في ملف التوزيع بالمحاصة.

وهذا الاتجاه تبناه بعض القضاء المغربي، وهكذا جاء في قرار صادر عن محكمة الاستئناف

بمراكش:

"حيث تبين للمحكمة من خلال إطلاعها على وثائق الملف أنه نظرا لتزاحم دائني مؤسسة طونيل التي بيع اصلها التجاري والعقاري المستغل عليه ولم يكن ثمنها كافيا لتسديد كافة الديون فتح له ملف التوزيع بالمحاصة تحت رقم 4/99 وأصبحت مسطرة التوزيع جارية طبقا لمقتضيات الفصل 506 من ق م م وما يليه.

وحيث إن تحقيق الديون وترتيب الدائنين حسب حق الأولوية أو حق الامتياز هو من اختصاص محكمة الموضوع المختصة للبت في ملف التوزيع بالمحاصة.

وحيث إن قاضي المستعجلات غير مختص للبت في طلب رفع التعرضات والإذن لبعض الدائنين في سحب ديونهم خارج مسطرة التوزيع بالمحاصة دون البعض الآخر أولا لعدم توفر حالة الاستعجال القصوى التي تبرز تدخله، ثانيا لكون البت في حقوق الأولويات والامتيازات من

شأنه المس بالموضوع الذي خول المشرع حق البث فيه لقاضي التوزيع بالمحاصة نظرا لتزاحم الدائنين.

وحيث بناءا عليه يكون الأمر المستأنف قد جانب الصواب لذا وجب إلغاؤه والحكم من جديد بعدم اختصاص قاضي المستعجلات".(21)

*الفقرة الثانية: الاتجاه القائل اختصاص قاضي المستعجلات:

ذهب أنصار هذا الاتجاه إلى القول إن رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات يختص برفع التعرض على الحجز والإذن للدائن الممتاز بتسلم المبالغ المحجوزة دون الخضوع لمسطرة التوزيع بالمحاصة، على اعتبار أن طلب رفع التعرضات عن أداء الديون المستحقة للدائنين يعد من بين إشكالات التنفيذ المتعلقة بتوزيع حصيلة التنفيذ، وأن مجرد التعرض يشكل خطرا على حقوق الدائنين اصحاب الأولوية بالامتياز، إذ أنه يؤدي إلى تأخير واضح إذا ما أجريت دعوى عادية في القضية، كما أن البت في هذا الطلب ليس فيه أي مساس بجوهر النزاع لكونه لا يقتضي إجراء تحقيق أو مناقشة الحجج التي يدلي بها الأطراف، وإنما يقتضي العمل على تطبيق النصوص القانونية المنظمة للامتياز.

وانتصارا لهذا الرأي يقول الأستاذ حميد الأندلسي بمناسبة تعليقه على أحد الأوامر الاستعجالية الصادرة في هذا الاتجاه : " إن هذا الأمر إذن للمؤسسة البنكية (البنك التجاري المغربي) المستفيدة من الرهن، بسحب منتوج بيع العقار المرهون دون الخضوع لمسطرة التوزيع بالمحاصة، بعلة أنها تتوفر على حق الأسبقية، ولا يمكن لامتياز الخاص الذي يستفيد منه الخزينة أن تقاومه، نظرا لحصر ذلك الامتياز على المنقولات والبضاعة، وما تنتجه العقارات دون هذه بنفسها، ومن تم فإن هذا الأمر يكون قد طبق بصفة وجيهة مبادئ الامتياز وساهم بصفة جدية في رفع كثير من العراقيل التي كانت تحول دون تمكين الدائن من سحب منتوج بيعه قبل كل توزيع بالمحاصة". (22)

وبعض العمل القضائي يسير في هذا الاتجاه (23)، من ذلك ما جاء في أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش:

"حيث إنه استنادا إلى ما جاء في الفصل 66 من المرسوم الملكي المؤرخ في 17/1/1968 المتعلق بالقرض العقاري والقرض الخاص بالبناء والقرض الفندقي فإن الدائن الممتاز أو الدائن المرتهن لا يزاحم في ثمن بيع الشيء المرهون من طرف الدائنين الذين هم دونه في المرتبة، وإنما يزاحم من طرف الدائنين المساوين له المرتبة امتيازا أو رهنا، وأن حق الأولوية عن طريق الامتياز أو الرهن يحمي الدائن الممتاز أو المرتهن من تعرضات باقي الدائنين الأقل رتبة، وأن قاضي المستعجلات حينما يبت في هذه التعرضات لا يمس بجوهر النزاع لكونه لا يتحقق من الديون ولا يتنازل من الديون ولا يتناول الوثائق المتعلقة بها بالمناقشة لاستخلاص حق الأولوية، وإنما يرجع إلى النصوص المتعلقة بحق الامتياز أو الرهن للتأكد من احترامها في توزيع منتوج البيع، وهو حين يفعل ذلك لا يمس بجوهر النزاع لأن مهمته هي مراقبة مدة احترام القوانين المنظمة للتنفيذ وما بعد التنفيذ عند توزيع منتوج البيع الذي لا يخضع لإجراءات التوزيع بالمحاصة إلا إذا كان المبلغ المحصل من التنفيذ عير كاف لسداد جميع الديون وكان الدائنون المتزاحمون في مرتبة واحدة كدائنين ممتازين أو مرتهنين أو عاديين، أما إذا كان منهم دائنون لهم الأولوية في استيفاء ديونهم وكانت المبالغ المتحصلة من البيع غير كافية لتسديد ديونهم، فإن ثمن البيع يسلم لهم واو كان معهم دائنون أقل منهم أو عاديون، وإلا فلا معنى لحق الأولوية إذا كان لا يحمي صاحبه من المزاحمة والتعرض" (24).

ونعتقد أن رئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات يختص برفع التعرض على الحجز المقدم من طرف الدائن الممتاز وذلك لتوافر شرطي اختصاصه وهما الاستعجال وعدم المساس بجوهر الحق.

فعنصر الاستعجال يتمثل في تعرض الدائنين الآخرين الذي يحول دون تسلم الدائنين الممتاز للأموال المحجوزة، وهو ما يشكل خطرا على حق هذا الأخير لكونه يجره إلى مسطرة التوزيع بالمحاصة، وما يمكن أن ينتج عنها من إجراءات طويلة ومعقدة، تحرمه من الامتيازات التي يخولها له حق الأولوية، وبالتالي يتعين حماية الدائن الممتاز من هذه التعرضات الغير مبررة بالإذن له بسحب المبالغ المحجوزة، وهذه الحماية لا يمكن توفيرها عند اللجوء إلى قضاء الموضوع، والقول بغير هذا الرأي يفرغ حق الامتياز من كل مزاياه.

كما أن شرط عدم المساس بجوهر الحق متوفر هو الآخر في هذا الطلب لكون قاضي المستعجلات حينما يبت في هذه التعرضات لا يتحقق من الديون عن طريق مناقشة الحجج والوثائق المدلى بها، فهذه الديون ثابتة بمقتضى سندات تنفيذية، كل ما هنالك أن قاضي المستعجلات يرجع إلى النصوص القانونية المنظمة لامتياز ويطبقها على النزاع المعروض عليه، فيتأكد من مدة احترام هذه النصوص التي تقضي بأنه لا يسار إلى التوزيع بالمحاصة إلا عند كفاية المبالغ المحجوزة وأن يكون الدائنون المتزاحمون في مرتبة واحدة.

فهذه الحالة إذن شبيهة بتلك التي يعرض فيها أشكال في التنفيذ على رئيس المحكمة يتعلق بالشروع في التنفيذ على العقار رغم وجود المنقول الكافي لسداد الدين وعدم استفادة الدائن من أي ضمان عيني، حيث يتعين والحالة هذه الرجوع إلى الفصلين 445 (25) و 469 من ق م م (26) للتأكد من مدى احترامها، وبالتالي فإن قاضي المستعجلات حينما يأمر بمباشرة التنفيذ على المنقول أولا ثم العقار ثانيا عند عدم كفاية المنقولات فإنه لا يكون قد مس بجوهر النزاع لكونه اكتفى بتطبيق النص القانوني الواجب الإعمال في النازلة، ومن تم يبدو التشابه بين هذه الصورة وتلك التي يأمر فيها قاضي المستعجلات يرفع التعرض لوجود امتياز، حيث إنه يرجع إلى النصوص المنظمة للامتيازات للتأكد من احترامها أو خرقها، وكذا ما إذا كانت هذه التعرضات تشكل خطرا على حقوق الدائن الممتاز.

الهوامش

ويستثني من هذا الحكم الحجز الاستحقاقي المنظم بمقتضى الفصول من 500 إلى 503 من قانون المسكرة المدنية، لكون الحاجز مدعي الاستحقاق ترد إليه الأشياء المنقولة محل الحجز إذا اعتبر أن طلبه الرامي إلى تصحيح الحجز مبني على أساس، وهذا ما يستفاد من الفقرة الأولى من الفصل 503 من قانون المسطرة المدنية التي جاء فيها: "يثبت حكم التصحيح حق مدعي الاستحقاق إذا اعتبر أن طلب مبني على أساس ويأمر برد الأشياء المنقولة إليه.

جاء في قرار للمجلس الأعلى : حيث إن القانون هو مصدر حق الامتياز وبذلك لا يقرر الامتياز لدين إلا بنص قانوني وأنه اعتبارا لذلك فالمبالغ المستحقة للخزينة لا يكون لها امتياز إذا وجدت قوانين تقضي به، وعلى نطاق محل الامتياز المنصوص عليه في تلك القوانين.

ـ قرار عدد 1340 بتاريخ 11/02/1999 في الملف عدد 6740/98 ـ غير منشور.

نظم المشرع المغربي إجراءات التوزيع بالمحاصة في الباب الثامن من القسم التاسع من قانون المسطرة المدنية المتعلق بطرق التنفيذ، ويقصد بها لها تقسيم المبالغ النقدية المتحصلة من البيع، أو تلك الوارد الحجز عليها، أو تلك التي تخول الحجز عليها على من لهم الحق فيها، وهو الدائنون الحاجزون أو الذين صاروا طرفا في إجراءات الحجز والذين يتم تخصيص هذه المبالغ للوفاء بحقوقهم بقوة القانون.

انظر في هذا الخصوص: الدكتور محمود هاشم، "إجراءات التقاضي والتنفيذ" عمادة شؤون المكتبات" ـ جامعة الملك سعود ـ الرياض ـ العربية السعودية ـ 1989 ـ ص 331.

أحمد أبو الوفاء، إجراءات التنفيذ في المواد المدنية والتجارية، منشأة المعارف ـ الإسكندرية ـ 2000 ـ ص : 444.

بمقتضى الفصل 449 من قانون المسطرة المدنية، فإنه ليس لحاجز الشيء الذي يجري عليه التنفيذ باعتباره دائنا مرتهنا أو له عليه حق امتياز، أن يتعرض على إجراءات التنفيذ التي يباشرها دائن قبله استنادا إلى صفته هذه، ولا يكون له إلا التدخل بين يدي العون المكلف بإجراءات التنفيذ عند توزيع الثمن على بقية الدائنين حسب مراتبهم.

وهكذا نص الفصل المذكور على ما يلي: "لا يجوز للغير الذي يكون حائزا للشيء يجري عليه التنفيذ، استنادا إلى ما يدعيه من رهن حيازي أو امتياز على هذا الشيء أن يتعرض على الحجز، وإنما له أن يتمسك بحقوقه عند توزيع الثمن".

مع ملاحظة أن المشرع تبنى نفس المبدأ بالنسبة للحجز التنفيذي أيا كان محله منقولا أو عقارا، وهذا الحكم يستفاد من مقتضيات الفصل 466 من ق م م الذي جاء فيه: "لا يمكن

للدائنين الذين لهم حق التنفيذ الجبري عند وجود حجز سابق على منقولات المحجوز عليه إلا التدخل على وجه التعرض بين يدي العون المكلف بالتنفيذ وطلب رفع الحجز وتوزيع الأموال، ويحق لهم مراقبة الإجراءات وطلب متابعتها إن لم يقم بذلك الحاجز الأول".

كم نص الفصل 472 على ما يلي: "تتم الإجراءات طبقا لمقتضيات الفصلين 466 و 467 عند وقوع حجز عقاري ثان".

ويقابل هذين الفصلين المادتين 371 و 374 من قانون المرافعات المصري، حيث ينص المادة 371 على أنه: "إذا انتقل المحضر لإيقاع الحجز على الشيء كان قد سبق حجزها وجب على الحارس عليها أن يبرز صورة محضر الحجز وقدم الأشياء المحجوزة، وعلى المحضر أن يحرر هذه الأشياء في محضر، ويحجز على ما يسبق حجزه، ويجعل حارس الحجز الأول حارسا عليها إن كانت في ذات المحل، ويعلن هذا المحضر خلال اليوم التالي على الأكثر إلى الحاجز الأول والمدين والحارس إذا لم يكن حاضرا، والمحضر الذي أوقع الحجز الأول، ويترتب على هذا الإعلان بقاء الحجز لمصلحة الحاجز الثاني ولو نزل عنه الأول، كما يعتبر حجزا تحت يد المحضر على المبالغ المتحصلة من البيع".

كما نصت المادة 374 على أنه :" يجوز للدائن الذي بيده سند تنفيذي أن يحجز تحت يد المحضر على الضمن المتحصل من البيع بغير حاجة إلى طلب الحكم بصحة الحجز."

وفي نفس السياق نص الفصل 609 من قانون المسطرة المدنية الفرنسي على ما يلي:

« Les créanciers du saisie، pour quelque cause que ce soit، ne pourront former opposition que sur le prix de vente ».

7)علق عبد الرحمان بلعكيد على عبارة: "تعرضات على حجوز الدائنين الآخريم"، بأن المشرع أحسن استعمال العبارة لأن الدائنين الآخرين يتعرضون على الوفاء للحاجز الأول دون اعتبار لحقوقهم، ومن تم كانت هذه التعرضات عوارض تأتي على دين الحاجز الذي يقف الدائنون الحاجزون حياله، إلا أن كل تعرض يعد بمثابة حجز قائم بذاته لا يعرف التنفيذ إلا إذا صحح حيث يخضع لجميع ما يخضع له حجز ما للمدين لدى الغير، لذا جاز القول بأنه عند تعدد حجوز ما للمدين لدى الغير على مدين واحد يكون كل حجز بمثابة تعرض على الحجز الآخر باستثناء الحاجز الأول حيث يكون متعرضا عليه لا حاجزا متعرضا.

ـ الدكتور عبد الرحمان بلعكيد: وحجز ما للمدين لدى الغير العام وفقا لقانون المسطرة المدنية المغربي ـ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، كلية الحقوق ـ الرباط ـ 1973 ـ 1974". ص : 254.

8)وتطبيقا لهذا المبدأ جاء في حكم صادر عن المحكمة التجارية مراكش: "حيث إنه بالرجوع إلى وثائق الملف يتضح أن المتدخلين في الدعوى سبق لهم أن أجروا حجزا بين يدي المحجوز عليها وأن حجزهم سابق لحجز بنك الوفاء.

وحيث إن الفصل 493 من ق م م يمنع حجزا على حجز ما دام أن الفصل المذكور ينص على أنه يقيد كل حجز لدى الغير في كتابة الضبط بتاريخه في سجل خاص، وإذا تقدم دائنون آخرون فإن طلبهم الموقع والمصرح بصفته من طرفهم والمصحوب بالمستندات الكفيلة بإعطاء القاضي بيانات لتقدير الدين يقيد من طرف كاتب الضبط في السجل المذكور ويقتصر كاتب الضبط على إشعار المدين المحجوز عليه بالحجز في ظرف ثمانية وأربعين ساعة وذلك بكتاب مضمون أو تبليغ بمثابة تعرض.

وحيث إنه وما دام أن المتدخلين في الدعوى هو أول من قام بإجراء الحجز بين يدي المحجوز لديها، فإن طالبة تصحيح الحجز بنك الوفاء كان يتعين عليها أن تجري تعرضا عل الحجز المذكور حتى يمكن توزيع المبالغ المحجوزة مع مراعاة أصحاب الامتياز عند التوزيع".

ـ حكم صادر بالمحكمة التجارية بمراكش تحت عدد 1016 بتاريخ 28/06/2001 في الملف عدد 1296-00-غير منشور.

9)الدكتور عبد الباسط جميعي، مبادئ التنفيذ وفقا لقانون المرافعات، المطبعة غير مذكورة ـ الإسكندرية ـ 1981 ـ ص: 32.

10)انظر التعليق على هذا الاتجاه لدى الدكتورة أمينة النمر أصول التنفيذ الجبري: الدار الجامعية ـ الإسكندرية ـ 1985 ـ ص: 231.

11)Jean Vincent، Voies d'exécution et procédures de distribution - Dalloz - 13ème édition - 1518 p (…)

12)وهذه الحالة هي غير حالة تعدد الحجوز لدى الغير على أموال المدين المتواجدة لدى أشخاص وجهات مختلفة، حيث إنه في هذه الحالة يختص كل واحد من الحاجزين باقتضاء حقه من الحجز الذي باشره اتجاه المحجوز عليه، اللهم إن توفي المحجوز عليه، حيث يتعين على كل الحاجزين تقديم مطالبهم لدى مصفي التركة قصد استيفاء ديونهم من التركة بعد إحصائها وذلك طبقا للفصل 249 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه: "يجب على المصفي أن يقوم بمجرد تعيينه بإحصاء جميع ممتلكات الهالك بواسطة عدلين طبقا لقواعد الإحصاء الجاري بها العمل.

يجب عليه أيضا القيام بالبحث عما للتركة من ديون لها أو عليها، وعلى الورثة أن يبلغوا إلى علم المصفي جميع ما يعملونه من ديون على التركة وحقوق لها".

ونشير إلى أن القاعدة التي أشرنا إلها لا تطبق بشأن الحجوز التنفيذية، وذلك طبقا للفصل 467 من ق م م، والذي جاء فيه: "إذا كان الحجز الثاني أوفر من الأول ضما ما عدا إذا كان بيع الأشياء المحجوزة سابقا قد وقع الإعلان عنه، وعلى كل فإن الطلب الثاني يعد بمثابة تعرض على الأموال المتحصلة من البيع وتكون محل توزيع".

13)في حالة عدم أداء هذا الرسم فإنه يحكم بعدم قبول التعرض، وهكذا جاء في مشروع توزيع محصول البيع:

"حيث إن تعرض الكتلة البنكية المتكونة من البنط التجاري المغربي والبنك الشعبي غير مقبول لعدم أداء الرسم القضائي المنصوص عليه في الفصل 60 من ظهير 27 أبريل 1984 المعتبر قانون المالية لسنة 1984".

ـ محضر مشروع توزيع محصول البيع منجز بالمحكمة الابتدائية بمراكش في ملف التوزيع بالمحاصة عدد 9/99 بتاريخ 20/3/2000 ـ غير منشور.

14)Abdellah Boulhrain، Les voies d'exécution au Maroc، les éditions Toubkal - Casablanca - 1ère édition، 1988، p : 118.

15)انظر في هذا الموضوع: الدكتور عبد الحميد أبو هيف، طرق التنفيذ والتحفيظ في المواد المدنية والتجارية، ـ مطبعة الاعتماد ـ القاهرة ـ السنة غير مذكورة، ص : 402.

16)Jean Vincent، op.cit p : 101.

17)لقد تبنى المشرع المصري في قانونه الجديد هذا الاتجاه الأخير.

ـ انظر أحمد أبو الوفاء، م.س ص: 450.

18)بالإضافة إلى هذا الأثر رتب المشرع المصري على الحكم بقصر الحجز لدى الغير طبقا للفقرة الثانية من المادة 304 من قانون المرافعات أولوية الدائنين قبل قصر الحجز في استيفاء حقوقهم من الأموال التي يقصر الحجز عليها، وذلك حماية للدائنين الحاجزين قبل القصر من مزاحمة الدائنين الحاجزين بعده، وللموازنة بين مصلحة المدين المحجوز عليه في قصر الحجز، ومصلحة الدائن الحاجز في استيفاء كاملا.

ويترتب على هذا أنه إذا وقع حجز جديد على المال المحجوز بعد قصر الحجز عليه، فإنه يكون حجزا صحيحا ولكن لا يقتضي الحاجز الجديد حقه من الثمن إلا بعد أن يقتضي الحاجز قبل القصر حقه كاملا.

19)تنظر الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية.

20)انظر الفصل 152 ن قانون المسطرة المدنية.

21)قرار محكمة الاستئناف بمراكش عدد 3535 صادر بتاريخ 30/11/2000، في الملف عدد 3958/99 ـ غير منشور.

ـ انظر نفس الاتجاه ونفس التعليل في القرارات الثلاث الصادرة عن نفس المحكمة وهي على التوالي:

ـ قرار عدد 2503 صادر بتاريخ 20/07/2000 في الملف عدد 2245/99 ـ غير منشور.

ـ قرار عدد 3534 صادر بتاريخ 30/11/2000 في الملف عدد 3956/99 ـ غير منشور.

ـ قرار عدد 264 صادر بتاريخ 18/10/2000 في الملف عدد 2956/99 ـ غير منشور.

وهو نفس الاتجاه الذي تبناه رئيس المحكمة التجارية، بمراكش، إذ جاء في أمر صادر عنه: "حيث إن المدعي قد التمس بمقتضى مقاله رفع التعرضات الواقعة من قبل المدعى عليها وذلك على اعتبار أنه له حق الأولوية.

حيث 'نه بعد الرجوع إلى ظاهر المستندات تبين من خلالها أن المدعي قد مارس إجراءات تحقيق رهن على عقارات، وأنه قد تم التعرض على منتوج البيع من طرف الخزينة العامة التي استوفت المبالغ المتعرض المتعرض عليها منازعات تخرج بطبيعتها عن اختصاص قاضي المستعجلات الذي لا يبت إلا في الإجراءات الوقتية".

ـ أمر صادر عن رئيس المحكمة التجارية بمراكش تحد عدد 40 بتاريخ 09/02/2002. في الملف عدد 263/2001 ـ غير منشور.

22)الأستاذ حميد الأندلسي : تعليق على الأمر الاستعجالي الصادر عن ابتدائية عين السبع الحي المحمدي بتاريخ 29/10/1996، ملف استعجالي عدد 1276/96، مجلة الحدث القانوني ـ ع 3 ـ فبراير 1998 ـ ص: 17.

ـ للمزيد من الإيضاح راجع الأستاذ عبد الرحمان المصباحي: أولوية الدائن المرتهن للعقار

على منتوج البيع ـ مقال منشور بمجلة الحدث القانوني ـ ع 15 ـ أبريل 1999 ـ

ص 10.

23): انظر على سبيل المثال قرار محكمة الاستئناف بمراكش عدد 9 صادر بتاريخ 04/01/1999 ـ في الملف عدد 712/98 ـ غير منشور، والذي ذهب إلى اختصاص قاضي المستعجلات للإذن للمؤسسة المتعرضة في تسلم منتوج بيع الأصل التجاري.

ـ قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء صادر بتاريخ 14/11/1997 ـ في الملف عدد 5310/97 ـ منشور بمجلة الحدث القانوني ـ ع 3 ـ سنة 1998 ـ ص: 15.

ـ أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بعين السبع بتاريخ 29/10/1997 في الملف الاستعجالي عدد 954/97 ـ غير منشور.

24)أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش عدد 28 بتاريخ 23/01/2001 في الملف الاستعجالي عدد 13/04/2001 ـ غير منشور.

كما جاء في أمر آخر: "حيث إن طلب رفع التعرضات عن أداء الديون المستحقة للدائنين الممتازين يعد من بين إشكالات التنفيذ المتعلقة بتوزيع منتوج بيع المنقول والتي يختص بها رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للبث فيها بصفته قاضيا للمستعجلات لما في التعرض من خطر على حقوق الدائنين أصحاب الأولوية بالامتياز، ولعدم وجود أي مساس بجوهر النزاع لكون البت في الطلب لا يقتضي إجراء تحقيق أو مناقشة الحجج وإنما يقتضي العمل على تطبيق النصوص القانونية المنظمة للامتياز".

ـ أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش عدد 675 بتاريخ 16/07/1999 في الملف الاستعجالي عدد 543/99 ـ غير منشور.

وفي نفس السياق جاء في أمر استعجالي:

"بتاريخ 31/07/2001 أصدر السيد (....) نيابة عن السيد رئيس المحكمة باعتباره قاضيا للمستعجلات الأمر الآتي نصه:

حيث إن الفصل 16 من القانون رقم 97/15 بمثابة مدونة تحصيل العمومية ورد في أ،ه لتحصيل الضرائب والرسوم المفروضة على العقارات تتمتع الخزينة بامتياز خاص يمارس على المحاصيل والثمار والأكرية وعائدات العقارات المفروضة عليها الضريبة.

وحيث إنه بالرجوع إلى مقتضيات الفصل المذكور نجد أنه لا يتضمن محصول بيع العقارات كما هو الشأن في ملف النازلة هذه.

وحيث والحالة هذه لا يسعنا إلا الاستجابة للطلب مع تحميل قباضة عرصة المعاش الصائر".

ـ أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش عدد 28 بتاريخ 31/07/2001 في الملف الاستعجالي عدد 594/04/2001 ـ غير منشور.

كما جاء في أمر استعجالي آخر:

"حيث إنه بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 66 من المرسوم الملكي المؤرخ في 17/12/1968 المتعلق بالقرض والقرض الخاص بالبناء والقرض الفندقي الذي ينص على منتوج البيع يجب أن يدفع إلى صندوق مؤسسة القرض رغم جميع التعرضات ومنازعات وتقييدات دائني المقترض.

وحيث إنه استنادا لما جاء في الفصل المذكور فإن الدائن المرتهن لا يزاحم من طرف بقية الدائنين، مما يكون معه الطلب في محله ويتعين الاستجابة له".

ـ أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش عدد 371 بتاريخ 09/04/2001 في الملف الاستعجالي عدد 232/04/2001 ـ غير منشور.

(25): ينص الفصل 445 من قانون المسطرة المدنية على ما يلي:

"يباشر التنفيذ على الأموال المنقولة فإن لم تكف أو لم توجد، أجري على الأموال العقارية.

غير أنه يقع التنفيذ إذا كان الدائن ضمان عيني مباشر على العقار المحمل به".

26) نصت الفقرة الأولى من الفصل 469: " لا يقع التنفيذ الجبري للعقارات إلا عند عدم كفاية المنقولات عدا إذا كان المدين مستفيدا من ضمان عيني".

الحماية القانونية لحرمة المساكن في التشريع المغرب


مقدمة:

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (النور: 27-28).
ويقول سبحانه: (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً) (الحجرات: 12).
يكتسي المسكن أهمية خاصة نظرا لتعلقه بالحريات الشخصية للأفراد، كونه يمثل مستودع أسرار الإنسان وموطن حياته الشخصية، لذلك أحاطته المعاهدات الدولية والتشريعات المقارنة بعناية خاصة تكريما لحرمته ومنعا لكل ما من شأنه المساس به.

فما هي الحماية التي أضفاها المشرع المغربي على حرمة المساكن؟ وما هي حدود هذه الحماية؟
وهل يمكن تفتيش المساكن التي تعقد بها مجالس الجماعة؟

المحور الأول: حرمة المساكن والاستثناءات التي ترد عليها:

أحاط المشرع المغربي، أسوة بغيره من التشريعات المقارنة، مسكن الإنسان بمجموعة من الضمانات حفاظا على حرمته، بل إنه رفع القواعد المتعلقة بحرمة المسكن إلى مصاف القواعد الدستورية كما ورد في المادة العاشرة من الدستور: "المنزل لا تنتهك حرمته، ولا تفتيش ولا تحقيق إلا طبق الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون".
لذلك فالمسكن كقاعدة عامة له حرمته التي لا يجب أن تنتهك، إلا أنه في حالة ارتكاب جريمة فإن إجراءات البحث والتحري قد تستدعي القيام بعملية البحث والتفتيش والمعاينة والحجز، لكن لا ينبغي اقتحام المساكن إلا وفق الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون.
وهكذا نص قانون المسطرة الجنائية على قواعد خاصة فيما يتعلق بتفتيش المساكن يتسع نطاقها أو يضيق بحسب ما إذا كانت الجريمة متلبسا بها أم لا.
ففي حالة التلبس بالجريمة يتخذ التفتيش طابعا قسريا يستبعد شرط رضا الأشخاص على خلاف الحالة العادية.
ولكن ورغم ذلك وحتى في حالة التلبس قيد إجراء التفتيش في المواد 59 و60 و62 بالشروط التالية:
1- لا يقوم بالتفتيش إلا ضابط الشرطة القضائية أو قاضي التحقيق أو الوكيل العام للملك أو وكيل الملك.
2- ينبغي أن يتم التفتيش بحضور صاحب المنزل أو من يمثله، وإذا كان غائبا أو فارا فإن التفتيش يتم بحضور شاهدين من الأشخاص الخاضعين لسلطة ضابط الشرطة القضائية.
3- ينبغي أن يتم التفتيش بين الساعة السادسة صباحا والتاسعة ليلا.
4- ينبغي تفتيش النساء في الأماكن التي يوجدن بها من طرف امرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية.
5- يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يتخذ كل الإجراءات قصد المحافظة على السر المهني، وفي حالة تفتيش أماكن معدة للاستعمال المهني كعيادات الأطباء مثلا يتعين على ضابط الشرطة القضائية إشعار النيابة العامة.
وبالنسبة لتفتيش مكاتب المحامين فلا يقوم بذلك إلا قاض من النيابة العامة بمحضر نقيب هيئة المحامين أو من ينوب عنه أو بعد إشعاره بأي وسيلة من الوسائل.

أما إذا كانت الجريمة غير متلبس بها فإن المشرع قد أضاف إلى الشروط السابقة شرطا آخر وهو حصول ضابط الشرطة القضائية على موافقة صريحة من الشخص الذي يجري التفتيش في منزله، وتكون هذه الموافقة بتصريح مكتوب بخط يد المعني بالأمر، وإذا كان لا يعرف الكتابة يشار إلى ذلك في المحضر كما يشار إلى قبوله، ويستثنى من ذلك الجريمة الإرهابية التي يحق معها لضابط الشرطة القضائية القيام بالتفتيش رغم امتناع الشخص الذي يجري التفتيش في منزله، أو تعذر الحصول على موافقته وذلك بعد الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة، ويتم التفتيش بحضور المعني بالأمر أو بحضور شخصين من غير الأشخاص الخاضعين لسلطة ضابط الشرطة القضائية الإدارية إذا امتنع صاحب المنزل وتعذر حضوره.
وقد نص المشرع في المادة 631 من قانون المسطرة الجنائية على بطلان إجراءات التفتيش التي تتم خرقا للشروط السابقة..

وختاما فإن المسكن له حرمته التي لا ينبغي أن تنتهك ولذلك فهو محصن من كل تفتيش أو أي إجراء آخر يمس بهذه الحرمة إلا في الحالات المنصوص عليها في القانون وطبق الشروط والإجراءات التي كرسها مشرع المسطرة الجنائية.
وعليه فإن كل تفتيش تم خرقا للإجراءات والشروط المنصوص عليها أعلاه يعتبر باطلا ويعرض القائم به للمتابعة بجريمة انتهاك حرمة مسكن المنصوص عليها في الفصل 230 من القانون الجنائي الذي ينص على أن:
"كل قاضي أو موظف عمومي، أو أحد رجال أو مفوضي السلطة العامة أو القوة العمومية يدخل بهذه الصفة مسكن أحد الأفراد، رغم عدم رضاه، في غير الأحوال التي قررها القانون، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم".

وإذا كان المسكن كقاعدة عامة له حرمته التي تجعله محصنا من كل تفتيش إلا في حالة ارتكاب جرائم، فما هو الشأن بالنسبة للقاءات التي تعقدها جماعة العدل والإحسان؟ هل تعتبر اجتماعات عمومية يتعين التصريح بها لدى السلطة المحلية قبل انعقادها؟ وفي حالة عقدها دون تصريح هل يمكن متابعة المشاركين فيها بجنحة عقد اجتماعات عمومية غير مرخص بها؟ وهل يمكن للشرطة القضائية تفتيش المساكن التي تعقد بها هذه المجالس؟

المحور الثاني: التكييف القانوني لمجالس جماعة العدل والإحسان:

عرف المشرع المغربي الاجتماع العمومي في الفصل الأول من ظهير 15 نونبر 1958 المعدل بموجب ظهير 10 أكتوبر 2002 كما يلي:
"يعتبر اجتماعا عموميا كل جمع مؤقت مدبر مباح للعموم تدرس خلاله مسائل مدرجة في جدول أعمال محدد من قبل".
يستشف من هذا الفصل أن الاجتماع العمومي يقتضي توفر أربعة عناصر:
1- أن يكون الجمع مدبرا.
أي أن يكون اتفاق مسبق بين المشاركين فيه على عقده وإلا اعتبر تجمهرا خاضعا لمقتضيات ظهير 15 نونبر 1958 المتعلق بالتجمهر.
2- أن يكون الجمع مؤقتا.
أي أنه ينتهي بمجرد الانتهاء من جدول الأعمال.
3- أن يكون الاجتماع معدا لدرس مسائل مدرجة في جدول أعمال محدد من قبل.
4- أن يكون الجمع مباحا للعموم.
وهذا العنصر الذي يميز الاجتماع العمومي عن الاجتماع الخصوصي، رغم صعوبة التمييز بينهما نظرا لعدم وجود نص قانوني يعرض الاجتماع الخاص على اعتبار أن حرية الاجتماع الخاص ما هي إلا امتداد لحرمة المنزل خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الاجتماعات الخاصة عادة ما تعقد في منزل أو في قاعة خاصة.
غير أنه بمفهوم المخالفة يمكن الاستناد إلى ثلاثة معايير تعين الاجتماع الخصوصي وتميزه عن الاجتماع العمومي وهي:
- أن الاجتماع الخاص يعقد في مكان مغلق.
- ولوج الاجتماع يبقى حكرا على أشخاص معروفين بأسمائهم.
- مراقبة هوية الأشخاص الذين يحضرون الاجتماع الخاص.

بعد عرضنا لعناصر الاجتماع العمومي والمعايير التي تميزه عن الاجتماع الخصوصي تثار إشكالية بخصوص المجالس التي تعقدها جماعة العدل والإحسان. هل تعتبر اجتماعا عموميا ينبغي التصريح به لدى السلطة المحلية؟ وفي حالة عدم التصريح هل يمكن تفتيش المساكن التي تعقد بها ومتابعة الأشخاص الذين يشاركون فيها بعقد اجتماعات عمومية غير مرخص بها؟ أم أنها تدخل في زمرة الاجتماعات الخصوصية المعفاة من التصريح بها لدى السلطة المحلية؟
بإعمال المعايير المذكورة أعلاه يثبت أن مجالس العدل والإحسان اجتماعات خصوصية لا تخضع لسابق تصريح لدى السلطة المحلية وأن هذه المجالس تعقد في أماكن مغلقة أي مساكن وبيوت، فهي ليست مباحة للعموم وإنما هي حكر على أشخاص معروفين بأسمائهم، هذا فضلا على أنه تتم مراقبة هوية الأشخاص الذين يلجون الاجتماع. وعليه فإنه لا يحق للضابطة القضائية اقتحام المساكن التي تعقد بها هذه المجالس وتفتيشها نظرا لعدم وجود جريمة تبرر هذا الإجراء.
والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل.

بقلم: ذ. حسن هاروش

مقدمة أهمية دراسة علم الإجرام

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة أهمية دراسة علم الإجرام:-
علم الإجرام من العلوم التى تفسر السلوك الإنساني وغرائزه وميوله ونزعاته واندفاعاته وأسبابه –خاصة السلوك المنحرف
××)
ونظرا لأن مجال البحث يتصل بالنفس الإنسانية وقد يتسم بالصعوبة لتشعب مسالكه، هذه الصعوبة جعلت الباحثين يهتمون بظاهرة الإجرام كحقيقة إنسانية وقد شغل هذا الأمر فريقا من العلماء مختلفي التخصصات – وشارك فيها فلاسفة وأطباء ورجال قانون واجتماع وغيرهم وقد تأثر كل منهم برد الظاهرة إلى إطار عمله
××)
ونشير إلى أن دراسة علم الإجرام ضرورة من الضرورات العملية التى لا غنى عنها لمعاملة الجناة وتقرير العقاب بما يتفق وكل حالة وأسباب ارتكابها للجريمة
××)
القانون يمر بثلاث مراحل 1 – التشريع (وضع النص) ويستعين المشرع فى وضعه للنص العقابي والتجريمى بأبحاث علم الإجرام ليقرر لكل طائفة العقوبة المناسبة – فرق بين المجرم العادي والمجرم السياسي- والمجرم المعتاد على ارتكاب الجرائم (العود) وارتكاب الجريمة المقترنة بعذر سواء مخفف أو مشدد
2 –
المحاكمة (القضاء) ويستعين القاضي بعلم الإجرام ليختار العقوبة المناسبة لكل جان (الحد الأدنى والأقصى للعقوبة)
3-
مرحلة تنفيذ العقوبة (السلطة التنفيذية)وتظهر أهمية علم الإجرام فى طريقة تنفيذ العقوبة
وتصنيف المسجونين وتحديد وسيلة تنفيذ العقوبة وصولا للهدف منها
××)
هذا فضلا عن أهمية هذا العلم فى التوصل لأساليب مكافحة الجريمة قبل وقوعها تخليصا للمجتمع منها ومن آثارها
***
ونظرا لأهمية هذا العلم سنقسمه فى دراسته إلى قسمين: -
الأول :- ونتناول فيه عمومياته من حيث ظهوره والتعريف به وعلاقاته بالعلوم الجنائية الأخرى وموضوعه
الثاني:- ونتناول فيه عوامل السلوك الإجرامي وينقسم إلى :-
أثر العوامل الخارجية فى السلوك الإجرامى
أثر العوامل الداخلية فى السلوك الإجرامي
ظهور علم الإجرام:ـ رغم قدم الجريمة قدم الإنسان منذ قتل قابيل لأخيه هابيل إلا أنها لم تكن كظاهرة اجتماعية محلا لأي دراسات علمية إلا منذ القرن 19 ووفقا للترتيب الزمني فقد تطور العلم كالتالي :-
فى العصور القديمة :ـ أرجعها البعض ومنهم فلاسفة الإغريق ( أبقراط وسقراط وأفلاطون وأرسطو )إلى أنها نتاج نفسية مضطربة يرجع سببها إلى عيوب جسدية أو خلقية أو انحرافات عقلية كما أرجعها البعض إلى أرواح شريرة تحل بجسد المجرم وتدفعه لارتكاب الجريمة وانتهوا إلى أن وسيلة معالجتها هو تعذيب المجرم حتى تطرد هذه الرواح من جسده وبهذا ترضى الآلهة
***
ثم اتجه التفكير إلى إسناد الجريمة إلى نوع من الشذوذ الأخلاقي يرجع إلى نقص القيم الدينية والأخلاقية
وفى العصور الوسطي:- لم تحط الجريمة باهتمام الباحثين باستثناء كتاب عثر عليه للسير توماس أكوين ارجع الجريمة للظروف الاقتصادية واعتبر الفقر عاملا أساسيا للإجرام
وفى بداية القرن 16:- ظهر اتجاه يربط بين الجريمة وسمات خاصة فى هيئة المجرم وملامحه وطبعه، وحاول البعض جمع هذه السمات واعتبارها سمات المجرم
**
وأول هؤلاء العلماء (ديلابورتا) وأرجعها إلى عيوب خلقية ظاهرة فى الوجه (خاصة العينين والجبهة)وأيده بعضهم مثل (داروين)
وفى العصور الحديثة (بداية من القرن 18 ):- لم تحط باهتمام باستثناء بعض الفلاسفة والعلماء أمثال (مونتسكيو وفولتير وروسو)
**
وقد أشار بعضهم إلى أن المشرع الناجح هو الذي يكافح الجريمة لمنعها قبل وقوعها وارجعوا سبب الجريمة للفقر وجريمته السرقة التى اعتبروها أم الجرائم الكبيرة وقد قرروا بقلة المجرمين فى دولة منظمة تنظيما حسنا
**
وكتب البعض أن مكافحة الجريمة أفضل من العقاب عليها وذكروا وسائل تفيد فى ذلك مثل منع الخمور – ولمحاربة الإجرام الاقتصادى بتوفير سبل العيش لمن لا يملك الرزق
**
وارجع البعض الظاهرة إلى الضعف الخلقي الذي يؤدى لخلل بالنمو الطبيعي
وفى أواخر القرن 18 وأوائل القرن 19:- سار بعض العلماء فى نفس الاتجاه وأرجعوا الظاهرة إلى الضعف الخلقي وعلم الملامح وربط آخرون بين الجريمة والمرض العقلي وأثر الوراثة والإنسان البدائي فى الظاهرة
**)
ولكن يعيب هذه الدراسات جميعها أنها لم تكن دراسات علمية تفسر الظاهرة
××)
التفكير العلمي وتفسير الجريمة: - ومع بداية حلول التفكير العلمي محل التفكير الميتافيزيقي فى أوائل القرن 19 اتجهت الدراسات إلى البحث عن أسباب الظواهر الاجتماعية المختلفة ومنها الجريمة ومحاولة تفسيرها بمنهج العلوم التجريبية وهو القائم على الطريقة الاستقرائية
××)
بدأ هذا الاتجاه فى نطاق العلوم الطبيعية واتجه تدريجيا إلى العلوم الاجتماعية ومنها الجريمة وأول من نادى به هو (أوجست كونت) هو الذي بدأ فى استخدام الأسلوب العلمي فى جمع الحقائق عن الظواهر الاجتماعية والتى تمثل الجريمة إحداها
ثم ظهرت دراسات فى علم الإجرام استخدمت المنهج التجريبي وظهرت مدارس منها:-
مدرسة الوسط الاجتماعي وتفسير ظاهرة الجريمة (المدرستان الفرنسية والبلجيكية)
أندريه جيري الفرنسي:- اعتمد على الإحصائيات الجنائية فى فرنسا، وتناول العوامل الفردية المتعلقة بشخص المجرم كالجنس والسن، والعوامل الاجتماعية المتعلقة بالبيئة المحيطة به كالمهنة ومستوى الثقافة وتقلبات الطقس وذلك فى كتابه الأول
××)
وفى كتابه الثاني قارن بين إحصائيات الجريمة فى فرنسا وإنجلترا واستنتج: -
أ)عدم وجود تناسب طردي بين الجريمة والفقر لازدياد الجريمة مع الثراء
ب)عدم وجود تناسب طردي بين الجريمة والجهل لازدياد بعض الجرائم مع ازدياد التعليم
ج)أن الجريمة قد يكون مصدرها خلل نفسي أو ظروف أخرى خاصة بالمجرم
كتيليه البلجيكي:- اعتمد كذلك على الإحصائيات الذي اعتبرها أفضل أسلوب وانتهى إلى أن الجريمة ظاهرة اجتماعية وأسبابها قائمة فى المجتمع نفسه، ووزع الجناة طبقا لصفاتهم الجسمانية والخلقية، وقسم المجتمعات حسب الجنس والنوع والسن والعقل، وأخذ بفكرة الإنسان العادي أو المتوسط الذي يختلف عنه الأفراد الآخرون وحاول بيان مدى تأثر الظاهرة بعوامل أخرى مختلفة كتغير فصول السنة والظروف الاقتصادية ونوع المجرم (ذكر أم أنثى) وتغير مراحل العمر وانتهى إلى ثبات الجريمة من عام لآخر
وتأثر به العديد من العلماء وتبنى نظريته ماركس الذي اعتبر أن أثر النظام الاجتماعي (الرأسمالي) واضح فى الجريمة لانعدام العدالة الاجتماعية
××)
ويؤخذ على هذا الاتجاه والمدرسة اهتمامها بالعوامل الاجتماعية على حساب العوامل الفردية؛ وعدم اهتمامها بدراسة المجرم ذاته من حيث النفس والعقل والخلق وقد أدى ذلك إلى انتهاء رأيهم بأن مكافحة الجريمة يكون بتغيير الوسط الاجتماعي للمجرم
××)
وعلى الرغم من أن هذا هو ما انتهينا إليه وهو مما يتفق وأسلوب دراستها للظاهرة باعتبارها ظاهرة اجتماعية تعتمد على الطريقة الإحصائية ولكن ذلك يهمل المجرم ذاته ودراسة نفسيته وهو الأمر الذي يعجز عنه الإحصاء أو عن تفسيره
××)
ورغم ذلك فإن ما يوجه من نقد لهذه النظرية لا يقلل من فضلها فى إلقاء الضوء على العوامل الاجتماعية للسلوك الإجرامى وأهمية الإحصاء بطريق البحث 0لذلك فهذين العالمين يعدان صاحبا فضل فى وضع الأساس الأول لعلم الاجتماع الجنائي
المدرسة الوضعية ومحاولة تفسير الظاهرة:ـ فى النصف الثاني من القرن 19 ظهرت أبحاث جديدة اتجهت إلى العوامل التى تخص الفرد نفسه ودراستها 0خاصة وأنه فى المجتمع الواحد يرتكب البعض الجرائم دون الآخر ويقلع بعض المجرمين عن ارتكاب الجريمة ويستمر فيها آخرون
××)
وأسس هذه المدرسة الطبيب الإيطالي لومبروزو الذي أرجع سبب الجريمة لنقص فى التكوين الجسمانى للمجرم فركز اهتمامه فى دراسة المجرمين من الناحية التشريحية والعضوية وأجرى دراسات على المجرمين وانتهى إلى أن المجرم يختلف عن الإنسان العادي فى تكوينه الجسمانى ويتصف بنقص فى تكوينه يرجعه إلى الإنسان البدائي والمخلوقات البدائية مما يدفعه لارتكاب الجريمة لعدم إمكانه التكيف مع المجتمع وتطوره
**
وانتهى إلى ضرورة ارتكاب هذا الشخص للجريمة لولادته بهذا النقص وأسماه المجرم بالفطرة وانتهى إلى أنه لا أمل فى إصلاحه ولا علاج له إلا بإعدامه أو عزله
كما وعرف المجرم المجنون والمجرم بالعاطفة وأضاف إليهم المجرم بالصدفة والمجرم بالعادة
النقد الذي وجه لهذه النظرية:-
*
تقسيم المجرمين لأقسام وطوائف بحسب اختلافهم فى أوجه النقص فى التكوين الجسمانى والنفسي دون باقي العوامل الأخرى0
*
اعتمادها على بحث إحصائي قاصر انتهى منه لنتائج عامة وأن كثير من هذه الصفات تتواجد فى أشخاص عاديين لا يرتكبون جرائم فضلا عن جهل لومبروزو بقوانين الوراثة
**
نظرا لهذه الانتقادات فقد اعتد لومبروزو بالظروف الاجتماعية فى طبعات كتبه الأخيرة وانتهى لأمرين: -
**
أن هذه العيوب الخلقية تتوافر فى معظم المجرمين لا جميعهم وقد تتوافر لغيرهم
**
الوراثة الإجرامية لا تؤدى وحدها إلى الإجرام إنما تؤدى إلى ميل له بالتقائها بعوامل أخرى
**
وإنقاذا لهذا الفكر الوضعي حاول أنصاره تعويض النقص فيه بإبراز العوامل البيئية وأثرها وكذا أثر الظروف الخارجية0ومن هنا ظهر علم الاجتماع الجنائي وكان أول رائد للاتجاه الحديث للمدرسة الوضعية (انريكوفرى) الذي أبرز أهمية العوامل الخارجية فى خلق الجريمة وقد قرر بأن الجريمة ترجع إلى تفاعلات ثلاث عوامل وهى: -
عوامل طبيعية:ـ (ميتافيزيقية) وجغرافية مثل المناخ والموقع الجغرافي وتأثير الفصول والحرارة
عوامل اجتماعية:ـ مثل كثافة السكان والعادات والتقاليد وظروف البيئة والحالة الاقتصادية
عوامل انتربولوجية:ـ مثل الجنس والتكوين العضوي والعقلي
ومن تفاعل هذه العوامل الثلاث ينشأ ما يسمى بقانون الكثافة الإجرامى قياسا منه على قانون الكثافة فى الكيمياء الذي مفاده أن:ـ( كمية معينة من الماء + درجة حرارة معينة =تؤدى إلى إذابة قدر معين من مادة كيماوية معينة )
وانتهى إلى أنه نظرا لأنه فى حالة اجتماع هذه العوامل الثلاث فالجريمة نتيجة حتمية لها
لذلك لا يجب معاقبة الجاني لانعدام مسئوليته عن الجريمة وإنما ما يجب عمله هو اتخاذ الإجراءات الوقائية قبله بإبعاده تأسيسا على حق المجتمع فى الدفاع عن نفسه
××)
وأتى العلامة (جارفالو) وأرجع الجريمة إلى نقص فى التكوين الجسمي والنفسي للمجرم وأكد أن هذا النقص ينتقل بالوراثة ولم ينكر دور العوامل الخارجية فيها ولكنه يرى أنه دور ثانوي وخلص إلى ضرورة أن تكون العقوبة هادفة لمجازاة المجرم ذاته لا لتخويف الناس
××)
وعالم الاجتماع كولايانى أرجع الجريمة للعامل الاجتماعى كسبب وحيد وأنها وليدة ظروف اجتماعية أحاطت بالمجرم خاصة من الناحية الاقتصادية وانتهى إلى أن المجرم قابل للإصلاح بإزالة هذه العوامل
ظهور علم النفس الحديث ومحاولة تفسير ظاهرة الجريمة
فى نهاية القرن 19 وبداية القرن 2بدأ مجال بحث جديد اتجه إلى الحالة العقلية والنفسية للمجرم واتجه إلى إرجاع سبب الجريمة إلى ضعف القوى العقلية فى الإنسان نتيجة مرض أو اضطراب فى العقل وساعد على ازدهارها ظهور علم النفس الحديث وأرجعها لعقد نفسية كامنة فى أعماق النفس
**)
ولم تلق هذه الأبحاث قبولا لوجود مرضى ضعاف العقل لا يرتكبون جرائم
××)
وفى القرن الحالي ظهر فى روما اتجاه الانتروبولوجيا على يد الإيطالي دي توليو الذي وضع نظرية التكوين الإجرامى أو الاستقرار السابق للمجرم
**)
وقد أرجع الجريمة نتيجة لتفاعل بين عوامل نفسية داخل الإنسان تتقابل مع ظروف تقابلها تؤدى إلى الجريمة بمعنى أن الاستعداد أو الميل لارتكاب الجريمة يدفع لارتكابها إذا ما أثارتها عوامل خارجية (ظروف أخرى) تكون مثيرة وكاشفة للاستعداد الإجرامى وأن ذلك لا يرتبط بتكوين جسمي أو نفسي خاص
وقد ميز دي توليو بين المجرمين بحكم تكوينهم وقسمهم إلى فئات مختلفة وميز بين المجرم بالصدفة والمجرم بحكم المرض العقلي
وقد لاقت هذه النظرية قبولا خارج إيطاليا
خلاصة ما تقدم:- يبين مما سبق أثر عمل الباحثين فى طريقة دراستهم للظاهرة ومحاولة كل منهم إرجاعها إلى أسباب متنوعة وفقا للمذهب الذي يرجحه الباحث
وعلى الرغم من فضل هذه الدراسات فى تحليل الظاهرة إلا أنه لا يمكن تفسير السلوك بعامل واحد أو عاملين بل أنه نتيجة تفاعل عوامل عديدة ولذا وجب الاستعانة بكافة النتائج التى تقدمها الدراسات الأخرى
ومن هنا كان من الضروري ظهور علم جديد هو علم الإجرام الذي أصبح له دور كبير بين العوامل الأخرى 0
الباب الأول
تعريف علم الإجرام وعلاقته بالعلوم الجنائية
الفصل الأول (تعريف علم الإجرام وفروعه )
المبحث الأول تعريف علم الإجرام
أزمة التعريف بعلم الإجرام:-نظرا لحداثته وعدم استقلاله وذاتيته إلى حد أن البعض مازال فى شك من وجوده كعلم فإن تعريفه محل خلاف لم يظهر فى غيره من العلوم الأخرى نظرا لاختلاف انتماء الباحثين فيه
××)
فقد عرفه البعض بأنه"علم دراسة الانحراف بحثا عن أسبابه ومظاهره ووسائله ونتائجه
××)
وعرفه آخرون بأنه" علم الدراسة الكاملة للإنسان بهدف التوصل إلى أسباب سلوكه المضاد للجماعة ومحاولة علاجه"
××)
واعتبره آخرون " العلم الذي يشمل الأبحاث والدراسات المتعلقة بالجريمة والمجرم والبيئة وأسباب الإجرام ووسائل الردع والمنع من الجريمة ذاتها "
××)
وعرفه البعض بأنه "العلم الذي تخصص فى دراسة الجريمة"
××)
وعرفه آخرون بأنه "علم يبحث فى الجريمة بوصفها ظاهرة اجتماعية ويتضمن إجراءات إعداد القوانين وكيفية مخالفتها ثم إجراءات رد الفعل على هذا الانتهاك
××)
وذهب البعض إلى أنه " العلم الذي يتخذ من الجريمة – باعتبارها كل فعل معاقب عليه موضوعا ومحلا له
××)
وقال آخرون بأنه " الدراسة العلمية للظاهرة الإجرامية "
=
واختلف الفقه المصري كذلك فى وضع تعريف موحد له 0
××)
وعرفه البعض بأنه " العلم الذي يدرس الجريمة من الجهة الواقعية دراسة علمية كظاهرة فردية اجتماعية وذلك بقصد الكشف عن العوامل التى تسبب تلك الظاهرة "
××)
وذهب آخرون بأنه " العلم الذي يبحث فى تفسير السلوك العدواني الضار بالمجتمع وفى مقاومته عن طريق إرجاعه إلى عوامله الحقيقية "
××)
وذهب آخرون إلى أنه"العلم الذي يدرس الجريمة كظاهرة فى حياة الفرد والمجتمع"
==
وأقر المؤتمر الدولي الثاني للإجرام تعريفا له خلاصته " علم الإجرام هو الدراسة العلمية لظاهرة الإجرام وأن موضوعه هو دراسة أسباب الظاهرة الإجرامية وسبل علاجها"
وأنه يقع فى موضع وسط بين العلوم الإنسانية والقانون الجنائي
تقييم التعريفات السابقة:ـ دارت جميعها بين اتجاهين – موسع ومضيق للعلم- فالقول بأنه ينحسر فى دراسة الانحراف جنائيا أم اجتماعيا يخرجه من مجموعة العلوم الجنائية
××)
والقول بأن الهدف منه هو التوصل لأسباب سلوك الفرد المضاد للجماعة ومحاولة علاجه يشوبه كذلك ذات العيب لاختلاف السلوك المجرم فى مجتمعات عنها فى الأخرى ولأن كل اختلاف مع الجماعة ليس مجرما بالمفهوم القانوني للجريمة
××)
وبعض التعريفات أدت إلى عدم وجود فواصل دقيقه بينه وبين عديد من العلوم الأخرى
××)
والبعض نظر إليه من تيار الفرد والآخر من تيار الجماعة وكلاهما قاصر لاهتمام العلم بدراسة ظاهرة الإجرام فى الفرد والجماعة معا
تعريف آخر لعلم الإجرام:- لتعريفه ينبغى تحديد غايته وموضوعه وطرق البحث 0وأي تعريف يخلو من هذه العناصر يتسم بالنقصان
وعلى هدى ما تقدم فإن تعريفه هو أنه" العلم الذي يبحث فى الجريمة باعتبارها ظاهرة فى حياة الفرد والمجتمع ويحاول باستخدام أسلوب البحث العلمي وصفها وتفسيرها فى المجالين معا وتحليلها والبحث عن عواملها سواء كانت شخصية تتعلق بالفرد أم تتعلق بالمجتمع المحيط به بمعنى أنه يبحث فى العوامل المؤثرة فى الإنسان والتى تدفعه لارتكاب الجريمة
تحليل تعريف علم الإجرام:- مما سبق يتضح أن لهذا العلم محوران يدور حولهما وهما:-
الجريمة – ومرتكبها (الإنسان) وكلاهما على نفس القدر من الأهمية
وعلى هذا الأساس يبين انه لا يقتصر مجال بحثه على الجريمة من الناحية الو صفية بل يشمل الناحية التحليلية لمختلف العوامل المكونة لها سواء من الناحية الشخصية المتعلقة بمرتكبها أم المادية المتعلقة بالجريمة ذاتها
××)
كما وأن أبحاث هذا العلم تتناول دراسة السلوك الإجرامي وعوامل تكوينه (اجتماعية أو فردية) ومدى تأثير هذه العوامل
وعلم الإجرام لا يلتزم بأسلوب معين من أساليب البحث العلمي بل يطبق كافة الأساليب مستعينا بكافة الأبحاث فى العلوم الأخرى ونتائجها
المبحث الثاني
فــــــروع علم الإجــــــــــــــرام
تمهيد:- ومن جماع ما سبق بيانه فى التحليل السابق ظهر علم الإجرام مقسما لعدة فروع يتميز كل منها بتوجيه عنايته نحو البحث عن عوامل تكوين السلوك وقد وضعت نواة هذا الإجرامي من ناحية معينة ومن هذه الفروع مجتمعه التى أطلق علي كل منها اصطلاح العلم تكون لدينا علم الإجرام 00وهذه العلوم هي:-
أولا علم الأنتربولوجيا الجنائي:- وهو العلم الذي يهتم بدراسة الصفات العضوية والنفسية للمجرم وأثر العوامل المحيطة به عليها لذا يتناول الجريمة كظاهرة فردية لكنه يفسر الأسباب التي تدفع بالمجرم فى حالة معينة لارتكاب جريمة معينة وذلك يتحقق بدراسة الصفات العضوية لجسم المجرم وبعض إفرازات غدده فضلا عن دراسة حياة الجرم وعاداته وطباعه وأخلاقه وتأثير الوراثة وكذا النواحي النفسية ومدى استجابته للمؤثرات الخارجية على ميوله لارتكاب الجريمة
**
وثار قول حول أن علم النفس الجنائي فرع من فروع علم الإجرام وليس الأنتربولوجيا
××)
وواقع الأمر أن علم النفس الجنائي يميل للذوبان والاندماج فى علم الانتروبولوجيا الذي لم يعد قاصرا على الصفات العضوية للمجرم والتي تؤثر على الجوانب النفسية مما يتعين معه عدم الفصل بين التكوينين الأمر المستوجب لدراسة المجرم من جميع النواحي وعلى ذلك فهذا العلم يكون الفرع الأول من فروع علم الإجرام ويتناول فى بحثه شخصية المجرم وتأثير وعلاقة خصائصه النفسية والعضوية والبيئية بالجريمة
ثانيا – علم الاجتماع الجنائي:- وهو العلم الذي يدرس الجريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية فيبحث فى مدى العلاقة بينها وبين الظروف الاجتماعية المختلفة طبيعية أو سياسية واجتماعية وبيان أثر كل منها على الجريمة وقد عرفه البعض بأنه علم المجتمع فى ظواهره الإجرامية
وقد وضعت نواة هذا العلم مدرسة الوسط الاجتماعى الفرنسية البلجيكية ويرجع الفضل فى تطوره وازدهاره لعلم الاجتماع الإيطالي انريكوفرى
ومن هذين الفرعين يتكون علم الإجرام يكمل كل منهما الآخر
××)
ويضيف البعض إلى هذه الفروع علم الأمراض العقلية الإجرامية وعلم السياسة الجنائية والواقع أن الأول يدخل فى دراسة علم الأنتربولوجيا لتعلقه بالمخ الذي هو جزء من أعضاء الإنسان والثاني لا يبحث فى أسباب الجريمة ولكن فى الوسائل اللازمة لمنع الجريمة وتقويم المجرمين وهو علم مختلف عن علم الإجرام وإن كانت تربط هما صلات
الفصل الثــــــــــــــاني
استقلال علم الإجرام عن باقي العلوم الإجرامية
تمهيد:- ويثور تساؤل عن مدى تمتع علم الإجرام بالصفة العلمية وخاصة مدى استقلاليته عن باقي العلوم الأخرى ؟
أولا الصفة العلمية لعلم الإجرام:- أنكر البعض هذه الصفة عنه وحججهم فى ذلك هي:-
*
أن جوهر العلم هو الوصول إلى قواعد وقوانين عامة معترف بها عالميا وهو ما لا يتوافر فى علم الإجرام لاختلافها فى كل زمان ومكان كما وانه لم يعط معطيات معترف بها كعلم الكيمياء والفيزياء كما وأن عباراته عامة وفضفاضة كثر معارضوها
*
أنه لا يعدو و أن يكون تنسيقا للنتائج التي توصل إليها علماء آخرون فى العلوم الجنائية والمقارنة بينها فهو إذا موسوعة العلوم الجنائية ولا يستحق إطلاق وصف العلوم عليها لأنه ليس إلا دراسات حول شخصية المجرم تجرى بالاستعانة بالانتربولوجيا وبعلم النفس وعلم الاجتماع
××)
وواقع الأمر أن هذه الحجج ليست كافية لإنكار صفة العلم عن علم الإجرام فهو لا يقتصر فى دراسته على العوامل الاجتماعية للجريمة كما وأن هذه العوامل رغم كونها متغيرة إلا أن ذلك لا يمنع من دراستها وصولا لنتائج تفسر مدى تأثيرها على ظاهرة الجريمة
××)
توصل بعض علماء العلم إلى وضع قوانين أو حلول أو نتائج عامة فى تفسير السلوك الإجرامي ورغم كونها محل دراسة وتحليل توصلا لصحتها من عدمه فهذا لا يفقده وصفه كعلم لأن هذا شأن العلم لاكتساب المعرفة والوصول للحقيقة التي تسمى بالحقائق العلمية
××)
والقول بأنه ليس إلا موسوعة للعلوم الجنائية مردود بأن هذا الاصطلاح يشمل كافة العلوم الجنائية الذي هو أحدها فضلا عن أن هذا العلم لا يدخل فيه كافة فروع العلوم الجنائية المختلفة ولذا لا يصح إطلاق هذا الوصف عليه
ولهذا فما هو مدى استقلال هذا العلم عن العلوم الجنائية الأخرى؟
ثانيا:- استقلال علم الإجرام:- نفى البعض استقلالية علم الإجرام مقرين أنه ليس إلا مجموعة من النتائج والأبحاث المستمرة من العلوم الأخرى التي يستعين بها الباحث فى الوصول إلى تحقيق غرضه
××)
وأدمجه البعض فى علم السياسة الجنائية الذي يدرس القاعدة القانونية ليتبين مدى فاعليتها لتحقيق غرضها وهو قمع الجريمة والوقاية منها
أما دراسة الجريمة والمجرم فقرروا بأنه لا يعنى بها سوى علمي الانتروبولوجيا والاجتماع الجنائي
××)
والرأي الراجح أنه رغم كونه بكرا فى أبحاثه ونتائجه إلا أن ذلك لا يقلل من استقلاليته عن العلوم الأخرى المشتركة معه فى موضوع دراسته وهو المجرم والجريمة ورغم اتحاده مع بعض العلوم الأخرى التي هي فروع له إلا أن لكل منها استقلاله العلمي عن الآخر
××)
كذلك لا يمكن إنكار استقلاليته ولا ينال منها استعانته بالنتائج التي تقدمها هذه العلوم التي أصبحت فروع له إذ أنه لا يعرض نتائجها على علاتها بل يقوم بتنظيمها وتنسيقها وصولا لتقديم صورة كاملة عن أسباب الجريمة مما يمكن من تفسير السلوك الإجرامي تفسيرا علميا سليما وهو ما لا يتوافر لأي علم على حدة
××)
ويلاحظ أن عملية التنظيم والتنسيق تكون باستخدام طرق وأساليب علمية مختلفة عما يستخدم فى كل علم من فروعه ولذلك فالقول بإدماجه فى علم السياسة الجنائية غير سديد لأن الأخير يهتم برسم الخطط لمكافحة ظاهرة الإجرام بينما علم الإجرام يدرس الجريمة كظاهرة فى حياة الفرد والمجتمع كما أن الانتروبولوجيا وعلم الاجتماع الجنائي ما هما إلا جزئين مكونين له
××)
خلاصة القول أن علم الإجرام يتمتع بوصف العلم والاستقلال الذي يتحدد بالموضوع الخاص وبطرق بحثه التي ينفرد بها وموضوعه هو معرفة أسباب ارتكاب الجريمة الذي يختلف طريق الوصول إليه عما يتم فى كل من العلوم الأخرى
الفصل الثالث
علاقة علم الإجرام بالعلوم الجنائية الأخرى
تمهيد:- انتهينا إلى ذاتية واستقلال علم الإجرام واختلافه عن العلوم القانونية كما انتهينا إلى أنه ليس بموسوعة لجميع العلوم الجنائية ولكن ذلك لا ينفى أن يكون له صلة وثيقة بهذه العلوم وأهم هذه الصلات صلته بكل من قانون العقوبات والإجراءات والسياسة الجنائية
علم الإجرام وقانون العقوبات:- قانون العقوبات فرع من العلوم الجنائية التي تبحث فى مضمون القاعدة القانونية الوضعية التي تحدد الأفعال المعدة جريمة ويحدد العقوبة المقررة بها
××)
أما علم الإجرام فهو علم نظري تقتصر مهمته على تقصي أسباب الإجرام وتحديد مدى مساهمة كل منها فى خلق ظاهرة الإجرام
××)
وكل من قانون العقوبات وعلم الإجرام يدرس موضوع الجريمة ولكن من وجهة مختلفة لكل وأسلوب مختلف – فقانون العقوبات يدرس الجريمة من خلال القاعدة القانونية التي تحدد عناصرها وأركانها والجزاء الذي يوقع على مرتكبها فى حالة تحقق أركانها
××)
أما علم الإجرام فهو يبحث ظاهرة الجريمة من جهة أسبابها ليصل لتفسير لها وهو ما دعا البعض للقول أن علم الإجرام يبحث ويدرس الجريمة والمجرم كحقيقة واقعية بينما يدرسها قانون العقوبات كحقيقة قانونية
××)
كذلك يختلف مناهج البحث فى كل من 0فقانون العقوبات يعتبر علما قانونيا بالمعنى الحقيقي وأسلوب بحثه أسلوب قانوني يقتصر على دراسة القاعدة القانونية وتفسيرها واستخلاص القواعد العامة وما يتبعها من جزاء من أجل تطبيق القاعدة القانونية تطبيقا يتفق وقصد المشرع من وضعها فالباحث لا يهتم إلا بالقاعدة القانونية مستخلصا منها قصد المشرع عن طريق الاستنباط والمنطق – لذا فهو طريقة فنية منطقية لا علمية تجريبية كعلم الإجرام الذي يتبع منهج علمي تجريبي يعتمد على الملاحظة والتجارب والفحوص والإحصاءات التي يستخلص منها قواعد عامة تحكم الظاهرة الإجرامية
××)
والواقع أن هذا الاختلاف لا يؤثر فى العلاقة بينهما فكل منهما يؤثر ويتأثر بالآخر فرغم قدم قانون العقوبات عن علم الإجرام إلا أن الأخير لا يستطيع أن يتقدم بغير مساندة الأول الذي يحدد له الإطار العام والواقعة التي تعد جريمة وهو ما تدور حولها دراسة علم الإجرام
××)
بالإضافة إلى أن القضاء الجنائي هو الذي يمد الباحثين فى علم الإجرام بنماذج المجرمين الذين تنصب عليهم دراساتهم بالرغم من وجود غيرهم تنصب الدراسة عليهم لم ير تكبوا جرائم بعد هذا فضلا عن أن قانون العقوبات قد يتدخل لضمان شرعية أساليب الفحص لمن تتخذ فى مواجهتهم هذه الأساليب
××)
وكلاهما يعد مصدرا للآخر كما سبق وأوضحنا فى مرحلة التشريع وأهمية علم الإجرام فيها
ومن أمثلة ذلك تشديد العقوبة فى جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وتخفيفها فى القتل المقترن بعذر كالدفاع الشرعي أو التلبس بالزنا
××)
كذلك أثر علم الإجرام فى اتخاذ تدابير لمنع الجريمة كإيداع المجنون مصحة أو علاجه
××)
الخلاصة أنه رغم الاختلاف فى الموضوع والمنهج بين علم الإجرام وقانون العقوبات إلا أنه توجد بينهما روابط قوية لأن الوصول لأساس المشكلة الإجرامية هو الذي يساهم فى حلها حلا سليما
ويقف دور علم الإجرام وينتهي بانتهاء نتائجه للنصوص التشريعية ثم يبدأ دور قانون العقوبات
ثانيا:- علم الإجرام وقانون الإجراءات الجنائية:- قانون الإجراءات الجنائية هو الذي ينظم كافة الإجراءات الواجب إتباعها من وقت وقوع الجريمة وطرق ووسائل إثباتها وحتى محاكمة مرتكبها وصدور حكم عليه وضمانات اتخاذ هذه الإجراءات على النحو الصحيح وذلك بنصوص قانونية
لذا فهو تدور دراسته حول قواعد قانونية إجرائية بينما علم الإجرام يهتم بظاهرة الجريمة بدراسة علمية ورغم هذا الاختلاف فإن بينهما صلة وثيقة 0
ودليل ذلك ومن مظاهره تأثير علم الإجرام فى قانون الإجراءات الأخذ بنظام الفحص السابق على الحكم كإجراء من إجراءات المحاكمة لإحاطة القاضي بأكبر قدر من المعلومات عن شخصية المتهم وظروفه وصولا لأسباب ارتكابه الجريمة ومدى خطورته
××)
كذلك ما نادى به الفقه الحديث بضرورة تخصص القاضي الجنائي وتأهيله
××)
وأخيرا الدعوة إلى الأخذ بنظام قاضي التنفيذ وإتاحة قدر من المرونة للإدارة العقابية يسمح لها بمشاركة السلطة القضائية وظيفتها فى تعديل العقوبة تحت رقابة قاضي التنفيذ وذلك ثمرة من ثمرات الدراسات الإجرامية التي يتناولها علم الإجرام
ثالثا:- علم الإجرام وعلم السياسة الجنائية:- ثار خلاف بين الفقهاء حول تحديد معنى السياسة الجنائيةفعرفها البعض بأنها العلم الذي يبحث عن قواعد جديدة أكثر ملاءمة لتحقيق أهداف قانون العقوبات فهي إذا القانون الجنائي المتحرك وعرفها آخرون بأنها تلك الدراسات التي تبحث فى النشاط الذي يجب أن تبذله الدولة لمنع الجرائم والعقاب عليها
××)
وذهب غالبية الفقه الإيطالي إلى تعريفها بأنها العلم الذي يبحث فيما يجب أن يكون عليه القانون مستقبلا لا فيما هو كائن فعلا لذلك يدرس النظام القانوني القائم ويحدد المصالح الجديرة بالحماية ويبين العقوبات الملاءمة لحمايتها ثم يقيم ملاءمة التجريم فى النظام القانوني القائم وحالات الخفيف والتشديد والإعفاء من العقاب فى ضوء الفقه والقضاء والوسائل المتبعة فى تطبيق القانون ثم يخلص من كل ذلك إلى اقتراح الوسائل التي يراها أكثر ملاءمة لمحاربة الجريمة مع مراعاة الإمكانيات العلمية
××)
ولذلك فعلم السياسة يتفق مع قانون العقوبات فى أن كل منهما علم قاعدي موضوعه القاعدة القانونية ولكنهما يختلفان فى أن قانون العقوبات يبحث النظام القانوني القائم بينما علم السياسة الجنائية يبحث مدى ملاءمة هذا النظام بتحقيق أكبر قدر من المصالح الاجتماعية
××)
والسياسة الجنائية علم قديم قدم الدولة والحاجة لمكافحة الجريمة 0إلا أن علم الإجرام علم حديث نسبيا حتى أن البعض أنكر وجوده كعلم واعتبره هو السياسة الجنائية كما سبق ورأينا، وقد ذهب البعض إلى القول بأن السياسة الجنائية جزء من علم الإجرام لوحدة موضوعا تهما
والواقع أن كل من العلمين مختلف ومستقل عن الآخر من حيث موضوع كل منهما فعلم الإجرام يبحث في العوامل الفردية والاجتماعية للجريمة أما السياسة الجنائية فتبحث النظام القانوني القائم ودراسته ليست واقعية أو موضوعية بل هي دراسة قانونية كذا يختلف كل من العلمين فى منهج البحث ووسيلة ونقطة بداية كل منهما
××)
لذلك لا يمكن القول أن السياسة الجنائية تدخل فى علم الإجرام فكلاهما متميزان وكلاهما فرع من العلوم الجنائية 0ولكن العلمان يرتبطان 0فعلم الإجرام يساعد السياسة الجنائية فى صياغة خطوطها وفى وضع الوسائل الكفيلة لمواجهة ظاهرة الإجرام ببيان أسبابها والعوامل المؤدية لارتكاب الجريمة

ومثال ذلك أن السياسة الجنائية التقليدية كانت قد وضعت على أساس أن العقوبة هي الأسلوب لمكافحة الجريمة وكانت تضع المحكوم عليهم فى مكان واحد وتطبق العقوبة بطريقة واحدة
وبتطور عم الإجرام اختلف معه سياسة ووسيلة تنفيذ العقوبة باختلاف شخصية المجرم ولم يعد الغرض من الجزاء الجنائي إقرار العدالة أو تحقيق الردع العام وإنما دفع خطورة المجرم وإصلاحه
××)
وجدير بالذكر أن استجابة السياسة الجنائية لدراسة علم الإجرام مقيد بما يثبت صحته بصورة قاطعة
××)
كما ويجب ألا تتعارض دراسات علم الإجرام والمبادىء الأساسية فى القانون
××)
كما وأن دراسات علم الإجرام لا يمكن الأخذ بها إذا كان من شأنها إهدار مصالح اجتماعية أو اقتصادية أكثر أهمية من مكافحة بعض العوامل الإجرامية مثال ذلك إذا كانت وسيلة مكافحة الجريمة بالعدول عن إنشاء التجمعات السكانية الكبيرة

مجهود متواضع أتمنى أن يستفيد منه الزملاء..
مجدى الخيارى