Tuesday, January 29, 2008

جنوح الأحداث

جنوح الأحداث

زامل الركاض

يعتبر صغر السن من عوارض الأهلية الجنائية، ومناط الأهلية الجنائية البلوغ استنادا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم "رفع القلم عن ثلاث الصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ" ومن علامات البلوغ الاحتلام والاحبال وإنبات اللحية والشارب بالنسبة للفتى والحيض والحمل بالنسبة للفتاة. والحدث هو الصغير الذي لا يقل عمره عن سبع سنوات ولم يتم الثامنة عشرة، والصغير غير المميز لا يوصف فعله بالجريمة لأنه غير مخاطب بالقاعدة الجنائية، ولكن يوصف بالانحراف الاجتماعي. والوالدان لهما أثر قوي في تنشئة الحدث نشأة قويمة صحيحة فيجب عليهما متضامنين ومنفردين القيام بإرساء قواعد الأخلاق في الحدث ليستبين بها سبل الحياة بتهذيبه وإعلامه أمور دينه ودنياه أخذا بالتدرج في ذلك حسب المراحل العمرية، فالعلاقة الزوجية الصالحة والقدوة الحسنة لها أثر كبير في تنمية الشخصية السوية للحدث مع المتابعة والوقاية والتوجيه لتنشئته بعيدا عن الجريمة ومسبباتها.

ويعتبر الحدث منحرفا إذا قام بفعل يتصل بممارسة الرذيلة وتعاطي المخدرات أو بخدمة من يقومون بها أو احترافه السرقة والجريمة وانعزاله عن المجتمع واقترانه بالمشتبه فيهم أو المشهور عنهم سوء السيرة فيقع مضغة سهلة في قبضتهم وبحكم إنهم خارجون من بيئة قذرة عندما كانوا أحداثا فتشبعوا بسوء الخلق وتولدت لديهم الرغبة في حب الانتقام فلا يهدأ لهم بال إلا باكتمال تخريجهم لأجيال منحرفة متمردة على المجتمع وقيمه. وتختلف مسؤولية الحدث باختلاف مرحلة عمره فالمرحلة الأولى منذ ولادته وحتى أن يبلغ السابعة من العمر يكون الصبي غير مميز وتنعدم المسؤولية الجنائية عنه تماما وإذا ارتكب أي فعل لا يعاقب عليه جنائيا إلا انه يكون مسؤولا عنه مدنيا أي مسؤوليته عن الأضرار التي ألحقها بالغير "التعويض" من ماله الخاص، والمرحلة الثانية تبدأ منذ بلوغه السابعة من العمر وتسمى هذه السن بسن التمييز والإدراك إلا إن إدراكه يكون ضعيفا ولذا يطلق عليها مرحلة "الإدراك الضعيف" وحتى سن البلوغ، وتنعدم المسؤولية الجنائية أيضا ويكون مسؤولا مسؤولية تأديبية عن تصرفاته ومسؤولا مدنيا عن تعويض الأضرار بسبب أفعاله، أما المرحلة الثالثة فهي بلوغ سن الثامنة عشرة فيكون كامل الأهلية الجنائية ومسؤولا مسؤولية تامة عن كل التصرفات والأفعال التي تصدر عنه وتطبق عليه الحدود والعقوبات التعزيرية.

ويخضع الأحداث قبل بلوغ سن الرشد القانونية لأحكام خاصة فتطبق بشأنهم تدابير وقائية وتقويمية وعلاجية حيث تتم محاكمتهم بطريقة تربوية تساعد على توجيههم وتقويم سلوكهم، ويترفق بالحدث لحظة استجوابه ليطمئن إلى إن الهدف من محاكمته هو تقويمه وإصلاحه وليس معاقبته، ويجب التأكد من حالة الحدث الصحية والعقلية والنفسية، ويجري التقرير الاجتماعي من مركز مختص في الشؤون الاجتماعية وألا تحال أوراقه إلى المحكمة إلا بعد الانتهاء من هذا البحث الاجتماعي ووضعه بين يدي القاضي، وتتم محاكمة الأحداث في جلسة خاصة، ويستثنى من ذلك الجرائم الكبيرة كالسطو والخطف والقتل والقطع وغيرها من الجرائم التي يحددها النظام، مع مراعاة إيداعهم في الدار حسب مراحل أعمارهم، ولا يوضع الحدث في السجون العامة منعا لاختلاطهم مع أصحاب السوابق والمجرمين، ويتم توقيف الحدث بأمر القاضي يحدد فيه مدة التوقيف ومبرراته ومكانه، ويجرى للحدث فحص طبي ونفسي شامل لمعرفة ظروفه الاجتماعية وأسباب انحرافه وخطة العلاج المقترحة، ويفتح له ملف خاص يضم جميع الوثائق والمعلومات والجهود المبذولة لرعاية الحدث ومدى تفاعله مع البرامج التأهيلية بسرية تامة. حتى يثبت صلاح الحدث ليتم إنهاء إقامته في الدار حسب النظام.

ونخلص إلى أهمية الوقاية قبل العلاج فاهتمام الأسرة والمجتمع بالأحداث وحمايتهم من الانحرافات العقدية والأخلاقية والفكرية سبب بعد الله عز وجل في إنقاذ الكثير ممن لم يجنح إلى الجريمة بعد، من خلال تقليل احتكاكهم ببواعث ومسببات الانحراف والجريمة، ويخفف في الوقت نفسه العبء على البرامج العلاجية ليمنح مؤسسات الرعاية الاجتماعية مزيدا من المرونة والقدرة في إصلاح حال الحدث قبل جنوحه وبعد ارتكابه للجريمة ليخرج للمجتمع فردا صالحا في نفسه محبا الخير للآخرين يملك قوة الإرادة وعدم الاستسلام للفشل والجنوح للجريمة.

No comments:

Post a Comment