Tuesday, January 29, 2008

قانون زرع الأعضاء البشرية (ظهير25 غشت 1999)

قانون زرع الأعضاء البشرية (ظهير25 غشت 1999)

الأستاذ الشرقاوي الغزواني نور الدين قاضي بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة أستاذ بالمعهد الوطني للدراسات القضائية

مقدمة

لقد انبهر العالم لما وصل إليه تطور العلوم الطبية الحديثة في علاج الأمراض وإجراء العمليات الجراحية، وغرس الاعضاء، إذا اصبح من الممكن اعادة بعض اعضاء الانسان المقطوعة في حوادث السير أو حوادث الشغل في المعامل المتوفرة على آلات كهربائية حادة تبتر الأطراف كالاصابع والأيدي والاذرع والارجل، أو استبدال بعض الاعضاء الصحيحة بالاعضاء التالفة كالعيون والقلوب وما اشبه ذلك.

ولا غرو ان مسالة زرع الاعضاء من جسم شخص حي أو ميت، ومدى جوازها أو عدمه من وجهة النظر الشرعية، بحثت كثيرا في المجامع الفقهية القديمة والمعاصرة، وكذا في دور الافتاء في بعض البلاد الإسلامية كما ان مسالة زرع الاعضاء تتداخل فيها ثلاث اعتبارات اولها المفهوم الطبي وثانيها النظر الشرعي وثالثها الاعتبار القانوني، ولا ينبغي الاعتقاد بان هذه الاعتبارات الثلاث تتصارع لفرض أطروحتها بل ان نسق السلوك البشري هو الذي يفرض هذا التدخل ليتحقق التكامل حول محور واحد هو الذات البشرية وحمايتها منذ تكوينها كجنين في بطن الام إلى حين الوفاة وانفصال الروح عن الجسد وكذا الحفاظ على جثة الميت بعد تجهيزه وغسله وتكفينه ودفنه. بل ان القانون وقبله الشرع يحافظ على حرمة القبر اعتبارا للجثة التي ضاقت بين جنباته.

والثابت تاريخيا ان علم الطب كان احد العلوم الكثيرة التي تقدمت على أيدي العلماء المسلمين الاوائل الذين نقلوها عن اليونان وغيرهم. فقد اكتشف ابن النفيس[1] الدورة الدموية الصغرى في القرن السابع الهجري الموافق للثالث عشر الميلادي قبل " هارفي" بأربعة قرون.

كما ان عبد اللطيف البغدادي ( 557- 619 هجرية) كان يلقي دروسه في الطب بالازهر ظهر كل يوم.

وقد خصصت المستشرقة الالمانية المعاصرة المنصفة زيغريد هونكة الكتاب الرابع من كتابها القيم للطب العربي تحت عنوان " الايدي الشافية[2].

وقد اختارت منظمة الطب الاسلامي لجنوب افريقيا سبعة عشر موضوعا أو مشكلة طبية واجهت الطب المعاصر[3].

كما تدخلت القوانين والمحاكم القضائية في اوروبا وامريكا في بعض المشاكل الطبية وبخاصة مشكلة " اطفال الانانيب " و " قتل الرحمة" أو ما يعرف احيانا بالقتل بدافع الشفقة أو تيسير الموت" EUTHANASIA" " وزرع الاعضاء "، والتلقيح الاصطناعي والاستنساخ " قضية النعجة دولي"

كل هذه الارهاصات خلقت مسالة التطابق والاختلاف لدى الطبيب المسلم بين احكام القانون الوضعي واحكام الشريعة الاسلامية.

وما زالت عمليات نقل وزرع الاعضاء البشرية تشغل دوائر الطب والفقه في اغلب البلدان وازدادت عمليات الزرع وازداد معها الاهتمام بضرورة وضع نظام قانوني متكامل لهذه العمليات حفاظا على اطراف العلاقة في عملية التبرع من العبث بالذات البشرية قبل الموت أو بعده.

ولقد اصدر المشرع المغربي القانوني المتعلق، بالتبرع بالاعضاء والانسجة البشرية واخذها وزرعها في25/8/1999.

كما ان المشرع الفرنسي اصدر عدة قوانين في هذا الشأن[4] وبين هذا وذاك تكفلت مجامع الفقه الاسلامي بمعالجة اشكالية الطب الاسلامي في مواجهة بعض المشكلات الطبية، حتى لا يخرج الطبيب المسلم عن احكام الشريعة الاسلامية.

كل هذه الدواعي وغيرها أملت علينا تقسيم هذه الدراسة إلى اربعة ابواب : نحدد في الباب الأول القواعد والاحكام العام لمسالة التبرع بالاعضاء والانسجة البشرية واخذها وزرعها، ونعالج في الباب الثاني التبرع بالاعضاء البشرية واخذها من الاحياء ونعرض في الباب الثالث لمسالة التبرع بالاعضاء واخذها من الاموات، وفي الباب الرابع للمقتضيات الزجرية بشان بعض الأفعال التي اعتبرها المشرع جنحا أو جنايات.

وعليه سيكون هذا المبحث مقسما كالتالي :

ـ الباب الأول : القواعد العامة

ـ الباب الثاني : التبرع بالاعضاء والانسجة البشرية واخذها من الاحياء

ـ الباب الثالث : التبرع بالاعضاء والانسجة البشرية واخذها من الاموات

ـ الباب الرابع : الاحكام الزجرية

الباب الأول : القواعد والأحكام العامة

تعتبر مسالة زرع [5] الاعضاء البشرية والتبرع بها قبل الوفاة وبعده وموقف الطبيب المسلم منها في الدول الإسلامية ادق واصعب منه في الدول غير ان هذه الاخيرة تصدر قوانينها طبقا لما تراه صالحا لمجتمعاتها دون أي اعتبار للاحكام الدينية[6] ، فهذه الاخيرة غالبا ما تصدر قوانينها طبقا لمار تراه صالحا لمجتمعاتها.

وقد راعى المشرع المغربي الاعتبار الشرعي في ظهير 25 غشت1999 المتعلق بالتبرع بالاعضاء البشرية واخذها وزرعها، اذ نص الفصل منه على انه لا يجوز التبرع بالاعضاء البشرية واخذها وزرعها الا وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفي النصوص الصادرة لتطبيقه.

كما نصت المادة 2 منه على انه لاجل تطبيق هذا القانون يراد بعبارة " عضو بشري كل جزء من جسم الانسان سواء أكان قابلا للخلفة ام لا والانسجة البشرية باستثناء تلك المتصلة بالتوالد.

كما اشترط المشرع المغربي ان يتم التبرع بالاعضاء البشرية واخذها وزرعها الا لغرض علاجي أو علمي، وذلك بعد موافقة المتبرع مسبقا على ذلك، وبصورة مجانية وفي مستشفى عمومي.

فقد نصت المادة 3 على ما يلي " لا يجوزان يتم التبرع بالاعضاء البشرية واخذها وزرعها الا لغرض علاجي أو علمي".

كما نصت المادة 4 على انه " لا يجوز اخذ الاعضاء[7] الا بعد ان يوافق المتبرع مسبقا على ذلك ويمكن للمتبرع الغاء هذه الموافقة في جميع الحالات".

اما المادة 5 فقد اعتبرت هذا النوع من التصرفات مجانيا إذا قضت بانه " يعتبر التبرع بعضو بشري أو الايصاء به عملا مجانيا لا يمكن باي حال من الاحوال وبأي شكل من الاشكال ان يؤدى عنه اجر أو ان يكون محل معاملة تجارية. ولا تعتبر مستحقة سوى المصاريف المتصلة بالعمليات الواجب إجراؤها من اجل اخذ وزرع الاعضاء ومصاريف الاستشفاء المتعلقة بهذه المعاملة ".

كما نصت المادة الخامسة من قانون 25 غشت 1999 على صفة العمل المجاني للتبرع بالعضو البشري أو الايصاء به ولا يمكن باي حال من الاحوال وباي شكل أن يؤدى عنه اجر أو ان يكون محل معاملة تجارية ولا تعتبر مستحقة سوى المصاريف المتصلة بالعمليات الواجب اجراؤها من اجل اخذ وزرع الاعضاء ومصاريف الاستشفاء المتعلقة بهذه العمليات.

وهكذا اعتبرت المادة الخامسة التبرع بمقابل عمل مرفوض قانونا لا بل ان المادة 30 منه عاقبت كل من يخرق مقتضيات الفصل 5 السالف الذكر وذلك من يعرض بأية وسيلة كانت تنظيم أو اجراء معاملة تجارية بشان اخذ اعضاء بشرية بعقوبة الحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من50.000 إلى 100.000 درهم.

ان الاتجار بالعضو البشري سواء بالبيع أو بالشراء يعتبر عملا محرما ومعاقبا عليه جنائيا، كما اشترطت المادة السادسة من نفس القانون ان تجري عمليات اخذ الاعضاء البشرية وزرعها داخل المستشفيات العمومية المعتمدة لذلك، وذلك راجع بالاساس إلى منع اية مضاربة بالعضو البشري لان اجراء العمليات في المستشفى التابعة للدولة فيه نوع من الرقابة الإدارية لكون هذه المستشفيات العامة تخضع لوصاية وزارة الصحة العمومية.

كما ان المادة السابعة من قانون زرع الاعضاء البشرية المغربي اشترطت المحافظة على سرية هوية المتبرع له باستثناء الحالة التي توجد فيها قرابة بين المتبرع والمتبرع إليه حسب الحالات الواردة في المادة التاسعة من نفس القانون، إذا كان العلاج يقتضي ذلك. فقد نصت المادة السابعة على ما يلي :

" لا يجوز للمتبرع ولا لاسرته التعرف على هوية المتبرع له، كما لا يجوز كشف أي معلومات من شانها ان تمكن من التعرف على هوية المتبرع والمتبرع له، باستثناء الحالات المنصوص عليها في المادة 9 أو إذا كان ضروريا لاغراض العلاج"

كما اخذت المادة الثامنة بالقاعدة الشرعية التي تقضي بارتكاب اخف الضررين في حالة وجودهما معا، أي الموازنة بين الضرر المتمثل في تعريض حياة المتبرع للخطر أو الضرر بصحته ضررا بالغا ونهائيا من جراء عملية زرع العضو والمطلوب زرعه في جسم المتبرع له، وبين مدى منفعة العضو للطرف المتلقي أي المتبرع له.

فقد نصت المادة 8 على ما يلي : " لا يجوز اخذ الاعضاء البشرية إذا كان من شانه ان يعرض حياة المتبرع للخطر أو ان يضر بصحته ضررا بالغا ونهائيا. ويجب ان يحاط المتبرع علما بجميع الاخطار المتصلة بأخذ العضو البشري وبالنتائج التي قد تترب على ذلك، وتقع مسؤولية اعلام المتبرع على الاطباء المسؤولين عن عملية الاخذ الذين يطلعون المتبرع على جميع النتائج المتوقع ان تترتب عن عملية التبرع من الناحية الجسدية والنفسية وعلى جميع الانعكاسات المحتملة لاخذ العضو البشري على الحياة الشخصية والاسرية والمهنية للمتبرع على النتائج المرجوة من زرع العضو في جسم المتبرع له"

ومعلوم ان القانون المغربي بشان التبرع بالاعضاء البشرية وزرعها جاء منسجما مع الفتاوي الصادرة عن المحافل الإسلامية.

فموضوع غرس الأعضاء مثلا كما عرضته منظمة الطب الاسلامي لجنوب افريقيا يشتمل على بعض الحالات التي نجح الطب المعاصر في علاجها باحلال عضو بكامله، أو جزء منه، أو من أنسجته سواء من حيوان أو من انسان، نظيره في الانسان المريض.

وفيما يخص اعضاء الحيوان فقد استعمل الاطباء في عملية الزرع صمامات قلب العجل أو الخنزير أو جلده أو كبده.

اما في حالات اعضاء الانسان، فانه من الممكن ان يتبرع انسان باحد اعضائه أو كمية من دمه، دون ان يصبيه ضرر. كما يمكن ايضا نقل بعض الاعضاء من شخص ميت كقرنية العين، أو القلب، أو الكلية، أو بعض العظام، أو صمامات القلب، والهدف من كل ذلك هو انقاد حياة الانسان، أو تحسين حالته الصحية.

وقد اجمعت منظمة الطب الاسلامي على ان غرس اعضاء الحيوان أو جزء منها في جسم الانسان لانقاد حياته أو تحسينها امر واضح النفع وتتحقق به مصلحة مشروعة بل وواجبة شرعا لانها تدخل تحت امر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتداوي في اكثر من حديث.

ويقول ابن الجوزية في مؤلفه الشهير " اعلام الموقعين "[8] : ان الشريعة مبناها واساسها على الحكم وصالح العباد، في المعاش والمعاد، هي عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها"

والحقيقة ان الظهير الشريف موضوع الدراسة الصادرة في 25 غشت 99 والمتعلق بالتبرع بالاعضاء والانسجة البشرية واخذها وزرعها يعالج فقد التبرع بالاعضاء البشرية ونقلها وزرعها من شخص إلى شخص ميت أو حي دون معالجة مسالة زرع اعضاء من حيوان نجس حسب الشرع الاسلامي.

وقد تعرضت الشريعة الإسلامية إلى هذه الحالات وصدرت فتاوى اسلامية في هذا الشان سواء من طرف مفتي الازهر الشريف أو منظمة الاسلامي لجنوب افريقيا[9] وآراء العلماء والمجالس العلمية بالمغرب أو مؤتمرات الفقه الاسلامي.

ومعلوم ان الشريعة الإسلامية كأصل لا تجيز فقط بل توجب القيام بما فيه مصلحة الانسان في حدود الشرعية. بل انها ترفع الحرمة عن المحرم في حالة الاضطرار أو الضرورة، فينقلب حلالا للمضطر ومن ذلك اجازة اكل لحم الخنزير لدى المضطر رغم تحريمه من طرف الشارع كقاعدة عامة، لقوله تعالى : { انما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل به لغير الله فمن اضطر غير باع ولا عاد فلا اثم ان الله غفور رحيم}[10].

اما استعمال أجزاء من الخنزير بزرعها في جسم الانسان فمن المقرر في الشريعة الإسلامية ان الخنزير نجس العين، فلا يجوز التداوي بشيء منه ولا غرس عضو منه في جسم الانسان، الا ان هذه القاعدة يدخل عليها الاستثناء الوارد في القران الكريم الذي يجيز اكل لحم الخنزير للمضطر الذي لم يجد غيره.

وقياسيا على ذلك فاذا كان انقاد حياة مريض، أو مجرد تحسين حالته يتوقف على غرس عضو خنزير، ولم يوجد ما يقوم مقامه من اعضاء الحيوانات الاخرى الطاهرة، فانه يجوز، في هذه الحالة غرس هذا العضو للمريض.

ولما كان موضوع موقف " الطبيب المسلم بين احكام القانون الوضعي واحكام الشريعة الإسلامية يمثل التطبيق العملي للقواعد القانونية، التي قد تختلف من بلد لاخر من النقيض إلى النقيض، فان الاحكام الشرعية التي قد تختلف فيما يجوز فيه الخلاف باختلاف المذاهب الفقهية المالكي نعود إلى اصول هذا المذهب والى الراجح والمشهور وما جرى به العمل، الا ان هذه الاختلافات لا يمكن ان تتجاوز الفروع إلى الاصول. لا سيما إذا علمنا ان الفقه الاسلامي في مجموعه وبجميع مذاهبه يعتبر كوحدة متكاملة تجبها المعاملات الإسلامية.

وقد كانت منظمة الطب الاسلامي بجنوب افريقيا قد اختارت سبع عشرة مشكلة طبية[11] وطلبت راي الاطباء المسلمين وعلماء الفقه الاسلامي فيها.

وفي غياب وجود مذكرة توضيحية للقانون المغربي المتعلق بالتبرع وزرع الاعضاء البشرية فانه كان على المشرع المغربي ان ينكب على دراسة هذه المواضيع أو المشكلات الطبية بكل تمعن حتى يأتي نظره مطابقا تمام المطابقة لهذه الفتاوى الشرعية الغنية بمادتها العلمية والطبية والشرعية والقانونية.

ولقد اصدرت بعض البلدان قوانين تنظيم عمليات زرع الاعضاء وعلى الخصوص مسالة الحصول على اجزاء من جثة المتوفى، الا ان قلة من التشريعات نظمت مسالة الحصول على اجزاء من جسم الانسان الحي لغرض زرعه في جسم شخص اخر.

ولقد حرص المشرع الفرنسي على عدم التسرع في اصدار قانون لتنظيم عمليات زرع الاعضاء تمشيا مع حسن السياسة التشريعية التي تقتضي الانتظار والتريث حتى يقوم الفقه بدراسة كافة جوانب المشكلة واقتراح الحلول القانونية المناسبة وذلك على ضوء الاجتهادات القضائية.

وظل هكذا الامر إلى حين صدور القانون الفرنسي لسنة1976 المتعلق بنقل وزرع الاعضاء البشرية ايمانا من المشرع الفرنسي بان التسرع في التدخل لاصدار قانون من هذا القبيل سيهدد استقرار التشريع ويجعله غير ناضج مما سيؤدي إلى سرعة تعديله، كما ان عدم تأخر المشرع وتدخله في الوقت المناسب يساعد في حسن التنظيم القانوني ويؤدي إلى اعطاء دفعة قوية للتقدم الطبي لان التاخير في وضع النص التشريعي يهدد الاستقرار واعتباطية النص التشريعي يؤدي ايضا إلى اعاقة التطور العلمي.

وقبل صدور قانون1976 اجتهد الفقه الفرنسي في هذا المضمار وانتهى في مجموعه إلى الاقتناع بمشروعية عمليات نقل الاعضاء البشرية سواء تم الحصول عليها من جسم انسان أو من جثة ميت. ففي سنة1967 قدم مشروع جيروبو" Gerbeau" لكنه رفض، وصدر بعده قانون كايافي " Gallavet الا انه تاكد انه قانون غير ضامن لسلامة وحياة الناس فتكونت سنة 1981 لجنة وطنية لأخلاق العلم انيط بها امر تهييئ قانون لغرس الاعضاء يضمن سلامة الواهب ويقلص من التطاول على حرمة الجثث، فقدم مشروع قانون أمام الجمعية الوطنية سنة 1992 ليبقى قيد الدرس ما يقارب سنتين قبل ان يرى النور في 29/7/1994. ونفس الامر وقع في بلجيكا حيث قدم مشروع قانون سنة 1969 ولم يصدر قانون منظم لزرع الاعضاء الا بتاريخ 13/6/1986 كما صدر قانون اسباني في الموضوع في 18/12/1950 وفي البرازيل في 10/8/1968 وفي الجزائر بتاريخ 31/7/1990 وتونس ( قانون اخذ وزرع الاعضاء الصادر بتاريخ 29/3/1991 ولبنان ( قانون 105/83).

في حين لم تعمد تشريعات حديثة إلى معالجة مسالة الاغتراس بجمعها تحت عنوان واحد وقانون واحد، بل جزأت الموضوع بقوانين خاصة بنقل وزرع الاعضاء البشرية ونقلها من الاحياء ثم انتظرت فترة كافية لتعقبها قوانين خاصة بأخذ الاعضاء، من الاموات مثل القانوني الايطالي، الأول خاصة بنقل الاعضاء من الجثث ( قانون 3/4/57) وقانون خاص بأخذ الكلي من الاحياء ( قانون 26/6/67).

في حين لم تسمح بعض التشريعات الا بنقل بعض الاعضاء أو الاجزاء من الاحياء مثل الكلي كالقانون الكويتي (07/1983).

كل ذلك يكشف بوضوح مدى التعلق المستميت بالمبادئ الاخلاقية والدينية والقانونية لهذه التشريعات التي تكرس حرمة الانسان حيا أو ميتا.

ومع ذلك حرص المشرع الفرنسي على تنظيم المسالة برمتها وقد كان النقاش حادا حول احكام التصرف في الجسم والجثة وشروط ذلك ومثله فعل المشرع المغربي كما سوف نرى وخصوصا شرط الرضاء ومدى جواز التصرف في جسم أو جثة القاصر.

كما صدر حكم عن الدائرة الجنائية لمحكمة النقض الفرنسية سنة1937 قرر عقاب طبيب أجرى عملية تعقيم لشخص بالرغم من الحصول على موافقته معتبرا ان رضى المجني عليه لا يصلح للمساس مساسا دائما بسلامة الجسم.

وقد اثار هذا الحكم مخاوف الاطباء المعنيين بالامر، مما اثار شكوكا لدى الفقه حول ما سيكون عليه موقف القضاء لاحقا لو عرضت عليه مشكلة من مشاكل زرع الاعضاء.

ولقد اصدر المشرع الفرنسي القانون رقم 1181 لسنة 1976 في 22 ديسمبر سنة1976 بشان نقل وزرع الاعضاء فبدأ بمعالجة الحصول على الاعضاء البشرية من جسم الانسان الحي ثم تعرض لموضوع الحصول على الاعضاء من جثة ميت، وأيضا مسالة مبدا تبرعية التنازل مع الاشارة إلى ان هذا القانون لا يخل بالقوانين التي تنظم زرع القرنية ونقل الدم.

ولقد اقتصر مشروع القانون الفرنسي على تنظيم نقل الاعضاء من جثة ميت لكن استقر الراي في النهاية على ضرورة مواجهة كافة جوانب مشكلة زرع الاعضاء البشرية من شخص حي.

كما صدر بفرنسا قانونا ( رقم 653 و654/94) بتاريخ 29 يوليوز1994. فحملا معهما إجراءات احترازية غايتها الحد من سلطة الفرد على جسده، ومنعه من تجاوز النصيب الفردي المعترف به أو بالاحرى تضييق هذا، لذلك يلاحظ عليهما نوعا من التشدد في شكليات الرضى والقبول والحرص على احاطته بضمانات للتاكد من صحة وصدق هذا الرضى، بحيث استلزم استصدار رضى المتبرع الحي ( م11) ثم افرد لكل صنف من الهبات تدابير خاصة وذلك بحسب خطورة الجزء المنزوع، واضعا عقوبات صارمة تطال المتمرس الذي استهان برضى الواهب ولم يحترم شكليات هذا القانون.

ان التبرع بالاعضاء والانسجة البشرية واخذها قد ينصب على جسم كائن بشري حي، كما قد تنصب على جثة ميت، ولكي ينهض مشروعا يحتاج كل تصرف بشانه إلى اذن القانون ورضى الشخص الممارس عليه.

لذلك جعلنا هذه المسالة مقسمة إلى موضوعين الأول خاص بالتبرع بالعضو البشري من شخص حي وهو موضوع الباب الثاني، والثاني خاص بالتبرع بالعضو البشري من جثة ميت وهو موضوع الباب الثالث.

ليس هناك اطلاقا من تقدم في النضج البشري لان كل ما يكتسبه في جانب الا ويخسره في جانب اخر.

" جون جاك رسو"

IL N'YA PAS DE PROGRES DE RAISON DANS L'ESPECE HUMAINE, PARCE- QUE TOUT CE QUE L'ON GAGNE D'UN COTE ON LE PERD DE L'AUTRE.

J. J. Rousseau

قليلون هم اولئك الذين يجرؤون على التمعن في كنه هذه الحقائق الازلية " الحياة والموت"

" IL EST PEU D'HOMMES QUI OSENT REGARDER EN FACE CES VERITES ESSENTIELLES QUI SONT LA NAISSANCE ET LA MORT.

الباب الثاني

التبرع بالاعضاء والانسجة البشرية واخذها من الاحياء

قدمنا في باب الاحكام العامة ان جسم الانسان هو الكيان الذي يباشر الوظائف الحيوية، وهو محل الحق في سلامة الجسم، وهو من الحقوق الشخصية التي يحميها ويصونها المجتمع لكل فرد من افراده.

لذلك قرر المشرع الحماية المدنية والجنائية لحق الانسان في سلامة جسمه، وتعتبر عمليات نقل وزرع الاعضاء البشرية من اهم أساليب إنقاذ العديد من المرضى في الوقت الحاضر.

والبحث في مشروعية نقل الاعضاء يكمن في حالة غياب نص تشريعي يبيحها وينظمها، ذلك ان استئصال عضو من جسد المريض غير مباح شرعا، كما انه غير مباح جنائيا، لانه يتطابق مع النموذج القانوني لجرائم الاعتداء على سلامة الجسم، مما يستوجب المسؤولية الجنائية والمدنية للطبيب والجراح لذا يتعين معه البحث عن سبب شرعي وعن اعتبار قانوني لاباحة عملية نقل الاعضاء البشرية.

نعم ان القانون الرصين مطالب بالا يصفق لكل تقدم علمي ولو كان في واقعه مجرد تراجع للانسانية بقدر ما

هو مطالب بألا يكفر بالتقدم العلمي جملة دون ادراك لمقاصده ولغايته واخيرا لنتائجه.

" ان الموت لا يعنينا في شيء. سواء كنا احياء ام أموات : احياء لاننا مازلنا. وأموات. لانه لم يعد لنا وجود"

( نظرة وجودية لمونطين)

« LA MORT NE NOUS CONCERNE NI MORTS NI VIFS, VIFS PARCE QUE VOUS ETES, MORT PARCE QUE VOUS N'ETES PLUS »

Montaigne

ان المشرع المغربي يقر بمشروعية نقل الاعضاء من شخص حي إلى اخر، لكنه يقيد ذلك الاستئصال بتوفر عدة شروط اهمها ان يكون الغرض علاجيا وان تتم الموافقة المسبقة على اخذ الاعضاء كتابة وان يكون الغرض من عمليات الاستئصال مجانيا بدون كسب أو ربح، وأن تجري العملية بالمستشفى العمومي المعتمد لذلك وان يصدر الرضى والقبول من متبرع أو متنازل كامل الاهلية.

وعليه يمكن القول ان المشرع المغربي فرض في عملية التبرع بالاعضاء البشرية واخذها من الاحياء توفر خمسة شروط وهي كالتالي :

ـ الشرط الأول : الغرض العلاجي.

ـ الشرط الثاني: الموافقة الكتابية المسبقة على اخذ الاعضاء.

ـ الشرط الثالث : ان يكون التبرع أو الايصاء عملا مجانيا.

الشرط الرابع : ان تجرى العملية بالمستشفى العمومي.

الشرط الخامس: ان يكون المتبرع أو الموصى كامل الاهلية.

وسنعالج كل شرط على حدة علما بان المشرع المغربي اضاف قيدين إلى هذين الشروط الخمسة وهي ضرورة الحفاظ على مبدا سرية هوية المتبرع والمتبرع له وان لا يترتب على اخذ العضو أي خطر على حياة المتبرع أو ان تضر بصحته.

الشرط الأول : الغرض العلاجي

يعتبر الدين والاخلاق من مصادر القانون، ويعتبر هذا الشرط انعكاسا لما استقر عليه الراي الشرعي الصادر عن المجامع الفقهية وهيئات الافتاء في العالم الاسلامي والقاضي بجواز نقل الاعضاء إلى المرضى في الظروف والشروط المقررة شرعا.

ـ فشرط الغرض العلاجي يعني تحريم بيع الاعضاء البشرية لان ذلك يتنافى مع الاخلاق الحميدة وحسن الاداب.

ثم ان التطاول على هبة الله تعالى وذلك بالمساومة والمضاربة في اعضاء الذات الانسانية يمجه الدوق الانساني وتنكره جميع الديانات السماوية ويمنعه القانون.

ويرفض الطب الاسلامي الحديث التعامل بالعضو البشري عن طريق بيعه أو الاتجار فيه لان ذلك يتنافى مع مبدا التراحم والتكافل بين المسلمين.

وخير ما يتم به الحصول على الاعضاء البشرية ان يكون ثمرة التبرع أو التنازل أو الايصاء.

وعليه فان الاجماع الفقهي والشرعي والقانوني يقضي بان استئصال اجزاء من الجسم لا يمكن ان تكون الا لتحقيق مصلحة علاجية للغير، وهذا الشرط من شروط الحق يقيد احوال الرضى بالتنازل.

ـ ثم ان الغرض العلاجي يجب ان يفهم في مفهومه الواسع اذ يشمل العلاج العضوي والعلاج النفسي، لان المرض النفسي لا يقل خطورة عن المرض العضوي.

ومن الواضح ان المشرع المغربي لا يحظر التنازل عن أي جزء من اجزاء الجسم للانسان الحي من اجل التجارب الطبية أو العلمية، يؤكد ذلك ما نصت عليه المادة الثالثة بانه لا يجوز ان يتم التبرع بالاعضاء البشرية واخذها وزرعها الا لغرض علاجي أو علمي.

نعم ان نص المادة الثالثة السالفة الذكر جاءت في اطار الاحكام العامة، وانه بالرجوع إلى جميع المواد الواردة في الفصل الثاني من الباب الثاني الخاص بالتبرع بالاعضاء البشرية واخذها من الاحياء نعدم الطريق لوجود نص صريح يجيز التبرع بالعضو البشري للغرض العلمي، في حين نجد المشرع المغربي ينص صراحة على ذلك في المادة 16 من الفصل الثالث المتعلق باخذ الاعضاء من الاموات في بعض المستشفيات العمومية اذ نصت على ما يلي : " يمكن إجراء عمليات اخذ الاعضاء لاغراض علاجية أو علمية من اشخاص متوفين ...."

ولعل هذا السهو الصادر من المشرع المغربي بمناسبة استحضاره للقانون الفرنسي السالف الذكر والذي اغفل فيه المشرع الفرنسي بدوره هذه المسالة حينما اكد فقط على جواز التنازل عن جزء من الجثة للغرض العلاجي أو الطبي.

ولا يكفي المتبرع أو المتنازل أو الموصي ان يقصد من وراء عملية استئصال عضوه غرضا علاجيا بل لا بد ان يتم بالموافقة الكتابية على اخذ الاعضاء.

الشرط الثاني : الموافقة الكتابية المسبقة على اخذ الاعضاء

يجد هذا الشرط سنده القانوني من مقتضيات المادة العاشرة التي أوجبت على المتبرع ان يعبر عن الموافقة على اخذ عضو منه أمام رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها مقر اقامة المتبرع أو أمام قاض من المحكمة المذكورة يعينه الرئيس خصيصا لذلك الغرض.

ويساعد القاضي المتبرع طبيبان يعينهما وزير الصحة باقتراح من رئيس المجلس الوطني لهيئة الاطباء الوطنية يعهد إليهما بان يشرحا للمتبرع بالعضو أبعاد عملية التبرع وللقاضي الفائدة العلاجية المرجوة من عملية الاخذ ثم ان يتم استطلاع راي وكيل الملك لدى المحكمة في الموضوع بطلب من رئيس المحكمة أو من القاضي المنتدب، ويحرر الرئيس أو القاضي المنتدب محضرا بموافقة المتبرع. ثم تسلم نسخة من المحضر موقعه من طرف رئيس المحكمة أو القاضي المنتدب والطبيبين المعنيين إلى الاطباء المسؤولين عن عملية اخذ العضو.

وقد منع القانون المغربي ( ظهير 25 غشت 1999) اخذ عضو بشري لاجل زرعه من شخص حي قاصر أو من شخص راشد يخضع لاجراء من إجراءات الحماية القانونية.

وقد حدد المشرع المغربي درجة المتبرعين لهم في الاصول والفروع والاخوة والعمومة والخؤولة وابناء الخؤولة، بخلاف المشرع الفرنسي الذي ضيق درجة المتبرع لهم في الاخوة والاخوات التوأم، والاشقاء، اما الاخوة غير الاشقاء، فان بعض الفقهاء الفرنسيين استبعدهم لعدم وجود قرابة وثيقة الصلة ولوجود شخص ثالث لا يحرص على مصلحة احد الطرفين بل يحرص على مصلحة طرف واحد، وهذا الشخص هو زوج الام أو زوجة الاب.

وقد نص المشرع المغربي في المادة 9 على انه لا يجوز اخذ عضو بشري من شخص حي للتبرع به الا من اجل المصلحة العلاجية لمتبرع له معين يكون اما أصول المتبرع أو فروعه أو إخوانه أو أخواته أو أعمامه أو عماته أو أخواله أو خالاته أو ابناءهم.

كما يمكن ان يكون الاخذ لفائدة زوج أو زوجة المتبرع شريطة مرور سنة على زواجهما ويجب اثبات علاقة القرابة بين المتبرع والمتبرع له.

وهكذا نرى ان المشرع المغربي اشترط ان يكون رضى المتبرع صريحا أمام رئيس المحكمة الابتدائية ( الفصل 10) بخلاف المشرع الفرنسي الذي يبدو انه كان اكثر تساهلا من نظيره المغربي ومن غيره من التشريعات التي تشترط الموافقة الكتابية وذلك حينما اكتفى ( أي المشرع الفرنسي) بان يكون الرضا شفويا طالما انه صريح، لكنه قيد كيفية التعبير عن الرضا بأوضاع يقررها مرسوم يصدر في الشان.

ويجب التنبيه هنا ان القاعدة الاصولية التي تقضي بان " السكوت في معرض الحجة إلى بيان" لا يعتد بها في مجال التبرع بالاعضاء البشرية واخذها وزرعها، لان تلك القاعدة لا تنطبق إلا على الحقوق والاموال العينية الاصلية أو التبعية، المنقولة أو المعنوية.

والواقع ان القضاء المقارن منقسم في مسالة التنازل عن اجزاء الجسم يهدف الزرع ومدى تكييف هذا التنازل الارادي على أساس فردي ام يتعداه إلى اعتبار اجتماعي، فقد اعتبر القضاء الالماني الرضى والموافقة سببا لتبرير العمليات الجراحية التي تهدف لمعالجة شخص اخر وليس الذي ستجرى له العملية من اجل اخذ العضو منه.

اما القضاء الايطالي فهو يشترط رضى الحر المتبصر لاجراء العملية معتبرا تراجع الواهب عن هبته لا يمحو الاثر التبريري عن مشروعية العملية طالما ان الطبيب التزم في اجراء العملية بالقواعد التقنية المتعارف عليها وبموجب وجود تناسب معقول ومقبول بين فوائد ومضار الاغتراس أو ما اصبح يصطلح عليه بقاعدة التوازن أو التناسب التي ترسخت في الممارسة القضائية حتى غدت عماد حالة الضرورة في الميدان الطبي، ذلك لان المجازفة حاضرة دائما في كل ممارسة طبية ومسلم بها ولا يتصور علاج بدون مخاطر، انما يجب أن تكون مبررة ومعقولة ومتناسبة ومتكافئة مع الحظوظ المهداة للمريض.

ولعل الطبيب ومعه القاضي لا يملكان سوى معيارا وحيدا للحسم في هذه المعادلة، وهو الموازنة بين الضرر المتفادي والضرر المرتكب لدفع الأول لدرجة قيل معها ان العمل الطبي لهو اكثر من جسد التجريد أو الغموض الذي يطبع المبادئ القانونية وانه جعلها ملموسة وواقعية.

ولا يكفي في التبرع تحقق الغرض العلاجي والموافقة الكتابية المسبقة على اخذ الاعضاء بل لا بد ان يكون التبرع أو الايصاء عملا مجانيا وهو موضوع الشرط الثالث.

الشرط الثالث : ان يكون التبرع أو الايصاء عملا مجانيا

الأصل هنا ايضا لا يختلف القانون مع الشريعة الإسلامية التي لا تجيز بيع جزء من جسم الانسان حيا كانا أو ميتا.

فالموافقة على بيع جزء من الجسم سواء كان عضوا أو نسيجا تعتبر عملا غير جائز، والرضا لا يكفي ـ كما سبقت الاشارة ـ بمشروعية التصرف في أي جزء من اجزاء الذات الانسانية، لان الاباحة هنا لا تستند إلى رضاء المجني عليه وانما تستند إلى استعمال الحق الذي تقرر بمقتضى القانون، وعليه يجب ان تكون هذه المشروعية في حدود الهدف من القانون، وهذا الهدف هو جعل عملية استئصال العضو البشري ذات صبغة مجانية.

هذا ما اكدت عليه المادة الخامسة من ظهير 25 غشت 1999 حينما قضت بانه : " يعتبر التبرع بعضو بشري أو الايصاء به عملا مجانيا لا يمكن باي حال من الاحوال وباي شكل من الاشكال ان يؤدي عنه اجر أو ان يكون باي حال من الاحوال محل معاملة تجارية. ولا يعتبر مستحقه سوى المصاريف المتصلة بالعمليات الواجب اجراؤها من اجل اخذ وزرع الاعضاء ومصاريف الاستشفاء المتعلقة بهذه العمليات.

ـ ولا يعتبر المشرع المغربي المصاريف الطبية والتحاليل المخبرية من قبيل الاعمال التجارية الهادفة إلى كسب ربح أو القيام بمضاربة غير مشروعة بل مجرد صوائر أو مصاريف تتطلبها عملية الاستئصال بهدف الزرع.

ونشير هنا إلى ان المشرع المغربي اجاز للمتبرع الغاء الموافقة على التبرع بعضوه البشري اذ نص صراحة على ذلك في المادة الرابعة بقوله : " لا يجوز اخذ الاعضاء الا بعد ان يوافق المتبرع مسبقا على ذلك. ويمكن للمتبرع الغاء هذه الموافقة في جميع الحالات".

ولم يكتف المشرع بتقييد حرية المتبرع في التصرف بالعضو البشري بجعل الغرض منه علاجيا ومجانيا محضا مع صدوره عن بينة واختيار ويعبر عنه بالموافقة الكتابية الصريحة، بل اشترط ايضا ان تجرى العملية بالمستشفى العمومي المعتمد لذلك.

الشرط الرابع : ان تجرى العملية بالمستشفى العمومي

اوجب المشرع المغربي لاخذ الاعضاء البشرية ان تتم داخل مستشفى عمومي. اذ نصت المادة 12 على انه يمكن إذا تعذر اجراء عملية اخذ العضو بتزامن مع عملية الزرع وتطلب ذلك الاحتفاظ بالعضو، فلا يجوز ان يحتفظ به الا في مستشفى معتمد للقيام بعمليات زرع الاعضاء البشرية أو في احدى المؤسسات المشار إليها في الباب الرابع من هذا القانون.

ويبدو ان المشرع المغربي قد لطف من هذا الشرط الذي يقتضي ان تتم عملية الاستئصال داخل مستشفى عمومي عندما اجاز استيراد الاعضاء البشرية وتصدريها بترخيص صادر من الإدارة وذلك بعد استطلاع راي المجلس الوطني لهيئة الاطباء الوطنية.

وقد كان وراء هذا التلطيف موقف هيئة الاطباء الوطنية التي كانت تنادى بفتح الباب أمام المستشفيات الخصوصية لاجراء عمليات الاستئصال لما قد تتوفر عليه من تجهيزات قد لا تجود لدى المستشفيات العمومية.

ومهما كان الامر فان خطورة مثل هذه العمليات تتطلب لاجرائها اعتماد مسبق من طرف الإدارة يسمح بذلك للمستشفى المعتمد،

اما الاعضاء من الاموات فان المادة 16 تجيز ذلك إذا ما تمت بالمستشفى العمومي اذ نصت على انه " يمكن اجراء عمليات اخذ الاعضاء لاغراض علاجية أو عملية من اشخاص متوفين لم يعبروا وهم على قيد الحياة عن رفضهم الخضوع لعمليات من هذا النوع، في مستشفيات عمومية معتمدة تحدد قائمتها من طرف وزير الصحة الا في حالة اعتراض الزوج وإلا فالاصول وإلا فالفروع".

وسنعود إلى مسألة التبرع بالاعضاء واخذها من الاموات المخصص دراستها في الباب الثالث من هذه الدراسة، وذلك مباشرة بعد عرض الشرط الخامس والاخر المتعلق بكمال اهلية المتبرع أو الموصي لاستئصال عضوه البشري.

الشرط الخامس : كمال اهلية المتبرع أو الموصي

نصت المادة 11 من قانون التبرع بالاعضاء والانسجة البشرية واخذها وزرعها الصادر في 25 غشت 1999 على انه لا يجوز اخذ عضو لاجل زرعه من شخص حي قاصر أو من شخص حي راشد يخضع لاجراء من إجراءات الحماية القانونية.

وبذلك يكون المشرع المغربي قد منع الشخص القاصر من التبرع بعضوه البشري وقد رأينا المشرع الفرنسي في حالة اخذ رأي القاصر إذا صدر الرضا من وليه الشرعي وأذنت له بذلك لجنة الخبراء يستلزم اخذ راي القاصر إذا كان سنه تسمح له بالتعبير عن رأيه واذا رفض القاصر فان رفضه يعتد به ويجب احترامه، فالقاصر يملك حق الاعتراض على القرار الصادر من وليه القانوني وعلى اذن اللجنة المذكورة ولم يضع المشرع الفرنسي سن معينة لاخذ راي القاصر.

وقد كان المشرع المغربي صائبا حينما منع اخذ عضو لاجل زرعه من شخص حي قاصر. لصغر في السن أو الجنون رغم كونه راشدا يمنعان من اعطاء أعضائهما بقوة القانون.

وعلى النقيض من ذلك نرى المشرع المغربي في المادة 13 قد اجاز لكل شخص راشد يتمتع بكامل اهليته ان يعبر وهو على قيد الحياة ووفق الاشكال والشروط المنصوص عليها في هذا الفصل الثاني عن إرادته ترخيص أو منع اخذ اعضائه أو اعضاء معينة منه بعد موته.

كما نصت المادة 23 على انه لا يجوز القيام بأي عملية اخذ للاعضاء لغرض علمي دون موافقة الشخص المتوفى موافقة في حالة مباشرة وفق الاشكال المنصوص عليها في المادتين 13 و18 ولا في حالة اعتراض الاشخاص المنصوص عليهم في المادة 16 أعلاه، باستثناء عمليات اخذ الاعضاء الهادفة إلى تحديد اسباب الوفاة.

إذا كان المتوفى قاصرا أو فاقد الاهلية، لا يجوز لممثله القانوني الترخيص بصفة صحيحة في اخذ اعضائه.

ومعلوم ان المشرع المغربي في المادة 16 اجاز اجراء عمليات اخذ الاعضاء لاغراض علاجية أو علمية من اشخاص متوفين لم يعبروا وهم على قيد الحياة عن رفضهم الخضوع لعمليات من هذا النوع في مستشفيات عمومية معتمدة تحدد قائمتها من طرف وزير الصحة الا في حالة اعتراض الزوج وإلا فالاصول وإلا الفروع.

فالملاحظ ان المشرع المغربي اجاز في المادة 23 استثناء اخذ الاعضاء الهادفة إلى تحديد اسباب الوفاة من الشخص المتوفى الذي لم يوافق مباشرة وهو على قيد الحياة على ذلك لان المنطق يقتضي اجراء تشريح[12] وفحص على الجثة ولو لم يكن الموت مشكوك فيه.

ذلك ان النيابة العامة دأبت على عدم تسليم الجثة قصد الدفن الا بعد القيام ببعض الإجراءات القانونية للتاكد من سبب الوفاة التي قد تكون ناتجة عن عمل اجرامي باستثناء الوفاة الناتجة عن حادثة سير أو حادثة شغل.

ومعلوم ان الطب الشرعي يساهم في تكوين القناعة القضائية بشكل فعال تحقيقا للعدالة الاجتماعية مع ضرورة الحفاظ على السر المهني[13].

ويعتبر مختبر السموم وعلم الاجرام، والقانون والجراحة اعمدة علم الطب الشرعي.

فالموت ناتج عن صفعة أو تبادل للضرب أو نتيجة مرض كالصرع، والموت شنقا، وتفحم الجثة على اثر حريق أو الموت نتيجة الغرق كلها قد يكون مردها موتا طبيعيا أو ناتجا عن عمل اجرامي يتكفل الطب الشرعي ببيانه وتفصيله.

ويعتبر الطب الشرعي ان الوفاة الناتجة عن مرض الصرع تستخلص بوجود علامتين في الجثة أولهما التبول وثانيهما عض اللسان مع البحث في المخ عما إذا كان به ورم لتاكد السبب بجلاء.

اما الوفاة بسبب الحروق الناتجة عن حريق فان الطب الشرعي يجمع على انه يمكن معرفة هل الضحية المحروق قد توفي قبل الحريق أو بعده.

نعم إذا وجدت بجيوب الرئة بقايا عبارة عن مخاط اسود يضم مكونات فحمية فان الدليل قائم على ان الميت كان حيا قبل واقعة الحريق، وانه استنشق الدخان الناتج عن الحريق باحثا عن الاغاثة، وان ذلك كله ينهض دليلا علميا على ان الوفاة كانت نتيجة الاختناق وانها متزامنة مع فعل الحريق.

اما خلو الرئة من بقايا المخاط الاسود فانه ينهض دليلا على ان الهالك توفي أو قتل بفعل اجرامي قبل الحريق وان الفاعل القي به في المكان الذي كانت النار تشب فيه لان الرئة أو الجهاز التنفسي عموما توقف عن الحركة أو التنفس قبل عملية احتراق الجثة أو تفحمها.

اما الوفاة بسبب الغرق، فان البحث المخبري والاستعانة بالمجهر تؤكد بالايجاب أو النفي وجود طحالب مجهرية " Algues microscopiques " في جيوب الرئتين، فان وجدت هذه الطحالب في الرئة فان الفريق توفي وهو يصارع الامواج بحثا عن النجاة لانه اختنق بعد ان استنشق الماء ودخل إلى رئتيه والى دمه والى جهازه البولي.

كما ان اخراج الجثة من القبر بعد شهر أو سنة أو ثلاث سنوات يفيد في إظهار سبب الموت وهل كان طبيعيا أو بسبب فعل اجرامي.

كما ان اخراج الجثة من القبر Exumation du cadavre" يفيد ايضا في معرفة سبب الوفاة وهل كانت نتيجة مرض الضحية ام كانت الوفاة عادية باستثناء مرض القلب.

وعلى العموم فان قوة الاثبات المخولة لتقرير الطب الشرعي تعتبر ذات اهمية قصوى في نتيجة الحكم وتوجهه.

وينبغي الإشارة هنا إلى ملاحظة هامة وهي ان الطب الشرعي لم يعد دوره منحصر فقط على التشريح بل اصبح يلعب دورا رائدا في قضايا مدنية ودعاوي حوادث الشغل والامراض المهنية والمواريث .

هذه هي اجمل ادوار الطب الشرعي ومساهمته في تكوين القناعة القضائية.

وننتقل إلى الباب الثالث لمعالجة اشكالية التبرع بالاعضاء والانسجة البشرية واخذها من الاموات.

الباب الثالث

التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية واخذها من الأموات

تعرفنا في الباب الثاني من هذه الدراسة على القواعد والاحكام المنظمة لعملية التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية واخذها وزرعها من الاحياء، ونعرض في الباب الثالث للتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية واخذها من الأموات .

وسبق القول ان نطاق الاباحة بشان اخذ الأعضاء البشرية وزرعها من الجثث مبدا تقره الشريعة الإسلامية، كما ان موضوع نقل الأعضاء من جثث الموتى لا يواجه نفس الصعوبات التي واجهت عمليات نقل وزرع الأعضاء بين الاحياء التي تعرضنا لها سابقا، ويرجع ذلك إلى ان المساس بحياة من يجري استئصال عضو من جسده لا تثور هنا بالنسبة للجثة، لكن مع ذلك فان للفرد حق على جثته [14]، وله ان يقرر مصيرها وطريقة دفنها في حدود ما لا يخالف النظام العام أو الدين.

وهكذا يمكن للشخص ان يوصي بجثته لاحدى المؤسسات التعليمية ككلية الطب أو غيرها من المعاهد لاجراء التجارب العلمية عليها أو تدريب الطلبة على تشريحها ودراسة معالم الجسم البيولوجية أو التشريحية.

كما ان حرمة الأموات بين التقديس وضرورات العلم اصبح امرا محسوما، بعدما كان مناقشا في بادئ الامر.

فقد كان المبدا العام السائد هو عدم المساس بالموتى الا انه وتحت دواعي الضرورات تبيح المحضورات تمت اجازة المساس بالجثث استثناء اما لغرض علاجي أو علمي، كما رأينا ان الاتجاهات المقارنة بشان اخذ الأعضاء من الجثث تنحصر في ثلاثة، مواقف موقف اشترط رضى الواهب قيد حياته أو ذويه وبعد موته للاخذ من الجثة، وموقف يفترض توافر هذا الرضى في حالة غياب تعبير صريح بشانه، وموقف اخير يستغني عن الرضى.

هذا هو موقف القانون المقارن من عمليات الاستئصال من الجثث، فكيف عالج المشرع المغربي مسالة التبرع بالأعضاء واخذها من الأموات في ظهير25 غشت 1999.

لقد قيد المشرع المغربي في إطار ظهير25 غشت 1999 مسالة التبرع بالأعضاء البشرية واخذها وزرعها من الأموات بعدة قيود أو شروط تعتبر ضرورية لانجاز العمليتين عملية اخذ الغريسة من الواهب وعملية زرعها في جسم الموهوب له، فالاولى عملية تجري على جثة والثانية عملية زرع في جسم انسان حي.

وتتمثل هذه الشروط في كمال الاهلية والغرض العلاجي أو الطبي وشكليات واجراءات عملية اخذ الغريسة وشكليات واجراءات عملية زرع الغريسة في جسم الحي.

وعليه سنعالج هذا المبحث في ثلاثة مطالب كالتالي:

المطلب الأول : كمال الاهلية ونقصانها.

المطلب الثاني : إجراءات عملية اخذ الأعضاء،

المطلب الثالث : إجراءات عملية زرع الأعضاء.

المطلب الأول : كمال الاهلية ونقصانها

أولا : اذن المعطي قبل وفاته :

ان التعبير عن الإرادة بالترخيص أو المنع لاخذ الأعضاء من الواهب بعد مماته شرط ضروري لاجازة عملية الاخذ من الميت اذ يجوز لكل شخص راشد يتمتع بكامل اهليته ان يعبر وهو على قيد الحياة ووفق الاشكال والشروط المنصوص عليها في الفصل الثاني من ظهير25 غشت 1999 عن ارادته بترخيص أو منع اخذ اعضائه أو اعضاء معينة منه بعد مماته.

ويبدو ان المشرع المغربي اخذ بموقف الاتجاه المقارن الذي يشترط رضى الواهب قيد حياته أو ذويه بعد مماته للاخذ من الجثة، وهو الاتجاه الغالب في القانون المقارن.

فكمال الاهلية شرط ضروري لعملية الاستئصال كما تنص على ذلك المادة 13 من ظهير25 غشت 1999 اما إذا كان الشخص المتوفى قاصرا أو كان راشدا الا انه فاقد الاهلية بسبب الجنون أو العته فانه يعتبر خاضعا للحماية القانونية، اذ لا يجوز اخذ عضو من اعضائه الا بموافقة ممثله القانوني.

لاجل ذلك اعتنت التشريعات بتنظيم الولاية أو الحجر، والولاية وصاية على العاجزين عن الاشراف على حياتهم بسبب الصغر أو الجنون، لانهم غير قادرين اما جسديا أو عقليا على تامين حياتهم واستقلال شخصيتهم، مما يجعلهم بحاجة إلى من يؤمن حياتهم ويرعى مصالحهم للتمييز بين الضار والنافع من التصرفات والاعمال.

ولذلك نص الفصل 133 من مدونة الاحوال الشخصية على ان كل شخص بلغ سن الرشد متمتعا بقواه العقلية ولم يثبت سفهه يكون كامل الاهلية لمباشرة حقوقه المدنية.

وإذا كانت الاهلية هي الاصل فان الحجر انما يكون لاسباب محصورة اجمع المالكية على انها الصغر والسفه والجنون والتقليس والمرض والانوثة.

وإذا رجعنا إلى كتب الفقه نجد ان الاساليب الثلاثة الأولى هي التي تستوجب تعيين ولي أو وصي للاشراف على المحجور اما الاساليب الثلاثة الأخيرة فان الفقه يقرر فيها المنع من التصرف في دائرة معينة ولا يقول باقامة ولي أو وصي.

ومعلوم ان النيابة القانونية اما ولاية أو وصاية أو تقديم.

فالمفلس [15] وهو من احاط الدين بماله، يؤخذ منه ماله ليوزع على الدائنين ويمنع عليه التصرف فيه لتعلق حق الدائنين به.

والمريض مرض الموت[16] لا يعتد برضاه لاخذ عضو من اعضاء جسمه لان تصرفاته المالية تعتبر باطلة فاحرى التصرف بشيء لصيق بجسمه يعد فقها وقضاء من الاشياء المملوكة للسلطة العامة ولا يستاثر بأحقيتها الشخص لوحده.

والمراة إذا كانت متزوجة تمنع من التصرف بغير عوض فيما زاد على ثلث مالها الا باذن زوجها ومعلوم ان هذا المنع نسخته مدونة الاحوال الشخصية منذ صدورها، بحيث كان يمنع على المراة المتزوجة ان تتصرف فيما يزيد عن الثلث من مالها بعلة وحيدة تتمثل في الحفاظ على ثروتها حتى لا تضيع وحتى لا تكون عالة على زوجها بعد ان كانت موسرة، المهم ان هذا الراي الراجع أو المشهور عند المالكية قد اسقطته المدونة.

لذلك نصت المادة 134 من مدونة الاحوال الشخصية بانه لا يكون اهلا لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقدا التميز لصغر في السن أو الجنون.

وعليه يمنع المجنون وصغير السن من التصرف في امواله وكذا التصرف في جسده باخذ عضو من اعضائه بعد موته الا بموافقة ممثله القانون شريطة الا يكون القاصر قد عبر وهو على قيد الحياة عن رفضه التبرع باعضائه

( المادة 20).

والقاعدة هنا انه إذا كان المتوفى قاصرا أو كانت به احدى عوارض الاهلية فان استئصال اجزاء من جثته يخضع لعدة قيود، فيجب من جهة عدم اعتراض القاصر قبل وفاته، فاذا اعترض فيجب الاعتداد باعتراضه وذلك بصرف النظر عن راي الممثل القانوني.

فالمسالة هنا دقيقة ذلك ان المشرع جعل راي القاصر فوق أي اعتبار، فعدم اعتراض القاصر لا يعني افتراض قبوله كما هو الحال بالنسبة للبالغ، فالقاصر لم يكن قادرا في حياته على اصدار رضاء يعتد به للتنازل عن جسمه، ومن لم يكن يملك الرضاء لا يمكن القول بافتراض قبوله، اذ ان فاقد الشيء لا يعطيه، ولهذا يجب ان يوافق على الاستئصال الممثل القانوني ويلاحظ على المشرع المغربي انه استعمل عبارة الممثل القانوني ( le représentant légal) وهو مصطلح نعتبره دخيلا على التشريع المغربي لانه من جهة مصطلح يستعمل في مادة الاحوال الشخصية عند الغربيين وخصوصا في قانون العائلة شانه شان المجلس العائلي أو مجلس الاسرة. اما الشريعة الاسلامية باعتبارها مصدرا للقانون المغربي فانها تعرف مصطلح الولي الشرعي، وكان على المشرع وهو يستحضر مقتضيات القانون الفرنسي لسنة 1976 و1994 ان لا يتقيد بحرفية النص وان يستحضر المصطلحات العربية الفقهية والشرعية، فهي غنية، غزيرة، سديدة التقدير والاستنباط.

نخلص من ذلك ان الشخص ان كان سيد حال حياته فهو مالك لحق التصرف في جثته عند مماته، ذلك ان الإنسان يملك الحق في الاذن قبل وفاته بالتصرف في جثته أو بأجزاء منها لغرض علاجي أو علمي.

لهذا فان الاذن يجب ان يصدر عن شخص بالغ وعاقل، فمتى توافرت لدى الشخص اهلية الايصاء يمكنه ان يتصرف في جثته، كما يتصرف في امواله بالرغم من ان الجثة لا تدخل في دائرة التعامل، ولا يعتد بالوصية الصادرة من شخص لا يتمتع باهلية الايصاء كالمجنون أو القاصر اما لو كان المتوفى قاصرا أو كان به احد عوارض الاهلية، فان استئصال اجزاء من جثته يخضع لعدة قيود، فيجب من جهة عدم اعتراض القاصر قبل وفاته، فاذا اعترض فيجب الاعتداد باعتراضه بصرف النظر عن راي الممثل القانوني لكن عدم اعتراض القاصر لا يعني افتراض قبوله كما هو الشان بالنسبة للبالغ، كما يشترط في التبرع ان يكون مجانيا بدون مقابل.

ومن لم يملك الرضى لا يمكن القول بافتراض قبوله. لهذا يجب ان يوافق على الاستئصال الممثل القانوني أو الولي الشرعي للقاصر.

كما ان التبرع بالأعضاء من الأموات يكون لغرض علمي أو علاجي بينما يقتصر التبرع بالأعضاء من الاحياء على الغرض العلاجي فقط.

ثانيا : اذن الاسرة بالتصرف في جثة المتوفى

ان حق التصرف في الجثة ينتقل إلى اقارب المتوفى إذا لم يوصي المتبرع قبل وفاته بكيفية التصرف بالجثة.

فقد الزمت المادة 18 على الطبيب المدير أو الطبيب المعين خصيصا لاخذ الغريسة ان يتلقى تصريح الشخص المعالج داخل المستشفى برفض اخذ اعضائه أو بعضا منها، ويسجل ذلك في سجل خاص ويجب ان يبلغ هذا التصريح إلى الاطباء المسؤولين عن عمليات اخذ الأعضاء في المؤسسة الاستشفائية وذلك تحت طائلة جزاءات عقابية كما سوف نرى في باب الاحكام الزجرية.

اما إذا توفي الشخص داخل المستشفى الذي دخل إليه قصد العلاج أو كان في حالة لا تمكنه من التعبير عن رفضه أو لم يتمكن من التعبير عن ذلك الرفض وفقا لاحكام المادة 18 السالفة الذكر فانه يجب ان يشار إلى ذلك في السجل المعد لذلك وخصوصا تصريحات اسرته التي يجب على الطبيب ان يبذل جهده للحصول عليها ( المادة 19).

ويبدو ان المشرع المغربي قد حدد الأشخاص المؤهلين للاذن باخذ الأعضاء من المتوفى الذي لم يعبر عن ذلك قيد حياته وهم الزوج أولا ويليه الاصول ثم الفروع بمعنى انه يمنع اخذ الغريسة من المتوفى في حالة صدور اعتراض الزوج وان لم يكن الزوج فالاصول ( الاب أو الام) وان لم يكن الأصول فالفروع ( الأبناء).

كما فرض المشرع عدة شكليات واجراءات قانونية لابد من اتباعها لاخذ الغريسة من المتوفى في بعض المستشفيات وذلك تحت طائلة العقاب، وهذا ما سنحاول معالجته في المطلب الثاني.

المطلب الثاني :إجراءات عملية اخذ الأعضاء

فرض المشرع المغربي عدة إجراءات شكلية لاخذ الأعضاء من الأموات سواء في الحالة العادية التي لم يكن فيها الواهب مريضا ويعالج في المستشفى أو في الحالة التي يوجد فيها الشخص بالمستشفى قصد العلاج الا انه يتوفى داخله.

فقد نص المشرع المغربي في المادة 14 من ظهير25 غشت 1999 على انه يسجل تصريح المتبرع المحتمل لدى رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها محل اقامة المتبرع أو لدى القاضي المعين خصيصا لهذا الغرض من طرف الرئيس. ويتم تسجيل التصريح المذكور دون صوائر بعدما تتكون لدى القاضي القناعة بان المتبرع المحتمل يتصرف بارادةےےےے وعن ادراك لما سيقدم عليه وخاصة بعدےے يتاكد بان التبرع عن طريق الوصية مجاني وسيتم لفائدة مؤسسة مرخص لها بتلقي التبرعات بالأعضاء دون غيرها. وتحيط كتابة ضبط المحكمة المختصة المؤسسة المذكورة علما بالتصريح المسجل وبمضمونه. ويمكن للمتبرع المحتمل ان يلغي التصريح الذي سبق ان قام به وفق نفس الاشكال المذكورة ولدى نفس السلطات.

وتنص المادة 15 من نفس القانون على جواز اعتراض الشخص على اخذ عضو من اعضائه بعد مماته بواسطة تصريح يتلقاه رئيس المحكمة المختصة التابع لها محل اقامته أو القاضي المعين لهذا الغرض.

ويتم تسجيل التصريح دون صوائر لدى كتابة المحكمة التي توجهه إلى جميع المستشفيات المختصة في اخذ الأعضاء من الأموات. ويشار إلى هذا التصريح في السجل الخاص الذي يمسك خصيصا لهذا الغرض والمنصوص عليه في المادة 17 من هذا القانون.

ويمكن اجراء عمليات اخذ الأعضاء لأغراض علاجية أو علمية من اشخاص متوفين لم يعبروا وهم على قيد الحياة عن رفضهم الخضوع لعمليات من هذا النوع في المستشفيات العمومية المعتمدة لهذا الغرض تحدد قائمتها من طرف وزير الصحة إلا في حالة اعتراض الزوج والا فالاصول والا فالفروع ( م16) وتعرف المادة 17 بشكليات مسك السجل الخاص الذي يجب ان يمسك لزوما بالمستشفيات المشار إليها في المادة 16 أعلاه وذلك تحت المسؤولية الشخصية للطبيب المدير للمؤسسة الاستشفائية بعد تلقي التصريحات المنصوص عليها في هذا القانون.

ويحدد مضمون هذا السجل الخاص بنص تنظيمي ( مرسوم وزير الصحة) ويرقم ويوقع كل شهر من طرف رئيس المحكمة الابتدائية المختصة أو القاضي المنتدب لهذا الغرض. وتبلغ لزوما البيانات أو التصريحات المضمنة فيه إلى وكيل الملك لدى المحكمة المذكورة.

ونرى انه يجب لاعمال مقتضيات المادتين 15 و17 أن توجه وزارة الصحة قائمة بالمستشفيات العمومية المرخص لها باخذ واستئصال الأعضاء إلى وزارة العدل لتقوم هذه الأخيرة بتوجيهها إلى السادة الرؤساء الاولين الذين يحيلونها بدورهم إلى رؤساء المحاكم ذوي الاختصاص المحلي لمكان وجود الجثة والذين لهم الصلاحية استنادا لمقتضيات الفصل 15 لاحالة تصريح المتبرع وإلى جميع المستشفيات المختصة وذلك بواسطة كتابة ضبط المحكمة، كما تبلغ لزوما مضمون التصريحات إلى السيد وكيل الملك وهذا يعني أيضا على ان كتابة ضبط المحكمة الابتدائية المختصة محليا بتلقي تصريح اخذ الاعضاء ان توجه نظيرين من التصريح المدون في السجل الخاص إلى المستشفيات الموجودة داخل نفوذ المحكمة الابتدائية والى السيد وكيل الملك بها.

وتنص المادة 18 من ظهير25 غشت 99 على ان يعبر كل شخص يدخل قصد العلاج إلى احد المستشفيات المشار إليها في المادة 17 من رفضه اخذ اعضائه أو بعضا منها.

ويجب لزوما ان يقوم الطبيب المدير أو الطبيب المعين خصيصا لهذا الغرض من طرف الطبيب المذكور بتلقي تصريح الخاضع للعلاج وبتضمينه في السجل الخاص المنصوص عليه في الفصل 17 المذكور، ويبلغ التصريح المذكور إلى الاطباء المسؤولين عن عمليات اخذ الأعضاء في المؤسسة الاستشفائية.

اما إذا توفي الشخص الذي دخل إلى المستشفى قصد العلاج وكان في حالة لا تمكنه من التعبير عن رفضه أو لم يتمكن من التعبير عن رفضه وفقا لاحكام المادة 18 فانه يجب ان يشار إلى ذلك في السجل الخاص من طرف الطبيب المدير أو ممثله.

ويشار كذلك في السجل الخاص إلى كل العناصر التي يفترض من خلالها ان الشخص المذكور قد يرفض اخذ اعضائه بعد مماته خاصة تصريحات اسرته التي يجب على الطبيب ان يبذل جهده للحصول عليها.

وذا كان الشخص المتوفى قاصرا أو كان راشدا خاضعا لاجراءات من إجراءات الحماية القانونية فلا يجوز اخذ عضو من اعضائه الا بموافقة ممثله القانوني الذي تضمن في السجل الخاص من طرف الطبيب المدير أو ممثله، شريطة الا يكون المتوفى قد عبر وهو على قيد الحياة عن رفضه التبرع باعضائه ( المادة 20).

وسبق القول ونحن بصدد شرح هذه المادة ان قلنا ان عبارة " الممثل القانوني" دخيلة على القانون المغربي الذي تعتبر الشريعة الاسلامية مصدره التاريخي لان الولي أو النائب الشرعي هي العبارة السليمة والمألوفة في مادة الأحوال الشخصية كما ان نص المادة 20 اورد عبارة " الحماية القانونية وكان أولى على المشرع ان يستعيض عنها بعبارة النيابة الشرعية أو القانونية وهي اما ولاية أو وصاية أو تقديم حسب الاحوال.

ومهما يكن فهي عبارات غريبة الانساب غريبة الانتساب مع ان كلامنا عربي الطبع والتركيب.

وبعد عملية اخذ الأعضاء من جثة الميت تاتي مرحلة زرعها في جسم المتلقي وهو ما سنروم معالجته في المطلب الثالث والاخير.

المطلب الثالث : إجراءات عملية زرع الأعضاء

اخضع المشرع المغربي بمقتضى ظهير 25 غشت 99 عملية استئصال الغريسة لعدة إجراءات وشكليات رتب على مخالفتها جزاءات زجرية صارمة سواء تعلق الامر بمسالة التاكد من موافقة المتبرع أو تحقق الطبيب المسؤول من سلامة العضو أو الغريسة من كل مرض معد وملاءمته لجسم المتبرع له مع ضرورة اجراء فحوصات قبل عملية زرع العضو، وكذا ضرورة مسك السجل الخاص المعد لذلك لدى كل مستشفى عمومي معتد لاجراء عملية الزرع.

ذلك ان المشرع المغربي اوجب في المادة 24 من الظهير على الطبيب المسؤول ان يتاكد قبل زرع عضو ما من موافقة المتبرع له على ذلك، والتحقق أيضا من سلامة العضو من كل مرض معد أو من شانه أن يعرض حياة المتبرع له إلى الخطر، ويتحقق أيضا في حدود المعطيات المتوفرة علميا من ملاءمة العضو المزمع زرعه لجسم المتبرع له المتلقي للغريسة.

كما اوجب الفصل 24 على وزير الصحة ان يحدد وذلك باقتراح من المجلس الوطني لهيئة الاطباء الوطنية الفحوص الواجب اجراؤها قبل زرع الأعضاء.

ويجب لزوما في جميع مراكز الاستشفاء العامة والخاصة المعتمدة التي تقوم وفقا لاحكام هذا القانون بعمليات زرع الأعضاء البشرية القيام تحت المسؤولية الشخصية للطبيب المدير بمسك سجل خاص يتضمن جميع المعلومات الضرورية عن عمليات الزرع التي تم اجراؤها.

ويحدد مضمون هذا السجل الخاص نص تنظيمي يرقم ويوقع كل شهر من طرف رئيس المحكمة الابتدائية المختصة محليا أو القاضي المنتدب من طرف الرئيس لهذا الغرض، وتبلغ لزوما البيانات أو التصريحات المضمنة فيه إلى وكيل لدى المحكمة المذكورة.

كما نصت المادة 25 من الظهير على انه لا يجوز القيام بزرع الأعضاء البشرية الا داخل مستشفيات عمومية معتمدة يحدد قائمتها وزير الصحة إذا تعلق الامر بزرع قرنية العين أو اعضاء قابلة للخلفة بشكل طبيعي أو انسجة بشرية، داخل مراكز استشفائية خاصة معتمدة لهذا الغرض من طرف وزير الصحة باقتراح من هيئة الاطباء الوطنية.

الا ان الفصل 25 منع القيام في مراكز الاستشفاء الخاصة المعتمدة باجراء عمليات اخذ الأعضاء ولعل المشرع المغربي حينما منع المستشفيات الخصوصية من القيام بعمليات اخذ الغرائس أو الأعضاء من الموتى كان يهدف إلى سد باب امام أية محاولة للاتجار في الأعضاء البشرية أو المساومة بشانها على غرار ما عرفته بعض المستشفيات الخاصة لدى بعض الدول حيث كان بعض الاطباء يستعجلون موت المرضى بقتلهم للاجهار على اعضائهم البشرية تلبية للطلبات وذلك بطريقة يندى لها الجبين.

ونصت المادة 26 من الظهير على انه " يسلم الاعتماد المنصوص عليه في المادة السابقة إلى المراكز الاستشفائية الخاصة التي تتوفر فيها الشروط التالية :

·وجود اطباء ومساعدين طبيين مختصين في مجال زرع الأعضاء

·التوفر على التجهيزات التقنية اللازمة لاجراء عمليات زرع الأعضاء في ظروف ملائمة".

· كما خصص المشرع المغربي لمسالة استيراد وتصدير الأعضاء البشرية بابا خاصا هو الباب الرابع من الظهير منع بموجبه استيراد الأعضاء البشرية وتصديرها ما لم ترخص الادارة بذلك بعد استطلاع راي المجلس الوطني لهيئة الاطباء الوطنية ( المادة 27).

لا يجوز الترخيص باستيراد الأعضاء البشرية الا لفائدة المؤسسات الاستشفائية المرخص لها في اجراء عمليات اخذ الأعضاء البشرية وزرعها ( المادة 28).

ولا يجوز الترخيص بتصدير الأعضاء البشرية الا لفائدة المؤسسات الواردة في قائمة تحددها الإدارة تطبيقا لاتفاق بين المملكة المغربية والدولة الواقعة في ترابها المؤسسات المذكورة.

هذه الإجراءات وغيرها والتي عددها ظهير25 غشت 99 رتب عليها المشرع المغربي عقوبات صارمة لما لها من خطورة بالغة على حريات الأفراد قيد حياتهم ولما لها من حرمة على الجثة كرستها كل التشريعات الوضعية وقبلها الديانات السماوية وغير السماوية لكونها تمج العبث بجثة الميت سنحاول معالجتها في باب الاحكام الزجرية.

وحينما اجاز المشرع المغربي استئصال اجزاء من جثة شخص وذلك لأغراض علمية أو علاجية. فانه قد كرس مبدا مشروعية استئصال جزء من جثة المتوفى لاستعمالها في اجراء عمليات زرع الأعضاء.

لكن اول ما تثيره هذه المسالة هو تعريف الموت، ونلاحظ ان المشرع المغربي شانه شان كل التشريعات قد حرص على عدم تعريف المقصود بالموت في القانون، اخذ بذلك بالاتجاه الذي يرى ان تعريف الموت مسالة طبية بالدرجة الأولى، هذا ما سنحاول بسطه في المبحث الثالث والاخير الذي خصصناه لمسالة المعايير الطبية والقانونية لتحديد مفهوم الموت.

المبحث الثالث : المعايير الطبية والقانونية لتحديد مفهوم الموت

لما كان الحصول على الاجزاء الوفيرة الحيوية وغير الحيوية من الجثة هو الطريق السريع لتلافي مشكلة تعذر الحصول على قطع الغيار البشرية، فانه دفعا لكل شهوة عارمة في مجال التصرف في اعضاء الجسم وزرع الأعضاء من ميت إلى حي، ولكي لا يقدم شخص على ازهاق روح المعطي أو الشخص الحي كي يحصل منه على جزء مطلوب نقله إلى مريض مدفوعا بشهوة المال أو رغبة الشخص في مفارقه الحياة بيديه[17] ، ان يكون تحديد وفاة الشخص بمعيار قطعي في الدلالة على انعدام الحياة، وذلك لان تحديد لحظة الموت يوضع الخط الفاصل بين الحياة والموت فقبل الموت فاننا نكون بصدد انسان حي يجب على الطبيب ان يبذل كل ما في وسعه لمعاونته أي تحقيق الشفاء باعتباره ملتزما ببذل العناية" [18] فهو يقدم له الوسائل التي من شانها بت روح الحياة فيه كالانعاش مثلا، اما لحظة الوفاة فاننا نكون بصدد انسان ميت وهنا نبدا بالتفكير في المساس بهذه الجثة.

الموت الظاهري والموت الدماغي :

ومن خلال عنوان المبحث الثالث يظهر جليا ان ثمة معايير قانونية واخرى طبية لتحديد مفهوم الموت.

لذلك سنقدم هذا المبحث إلى مطلبين اثنين نعالج في الأول المعايير الطبية لتحديد مفهوم الموت وفي المطلب الثاني للمعايير القانونية لتحديد مفهوم الموت.

المطلب الأول : المعايير الطبية لتحديد مفهوم الموت

يعرف ما يسمى بالموت الظاهري والموت الدماغي وهما وسيلتان الأولى تقليدية والثانية حديثة يستطيع من خلالها الطبيب التحقق من الوفاة.

1- الموت الظاهري :

ونعني بالموت الظاهري انعدام دقات القلب والتنفس دون انعدام خلايا المخ، وهذا الاتجاه التقليدي يعرف الموت بانه التوقف النهائي للدورة الدموية وللتنفس، فالموت لا يتحقق الا إذا توقف القلب عن العمل وماتت خلاياه وتوقف التنفس، لكن هذا المعيار كما ذهب البعض[19] غير دقيق لان توقف القلب عن العمل وتوقف التنفس قد لا يكشف الا عن الموت الظاهري دون الحقيقي، فهناك وسائل حديثة تعيد للقلب التنفس والعودة من جديد أو الاستمرار لمدة قد تطول أو تقصر مثل الانعاش الاصطناعي والصدمة الكهربائية أو تدليك القلب وكثيرا ما تظل خلايا المخ قد ماتت ويظل الجهاز التنفسي والقلب في حالة عمل فطالما ان خلايا المخ ماتت فانه يستحيل عودتها للحياة ويستحيل معه ايضا عودة الشخص للحياة.

وبناء على ذلك فان هذا الاتجاه يرى ان توقف نبضات القلب أو الجهاز التنفسي ليس قاطعا في الدلالة على وفاة الشخص هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فان الاخذ بهذا المعيار يؤدي إلى استحالة اجراء عمليات نقل القلب يحتفظ بالانسجة من ساعتين إلى ثلاث، وكذلك زرع الكلي فهي تحتفظ بالانسجة حية من ثلاث إلى اربع ساعات، وكذلك الكبد فهي تحتفظ بالانسجة حية لمدة نصف ساعة فقط وهو ما يعرف طبيا بموت الخلايا الذي يحصل بعد ساعات معدودة من الموت الاكلينيكي أو السريري.

ويجب التذكير هنا ان العمل ظل جاريا إلى امد قريب بمجموعة من المعايير الطبية لتشخيص الموت منذ تاصلت منذ عهد ابي الطب هيبوقراط، واثناء ازدهار الطب الإسلامي، والى حدود النصف الثاني من القرن 19، ومن العلامات التي استعين بها نذكر مثلا [20] :

معايير طبية : منها تصلب الجثة، اصفرارها، نزول درجة الحرارة، عيون نصف مفتوحة إلى الاعلى، ارتخاء الجفن الاسفل، ظهور بقعة خضراء على الصدر ( وهذه لم تكشف الا في فترة متاخرة). توفق القلب والتنفس والدورة الدموية وفقدان الوعي.

معايير تقنية استحدثت مع تطور الطب والتكنولوجيا منها :

- غياب نزيف الدمL'arteriotome » " بمحاولة اثارته في الشريان الصدغي أو الكوعي.

- حقنة الايكار l'icard : وهي حقنة في الوريد خليطها من الماء ومادة الفليورسين Fluorosceine المستخلصة من الامونياك أو الصودا، بحيث إذا مال لون عيني متلقي هذه الحقنة للاخضرار فالموت ظاهري فقط، الا فالموت مطلق.

- حقنة تحت الجلد تعرف باسم " Reboullat à l'Ether " بحيث ان سرى الخليط في الجسم دل على وجود الحياة، وإذا ارتد ونزف بمجرد اخراج الحقنة فالموت مطلق.

وسائل استحدثت مع التكنولوجيا المتطورة :

طرح الجدال بحدة حول مفهوم الموت مع ظهور الاكتشافات العلمية التكنولوجية الحديثة وبالتحديد عندما نجح الطب في اعادة تشغيل القلب والتنفس المتوقفين عن طريق التدليك أو الصدمات الكهربائية والات التنفس (l'engstroïme) فكان ان طرح مشكل تعريف الموت لأول مرة في مؤتمر روما الشهير سنة 1957 الذي كرس خصيصا للموضوع [21]، انبثقت عنه فكرة الغيبوبة المتجاوزة " coma dépassé" بوحي من الطبيبان الفرنسيان كولون Goulon ومولاري Moullaret سنة 1959.

ومنذئذ والتباري معلن رسميا وعلى صعيد دولي للوصول إلى تعريف دقيق للحظة حدوث الموت، بعد ذلك تاكد علميا انها عملية تدريجية، لا كما كان معتقدا من قبل من انها عملية فورية انية وتحصل في مرحلة واحدة.

وإذا كان قد اعطي لعبارة الغيبوبة المتجاوزة في البداية معنى موت الدماغ mort cérébrale" أي غياب مطلق للوعي والاحساس والشخصية والاتصال والتفاعل مع العالم الخارجي ومع الاخرين فقد بات هناك تمييزا بين اللفظين، على اعتبار أن موت الدماغ اكثر دلالة على حصول الموت من عبارة الغيبوبة المتجاوزة تمييز ضروري بين موت الدماغ والغيبوبة المتجاوزة :

فالموت بحسب المقاييس الحديثة، اضحى يقسم إلى ثلاث مراحل أو مظاهر :

أ ? موت ظاهري : "mort apparente" وهو توقف القلب وتباطؤ نشاط الدماغ بحيث يدخل المصاب اثر ذلك في سبات أو غيبوبة "Coma" انما يمكن للشخص ان ينتعش تلقائيا ، خصوصا إذا اراد الحظ ان يتواجد معه اثناءها، عارف بتقنية تدليك عضلة القلب البسيطة، أو الصدمة الكهربائية فيعاد تغيله، فان لم يحصل ذلك خلال بضع دقائق ولم يسترجع الدماغ قدراته ونشاطه، ولم يزود بالقدر الكافي من الاكسجين خلال دقائق لا تتجاوز الخمسة انتقل المصاب لمرحلة الموت الاكلينيكي.

ب ? موت اكلينيكي : "mort clinique" واثناءه تكون خلايا الدماغ قد بدات تتوقف، فيدخل الشخص في غيبوبة متجاوزة، ويطول هذا السبات أو يقصر بحسب الحالات وبحسب ما إذا وجدت وسائل الانعاش الكافية، وافاد منها الشخص في الوقت المناسب. وان كان الغالب لا يفيد الدماغ من هذه الاعاشة، وانما فقط الأعضاء الأخرى، وهي وضعية لا يجب ان تموه حقيقة الموت لانها غالبا ما تفضي إلى موت الدماغ.

ج ? الموت الدماغي[22] : هو اتجاه حديث وتنتبه كثير من الدول كما سنرى، كما اخدت به كثير من التشريعات، اذ من خلاله يجمع كثير من فقهاء القانون المقارن على اعتبار الشخص ميتا متى ماتت خلايا المخ حتى ولو كان القلب لم تمت خلاياه.

الا ان هذا الموت لخلايا المخ يجب ان يكون بصورة نهائية ولكي يمكن التاكد من موت خلايا المخ يجب الاستعانة في هذا المجال بجهاز الرسم الكهربائي للمخ القادر على اصدار ذبذبات أو تموجات الجهاز العصبي ان وجدت اما إذا رسم خطا مستقيما فمعناه ان خلايا الدماغ قد توقفت وماتت.

الا ان هذه الوسيلة لا يمكن الاعتماد عليها بصفة اصلية فلا يجوز الاعتماد على الأجهزة فقط وانما لابد من اعطاء الطبيب سلطة تقديرية لاعلان الوفاة بالرغم من اعطاء الجهاز الاشارات فدور الطبيب ياتي للتأكد من الاعراض السريرية فقد اثبت العمل الطبي بالفعل خلاف ذلك وانه لابد من عدم الاعتداء بصفة اساسية على جهاز رسم المخ الكهربائي وانما يعول على درجة ما يستهلكه المخ من اوكسجين.

وبناء على هذا التعريف يمكن اجراء عمليات نقل القلب أو الكلي أو العيون أو البنكرياس فمنذ لحظة وفاة المخ يعتبر الشخص ميتا حتى لو كانت الاوعية الخلوية لم تمت بعد.

ففي هذه اللحظات هي التي يمكن طبيا اجراء هذه العمليات اثناءها ومتى اعلنت حالة الوفاة فانه يجب الابقاء على الأعضاء المراد استئصالها باستبقاء وسائل الانعاش الصناعي حفاظا على هذه الاوعية الخلوية.

ولكن تحفظا على هذا الراي انه يجب ان يكون تقرير الوفاة بالاضافة إلى استخدام جهاز الرسم الكهربائي للمخ ليس بطبيب واحد فقط وانما بمجموعة من الاطباء على الاقل من الاخصائيين المشهود لهم بالكفاءة العلمية والدراية بالاصول الفنية الطبية وتكون هذه المجموعة التي قد يتراوح عددها ما بين شخصين أو ثلاثة على حسب الاحوال غير الاطباء الذين يقومون بعملية النقل من جثة المتوفى إلى جسم حي.

ويرى بعض الاطباء ان جهاز رسم المخ الكهربائي لا يصلح كاداة منفردة للتحقق من الوفاة في حد ذاتها، الجهاز لا يعكس سوى نشاط المراكز العصبية القريبة للمخ فهو لا يعطي اشارات الا عن هذه المراكز القريبة اما المراكز البعيدة أي العميقة فتكون في حالة حياة ومن الضروري الاتفاق على تحديد مدة يظل خلالها الجهاز لا يعطي اشارات بحياة المخ حتى يمكن التاكد من وفاة الشخص[23].

وقد اشاد الفقه الفرنسي بقرار وزير الصحية الفرنسي الصادر في 24 أبريل 1968 الذي حدد الاحتياطيات التي يلتزم بها الاطباء في تحديد لحظة الموت، فهذا القرار لم يحدد الموت قانونا ولكن ترك الاطباء استخلاص ذلك استنادا إلى الاصول الطبية والى ضمائرهم ومعلوم، ان قانون 1994 الفرنسي بشان زرع الأعضاء البشرية ونقلها قد تبنى معيار الموت الدماغي، ونفسه فعل المشرع المغربي في ظهير 25 غشت 1999 كما سوف نرى عند عرض مواقف التشريعات والقضاء في بعض الدول المهتمة بالموضوع .

ويجمع الفقه على ضرورة صدور تشريع في كل دولة يحدد المقصود بالموت لان الراي العام للجماعة ومنهم الطبيب يريد ان يسير هذا الامر في طريقه الصحيح عن طريق تدخل المشرع بوضع تعريف للموت والذي نعتبره شخصيا ليس مجرد تعريف اكاديمي كما هو الحال بالنسبة لسائر المصطلحات المدروسة في الكليات بل هو في اعتقادنا الصميم ان صح التعبير اجل معلق على شرط واقف أو فاسخ، يحد بتدقيق وفي زمن معدود بالدقائق حالة الوفاة والممات أو بالاحرى الفعل الذي يعد مشروعا لكونه يشكل عملية استئصال خصوصا من جثة الميت وبالتالي وكنتيجة رذيفة لذلك معرفة الضوابط القانونية التي تتضمن عدم تعرض الطبيب للمساءلة المدنية والجنائية ليس فقط عن عمل تقصيري سنده الخطا أو تقصير عقدي مرجعه العقد ولكن عمل، قد يعد جناية قتل عمد وما اخطر هذه الوضعية.

التمييز بين الموت الدماغي والغيبوبة :

- موت الدماغ أو الموت المطلق "mort absolue"هو موت خلايا الدماغ ويحصل خلال دقائق معدودة بعد توقف القلب، والمعول عليه في علم الطب الحديث ان خلايا الدماغ إذا ما تلفت فتلفها نهائي لا رجعة فيه ويستدل عليه بجهاز الكتروني دقيق"Electro-eucéphalogramme" (E.E.G)، قادر على عكس ذبذبات أو تموجات الجهاز العصبي فان وجدت فهذا يعني خلايا الدماغ قد توقفت عن الحياة أي ماتت.

- الموت الخلوي(mort cellulaire) أي موت جميع خلايا الجسم وليس فقط خلايا الدماغ، وهو موت تدريجي تختلف مدة حياة خلايا الدماغ، وهو موت تدريجي تختلف مدة حياة الخلايا فيه باختلاف مدة تحملها للحرمان من مادة الاوكسجين.

اما الغيبوبة" Coma" وهي التي تلي مباشرة توقف القلب والتنفس، ويقسمها الطب إلى ثلاثة انواع : غيبوبة متجاوزة واخرى مستمرة، واخرى تسمية :

1- الغيبوبة المتجاوزة :"Coma dépassé" وتبدا مباشرة بعد ان تشرع خلايا الدماغ في التوقف، وتفقد الوظائف العضوية اتساقها، واكلينيكيا فهي لا تدوم طويلا بل تؤدى في ظرف لا تتجاوز الاسبوع إلى الاسبوعين، تحت العناية المركزة إلى موت الدماغ التام، فهي اذن المرحلة السابقة مباشرة لموت الدماغ والمفضية إليه، اذا فشلت الالات في وقف تطور الموت.

2- الغيبوبة المستمرة: "Coma irréversible" أو التوقف الجزئي لخلايا الدماغ وتعرف أيضا بموت الدماغ الجزئي"mort cérébralle partielle" وهنا يحصل تلف في بعض وظائف الاجزاء العليا للدماغ فقط، أي تلك التي تتحكم في : اليقظة، السمع، البصر، الحركة، الاحساس والادراك، فيما الدورة الدموية ونبضات القلب والتنفس، كلها تستمر في العمل ولو دون مساعدة الالات.

وقد يستمر الغارق في السبات على نفس الوضع لسنوات، فان افاق تلقائيا أو بفعل الانعاش الاصطناعي، فالغالب ان يفيق حاملا لعدة اعاقات، فيما الموت لا ينجم عمليا الا من جراء انتكاسة يكون ضحيتها الجهاز التنفسي أو البولي[24].

3- غيبوبة تسممية : "Coma barbiturique" وتنجم عادة عن وجود بعض المواد المخدرة أو السامة في الجسم.

تجارب مخبرية للتاكد من الموت الفعلي :

يؤكد الاطباء على ضرورة التمييز بين جميع المراحل والتعريفات التي عرضنا لها، والاحتراز من المظاهر المختلفة التي لا تفعل احيانا اكثر من تمويه حقيقة الحياة أو الموت، من اجل ذلك اجتهدت عديد من الهيئات لصياغة مجموعة من المعايير الدقيقة التي لا يعود بعدها من شك في حصول الموت بحيث كانت منظمة الصحة العالمية السباقة لوضع لائحة من المقاييس في نهاية 1967 بجنيف ثم تلا ذلك مؤتمر الكاب بجنوب افريقيا لجراحي القلب والشرايين، فتبنى بدوره فكرة موت الدماغ، ودعمها بمقاييس شبيهة بتلك التي صاغتها منظمة الصحة العالمية(O.M.S).

وفي نفس الوقت لمعت جمعية من هارفارد تدعى جمعية الحكماء بنفس التعريف والمقاييس وهي الاختيارات والتجارب التي ستنال اجماعا دوليا لتصبح عالمية نلخصها كالتالي :

1- التاكد من غياب كل تجاوب أو رد فعل "Absence réceptivité et de réaction"

أي انعدام مطلق للوعي بالمؤثرات والمهيجات الداخلية أو الخارجية، وغياب لكل تجاوب أو رد فعل.

2- التيقن من غياب الحركة والتنفس التلقائيين : فبعد اخضاع الشخص للمراقبة لبضع ساعات، لا تبدو اية حركة عضلية(Atonie) أو تنفسية وأي تاثر بالضوء أو الضجيج أو غيرهم.

3- ثبوت غياب أية حركة انعكاسية: Aréflexie ou absence de reflexe فعندما يدخل الشخص في الغيبوبة المتجاوزة وتبدا مراكز الجهاز العصبي في الاندثار، فاي عضو واية وظيفة لا تستجيب ولا يصدر منها أي فعل،7- مهما كانت المهيجات قوية.

4- رسم جهاز تصوير ذبذبات الدماغ خطا مستقيما "Un éléctro encéphalogramme plat" وهو جهاز الكتروني يعكس على الشاشة الذبذبات الكهربائية للجهاز العصبي، كدليل على وجود الحياة، فان تحولت الذبذبات المتموجة إلى خط مستقيم بعد ان كانت على شكل موجات رغم الاثارات التقنية و اعيد الاختبار ثانية دون جدوى فمعنى ذلك ان نشاطه قد توقف، أي ان خلاياه قد تلفت وماتت.

ورغم ما اثير من شكوى حول هذه الاختبارات والتجارب ومدى دلالتها على حصول الموت قطعا، فانها ما تزال حتى يومنا هذا لا محيد عنها ولا بديل، كما ان عدة مؤتمرات اكدت ذلك ومنها مؤتمر اطباء التخذير والانعاش بباريز سنة 1994 تحت شعار " مناظرة التحيين - conférence d'actualisation .

1) عدم اعتماد غياب ذبذبات الدماغ كمقياس إذا كانت درجة الحرارة اقل من 35 % وفي هذه الحالة يجب قبل الحسم في وضع المريض، رفع درجة حرارته، فان بقي مع ذلك التخطيط الكهربائي عديم التموج، انذاك فقط يمكن اعتبار الشخص ميتا.

2) نفس الشيء يقال عن حالة انخفاض ضغط الدم عن المستوى العالي : بحيث هنا أيضا لا يجب الوثوق في الخط المستقيم الذي يعكسه جهاز القياس الكهربائي، قبل محاولة رفع الضغط إلى مستواه العادي، فان بقي مع ذلك وضع الشخص على ما كان عليه، جاز اعتماده كمقياس أو مؤشر متى تاكد من خلال الفحص السريري الاكلينيكي موت الدماغ بالمقاييس السريرية السابقة الذكر.

3) اجراء اختبارات محددة تؤكد خلو الجسم من أية مواد مخدرة أو سامة : ذلك ان من هذه المواد ما يحدث عادة توسعا في حدقة العينين(un mydriase bilatérale) كالذي يحدثه الموت تماما، مما يجعل حقيقة الوضع مموهة، لذلك لا يعتد بتمدد العدسة أو توسع الحدقة كدليل على الموت الا بعد التاكد من خلو الجسم من تلك المواد المؤثرة، وهي الحالة التي سميناها بالغيبوبة التسممية والتي اشرنا إليها سابقا.

هذه الاختلافات والاراء العلمية الطبية ستولد لا محالة اختلافا في الرؤيا القانونية جعلت التشريعات تبذل عدة مجهودات لاستيعاب المفاهيم الطبية الصرفة، محاولة منها لتقليص التعقيدات الطبية المتعددة بشان مفهوم الموت المطلق.

فما عساه يكون موقف التشريعات عموما والتشريع المغربي خصوصا، هذا ما سنحاول بسطه في المطلب الثاني الذي خصصناه لمعرفة المعايير القانونية لتحديد مفهوم الموت.

المطلب الثاني : المعايير القانونية لتحديد مفهوم الموت

يلاحظ ان ظهير1952 المرخص بالاخذ من الأموات جاء اسبق تاريخا من ابتداع فكرة موت الدماغ، فقد صدر الظهير المذكور سنة 1952 في فترة لم تتوضح فيها الرؤيا بشان مفهوم الموت كما هو متعارف عليه اليوم، خصوصا إذا علمنا ان الطب كان يجمع على ان مفهوم الموت تقع دفعة واحدة بخلاف ما اصبح متعارف عليه اليوم من ان الموت تقع بصورة تدريجية نتيجة التقدم البيو- طبي.

ففي سنة 1952 لم يكن يستلزم الامر ضرورة ابقاء الجثة خاضعة للانعاش التقني لانه بكل بساطة لم يكن مثل هذا الجهاز موجودا، ومعنى ذلك ان تعريف الموت لم يكن يطرح أي اشكال فبمجرد ما كانت تظهر على المحتضر معالم الموت المتعارف عليها آنذاك كان الشخص يعتبر ميتا، ويجعل جثته قابلة لاستئصال اعضائه حسب ظهير 1952.

بقي الامر هكذا إلى ان سارعت وزارة الصحة وعيا منها باهمية عمليات الزرع في المغرب ومؤازرة للفرق الطبية المشرفة على اجراء العمليات وسدا للفراغ القانوني إلى اصدار مجموعة من المراسلات سبق التعرض لبعضها تلح الفريق المعالج تبني معيار موت الدماغ[25].

لكن مع صدور ظهير25 غشت 1999 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية واخذها وزرعها تم تكريس معيار الموت الدماغي من طرف المشرع بعد ان كان معمولا به على الاقل كمعيار لتحديد مفهوم الموت.

ان المشرع المغربي في المادة 21 من الظهير المذكور نص على انه لا يجوز القيام بعملية اخذ الأعضاء الا بعد وضع محضر معاينة يثبت وفاة المتبرع دماغيا، على ان تكون وفاته خالية من كل الشكوك.

اما على صعيد التشريع المقارن فانه على اثر نجاح اولي عمليات زرع القلب توالت الخطوات في التشريع المقارن محاولة مجاراة ما يجري على الساحة العلمية .

ويمكن تصنيف هذه التشريعات إلى خمسة مواقف :

1) قوانين تاخذ بمعيارين على وجه الاختيار :

مثل قانون ولاية كنساس الامريكية لسنة 1970 كقانون اخذت به التشريعات التي تسير في هذا الاتجاه، ويفوض هذا القانون للطبيب اعتماد تشخيص من اثنين :

1-اما توقف القلب والتنفس بشكل يستحيل معه اعادة تشغيلها،2- بالنظر لمصدر الاصابة أو لفوات الاوان.

3-أو تعطل نشاط الدماغ وفشل الالات في استعادة وظائفه بعد التاكد من ذلك بواسطة الاختبارات المتوفرة.

2) قوانين تبنت معيار موت الدماغ كدليل وحيد على حصول الوفاة :

ومنها القانون المغربي كما سبق الإشارة إلى ذلك ( المادة 21 من ظهير25 غشت 99) الا ان غالبية التشريعات السائرة على هذا المنهج اصدرت نصوصا تنظيمية وليس قوانين كما فعل المشرع المغربي.

فبريطانيا أصدرت مرسوما عن وزارة الصحة سنة 1978 الذي تبنى توصيات الجمعية الملكية لمعاهد وكليات الطب. ونفس الشيء صادرت عليه بعض الولايات الامريكية وسويسرا في شان المرسوم 25 مارس 1971 الصادر عن مقاطعة زوريخ المعترف بدستوريته من قبل المحكمة الفيدرالية السويسرية العليا، وقد صدر اخيرا مرسوم فرنسي في هذا الشان، وايضا القانون الروسي الصادر في 22/12/92، والقانون الاسباني الصادر سنة 79، والدانمارك، والفلبين.

كما تبينت نفس التعريف مجموعة من الدول الاسلامية والعربية كلبنان ( مرسوم 20 اكتوبر1984) وتونس ( قرار فاتح غشت 1991)" والكويت قانون رقم 7 لسنة 1983.

اما المشرع المصري فهو لم يصدر قانونا متكاملا خاصا بنقل وزرع الأعضاء البشرية بل اكتفى باصدار قانونين أولهما يتعلق بنقل الدم لسنة 1960 والثاني يتعلق بانشاء بنك العيون لسنة1962.

3) تشريعات تبنت معيار توقف القلب والتنفس :

وهذه القوانين ترفض الاخذ بمعيار موت الدماغ كبولندا، والسويد والدانمارك وان كان في الحقيقة يصعب تحديد موقف هذه الدول في الاونة الأخيرة بسبب تخليها عن هذا المعيار غير المعاصر وتبنيها لمعيار موت الدماغ.

4) دول لا تعترف رسميا بموت الدماغ الا ان العمل الطبي بها لا يتردد في اعماله :

ومثلها هولندا، وجنوب افريقيا والمانيا وبلجيكا وكوريا الجنوبية وبعض الولايات الامريكية.

5) دول لا ينص قانونها رسميا على موت الدماغ، كما لا تتوفر بعد على شروط اعماله في الممارسة الطبية :

وتشمل هذه الدول جميع بلدان العالم الثالث وبعض البلدان العربية الاسلامية وبعض الدول التي كانت تحت منضومة الاتحاد السوفياتي.

خلاصة : ما اغرب الإنسان وما اغرب هذا التباين في موقف القوانين والدول، وما اغرب اختلاف عقيدة الاطباء حول الموت وكنهه، ويجب ان ننزعج من كون نفس الشخص وفي نفس الظروف يعتبر ميتا في دولة أخرى !!.

اليس عجبا ان يلوح في افق الموت تنوع قانوني هو مدعاة للتردد والتخوف بشكل يدعو للسخرية ويفرز بطبيعة الحال تباينا في الموقف القضائي أيضا مع ان الذات الانسانية واحدة !!

واخوف ما نخاف عليه ان مثل هذا الصنيع يعدم الطريق لميلاد اتفاقيات دولية بغية تحقيق وحدة قانونية على الصعيد الدولي، انتصارا لمبدأ قاعدة الاسناد في القانون الدولي الخاص !!

والسماح بالتصرف في جثة للاغراض العلمية أو العلاجية وبمجرد عدم وجود اعتراض من الشخص قبل وفاته يثير مشكلة مدى سريان هذا القانون على الأجانب في المغرب، فكل نفس ذائقة الموت ومن يحل بأرض المغرب من الأجانب من حقه ان يعرف مدى سريان هذا القانون عليه حتى يستطيع ان يبدي اعتراضه على نقل اعضاء من جثته إذا وافته المنية في المغرب.

نعتقد ان قاعدة شخصية التطبيق يجب اعمالها لتطبيق مقتضيات هذا الظهير لكونه لا يمس مسائل الأمن المدني ومن ثم فانه لا يسري الا على المغاربة.

ولقد اعتبر الفقه الفرنسي تدعيما لهذا الرأي ان قانون زرع الأعضاء الفرنسي لا يسري الا على الفرنسيين، بل ويذهب إلى ان المسائل المتعلقة بالزرع بين الاحياء والاموات امور تعتبر من متعلقات الاحوال الشخصية التي يطبق فيها قانون جنسية الشخص وليس قانون الدولة التي يوجد في اقليمها.

ويضيف الفقه الفرنسي أيضا ضرورة استثناء المسلمين حتى ولو كانوا يتمتعون بالجنسية الفرنسية على اساس ان الشريعة الاسلامية تحرم المساس بالجثة ومن ثم ترفض استخدامها في زرع الأعضاء، وهي وجهة نظر سبق لنا أن أوضحنا عدم صحتها ويرجع سوء الفهم هذا إلى فتوى اصدرها مدير جامعة باريس في هذا الشان، وهي فتوى لا تستند على اساس شرعي سليم خصوصا إذا علمنا ان جميع المجامع الاسلامية ودور الافتاء العربية تجمع على جواز التصرف في الجثث وفق ضوابط شرعية معينة، عرضنا لها في حينها.

واخيرا وليس آخرا فقد وضع المشرع احكاما زجرية احاطها حماية للمقتضيات القانونية الواردة في ظهير25 غشت 1999 وذلك في الباب الخامس من هذا الظهير وهي عقوبات مالية وسالبة للحرية قد تصل احيانا إلى عشر سنوات سجنا أي ان هذا الظهير اعتبر بعد التصرفات غير المشروعة بمثابة جناية يعاقب عليها.

لذلك افردنا الباب الرابع من هذه الدراسة للاحكام الزجرية المسلطة على من يخالف احكام هذا الظهير لما له ولمقتضياته من اهمية بالغة ولكونها من متعلقات النظام العام المغربي.

الباب الرابع : الاحكام الزجرية

لقد افرد المشرع المغربي في الفصول 30 وما بعدها من ظهير زرع الأعضاء البشرية ونقلها واخذها الصادر في 25 غشت 1999 احكاما جزائية على بعض المخالفات أو الأعمال الغير المشروعة التي لا تحترم مقتضيات هذا الظهير.

وهذا يعني ان المشرع المغربي اراد قيام مسؤولية جنائية عن بعض التصرفات والاعمال الجرمية.

ويتطلب منا هذا الموضوع ان نعرض أولا لتطور الاتجاه القضائي المغربي في موضوع المسؤولية الطبية المدنية والمسؤولية الجنائية باتجاهها العام والخاص، لتتضح المعالم والمرامي التي حددها المشرع المغربي على ضوء الاتجاه المغربي واجتهاده.

ومن خلال استقراء الباحث للاحكام والقرارات الصادرة عن القضاء المغربي يقف امام ملاحظة ظاهرة كثرة اللجوء إلى القضاء الجنائي لمساءلة الاطباء عن اخطائهم، ولا زال الكثير غير مدرك للاساس القانوني الذي ينبغي ان تبنى عليه مسؤولية الطبيب المدنية، ولازالت مساءلة الطبيب الممتنع متأثرة إلى حد كبير بالمفهوم التقليدي للممارسة الحرة للمهنة وبظروف التجهيزات الطبية، مثلما ظلت فكرة الاعتدال هي المسلمة الأساسية التي اعتمدها القضاء عند نظره في قضايا المسؤولية الجنائية[26].

وبالمقابل عرفت قواعد المسؤولية المدنية للاطباء تطورا ملحوظا تجاوزت معه القواعد التقليدية في حقل المسؤولية المدنية، فقد تخلى القضاء عن التعاطف مع الاطباء واخذ ينحو نحو التشدد في تقدير خطا الطبيب ونحو التخفيف على المريض في موضوع الاثبات، ولذلك استحق منا هذا الاجتهاد ليس فقط التعريف به، بل العمل على تأصيله، وهذه هي غاية هذا البحث.

على ضوء هذه المعالم ستتضح لنا رؤية المشرع المغربي حول تجريمه لبعض التصرفات المتمثلة اما في الاتجار في عملية اخذ الأعضاء البشرية خرقا لقاعدة مجانية التصرف في الأعضاء، واما في عدم احترام شكليات اخذ العضو البشري في مكان غير المستشفيات العمومية المعتمدة لذلك وفي إطار عملية طبية صرفة أو القيام بعملية اخذ الاعضاء من جسم الانسان على قيد الحياة لغرض غير علاجي أو علمي رغم موافقة الشخص أو ممثله القانوني على عملية الاخذ أو عدم الحصول على موافقة الشخص أو وليه القانوني إذا كان محل حماية قانونية أو غيرها من الحالات الواردة في الفصول 30 وما بعدها من الظهير.

- يسجل استقراء الفقه المغربي ارتفاع عدد القضايا المتعلقة بالمسؤولية الجنائية الصادرة عن القضاء المغربي في موضوع المسؤولية الطبية، ومرد ذلك ارتفاع عدد الاخطاء الطبيعية، واستحضار المتقاضين لمفهوم العدالة الجنائية ونجاعتها التي تربو عن مفهوم العدالة المدنية، وكذا السلطات الواسعة التي يتمتع بها القاضي الجنائي للكشف عن ظروف وملابسات الجريمة الطبية.

وتليينا لهذه المواقف وجهت وزارة العدل المنشور رقم 985 بتاريخ 25/2/86 موضوع الدعاوى العمومية المرفوعة ضد الاطباء تحث فيه قضاة النيابة العامة على ضرورة الاتصال بهيئة الاطباء قبل تحريك الدعوى العمومية ضد أي طبيب.

ومعلوم ان المنشور يفسر ولا يشرع، لكن هل كان هدفه الاساسي اشراك هيئة الاطباء في ايجاد حل اقل حدة من جزاء جنائي، ونعني به الاكتفاء بالمسؤولية التأديبية ليس الا .

الملاحظ عن هذا المنشور ان النيابة العامة تستنير بوجهة نظر الاطباء للاستئناس بإفادتها الفنية والمهنية.

ونرى شخصيا ان هذا المنشور يجب ان لا يكون قيدا من قيود المتابعة تغل النيابة العامة في اثارة المتابعة كلما بدا لها ان ثمة قرائن قوية ورعونة واضحة في الخطا الطبي تستوجب العقاب من ذلك مثلا الطبيب الذي يطعم كلابه الاجنة المسقطة، أو الطبيب الذي يحبس مرضاه قسرا إلى حين تادية الاتعاب، او الطبيب الذي ينتقم من مرضاه لحسابات خاصة، أو الطبيب الذي يشارك في تعاطي الفساد بتخصيص خدماته لخياطة من افتضت بكارتها، أو الطبيب الذي يجهض المراة الحامل سفاحا أو الطبيب الذي يلقح النساء المتزوجات بغير مني أزواجهم.

اما جرائم وجنايات ظهير25 غشت 99 المتعلق بالعبث وعدم احترام الشروط والمقتضيات الواردة بشان عملية التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية واخذها وزرعها فقد اراد من ورائها المشرع المغربي الضرب وبقوة على يد كل من سولت له نفسه العبث باهم ما يملكه الشخص كان مريضا أو معافى وهو الذات الانسانية التي كرمها الله.

لقد وردت هذه الاحكام في الباب الخامس من ظهير25 غشت99، وبالضبط في الفصل 30 إلى 46، منه وعالجت بدقة متناهية جميع التصرفات والاعمال غير المشروعة والتي تخل باحكام الظهير سواء عن طريق الامتناع عن القيام بما يجب على الطبيب الامتناع عنه، أو القيام بعمل يفرضه عليه واجبه المهني، لا بل ان الظهير جرم حتى بعض الأعمال التي لم يتم اجراؤها داخل المؤسسات الاستشفائية كمسك سجل خاص بالاعتراض عن اخذ العضو البشري من المعني بالأمر وذلك تحت المسؤولية الشخصية للطبيب مدير المستشفى ( المادة 17).

فقد حرمت مثلا المادة 30 من ظهير غشت 99 عرض تنظيم أو اجراء اية معاملة بشان اخذ الأعضاء البشرية خرقا للمادة 5 التي تكرس مبدأ مجانية التبرع بالأعضاء وتحريم أي تعامل تجاري بشانها لما فيه من خطر بليغ على صحة الأفراد وأمنهم، قد يفتح الباب امام عديمي الضمائر للمساومة في اعضاء البشر، وعاقب عليها المشرع المغربي بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات سجنا وبغرامة 50.000 درهم إلى 100.000 درهم.

كما عاقبت الفقرة الأخيرة من الفصل 30 من تلقى أو حاول تلقي اجرة غير تلك المنصوص عليها والمتعلقة باجراء عمليات مرتبطة بعمليات اخذ اعضاء بشرية أو الاحتفاظ بها أو زرعها أو ساعد على ذلك كما تامر المحكمة بمصادرة المبالغ المعروضة أو المقبوضة لقاء العمليات المذكورة.

والملاحظ ان نص المادة 30 يعاقب عمليتي العرض والتلقي أو بعبارة أخرى عملية الايجاب والقبول المخل بمبدأ مجانية التعامل بجسم الادمي مع استثناء جواز تلقي وعرض المصاريف الطبية والاستشفائية الناتجة عن قيام عمليتي الاخذ والزرع المسموح بها قانونا وماعداها يعد جريمة يعاقب عليها بموجب نص المادة 30.

كما فرض الفصل 6 و16 من الظهير اخذ العضو البشري داخل مستشفى عمومي معتمد لذلك، وان خرق هذا النص يعاقب عليه الفصل 31 بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 إلى 500.000 درهم.

وعليه فكل من قام بعملية طبية تتعلق باخذ عضو بشري في مكان غير المستشفيات العمومية المعتمدة لذلك خرقا لاحكام المادتين 6 و16 من الظهير فعقوبته محددة في الفقرة 1 من الفصل 31.

كما ان الفقرة الثانية من الفصل31 عاقبت بنفس العقوبات كل من قام بعملية زرع الأعضاء البشرية داخل المستشفيات غير الواردة في القائمة المنصوص عليها في المادة 25 من هذا الظهير أو قام بعملية زرع قرنية العين أو اعضاء قابلة للخلقة بشكل طبيعي داخل مراكز استشفائية خاصة غير معتمدة وفقا لاحكام المادة المذكورة.

ويعاقب بالعقوبات الواردة اعلاه ( م 31) الطبيب مدير المؤسسة إذا تم ارتكاب المخالفة داخل مصحة أو داخل مركز استشفائي خاص ( الفقرة الأخيرة من المادة 31).

اما المادة 32 فهي تصون وتحافظ على مبدأ سرية الهوية وعدم الكشف عن هوية المتبرع أو المتبرع له أو هما معا والمنصوص عليها في المادة 7 من الظهير وتعاقب كل اخلال بهذا المبدا " سرية التبرع" أي كل من افشي معلومات حول هوية الواهب والموهوب له بغرامة من 50.000 إلى 100.000 درهم باستثناء الاعذار القانونية المتمثلة في القرابة والمصاهرة أو إذا كان ذلك الافشاء تقتضيه ضرورة العلاج ( م 7 و9).

اما جناية الفصل 33 من الظهير فتتمثل في عدم احترام الطبيب لقاعدة الغرض العلاجي أو العلمي في عمليتي الاخذ والزرع، فكل من قام بعملية اخذ اعضاء من جسم انسان على قيد الحياة الغرض غير علاجي أو علمي، وذلك على الرغم من موافقة ممثله القانوني عند الاقتضاء، وفي هذه الحالة يعاقب الممثل القانوني أو الولي الشرعي بالعقوبات المطبقة على الشريك في المخالفة.

ولا يعني المشرع المشاركة في المخالفة لانه لا يتصور مشاركة في المخالفة وانما المشاركة في الجنحة والجناية هي المعاقب عليها.

ويعاقب الفصل 33 عن ذلك بالسجن من خمس إلى عشر سنوات.

اما الفصل 34 فهو يحافظ على مبدا الموافقة المسبقة على اخذ العضو البشري من الشخص الراشد وكل من خرق هذه القاعدة الواردة في المادة 10 من الظهير يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات.

ونفس الامر بالنسبة لمن يتراجع عن هذه الموافقة ويتم اخذ عضو من اعضائه وهو على قيد الحياة رغم تراجعه إذ يعاقب الطبيب الذي قام بمثل هذه العملية رغم رجوع المتبرع عن رضاه السابق.

وذلك ما لم ينص القانون على عقوبات اشد ( الفقرة الاخيرة من الفصل 34)، وهذا يعني ان المشرع المغربي فتح باب العقوبة الاشد التي قد تتصف به بعض الأفعال وتكيف على انها جناية قتل عمد بجميع مواصفاتها وتعدد افعالها المادية ( تعدد مادي) أو المعنوية( تعدد معنوي) وفق مقتضيات القانون الجنائي .

- ويأتي الفصل 35 من الظهير ليعاقب كل تصرف في جسم الشخص الجدير بالحماية كالقاصر والمجنون خرقا لمقتضيات الفصل 11، فكل من ياخذ عضوا لقاصر حي أو راشد حي خاضع للحماية القانونية بسبب الصغر أو السفه أو الجنون وذلك رغم الحصول على موافقة القاصر أو المجنون وكذا موافقة وليه القانونية ويعاقب السجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة .

ولا غرو في ان تاتي عقوبة المادة 35 صارمة جدا لكونها تحافظ على مركز قانوني جدير بالحماية الا وهو حماية فاقدي الاهلية القاصرين أو المجانين في ذواتهم وليس في اموالهم.

اما المادة 36 من الظهير فيتعلق بالشخص المتوفى الذي لم يعبر قيد حياته عن رغبته في الترخيص في اخذ احد اعضائه بعد مماته ومع ذلك يقوم الجاني الطبيب أو غيره باخذ احد اعضائه دون موافقته الصريحة أو الضمنية من لدن عائلته ( م 9) فيعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 إلى 300.000 درهم.

ويعاقب بنفس العقوبة كل من خالف مقتضيات الفصول 13 و15 و16 و17 و18 من الظهير وتنص المادة 37 على ما يلي " يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.000 إلى 200.000 درهم كل طبيب أو جراح أو كل شخص آخر قام بعملية اخذ اعضاء خرقا لاحكام المادة 9 اعلاه، لاجل معالجة اشخاص غير اولئك الوارد بيانهم في المادة المذكورة.

وتعاقب المادة 38 من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 30.000 إلى 500.000 درهم كل شخص احتفظ خارج المراكز المنصوص عليها في المادة 12 من هذا القانون باعضاء ثم اخذها بغرض زرعها.

في حين تعاقب المادة 39 بالعقوبات المنصوص عليها في المادة 392 من القانون الجنائي كل طبيب أو جراح أو كل شخص آخر، قام بعملية اخذ اعضاء بشرية من جسم متبرع لم يتم بعد وضع محضر اثبات وفاته الطبية بصفة قانونية.

ومعلوم ان المشرع المغربي اخذ بمفهوم الموت الدماغي، ويجب على محضر اثبات الوفاة ان تعتمد هذا المعيار للتاكد من حصول الوفاة.

اما المادة 40 فتعاقب كل شخص قام باستيراد أو تصدير اعضاء بشرية دون ترخيص من الادارة بالسجن من خمس إلى عشر سنوات.

ويعاقب الفصل41 بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 20.000 إلى 50.000 درهم كل موظف رخص باستيراد أو تصدير اعضاء بشرية لفائدة مؤسسة استشفائية أو هيئة لا تستوفي الشروط المنصوص عليها في المادتين 28 و29 من هذا القانون.

وجاءت المادة 4 لتأمر المحكمة بالمنع من ممارسة كل مهنة أو نشاط في الميدان الطبي أو ذي صلة بهذا الميدان لمدة خمس إلى عشر سنوات في الحالات المنصوص عليها في المواد 33 و34 و35 و36 و38 و39 و40 و41.

وهذه الحالات تتعلق بعدم احترام الطبيب لقاعدة الغرض العلاجي أو العلمي من عمليتي الاخذ أو الزرع (م33) أو عدم احترام شرط الموافقة المسبقة على اخذ العضو من الشخص الراشد(م34)، أو من القاصر أو المجنون الخاضع للحماية القانونية (م35)، أو اخذ العضو من شخص ميت لم يعبر عن إرادته في ذلك قيد حياته أو انه عبر عن ذلك الا انه تراجع عنه (م36)، أو كل شخص احتفظ خارج المراكز المنصوص عليها في المادة 12 من هذا القانون باعضاء ثم اخذها بغرض زرعها (م 38)، أو عدم احترام الطبيب أو الجراح أو أي شخص كان لضوابط عملية اخذ العضو البشري من المتبرع أي عدم وضع محضر اثبات الوفاة الطبية بصفة قانونية (م39)، أو استيراد وتصدير الأعضاء البشرية دون الحصول على ترخيص بذلك (م40)، او عدم احترام الموظف لضوابط عمليتي التصدير والاستيراد (م41).

وتضيف الفقرة الثانية من الفصل 42 على انه " في الحالات المنصوص عليها في المواد 30 و31 و37 يجوز للمحكمة ان تصرح بالمنع المذكور لمدة لا تتجاوز خمس سنوات.

وتنص المادة 30 على منع المساومة أو الاتجار اللامشروع في الأعضاء البشرية خرقا لقاعدة مجانية التبرع بالأعضاء.

اما المادة 31 فتنص على وجوب اخذ العضو داخل المستشفيات العمومية المعتمدة وان خرق هذا المبدأ يخضع لمقتضيات الزجرية الواردة في الفقرة الثانية من الفصل 42.

اما المادة 37 فتعاقب الطبيب أو الجراح أو غير الذي يخرق مقتضيات الفصل 9 المتعلق بالتبرع لمصلحة الاصول أو الفروع أو العمومة أو الخؤولة الخ …

وتنص الفقرة الأخيرة من المادة 42 على جواز الحكم بسقوط الاهلية للممارسة مهمة أو وظيفة عمومية لمدة تتراوح بين خمس وعشر سنوات أو مدى الحياة.

وجاءت المادة 43 لتمنع القاضي من تمتيع المتهم أو الجاني من ظروف التخفيف المتمثلة في ايقاف تنفيذ العقوبة استنادا لمقتضيات المادة 55 من القانون الجنائي.

كما تصدر المحكمة في حالة العود ضعف الحد الاقصى المقرر للعقوبة عند ارتكاب الأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في المواد 30 و31 و36 و37 و38 و41.

ويعتبر في حالة العود استنادا للفقرة الأخيرة من المادة 43 كل مدان ارتكب جريمة مماثلة خلال الخمس سنوات الموالية لصدور حكم قطعي من اجل احد الأفعال الواردة في المواد المذكورة اعلاه والمنع من مزاولة المهنة أو النشاط في الميدان الطبي المنصوص عليه في المادة 4 لا يحول دون تطبيق العقوبات الصادرة عن الإدارة أو عن هيئة الاطباء الوطنية التي يمكن ان تترتب عن الجريمة ( المادة 44).

ولا تحول المقتضيات السابقة دون تطبيق عقوبات اشد منصوص عليها قانونا (م45).

وأوصى ظهير25 غشت 99 في المادة 46 منه على احداث مجلس استشاري لزرع الأعضاء البشرية، على ان تحدد بقانون تنظيمي كيفية تعيين اعضائه واختصاصاته وطريقة تسييره.

واخيرا وليس آخر، وحتى يغيب تطبيق ظهير15 يوليوز 1952 عن الوجود جاءت آخر مواد ظهير 25 غشت 1999 لتنص صراحة على نسخه، بعد ان كان عمليا والى حدود تاريخ 25/8/99 هو المطبق في المغرب رغم قصوره وغموضه وكثرة التأويلات الواردة بشانه والتي عرضنا لها في حينها، ومهما يكن من امر فقد كان رائدا في عهد الستينات لولا انه جاء خاصا بالاذن في ان تجرى في المستشفيات بعض الاقتطاعات من جثث الأشخاص المتوفين ليس الا.



[1] عاش ابن النفيس في القرن السابع الهجري (607- 697) الموافق للثالث عشر الميلادي ( 1210/1298) وكان رئيس اطباء مصر.

[2] زيغريد هونكة " شمس العرب تسطع على الغرب، اثر الحضارة العربية في أوروبا " نقله عن الالمانية، فاروق بيضون وكمال دسوقي، منشورات المكتب التجاري للطباعة التوزيع الطبعة الاولى مارس 1964.

[3] جامعة الملك عبد العزيز، قسم الطب الاسلامي، مركز الملك فهد للبحوث الطبية ربيع الأول 1404 هـ ـ

ديسمبر 1983 م.

أسئلة عن الطب الإسلامي صفحة 33- 56 باللغة العربية والانجليزية.

[4] عندما بدات أولى عمليات الاغتراس كانت الساحة في جل الدول تعاني من فراغ تشريعي، من ذلك مثلا التشريع الفرنسي الذي بدأ منذ سنة 1941 باصدار نصوص تنظيمية بغية حل مشاكل الاغتراس وقد قيد مرسوم صادر في 17 أبريل 43 اباحة التشريح للغرض العلمي شريطة عدم معارضة الأسرة. إلى ان صدر قانون 22/12/76 الذي اباح التشريح واخذ اجزاء من الجثث شريطة عدم صدور معارضة من المتوفى قيد حياته اما إذا كان الامر يتعلق بجثة قاصر فلابد من اذن من نائبه الشرعي أي مبدأ الرضى المفترض اصبح امرا مسلما به بعدما كان الاعتقاد السائد من قبل لدى جل الدول بان المريض ليس له سلطان مطلق على نفسه إذ هو ليس سيدا لها كي يتصرف في جسده كما يحلو له انه لا يتمتع سوى بحق الانتفاع وليس مالكا لجسده وقد كانت التشريعات تكرس هذا الامر الواقع بضغط من الكنيسة الكاثوليكية الاكثر تشددا لكنها سرعان ما تراجعت عن نظرتها الغائية السابقة حيال مسالة اخذ وزرع الاجزاء الادمية، فلطفت موقفها لينسجم مع مستجدات العلم، فأضحت تقدم الدعم التي تحتاجه العمليات الجراحية بحيث عقد البابوات لقاءات ومحاضرات تشجع الاغتراس واصفة الجراحين بانهم لم يفعلوا اكثر من تكملة أو تحسين عمل الطبيعة لفائدة الانسان.

وبنفس الطريقة كان على المجامع الاسلامية للفقه ان تحدد موقفها من الاغراس، وفعلا خرج المجمع الاسلامي بموقف ينسجم كثيرا مع فقه الكنائس في الغرب كما حدث في الدورة الثامنة لمؤتمر المجمع الفقهي المنعقد في مكة المكرمة من 19 إلى 28 يناير1985 ( 7 جمادى الأولى 1405)، وسوف نعرض لهذه النتائج عند الحديث عن موقف الشريعة الإسلامية من زرع الاعضاء من الأحياء والأموات.

[5] يراد بعبارة زرع أو غرس أو تطعيم Greffe ou transplantation ادخال جسم غريب عنه ( جرثومة أو مصل ) بهدف الوقاية أو العلاج.

اما عبارة تحاقن أو حقن Transfusion فتعني ادخال مواد سائلة وخصوصا الدم ومشتقاته إلى الجسم، وتبدو ان عبارة زرع تجب التحاقن أي ان الأولى اعم من الثانية، لان الغرس يشمل ادخال كل المواد سواء كانت سائلة ام صلبة.

اما الاخذ Prélèvement فهي استئصال أو اجتثاه أو استقطاع أو بتر أو اقتلاع العضو أو النسيج ( جلد) من جذوره.

ونعني غرس الاعضاء Greffe des organes للدلالة على ادخال الغريسة Greffon في عضو الانسان التالف.

[6] ومع ذلك توجد في جل الدول الغربية لجنة الاخلاق " Commité d'èhique" وهي هيئة شبه طبية تراقب مدى احترام التقدم الطبي واختراعه واكتشافه للقيم الدينية والاخلاقية، راجع مؤلفنا " ابحاث وتعاليق على ضوء تشريعات خاصة" النسب وموقف الشريعة الإسلامية من التلقيح الاصطناعي الصفحة 174 السنة 1995.

[7] تاريخ الاغتراس قصير، فقد بدأت التجارب على النبات ثم الحيوان في القرن الثامن عشر وفي القرن التاسع عشر انتقلت التجارب إلى الانسان، فأعلن نجاح الزرع عليه في النصف الثاني منه، فأولى عمليات زرع الجلد الناجحة كانت سنة 1969 بسبب احتياج طب التجميل لردم تشوهات الوجه بسبب الحروف والحرائق وبعدها تم بنجاح زرع الكلي سنة 1905 وزرع النخاع العظمي سنة 1958 والبنكرياس والطحال سنة 1964 والمعاء الدقيق سنة 1967 وزرع القلب بجنوب افريقيا سنة1967.

هذه العمليات وما شابها من نجاح باهر، ومن عبث بجسم الانسان ادكت وهيجت اللقاءات العلمية الطبية واكدت فضول فقهاء الكنائس وشغلت بال رجال القانون، مهدت الطريق لتفلسف الفلاسفة وكان لا بد ان تتوحد الاراء وتتظافر الجهود على اكثر من صعيد لصياغة حد ادنى من المفاهيم حول مسالة غرس الاعضاء ونقلها وتخزينها، سواء من الاحياء أو الاموات.

[8] ان تاريخ الزرع بالمغرب لا يعود إلى عهد قريب إلى الأربعينات، ويكفي ان نشير مثلا إلى ان مراكز تحاقن الدم انشئت في بداية الأربعينيات وأول بنك للعيون اسس سنة 1951، واول زرع للكلية كان سنة 1968 من قبل فريق البروفيسور بنشقرون في مراكز ابن سينا بالرباط الا ان المتلقي توفي بعد ان عاش مدة اسبوع إلى ان اعلن البروفيسور زايد بمركز ابن رشد عن نجاح زرع الكلي.

كما توج ذلك بأشهر عملية زرع عضلة القلب سنة 1993 تم اول عملية زرع للقلب في شتنبر1995 على يد الأستاذ الطبيب المعزوزي بمركز ابن سينا بالرباط وقد نالت هذه العملية من الشهرة الاعلامية والانجاز العلمي الرائع ما جعل المغرب بحق يدخل عالم الزرع من بابه الواسع سواء على الصعيد الافريقي أو الدولي. اعلام الموقعين عند رب العالمين لابن قيم الجوزية جزء 3 ص3.

[9] لقد قام " مركز الملك فهد للبحوث الطبية الإسلامية " بكلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة بتوجيه اقتراح إلى " قسم الطب الاسلامي" بالمعهد يهدف إلى تجميع " الفتاوي الطبية الإسلامية" من دور الافتاء الإسلامية، بمساعدة هذه الدور، وان يبدأ بمجموعة دار الافتاء المصرية التي تطبع في مصر.

[10] سورة البقرة الاية 173، كما يقول عز وجل في سورة المائدة الاية 3 : { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع الا ما ذكيتم وما ذبح على النصب ".

[11] وهي قتل الرحمة وغرس الاعضاء، وبنوك الحليب، والاستشارة الورائية، ومنع الحمل، والاجهاض، والتلقيح الاصطناعي، والسيطرة على الحيض، والتجارب على الحيوانات والكحول المستعمل في العقاقير الطبية، والعقاقير المستخلصة من مصادر حيوانية، والجن، والسحر، والتعويذ ( الطلس) وتعدد التضاجع، والجراحة البديلية التجميلية، والتشريح بعد الموت، واطفال الانابيب وغيرها كثير.

[12] راجع كتاب " فن التشريح" لديفيك روبنز ترجمة فريال عبود المؤسسة العربية للدراسات والنقض الطبعة الأولى السنة1993.

انظر أيضا كتاب الطب الشرعي لادولف ريولط السنة1984.

[13] راجع الفصل446 من قانون المسطرة الجنائية.

[14] صدر في فرنسا في 15/11/1887 قانون يجيز للشخص ان يوصي بكيفية دفنه، وتعتبر هذه الوصية ملزمة ويجب على عائلته احترام هذه الوصية وتنفيذها طالما انها غير مخالفة للنظام العام والاداب الحميدة، وقد علق الفقه الفرنسي على ذلك بان الشخص يعتبر سيد جسده بعد الوفاة، ونفس الاتجاه نجده في القانون الفرنسي الصادر في 7/7/1949 بشان اباحة التصرف في قرنية العين بالايصاء. غير ان هناك قرار صادر عن وزير الصحة الفرنسي في اكتوبر1947 يجيز لرئيس القسم بالمستشفيات ان يقرر فورا ودون انتظار موافقة احد تشريح الجثة او استقطاع اجزاء منها متى تراءى له ان هناك مصلحة علمية او علاجية تجيز ذلك.

[15] انظر نظاما الاعسار والافلاس، التطابق والاختلاف، كتابنا ابحاث وتعاليق على ضوء تشريعات خاصة الصفحة 89 وما بعدها السنة 95. نفس الموضوع منشور في جزئين بمجلة الاشعاع الجزء الاول والثاني في العدد 11 و12 السنة السادسة يوليوز1944.

[16] لقد كان التصرف في جسم الإنسان محرما وممنوعا على الاطلاق، ذلك ان الكنيسة كانت تمنع ذلك في بداية عمليات الاغتراس، كما ان اول نص يستحق الدراسة هو نص المادة 61 من القانون المدني الفرنسي الذي كان يمنع الاشياء التي لا تدخل في التعامل من ان تكون محلا لاتفاقات مشروعة لكن عندما انتشرت عمليات الزرع اعتبر الجميع ان مسالة التصرف في اجزاء من الجسم قد حلت نهائيا وعلى جميع الاصعدة : الطبي، الاخلاقي والقانوني فتوالت الاعلانات عن عمليات الاغتراس بعدما كانت تجري في الخفاء بعديد من الدول الغربية.

[17] مشروعية التصرف في جسم الادمي للدكتور سعيد سعد عبد السلام الصفحة 43 السنة1996.

[18] قرار محكمة النقض الفرنسية ( الغرفة الجنائية) الصادر في 23 يونيو1955 مونبولييه.

[19] Merson : l'influence de la biologie p. 669-67

.وايضا الدكتور حسام الاهواني : المشاكل القانونية التي يثيرها زرع الأعضاء ص 172 السنة 1975

[20] مشار إليها في اطروحة الدكتورة رجاء ناجي ص 180 المرجع السابق.

[21] المرجع السابق الصفحة 181.

[22] Les professions médicales : (Andrry) p.204.

voir aussi: la déclaration de Cyndnet en Août 1968 citée dans "Vechtand Michael Aranson": Medical légal ramification of human tissue transplantation 1969.

[23] لقد اقترح العالم المصري الدكتور زهير المصري ضرورة انتظار فترة 48 ساعة، بحث قدم لمؤتمر الطب والقانون عام 1979.

[24] Voir par exemple : Riou et Collabo, Réanimation du patient en état du mort cérébrale : R.P. au congrès de Paris préparé et publié par le comité

scientifique de la S.F.A.R édition Masson p.583.

نقل زرع الاعضاء اطروحة الدكتورة رجاء ناجي الصفحة 183 المرجع السابق.

[25] كالرسالة المؤرخة في 23/3/90 والثانية وهي على شكل دورية في 10/9/90 من توقيع وزير الصحة انذاك الطيب بن الشيخ، وقد عبرت الاولى عما افصح عنه كما يلي :

"Une telle opération nécessité le prélèvement sur donneurs arrivés au stade de "mot cérébrale" et pour lesquels la famille aura donne son consentement". Correspondance du 23/3/90.

[26] احمد درويش : تطور اتجاه القضاء المغربي في موضوع المسؤولية الطبية، سلسلة المعرفة القانونية رقم 1 السنة 95-96 صفحة 6.

No comments:

Post a Comment