Tuesday, January 29, 2008

المدخل للقانون

المدخل للقانون

الباب الأول: التعريف بالقاعدة القانونية
إن التعريف بالقواعد القانونية يقتضي أولاً بيان خصائصها المميزة لها ، ويقتضي أيضاً التعريف ببيان نطاقها الذي تؤدي فيه وظيفتها ـ حيث يتحدد هذا النطاق على ما سوف نرى ـ على ضوء بيان الحدود الفاصلة والتمييز بين قواعد القانون من ناحية وغيرها من القواعد الاجتماعية الأخرى المنظمة لسلوك الأفراد في المجتمع من ناحية أخرى..
ونطاق القاعدة القانونية يتحدد أيضاً في ضوء المذهب الفلسفي السائد في المجتمع وما إذا كان هو المذهب الفردي أم المذهب الاجتماعي..
لذا يجب علينا في هذا الصدد التعريف بالقاعدة القانونية وللوقوف على حقيقة هذا التعريف بيان النطاق الذي تعمل فيه القاعدة القانونية..
غير ان القواعد القانونية ليست نوعاً واحداً ، فهناك تقسيمات متعددة للقواعد القانونية يجب التعرف عليها ، وللوقوف بشيء من التفصيل على تقسيمين أساسيين للقواعد القانونية في هذا الصدد تقسيم القواعد إلى :
1
ـ قواعد القانون العام 2ـ قواعد القانون الخاص
وتقسيمهما إلى: (قواعد آمرة وقواعد مكملة)
وبذلك ينقسم هذا الباب إلى ثلاثة فصول على النحو التالي:
1
ـ الفصل الأول: خصائص القاعدة القانونية..
2
ـ الفصل الثاني: نطاق القاعدة القانونية..
3
ـ تقسيمات القاعدة القانونية..
الفصل الأول: خصائص القاعدة القانونية
1
ـ القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية للسلوك..
2
ـ القاعدة القانونية قاعدة عامة مجردة..
3
ـ القاعدة القانونية قاعدة ملزمة..
المبحث الأول: القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية للسلوك:
الفرع الأول: القاعدة القانونية ذات طابع اجتماعي:
لا يتصور وجود القاعدة القانونية دون مجتمع تبين لأفراده النظام الواجب الإتباع فيما ينشأ بينهم من علاقات وروابط ، وتوفق بين مصالحهم المتعارضة..
ومن هنا فالقاعدة القانونية لا يمكن أن تكون سوى قاعدة اجتماعية ، تنعدم الفائدة منها (لدى الفرد المنعزل في جهة نائية)..
القانون يفترض إذن وجود الجماعة ، فهو يبين ما للأشخاص من حقوق وما عليهم من واجبات ، ويوفق بين المصالح المتقابلة لهم ويمنع التضارب بينها..
وإذا كان القانون يرتبط بالمجتمع على النحو السابق بيانه ، فما هو المقصود بالمجتمع في هذا الصدد؟ فهل هو كل تجمع من الناس؟ وهل يقتصر على المجتمع في صورته المدنية المتمثلة في الدولة؟ أم يشمل أيضاً المجتمع البدائي؟..
الواقع بأن المجتمع اللازم لوجود القانون لا يتطابق مع أي تجمع إنساني في بقعة معينة من الأرض ، فقد يتجمع عدد من الناس مصادفة في مكان للاستمتاع بمناظر الطبيعة أو الصيد مثلاً ، غير أن هذا التجمع لا يعد مجتمعاً ، فالمجتمع يقتضي قدراً من الاستقرار لمجموع من الناس وارتباطهم المستمر ، ثم قدراً من وحدة الأهداف يربط بينهم وكذلك قدراً من التنظيم يسمح لبعض أفراده بإلزام الآخرين باتباع ما يأمرون به (فالقانون يوجد في مجتمع سياسي منظم يخضع أفراده لسيادة سلطة عامة تملك عليهم حق الجبر والقهر)..
والمجتمع بالمعنى السابق لا يقتصر على الدولة باعتبارها الشكل السياسي للمجتمع المعاصر فقد يوجد القانون في مجتمع لا يصدق عليه وصف الدولة ما دامت ثمة سلطة حاكمة في مثل هذا المجتمع تسيطر على أفراده وتملك إلزامهم بالطاعة..
ولذلك فإن القانون لم يرتبط وجوده بوجود الدولة وإنما وجد أيضاً في المجتمع البدائي الذي تطور من الأسرة إلى القبيلة إلى العشيرة إلى المدينة إلى الشكل السياسي للمجتمع المعاصر أي الدولة..
وإذا كان القانون يوجد بوجود المجتمع وتنعدم الفائدة منه بانعدام وجود المجتمع فلاشك أنه يتأثر بقدر التطور في هذا المجتمع ولذلك فهو يختلف باختلاف المجتمعات ويختلف ويتغير في المجتمع الواحد من زمن إلى آخر بحسب اختلاف الظروف وتغيرها..
الفرع الثاني: القاعدة القانونية قاعدة سلوك:
القاعدة القانونية هي دائماً قاعدة سلوكية هدفها تنظيم سلوك الأفراد وفي سبيل تحقيق هذا الهدف لا تهتم إلا بالسلوك الخارجي للأفراد فالقانون لا يهتم بالأحاسيس أو المشاعر أو النوايا التي تظل كامنة في النفس دون ان يكون لها مظهر خارجي..
فقد يضمر شخص الحقد والكراهية لغيره من الناس ، وتظل هذه المشاعر كامنة بداخله دون أن تتخذ أي مظهر خارجي يعبر عنها فهنا لا يتدخل القانون. أما إذا اتخذت هذه الأمور شكل سلوك خارجي تمثل في الاعتداء على الغير بالضرب أو القتل مثلاً تدخل القانون ليعاقب صاحب السلوك..
غير أن ما تم ذكره لا يعني أن القاعدة القانونية لا تهتم بصورة مطلقة بالنوايا والبواعث الكامنة في النفس ، فقد تدخل القاعدة القانونية هذه العوامل في الاعتبار ولكنها لا تهتم بمثل هذه الأمور بصفتها هذه بل تهتم بها في حدود صلتها بالسلوك الخارجي للأفراد..
فإذا عزم إنسان على قتل آخر دون أن يقدم على ترجمة هذا العزم في شكل سلوك خارجي فلا شأن للقانون بذلك أما إذا صحب هذا العزم سلوك خارجي وتم القتل فعلاً فهنا يهتم القانون بنية القاتل ويدخلها في الاعتبار فتكون عقوبة القاتل أشد من عقوبة القاتل الذي قتل دون إعداد سابق على القتل..
ومن مظاهر اهتمام القاعدة القانونية بالنوايا ، حالة اكتساب الملكية بالتقادم عن طريق وضع اليد على مال الغير ، حيث تنقص مدة التقادم من 15 سنة إلى 5 سنوات متى كان الحائز لمال الغير حسن النية..
مما تقدم يمكن القول بصفة عامة أن القواعد القانونية تهتم بحسب الأصل بالسلوك الخارجي للأفراد ولا تهتم بالنوايا إلا اذا اقترنت بسلوك خارجي ففي هذه الحالة فقط يمكن إدخالها في الاعتبار..
المبحث الثاني: القاعدة القانونية قاعدة عامة مجردة
الفرع الأول: المقصود بالعمومية والتجريد
المقصود بتجريد القاعدة القانونية (صياغتها) بحيث تخلو من الصفات والشروط الخاصة التي قد تؤدي إلى تطبيقها على شخص معين بذاته أو على واقعة محددة بعينها ، ومثال ذلك نص قانون العقوبات على أن (كل من اختلس منقولاً مملوكاً لغيره فهو سارق) ، فنص هذه المادة يضع قاعدة مجردة تسري على كل من يأخذ منقولاً مملوكاً لغيره بغير إذنه وبنيته تملكه ، ويعتبر كل من يرتكب هذا الفعل سارقاً أياً كانت صفته ، رجلاً أو إمرأة ، غنياً أو فقيراً ، كذلك اعتبر القانون هذا الشخص سارقاً أياً كان المنقول محل السرقة..
ويقصد بعموم القاعدة القانونية ، أنها تسري على جميع الأشخاص المخاطبين بحكمها وعلى جميع الوقائع التي تدخل في مضمونها..
وكون القاعدة القانونية عامة ، لا يعني أنها تسري بالضرورة على كل الأشخاص في المجتمع ، بل يكفي أن ينصرف حكمها إلى فئة معينة من الأشخاص ما دام خطاب القاعدة القانونية يوجه إلى مثل هؤلاء بصفاتهم لا بذواتهم. ومثال ذلك: القواعد القانونية الخاصة بالقضاة أو بالمحامين أو بالأطباء...الخ ، فهذه القواعد تعتبر عامة لأنها تنطبق على أشخاص محددين بصفاتهم لا بذواتهم..
وقد تسري القاعدة القانونية على شخص واحد ، وتعتبر مع ذلك عامة ، فالقواعد القانونية التي تنظم مركز رئيس الدولة أو رئيس الوزراء ، أو التي تحدد اختصاصات النائب العام. لأن هذه القواعد تتوجه إلى هؤلاء الأشخاص بصفاتهم لا بذواتهم ، فتسري على كل من يتولى تلك المناصب أي من تتوفر فيه هذه الصفات..
أما إذا كان الأمر على خلاف ما سلف وتعلق بشخص معين بذاته أو بأشخاص معينين بذواتهم ، لا نكون بصدد قاعدة قانونية لعدم توافر صفة العمومية..
فالأمر الصادر مثلاً بتعيين موظف أو ترقيته أو عزله لا يعد قاعدة قانونية لأنه اقتصر على شخص معين بذاته لا بصفته..
وذلك خلاف قواعد تعيين الموظفين أو ترقيتهم أو عزلهم ، حيث تعتبر قواعد قانونية لأنها عامة وتسري على كل المخاطبين بها بصفاتهم لا بذواتهم..
وهذا أيضاً ما يميز بين القاعدة القانونية والحكم القضائي ، الذي يصدر نتيجة (لإعمالها) ، فهذا الحكم لا يتضمن قاعدة قانونية ، لأنه يصدر لمواجهة حالة بخصوصها وبشأن فرد معين (باسثناء الأحكام الصادرة من محاكم القضاء الإداري)..
الفرع الثاني: أهمية العمومية والتجريد
لتجريد القاعدة القانونية وعموميتها أهميته التي تظهر في عدة نواح:
1
ـ صفة العمومية والتجريد تحقق مبدأ سيادة القانون ومبدأ المساواة أمام أحكامه ، فهذه الصفة تؤدي إلى تطبيق أحكام القانون على الجميع دون تفرقة أو تمييز ، وتظهر أهمية هذه الخصيصة بصورة أوضح في مجال القانون العام حيث يترتب عليها وجوب اتخاذ السلطات العامة في الدولة قراراتها بناء على قواعد قانونية موضوعة سلفاً وواحدة بالنسبة لجميع أفراد المجتمع. وهذا ما يسمى (بمبدأ المشروعية) مما يحول دون الخوف من أن يعمل القانون لمصلحة شخص معين أو للإضرار به ، فتسود بالتالي الطمأنينة بين الناس وتتحقق المساواة فيما بينهم..
2
ـ التعميم لا يقتصر على سلوك الأفراد وإنما يمتد إلى السلطات العامة في الدولة مما يقتضي إخضاعها لأحكام القانون. فصفة العمومية في القاعدة القانونية تقتضي سريان أحكامها على الجميع حكاماً ومحكومين ، فتكون السيادة للقانون ، حيث يحكم القانون كل تصرف أو إجراء تصدره أية سلطة داخل الدولة..
3
ـ يؤدي مبدأ العمومية والتجريد إلى تحقيق العدل بين المخاطبين بأحكام القاعدة القانونية..
(
غير أن العمومية والتجريد إذا كان تؤدي إلى تحقيق العدل بين الأفراد فهي في ذات الوقت تجعل القاعدة القانونية قاصرة عن تحقيق العدالة!). فالقانون في سعيه إلى تحقيق الاستقرار لابد أن تتسم قواعده بالعمومية والتجريد حيث تصاغ هذه القواعد طبقاً للوضع الغالب في الحياة العملية دون الاعتداد بما قد يلامسه من ظروف خاصة قد تختلف من حالة إلى أخرى ، حيث يستحيل الجمع في القاعدة القانونية بين صفة العموم والاعتداد بالظروف الخاصة التي تحيط بالأوضاع في الحياة العملية..
ولذلك قيل (أن ما تتصف به القاعدة القانونية من عموم وتجريد يجعلها قاصرة عن تحقيق العدالة بين الناس ، مقتصرة فقط بالضرورة على تحقيق العدل)..
4
ـ وتظهر أهمية العمومية والتجريد كذلك بالنظر إلى الاعتبارات العملية التي تكمن وراءها. حيث يستحيل حصر كل ما قد يعرض من فروض وحالات فردية ووضع قاعدة لكل حالة على حدة. لذا تصدر القاعدة القانونية عامة ومجردة بما يسمح بتطبيقها على عدد لا يتناهى من الأشخاص والوقائع فيتكرر تطبيقها كلما توفرت في شخص أو في واقعة شروط تطبيقها..
المبحث الثالث: القاعدة القانونية قاعدة ملزمة
الفرع الأول: المقصود بالإلزام وضرورة الجزاء
يقصد بإلزام القاعدة القانونية هو أن هناك جزاء يناط بالسلطة العليا في المجتمع توقيعه على من يخالف حكمها. فعلى الأشخاص المخاطبين بحكم القاعدة القانونية طاعتها وإلا أجبروا على ذلك عن طريق توقيع الجزاء..
ومع ذلك يجب ملاحظة أن وجود الجزاء لا يعني أن اتباع حكم القاعدة القانونية يكون دائماً ناتجاً عن خوف المخاطبين بها من توقيع الجزاء. فالوضع الغالب أن العمل بالقاعدة القانونية يكون بمحض إرادة الأفراد ، وهذا الخضوع الإرادي إذ تقضي به القاعدة القانونية يرجع إلى عدة عوامل ، منها:
1
ـ تطابق القاعدة القانونية مع قواعد اجتماعية أخرى مثل قواعد الدين أو قواعد الأخلاق..
2
ـ اقتناع المخاطبين بضرورة القاعدة القانونية لأنها تقدم لهم الطمأنينة والاستقرار اللازمين لاستمرار الحياة في المجتمع..
3
ـ إحساس المخاطب بأن القاعدة القانونية تكفل له الحماية في الوقت الذي تلزمه باتباع سلوك معين..
ومما لاشك فيه أنه كلما ارتقى المجتمع ازداد شعور أفراده باحترام القاعدة القانونية دون النظر إلى ما يمكن توقيعه من جزاء..
الفرع الثاني: خصائص الجزاء
يتميز الجزاء في القاعدة القانونية بخصائص معينة تمكنه من تحقيق دوره في كفالة تحقيق أهداف القانون ، وهذه الخصائص هي أنه حال ، مادي ، توقعه السلطة العامة..
1
ـ (يتميز الجزاء في القاعدة القانونية بأنه جزاء حال غير مؤجل) ، يوقع في الحياة لمجرد ثبوت وقوع المخالفة. ولا شك أن الإحساس بسرعة توقيع الجزاء من شأنه أن يحمل المخاطبين بأحكام القانون على احترام ما يقضي به وزيادة هيبته في نفوسهم..
وفي هذا الصدد تختلف القاعدة القانونية عن القاعدة الدينية ، حيث أن الجزاء في القاعدة الدينية جزاء مؤجل في الآخرة أي في الحياة الآخرة..
2
ـ يتميز الجزاء في القاعدة القانونية بأنه مادي حسي له مظهر مادي خارجي وليس مجرد جزاء معنوي..
وبذلك تختلف القاعدة القانونية عن قواعد الأخلاق وقواعد المجاملات والعادات ، حيث ان جزاء مخالفة هذه القواعد الأخيرة ، مجرد جزاء معنوي يتمثل في تأنيب الضمير أو استنكار الجماعة للسلوك المخالف..
3
ـ يتميز الجزاء في القاعدة القانونية بأنه جزاء توقعه السلطة العامة في المجتمع. ومؤدى ذلك أن الجزاء لا يوقعه الأفراد بأنفسهم بحجة تنفيذ القانون وحماية مصالحهم الخاصة ، فتلك سمة من سمات المجتمعات الحديثة..
وإذا كانت من سمات المجتمعات الحديثة أن توقيع الجزاء يكون بمعرفة السلطات العامة في الدولة ، فإن هناك حالات استثنائية تنزل فيها الجماعة عن حقها في الإجبار الجماعي نتيجة الإجبار الخاص عن طريق الاقتصاص الفردي ومن أمثلة ذلك (حالة الدفاع الشرعي عن النفس). ومن أمثلة ذلك أيضاً الحق في الحبس في مجال القانون المدني وحق الحبس هو حق كل شخص دائن في معاملة بأن يمتنع عن التنفيذ ما دام المدين لم يقم بتنفيذ التزامه. وبمعنى آخر للبائع مثلاً أن يحبس المبيع حتى يقوم المشتري بالوفاء بما عليه من الثمن أو للمستعير أن يحبس العارية حتى يقوم الغير بدفع ما أنفقه المستعير من نفقات ومصروفات للمحافظة عليها..
الفرع الثالث: تقسيم القواعد القانونية من حيث قوة الجزاء
تنقسم القواعد القانونية من حيث قوة الجزاء إلى أربع درجات على النحو التالي:
الأولى: القواعد قوية الجزاء:
وهي القواعد القانونية التي يترتب على مخالفتها توقيع جزاء جنائي وآخر مدني في وقت واحد ، ومثال ذلك: القواعد التي تنهى عن القتل والسرقة وغيرها من الأفعال التي تعتبر جرائم جنائية ، فهذه الجرائم يعاقب عليها جنائياً وتؤدي في ذات الوقت إلى إلزام مرتكبها بتعويض المضرور..
الثانية: القواعد عادية الجزاء:
وهي القواعد القانونية التي يكون الجزاء فيها كافياً لإزالة أثر المخالفة ، ومن أمثلتها: القاعدة التي تنص بإلزام المدين بالوفاء بالدين ، فجزاء هذه القاعدة توقيع الحجز على أموال المدين تمهيداً لبيعها واستيفاء الدين من ثمنها..
الثالثة: قواعد ضعيفة الجزاء:
وهي القواعد القانونية التي يكون جزاء مخالفتها غير كاف لإزالة المخالفة التي وقعت ، ومثالها: القاعدة التي تقضي بتحريم القمار فكان ينبغي أن يكون جزاء هذه القاعدة بطلان دين القمار وعدم الالتزام بوفاء هذا الدين وتمكين من قام بالوفاء به من استرداده. غير أن أغلب الشرائع يعتبر دين القمار ديناً طبيعياً لا يجبر المدين على الوفاء به ولكنه إذا وفاه مختاراً فلا يكون له حق استرداده..
الرابعة: القواعد الناقصة:
وهي القواعد التي يبدو أنها تفتقر إلى عنصر الجزاء ، مثل قواعد القانون الدستوري وقواعد القانون الدولي العام كما يذهب في ذلك الرأي بعض الفقهاء ، ولكننا سوف نرى في الفرع القادم من صور الجزاء أن هذه القواعد لها جزاء ، وإن كان هذا الجزاء يتفق وطبيعة هذه القواعد..
الفرع الرابع: صور الجزاء
الجزاء الذي يوقع عند مخالفة قاعدة من القواعد القانونية ليس صورة واحدة وإنما تتعدد صور الجزاء بحسب مضمون القاعدة القانونية وطبيعتها..
أولاً: الجزاء الجنائي:
الجزاء الجنائي هو الجزاء الذي يوقع على من يرتكب فعلاً تجرمه قاعدة جنائية وهو أشد أنواع الجزاء حيث انه يوقع في حالة ارتكاب فعلاً يعد إخلالاً بأمن المجتمع وسلامته..
وهذا الجزاء قد يكون عقوبة بدنية كالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة. وقد يكون عقوبة مقيدة للحرية كالسجن أو الحبس. وقد يكون عقوبة مالية كالغرامة أو المصادرة..
ونوع الجزاء الجنائي يختلف بحسب نوع الجريمة المرتكبة وما إذا كانت جناية أو جنحة أو مخالفة..
ونظراً لشدة هذا الجزاء فإنه يقال: (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني)..
ثانياً: الجزاء المدني:
هو الجزاء الذي يوقع في حالة مخالفة قاعدة تحمي حقاً خاصاً ولهذا الجزاء صور مختلفة منها:
1
ـ إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل وقوع المخالفة ، ومثال ذلك: الإزالة المادية للعمل الذي تم بالمخالفة للقانون ، كإزالة مبنى تم بناؤه في أرض مملوكة للغير.
2
ـ عدم نفاذ التصرف الصحيح في حق الغير بسبب تخلف الإجراءات القانونية لنفاذه في حق هذا الغير ، ومن أمثلة ذلك: حوالة الحق التي لا تنفذ في مواجهة المدين إلا إذا قبلها أو أعلن بها إعلاناً رسمياً ، فقيام الدائن بحوالة حقه قبل مدين معين إلى آخر فهنا الحوالة لا تنفذ في مواجهة المدين إلا إذا قبل الحوالة أو أعلن بها رسمياً..
3
ـ الجزاء المباشر: ويقصد به إلزام المخالف بمطابقة سلوكه لحكم القانون ، ومن أمثلة ذلك: أن القانون يلزم المستأجر برد العين المؤجرة بعد انتهاء مدة الإيجار ، فإذا امتنع المستأجر عن الامتثال لحكم القانون في هذا الشأن أجبر عليه ، إذ يمكن للمؤجر الالتجاء إلى القضاء والحصول على حكم بطرد المستأجر من العين المؤجرة وهنا تتحقق مطابقة سلوك المخالف لحكم القانون..
4
ـ التعويض: إذا تعذر إعادة الحال إلى ما كان عليه أو تعذر إعمال الجزاء المباشر ، اتخذ الجزاء المدني صورة التعويض والذي يتمثل في دفع مبلغاً من المال يعادل الضرر الذي أصاب المضرور. فإذا تسبب شخص بخطأ منه في إصابة شخص آخر في جسمه مثلاً ألزم بتعويض الضرر الذي أصاب المضرور نظراً لاستحالة إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع المخالفة..
ثالثاً: الجزاء الإداري:
وهو الجزاء الذي يوقع في حالة مخالفة قاعدة من قواعد القانون الإداري ، ولهذا الجزاء صور متعددة بحسب القاعدة التي تم مخالفتها..
فقد يتمثل الجزاء في لفت نظر الموظف المخالف وقد يكون الإنذار أو الخصم من الراتب أو التنزيل من الدرجة أو الوظيفة أو الفصل من الخدمة وقد يصطحب الفصل الحرمان من المكافأة أو المعاش..
رابعاً: الجزاء التأديبي:
وهو جزاء توقعه الجماعات الداخلية ، كالجمعيات والنقابات على أعضائها بسبب مخالفتهم للقواعد التي تنظم هذه الجماعات وقد يتمثل هذا الجزاء في الحرمان من المزايا التي تمنحها هذه الجماعات لأعضائها أو الفصل من العضوية..
خامساً: أنواع أخرى للجزاء:
ذكرنا فيما سلف أهم انواع الجزاء في بعض فروع القانون ، وإلى جانب هذه الجزاءات هناك أنواع أخرى للجزاء ترتبط ببعض فروع القانون. فهناك الجزاءات السياسية الخاصة بمخالفة قواعد القانون الدستوري ، ومنها تحريك المسئولية الوزارية للوزارة كلها أو للوزير أمام السلطة التشريعية ، وكذلك توجيه الاستجواب للوزراء وحل المجلس التشريعي من قبل رئيس الدولة..
وهناك كذلك الجزاءات المالية التي توقع في حالة مخالفة قواعد القانون المالي مثل مضاعفة الرسوم الجمركية والغرامات الضريبية والمصادرة..
ويوجد كذلك الجزاءات الدولية التي ترتبط بقواعد القانون الدولي العام ومنها قطع العلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية أو الحصار العسكري أو الاقتصادي ، وفصل الدولة من عضوية منظمة دولية وأيضاً التدخل العسكري..
الفصل الثاني: نطاق القاعدة القانونية
يتحدد النطاق الذي تؤدي فيه القاعدة القانونية وظيفتها من ناحية صلتها بالقواعد الاجتماعية الأخرى التي تشاركها تنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع ، كما يتحدد هذا النطاق بالمدى الذي تصل إليه القاعدة القانونية عند تدخلها في نشاط الأفراد وتوجيه سلوكهم بحسب المذهب السائد في المجتمع..
وفي ذلك ينقسم هذا الفصل إلى مبحثين على النحو التالي:
1
ـ المبحث الأول: القاعدة القانونية والقواعد الاجتماعية الأخرى
2
ـ المبحث الثاني: أثر المذهب الفلسفي السائد في المجتمع على نطاق القاعدة القانونية
المبحث الأول: القاعدة القانونية والقواعد الاجتماعية الأخرى
قاعدة: القاعدة القانونية لا تنفرد بتنظيم السلوك داخل المجتمع
الفرع الأول: القواعد القانونية وقواعد الأخلاق
تتفق القواعد القانونية مع قواعد الأخلاق في أن كلاهما يمثل قواعد للسلوك تهدف إلى تنظيم العيش في الجماعة ، وهذا ما يدعو إلى بيان أوجه اختلافهما ، ويمكن تناول أوجه الاختلاف هذه من عدة نواح: من ناحية النطاق ، ومن ناحية الغرض ، ومن ناحية الجزاء..
أولاً: من حيث النطاق:
نجد ان قواعد الأخلاق لها نطاق أوسع من نطاق القاعدة القانونية ، فالأخلاق يدخل فيها واجب الفرد نحو نفسه وواجبه نحو غيره ، كما أنها تعني بالنوايا والإحساسات..
أما دائرة القانون فلا تشمل إلا علاقة الفرد بغيره دونما اهتمام بواجبه نحو نفسه..
ثانياً: من حيث الغرض:
الغاية من القاعدة الأخلاقية هي الوصول بالفرد إلى مرتبة الكمال فغايتها غاية مثالية تتمثل في حض الفرد على عمل الخير وبعده عن الرذائل..
أما الغاية من القانون هي تنظيم الروابط الاجتماعية بين الأفراد وعلى وجه يحقق صالح الجماعة ونفعها ، فغاية القانونية غاية نفعية..
ثالثاً: من حيث الجزاء:
جزاء مخالفة القاعدة القانونية يتخذ شكلاً مادياً محسوسماً توقعه السلطة المختصة بالمجتمع..
بينما الجزاء في القاعدة الأخلاقية جزاء معنوي يتمثل في تأنيب الضمير أو استنكار الناس لمن يخالف ما تقضي به تلك القاعدة..
الفرع الثاني: القاعدة القانونية وقواعد الدين
يقصد بقواعد الدين ، مجموعة القواعد المنزلة من عند الله عز وجل على رسول من رسله يبلغها للناس للالتزام بأحكامها. وهذه الأحكام تنظم علاقة الفرد بربه وعلاقته بنفسه وكذا علاقته بغيره من أفراد المجتمع..
ويتفق الدين والقانون في أن كل منهما يخاطب الناس بقواعد ملزمة ومنظمة لسلوكهم..
وتختلف قواعد الدين عن القواعد القانونية من وجوه عدة أهمها ما يأتي:
ـ إن الدين قواعد منزلة من الله تعالى ، بينما قواعد القانون عبارة عن قواعد من وضع البشر..
ـ وهناك اختلاف بين نوعي القواعد من حيث النطاق:
فنطاق الدين أوسع من نطاق القانون حيث ينظم الدين سلوك الإنسان تجاه خالقه ، وسلوكه تجاه نفسه ، وكذلك سلوكه تجاه الناس. فيما تعنى القواعد القانونية بتنظيم سلوك الفرد تجاه غيره من الأفراد فقط..
ـ كما أن هناك اختلافاً بين قواعد الدين وقواعد القانون من حيث الغاية:
فغاية القواعد الدينية هي الخير والنظام والسمو بالسلوك نحو الكمال. أما قواعد القانون فهي تسعى إلى الأمن والاستقرار في المجتمع..
ـ وأهم ما يفرق بين قواعد القانون وقواعد الدين هو الجزاء:
فجزاء القواعد القانونية جزاء مادي وحال توقعه السلطة المختصة في المجتمع ، أما الجزاء في القواعد الدينية فهو أساساً جزاء مؤجل إلى أن تقوم الساعة فهو جزاء أخروي، وذلك إلى جانب ما قد يوجد من جزاءات دنيوية. فالدين الإسلامي يفرض إلى جانب الجزاءات الأخروية جزاءات دينية توقع عقب وقوع المخالفة ، ويتولى توقيعها من بيده السلطة السياسية.
غير أن تطبيق القواعد الدينية بما تتضمنه من جزاءات دينية يقتضي اعتناق الدولة كوحدة سياسية للدين وتبنيها قواعده..
وتجدر الملاحظة أن اعتناق الدولة لقواعد دين معين وتبنيها لأحكامه لتنظيم الروابط الاجتماعية يؤدي إلى أن تصبح هذه القواعد قواعد قانونية (فهي لم تعد قواعد دينية فحسب ، وكل ما هنالك هو قيام التطابق بين قواعد القانون وقواعد الدين)..
الفرع الثالث: القاعدة القانونية وقواعد المجاملات
يقصد بقواعد المجاملات ، مجموع ما تعارف الناس على اتباعه في المناسبات الاجتماعية المختلفة ، فهي إذن قواعد ترسم السلوك الواجب على الناس اتباعه في علاقتهم..
ويلاحظ بأن المشرع لا يتبنى عادة قواعد المجاملات وينقلها إلى مصاف القواعد القانونية وذلك لاختلاف المصالح المقصودة من كليهما. فإذا كانت القواعد القانونية تقصد إلى حفظ النظام والاستقرار في المجتمع فإن قواعد المجاملات لا تصل في أهميتها إلى هذا المستوى مما يدفع المشرع إلى ترك أمر الجزاء بشأنها إلى ضمير الفرد ورد فعل الجماعة تجاه السلوك الذي يخرج على مقتضاها..
غير أن ذلك لا يمنع من أن ترتقي بعض قواعد المجاملات إلى مصاف القواعد القانونية ، إذا ما ارتقت القيمة الاجتماعية التي تقوم عليها في سلم المجتمع ، وعندئذ تتدعم بالإلزام القانوني وليس مجرد الإلزام الأدبي..
وهذا ما حدث بالفعل بشأن القواعد الخاصة بمعاملة أعضاء السلك الدبلوماسي الأجنبي فقد بدأت في أصلها كقواعد مجاملات دولية ، ثم أصبحت قواعد يعترف بها القانون الدولي ، سواء في صورة عرف دولي أو في صورة الاتفاقيات الدولية..
مقدمة:
إن العيش في جماعة يقتضي وضع قواعد تحد من حريات أفراده ورغباتهم المطلقة وتعمل على التوفيق بين مصالحهم المتعارضة ، وذلك بوضع ضوابط تحكم سلوك الأفراد ويتعين عليهم احترامها والخضوع لها..
ومن هذه القواعد يتكون القانون..
أولاً: تعريف القانون:
ويمكن تعريف القانون بأنه مجموعة القواعد التي تنظم علاقات الأفراد في المجتمع والتي تقترن بجزاء يوقع على من يخالفها..
وهذا هو المعنى العام المقصود باصطلاح القانون..
غير ان اصطلاح القانون قد لا ينصرف إلى هذا المعنى العام ، فقد يقصد به مجموعة القواعد القانونية التي تضعها السلطة التشريعية لتنظيم مسألة معينة ، فيقال مثلاً: قانون الصحافة أو قانون الجمعيات السياسية..
وفي هذه الحالة ينصرف اصطلاح القانون إلى معنى أضيق من المعنى السابق ، حيث يقصد به (التشريع) فقط ، وسنرى فيما بعد أن التشريع ليس هو القانون بمعناه الواسع ولكنه أحد مصادره.
وقد يطلق اصطلاح القانون للدلالة على فرع معين من فروع القانون ، فيقال مثلاً القانون المدني ، القانون التجاري... الخ ، فيكون المقصود بذلك مجموعة القواعد التي تنظم علاقات الأفراد في مجال معين في مجال المعاملات المدنية ، أو في مجال التعاملات التجارية..
والقانون بالمعنى العام الواسع - سالف الذكر- هو القانون المطبق في بلد معين في زمن معين ، ويطلق على القانون في هذه الحالة: اسم (القانون الوضعي) ، فيقال مثلاً القانون الوضعي المصري ، أو البحريني ، للدلالة على القانون مثلاً في مصر أو في البحرين في الوقت الحاضر..
وفي ذلك ، فإن بحثنا التعليمي هذا سينصرف إلى المعنى العام الواسع للقانون الذي تم ذكره فيما تقدم..
ثانياً: القانون والحق:
إذا كان القانون هو مجموعة القواعد المنظمة لسلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع فإن وسيلته في هذا الشأن هي بيان ما للأفراد من حقوق وما عليهم من واجبات – وذلك بترجيحه – بين المصالح المتعارضة "مصلحة أحد الطرفين في العلاقة" على مصلحة الطرف الآخر الذي يقع عليه واجب احترام الحق المقرر للطرف الأول..
فالحق إذن وليد القاعدة القانونية ، وذلك أن تطبيق القاعدة القانونية يفضي إلى تقرير الحقوق للأشخاص في المجتمع وفرض الواجبات عليهم ، فليس هناك حق أو واجب (واجب قانوني) إلا بموجب القاعدة القانونية..
ولذلك تشكل دراسة المدخل للقانون ، (دراسة القاعدة القانونية أولاً ، ثم تليها دراسة الحق ثانياً) ، ذلك أن الإثنان يشكلان معاً برنامج دراسة مدخل القانون وأساسيات البداية لأي قانوني..

No comments:

Post a Comment