Tuesday, January 29, 2008

القرار الإداري

القرار الإداري

(ملحوظة هامة قبل الشروع في القراءة)
أود التنويه بداية بأن موضوع القرار الإداري من أهم المسائل التي تصادف الشخص العادي من الناس وبالأخص الموظف العام وتؤثر في مصالحه نظراً لارتباطه بقرارات الجهات الإدارية المختلفة بالدولة وهو كذلك من أهم الاختصاصات التي يضطلع بها القضاء الإداري والتي من أجلها قد أنشأ، هذا فضلاً من أن موضوع القرار الإداري ومادة القضاء الإداري عموماً التي تدرس في الكليات الحقوقية المختلفة لازالت تخرج معظم طلبتها وهم لم يتعرفوا بعد على ماهية القرار الإداري ولا كيفية التعامل معه قانوناً ولا أبالغ في القول بأن معظمهم إلا من رحم ربك لا يعرف ما هي مادة القضاء الإداري ونظراً لإغلاق الموضوع حتى نهاية البحث، فبالإمكان وضع أي استفسار أو سؤال أو استفهام في موضوع منفصل..
*
مبادئ هامة ينبغي معرفتها:
*
تعريف القرار الإداري: هو إفصاح الإدارة في الشكل الذي يحدده القانون من إرادتها الملزمة بمالها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد إحداث مركز قانوني متى كان ممكناً وجائزاً وكان الباعث عليه المصلحة العامة.
*
أركان القرار الإداري: 1ـ الإفصاح 2ـ الشكل القانوني 3ـ السلطة العامة بمقتضـى القوانين واللوائـح 4 ـ إحداث أثر قانوني 5ـ المصلحة العامة.
دعوى الإلغاء:هي التي ترفع من أجل إلغاء القرار الإداري الذي أصدرته الإدارة، ودعوى الإلغاء ( لا تكون إلا للقرار الإداري ).
*
الفرق بين القانون والقرار واللائحة:
ـ القانون: قواعد عامة ومجردة تصدر من السلطة التشريعية.
ـ القرار: هو إفصاح الإدارة في الشكل الذي يحدده القانون من إرادتها الملزمة بمالها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح، وذلك بقصد إحداث مركز قانوني متى كان ممكناً وجائزاً وكان الباعث عليه المصلحة العامة.
ـ اللائحة: مجموعة قواعد تنظيمية قد تصدر من السلطة التشريعية أو من جهة الإدارة (مجموعة قواعد تنظيمية عامة تتصل بمجموعة من الأفراد).
المبحث الأول: (تمهيد)
لكي تقوم الإدارة بمزاولة نشاطها المتعلق بالأعمال القانونية والذي تباشره باعتبارها سلطة عامة، فإنها تستخدم أحد أسلوبين:
الأول: يصدر من جانب واحد وهو جانب الإدارة ويسمى (القرار الإداري).
الثاني: يتم بموافقة الإدارة وطرف آخر ويسمى (العقد الإداري).
وبما أن موضوع القرار الإداري يعد من الموضوعات ذات الطبيعة الهامة والحيوية ذلك أن أغلب اختصاصات القضاء الإداري في البلاد العربية وفرنسا يكاد يكون قائماً على فكرة القرار الإداري. ومن جهة أخرى يعتبر القرار الإداري أهم عناصر العملية الإدارية بل يعتبر جوهر عمل المسئولين في الحكومات المختلفة. وتأسيساً على ما سبق بهذه النبذة المختصرة عن مدى أهمية القرار الإداري في تسيير العمل الإداري فسأكتفي في هذا البحث بالحديث عن الأسلوب الأول وهي القرارات الإدارية.

المبحث الثاني: التعريف بالقرار الإداري:
يمكن تعريف القرار الإداري من زاويتين: الأولى: من زاوية القانون الإداري، والثانية: من زاوية الإدارة العامة..
تعريف القرار الإداري من زاوية القانون الإداري:
هو إعلان الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إنشاء أو تعديل أحد المراكز القانونية متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الهدف منه تحقيق المصلحة العامة..
ويستوي أن يكون إعلان الإدارة لإرادتها صريحاً أو ضمنياً. والقرار الضمني هو الذي يستنتج من سكوت الإدارة بالنسبة لموقف معين ـ كما سنوضحه في المباحث القادمة..
ومن هذا التعريف يتضح أن القرار الإداري:
أولاً: عملاً قانونياً، وبالتالي لا يدخل في إطاره الأعمال المادية لأنها لا تنشأ ولا تعدل مركزاً قانونياً:
والأعمال المادية التي تقع من إحدى السلطات الإدارية:
1
ـ إما أن تتم عن (غير قصد) من الموظف المختص نتيجة (خطئه) أو عدم تحريه الدقة، ومثال ذلك: أن يتخذ أحد الوزراء أو وكلاء الوزارة أو المدراء أو أي شخص له سلطة إصدار القرار قراراً يتعلق بأحد الأمور الإدارية لوزارة أخرى، كأن يتخذ وزير التربية والتعليم قراراً إدارياً يتعلق بأحد الأمور الخاصة بوزارة الداخلية.
ومن الأمثلة أيضاً: أن يرتكب أحد السائقين التابعين لجهة إدارية معينة حادثة ما نتيجة عدم اتباع الأصول الفنية للقيادة..
2
ـ وإما أن تصدر هذه الأعمال من الإدارة عن (قصد) تنفيذاً لقاعدة تشريعية، ومثال ذلك: أن يصدر قرار من إحدى السلطات المختصة قانوناً بالاستيلاء مؤقتاً على عقار مملوك لأحد الأفراد..
*
ويمكن توضيح الأعمال المادية للإدارة بذكر أهم هذه الأعمال وهي:
1
ـ الأعمال الفنية: التي يقوم بها رجال الإدارة المختصون بحكم وظائفهم كالمهندسين (إعداد التصميمات والرسومات الفنية لمشروعات الأشغال العامة)..
2
ـ الأعمال التي تقوم بها الإدارة تنفيذاً للقرارات والأوامر الإدارية (القبض على الأفراد – الاستيلاء على ملك الأفراد – هدم منزل آيل للسقوط.. الخ)..
3
ـ الأعمال الإدارية المشروعة التي يقوم بها رجال الإدارة وتحدث أثراً قانونياً (ولكنها لا تعتبر أعمالاً قانونية) كالوفاء بالدين..
4
ـ المنشورات والتعليمات والقرارات التي تصدر من جانب الإدارة وحدها، (ولا تعتبر) مع ذلك قرارات إدارية، لأنها لا تحدث أثراً قبل الأفراد ولا تمس مصالحهم، أو بمعنى أدق لا يحتج بها عليهم، ومن أمثلة ذلك: المنشورات والتعليمات التي تتعلق بالتنظيم الداخلي للمرافق العامة..
5
ـ الأعمال القانونية غير المشروعة التي تبلغ درجة عدم مشروعيتها حداً يفقدها طبيعتها القانونية فتصبح أعمالاً مادية..
6
ـ الأعمال غير القانونية التي تقع خطأ من جانب عمال الإدارة ومن أمثلتها: حوادث السيارات..
ثانياً: يصدر القرار من جانب واحد متمثلاً في الجهة الإدارية مصدرة القرار:
وبالتالي فإن الأعمال القانونية من جانبين والتي تستلزم توافق إرادتين (كالعقود الإدارية) لا تدخل في عداد القرارات الإدارية. كما يجب أن يصدر القرار من جهة الإدارة..
وبالتالي يعتبر القرار إداريا إذا كان صادراً من إحدى الجهات الإدارية دون النظر إلى موضوعه ومحتواه..
*
وبناء على ذلك أود أن أوضح فيما يلي بعض المبادئ التي تتعلق بالقرار الإداري:
1
ـ لا يعد قراراً إداريا ما يصدر من أعمال للسلطة التشريعية:
ويندرج تحت هذا المعنى أيضاً ما يصدر من السلطة التنفيذية من أعمال تأخذ الصفة التشريعية ومثال ذلك: (القرارات بقوانين) التي تصدر خلال فترة عدم انعقاد المجلس التشريعي، أو ما تسمى في القانون (لوائح الضرورة) إذا ما تمت الموافقة عليها وفقاً لما ينص عليه الدستور فإنها تصبح قانوناً (ولا تقبل دعوى الإلغاء بالنسبة لها)..
2
ـ لا تعد أعمال السلطة القضائية قراراً إدارياً:
ومثال ذلك الأحكام القضائية الصادرة من إحدى المحاكم القضائية بمقتضى وظيفتها القضائية، ويحسم على أساس نص قانوني خصومة قضائية تقوم بين خصمين وتتعلق بمركز قانوني عام أو خاص..
أما ما يصدر من هيئات إدارية أناط بها المشرع اختصاص قضائي فإن ما يصدر منها يعتبر في حكم القرار الإداري ويعامل معاملته..
لذلك لا يعد قراراً إدارياً:
ـ الأحكام الصادرة من المحاكم القضائية
ـ أعمال النيابة العامة المتعلقة بالقضاء كالقرار الصادر من النيابة العامة في شأن مباشرة الدعوى أمام إحدى المحاكم أو القرار بمصادرة المضبوطات التي تم ضبطها بالمخالفة للقوانين، أو القرار الصادر بوضع الأختام وتشميع مكان معين..
ـ الأعمال التي تندرج تحت اصطلاح (الضبط القضائي) وهي الأعمال التي يؤديها رجال الضبط القضائي (ضباط الشرطة) وتتصل بالكشف عن الجرائم وجمع الاستدلالات التي توصل للتحقيق في الدعوى..
3
ـ لا يعد قراراً إدارياً الأعمال المادية الصادرة من الإدارة:
ذلك ان أعمال الإدارة المادية لا يترتب عليها تحقيق آثار قانونية. فمحل العمل المادي نتيجة مادية واقية، أما القرار الإداري القابل للطعن بالإلغاء فيصدر من الإدارة بقصد إحداث أثر قانوني معين جائز وممكن قانوناً..
4
ـ العقود الإدارية لها نظامها الخاص ولا تعد قرارات إدارية:
لأن العقود الإدارية على الرغم من أن الإدارة طرفاً فيها، إلا أنها تنشأ نتيجة توافق إرادتين فهي لا تصدر عن إرادة الإدارة المنفردة..
وأحب التنبيه هنا إلى أنه إذا كانت العقود الإدارية لا تعد قرارات إدارية لا تقبل الطعن بالإلغاء، فإنه يجوز الطعن فيها أمام القضاء المختص إذا شابها عيب من العيوب الذي يستوجب البطلان..
كذلك يجب التنبيه هنا أن العقد الإداري يتضمن في العديد من الحالات وقبل أن يتم إبرامه قرارات إدارية وهذه القرارات الإدارية التي تسمى (بالقرارات المنفصلة عن التعاقد) ولهذا فإنه يجوز لغير المتعاقد أن يطعن في هذه القرارات بالإلغاء باعتبارها قرارات إدارية، أما المتعاقد فلا طريق أمامه إلا قضاء التعويض. ويستثنى من ذلك القرارات الإدارية غير المشروعة فيجوز للمتعاقد الطعن بالإلغاء إذا كانت له مصلحة في ذلك..
5
ـ لا تعد قرارات إدارية الأعمال الصادرة من الإدارة بوصفها شخصاً معنوياً خاصاً
ثالثاً: أن يترتب على العمل القانوني الصادر من الإدارة أثر قانوني:
إذا كان العمل الصادر من الإدارة لا تترتب عليه آثار قانونية بالمعنى السابق فلا يجوز الطعن فيه بالإلغاء..
وتطبيقاً لذلك لا يعد قراراً إدارياً قابلاً للطعن بالإلغاء:
ـ الأوامر والتعليمات المصلحية التي تصدر من الإدارة لمجرد تطبيق القانون أو تنفيذ بعض القرارات الإدارية كنشر القرار أو تبليغه لذوي الشأن أو أمر صادر لموظف بتنفيذ قرار سابق يتضمن نقله..
ـ الخطابات التي تتضمن ردوداً من الإدارة حول موضوع معين سواء لأحد الأفراد أو لإحدى الجهات الإدارية..
ـ القرارات الإدارية التي تم سحبها قبل رفع دعوى إلغاء بشأنها: فهذه القرارات لا يترتب عليها أثر قانوني بالنسبة للمستقبل..
ـ الأعمال التي تستهدف إثبات حالة معينة:
ومن أمثلة ذلك: الأمر الصادر من إحدى الوزارات بإجراء الفحص الطبي على أحد الموظفين تمهيداً لاتخاذ قرار معين بشأن هذا الموظف فلا يعد هذا الأمر قراراً إدارياً فهو لا يعدو أن يكون إجراءً تمهيدياً يعقبه صدور القرار الإداري..
ـ الآراء الاستشارية والمقترحات..
ـ التحقيقات التي تقوم بها جهة إدارية مع أحد الموظفين..
ـ الدعوة التي ترسلها جهة الإدارة لأحد الأفراد أو الموظفين للمثول أمامها لأمر معين..
ـ القرارات التي موضوعها إنذار الإدارة أحد الأفراد أو الموظفين للقيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل والا اتخذت ضدهم الإجراءات القانونية..
المبحث الثالث : القرارات الإدارية التي لا تخضع لرقابة القضاء (أعمال السيادة) :
الأصل العام أن تخضع جميع القرارات الإدارية لرقابة القضاء إلغاءً وتعويضاً، أي أنه يجوز لكل فرد له مصلحة أن يطلب من القضاء المختص إلغاء القرار الإداري إذا شابه عيب من العيوب (كما سيأتي ذكرها فيما بعد)، كما يجوز له أن يطلب التعويض عنه إذا كان قد أصيب بضرر من القرار الإداري..
إلا ان ثمة قرارات تصدر من السلطة التنفيذية وتكون بمنأى من الرقابة القضائية، وهذه القرارات استقر الفقه والقضاء على تسميتها "بأعمال السيادة"..
وتعتبر أعمال السيادة هي الاستثناء الوحيد على مبدأ المشروعية، وهذه الأعمال من أخطر ما تتميز به الإدارة لأنها تسمح لها بإصدار قرارات إدارية لا تسأل عنها أمام اي جهة قضائية. أي أن عمل الإدارة يكون حصيناً ضد أي عمل قضائي سواء بالإلغاء أو بالتعويض..
وقد تم تحديد أعمال السيادة وفقاً للمعيار الحصري اعتماداً على أحكام مجلس الدولة الفرنسي ومحكمة التنازع الفرنسية وتتضمن هذه الأعمال:
ـ الأعمال المتعلقة بعلاقة البرلمان بالحكومة
ـ كل ما يتصل بالعلاقات البرلمانية والشئون الخارجية
ـ إعلان الحرب أو وقفها وسائر الأعمال الحربية
ـ القرارات التي تصدر بشأن الاستيلاء على الأموال في إقليم العدو
ـ المسائل التي تتعلق بسيادة الدولة داخلياً كإعلان حالة الطوارئ وإبعاد الأجانب، أو المسائل التي تتخذها الدولة لحماية اقتصادها أو عملتها المالية أو قرار العفو عن بعض المسجونين
الفصل الثاني: أركان القرار الإداري
يقوم القرار الإداري ـ باعتباره تصرفاً قانونياً ـ على أركان أساسية، إذا فقد أحدهم شابه البطلان أو الانعدام، وهذه الأركان هي:
1
ـ السبب
2
ـ المحل
3
ـ الشكل
4
ـ الاختصاص (أهم ركن)
5
ـ الغاية
وسأقوم بتوضيح كل ركن في مبحث على حده..
المبحث الأول: الركن الأول): السبب)
يجب لكي يكون القرار الإداري سليماً أن يكون له سبب يقره القانون..
والسبب هو الحالة الواقعية أو القانونية المشروعة التي تجعل الإدارة تتدخل وتصدر القرار الإداري. أي أنه عنصر خارجي موضوعي، قد يكون حالة واقعية "كقيام مظاهرات أو اضطرابات تؤدي إلى الإخلال بالنظام العام"، مما يبرر اتخاذ قرارات لمواجهة ذلك..
وقد يكون حالة قانونية كطلب تعيين موظف استكمل كل شروط وضوابط التعيين في الوظيفة المتقدم إليها..
والقاعدة العامة: أن الإدارة لا تلتزم بتسبيب قراراتها استناداً إلى افتراض أن قراراتها تصدر بناءً على سبب صحيح، وعلى من يدعي عكس ذلك أن يتولى الإثبات، ولكن لا تثريب على الإدارة إن هي ذكرت السبب الذي جعلها تتدخل وتصدر القرار. وهنا تخضع الإدارة لرقابة القضاء للتحقق من مدى مطابقة أو عدم مطابقة السبب للقانون..
غير أن هناك حالات يلزم القانون فيها الإدارة أن تذكر سبب إصدار القرار، فهنا يجب على الإدارة أن توضح الأسباب التي بنت عليها اتخاذها للقرار، ومثال ذلك: نص القانون على عدم جواز توقيع الجزاء على الموظف إلا بعد إجراء تحقيق معه كتابة وسماع أقواله وتحقيق دفاعه، ويجب أن يكون القرار الصادر بتوقيع الجزاء مسبباً..
المبحث الثاني: الركن الثاني: المحل:
ويقصد به (موضوع القرار) أو الأثر الذي ينجم عن القرار مباشرة، سواء بإنشاء مركز قانوني موجود أو إلغائه..
ويجب في محل القرار أن يكون ممكناً وجائزاً من الناحية القانونية، وإلا كان القرار باطلاً لمخالفته القانون، ويقصد بالقانون هنا المعنى الواسع، أي القاعدة القانونية أياً كان مصدرها..
ومثال ذلك القرار الصادر بتوقيع عقوبة تأديبية على أحد الموظفين الذي لم يتضمنها قانون الخدمة المدنية بالدولة يعتبر باطلاً لعيب في محله..
وتأخذ مخالفة القرار الإداري إحدى ثلاث صور:
ـ المخالفة المباشرة للقانون
ـ الخطأ في تفسير القاعدة القانونية
ـ الخطأ في تطبيق القاعدة القانونية على الوقائع
المبحث الثالث: الركن الثالث: (الشكل)
ويقصد به المظهر الخارجي للقرار الإداري، ولا يخضع القرار ـ كقاعد عامة ـ حين يصدر من جهة الإدارة لأي شكل محدد، فلا يشترط في القرار الإداري أن يصدر في صيغة معينة أو في شكل معين، بل ينطبق هذا الوصف ويجري حكمه كلما أفصحت الإدارة أثناء قيامها بوظائفها عن إرادتها الملزمة بقصد إحداث أثر قانوني معين..
وعلى ذلك يمكن أن يكون القرار الإداري شفوياً أو مكتوباً، ويمكن أن يكون صريحاً ويمكن أن يكون ضمنياً مفترضاً كمضي مدة معينة على تقديم طلب أو تظلم دون أن ترد الإدارة على صاحب الشأن..
غير ان القانون إذا اشترط شكلاً معيناً في القرار الإداري فيجب على الإدارة مراعاة هذا الشكل..
ومن الأمثلة على ذلك: إذا اشترط القانون ضرورة قيام الإدارة بالتحقيق قبل اتخاذ القرار، أو استشارة جهة فنية مختصة، أو ضرورة التنبيه قبل اتخاذ القرار إلى غير ذلك من أشكال متعددة..
غير أن القضاء وحرصاً منه على عدم شلل نشاط الجهات الإدارية وتخفيفاً من غلواء الأشكال وآثارها، فقد استقر على التفرقة بين (الأشكال الجوهرية التي تؤثر في حقوق الأفراد وحرياتهم، والذي يترتب على عدم إتباعها مساس بضمانات الأفراد) (وبين الأشكال غير الجوهرية التي لا تؤثر في الضمانات المقررة) وسيأتي ذلك وفقاً للتفصيل الآتي:
أولاً: الأشكال الجوهرية:
إذا كانت القواعد الإجرائية أو الشكلية قد تقررت لمصلحة الأفراد "هنا يعتبر الإجراء أو الشكل جوهري"، ومن الأمثلة على ذلك: إذا استلزم القانون أخذ رأي فرد أو هيئة قبل إصدار القرار فيجب على جهة الإدارة تقوم بهذا الإجراء، وإلا كان القرار باطلاً..
ومثال آخر: إذا عقد اجتماع لهيئة معينة دون تواجد رئيسها أو من ينوب عنه في الرئاسة فإن الاجتماع لا يعد صحيحاً، وبالتالي فإن القرارات الصادرة عنه تعتبر باطلة..
ثانياً: الأشكال غير الجوهرية:
إذا كانت القواعد الإجرائية أو الشكلية مقررة لصالح الإدارة فلا تعد من الأشكال أو الإجراءات الجوهرية، ولا يترتب على إغفالها بطلان القرار الإداري..
ومثال ذلك: إذا طلب موظف النقل من مكان لآخر ووافقت عليه الإدارة وأصدرت قرار النقل دون العرض على لجنة شئون الموظفين، فلا يجوز لصاحب الشأن أن يطعن بالبطلان في القرار بحجة عدم مراعاة جانب الشكل في القرار..
وبصفة عامة، يعتبر الشكل جوهرياً إذا كان يترتب على إغفاله المساس بالضمانات التي تحمي حقوق الأفراد، أو إذا كانت الإدارة لو اتبعته بصدد القرار لصدر القرار على نحو آخر..
وتعتبر هذه المسألة تقديرية تفصل فيها المحكمة وفق ظروف كل دعوى على حدة..
ـ حكم عدم إتباع الإدارة للشكل أو الإجراء الذي نص عليه القانون إذا كان ذلك راجعاً لسبب أجنبي لا يد للإدارة فيه:
ولتوضيح ذلك يجب أن نفرق بين حالات ثلاث:
الحالة الأولى: إذا استحال أو تعذر إتمام الشكلية بسبب قوة قاهرة حالت دون ذلك:
هنا لا يجوز الاعتداد بذلك لكي نصل إلى بطلان القرار الإداري، أي بمعنى آخر يكون القرار سليماً رغم عدم اتمام الشكلية..
الحالة الثانية: إذا كانت استحالة إتمام الشكل ترجع إلى صاحب الشأن:
إذا كان عدم استيفاء ركن الشكل يرجع إلى صاحب الشأن، فلا يترتب على ذلك بطلان القرار الإداري..
ومثال ذلك: إذا كان القانون يستلزم ضرورة إطلاع الموظف المحال إلى المحكمة التأديبية على الملف الخاص به كضمان من الضمانات المقررة في مجال التأديب. وقامت الإدارة بإخطار الموظف غير أنه لم يمتثل ورفض الاطلاع على الملف، فإذا قامت الإدارة وأصدرت قرارها فإنه "يكون سليما". وبالمثل، لو امتنع الموظف عن الإدلاء بأقواله أو الحضور للتحقيق، فلا يجوز له أن يستند إلى ذلك لكي يصل إلى بطلان القرار الإداري..
الحالة الثالثة: إذا كانت استحالة إتمام الشكل ترجع إلى الغير:
استحالة إتمام ركن الشكل في القرار الإداري قد ترجع إلى سبب لا يتصل بالإدارة، ولا بصاحب الشأن، ولا بقوة قاهرة. وإنما بسبب متصل بالغير..
ومثال ذلك: أن تقوم السلطة المختصة بعرض موضوع على لجنة شئون الموظفين يدخل هذا الموضوع في اختصاصها. غير أن أعضاء هذه اللجنة لم يحضروا الاجتماع أو حضروا ورفضوا مناقشة ما عرض عليهم، أو رفضوا التصويت عليه. في مثل هذه الحالة يكون (قياساً) طالما قامت الإدارة بما ألزمها به القانون من عرض الموضوع على الجهة أو الهيئة المختصة..
ـ تغطية الإدارة لعيب الشكل:
السؤال المطروح الآن: هل يجوز للإدارة أن تستكمل ركن الشكل بعد ان أصدرت القرار الإداري؟..
للإجابة عن ذلك، يجب التفرقة بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا كان العيب الشكلي يرجع إلى إغفال الإدارة لإجراء نص عليه القانون:
في هذه الحالة لا يجوز للإدارة بعد إصدار القرار أن تبادر إلى استكمال ركن الشكل الذي نص عليه القانون، (لأن ذلك يعتبر بمثابة تصحيح للقرار بأثر رجعي، وهذا غير جائز)..
الحالة الثانية: إذا كان العيب الشكلي مجرد إغفال بعض البيانات التي لا تؤثر في مضمون القرار، ولا يترتب على إغفالها المساس بضمانة من الضمانات المقررة للأفراد (أي مجرد خطأ مادي) :
في هذه الحالة يجوز للإدارة أن تقوم بتغطية ركن الشكل بعد إصدار القرار. مثال ذلك: عدم التوقيع على محضر إحدى الجلسات التي بناءً عليها صدر القرار الإداري أو عدم الإشارة في مقدمة القرار إلى نصوص بعض القوانين..
ـ مدى أثر قبول صاحب الشأن القرار المعيب بعيب الشكل على تصحيح القرار الإداري:
نظراً لأن الشكل أو الإجراء الذي ينص عليه القانون مقرر لحماية المصلحة العامة، فإن قبول صاحب الشأن لعيب الشكل غير جائز ولا يترتب عليه أي أثر..
بمعنى آخر، أن قبول المعني بالأمر للقرار المعيب بعيب الشكل، لا يترتب عليه تصحيح هذا القرار وزوال البطلان الذي لحق به..
المبحث الرابع: الركن الرابع (الاختصاص)
أهم ركن في القرار الإداري
يجب أن يصدر القرار من الجهة التي خولها القانون هذا الاختصاص، لأن قواعد الاختصاص ـ ومصدرها القانون واللوائح المختلفة ـ هي التي تحدد مدى اختصاص كل موظف في إصدار القرارات الإدارية، سواء من حيث الاختصاص الإقليمي، أو الزماني، أو الموضوعي، أو الشخصي..
ويعتبر ركن الاختصاص من أهم أركان القرار الإداري. ويترتب على عدم مراعاته بطلان القرار وإلغاؤه أو انعدامه..
ويعتبر عيب عدم الاختصاص متعلق بالنظام العام بحيث تستطيع المحكمة أن تتصدى له من تلقاء نفسها ولو لم يطلبه الخصوم..
كما أن الإدارة إذا كانت في عجالة من الأمر لاستصدار القرار، فإن ذلك بحد ذاته يعد مبرراً لمخالفة قواعد الاختصاص
وإذا اتفق أحد الأفراد او الموظفين على تعديل قواعد الاختصاص، فإن مثل هذا الاتفاق لا أثر له. ذلك أن قواعد الاختصاص ليست مقررة لصالح الإدارة، فتتنازل عنها كلما أرادت، ولكن قواعد الاختصاص شرعت وتقررت لتصنع قواعد ملزمة للإدارة تحقيقاً للمصلحة العامة..
وقد جرى القضاء الإداري على التفرقة بين نوعين من عدم الاختصاص:
1
ـ عدم الاختصاص الجسيم
2
ـ عدم الاختصاص البسيط
واللذان سيتم توضيحهما على النحو التالي..
أولاً: عدم الاختصاص الجسيم:
ويسمى في هذه الحالة (بغصب السلطة). ويتحقق في الفروض التالية:
ـ اعتداء أحد السلطات العامة (التشريعية ـ القضائية ـ التنفيذية) على الأخرى..
ـ قيام أحد الأفراد العاديين بممارسة أعباء إحدى الوظائف العامة وإصدار بعض القرارات..
ـ ممارسة احد الموظفين لاختصاصات تدخل في نطاق اختصاص شخص آخر بناء على تفويض باطل..
ـ إصدار قرار من أحد الموظفين لا يدخل مطلقاً في نطاق اختصاصه..
في مثل هذه الحالات وغيرها التي يعتبر فيها عيب عدم الاختصاص واضحاً وجسيماً، فإن القرار الذي يصدر يعتبر "منعدماً"، لأنه يفتقد مقومات القرار الإداري، ويصبح عديم الأثر قانوناً، لذلك فإنه لا يتمتع بالحصانة المقررة للقرارات الإدارية، الأمر الذي يترتب جواز سحبه دون التقيد بمدة الستين يوماً المحددة لسحب القرارات الإدارية (سيأتي بحث سحب القرار الإداري في مباحث أخرى)، كما يمكن رفع دعوى الإلغاء دون التقيد أيضاً بهذه المدة..
ثانياً: عدم الاختصاص البسيط:
يظهر عدم الاختصاص البسيط في حالة تجاوز أحد الموظفين اختصاصه المسند إليه إلى اختصاص آخر في نطاق الوظيفة الإدارية، وعدم الاختصاص البسيط قد يكون إقليمياً أو موضوعياً أو زمنياً..
1
ـ عدم الاختصاص الإقليمي:
يظهر هذا العيب بصورة واضحة في نطاق عمل الوحدات المحلية، كأن يصدر رئيس أحد المجالس البلدية أو أحد المحافظين أو احد الوزراء قراراً يتعلق بوحدة محلية أخرى خلاف الوحدة التي يتولى رئاستها، فإن حدث ذلك كان القرار معيباً بعيب عدم الاختصاص المكاني..
2
ـ عدم الاختصاص الزمني:
كما أن للوظيفة العامة بداية، فإن لها نهاية تنتهي بها، فالموظف لا يشغل الوظيفة بصفة أبدية، بل يمكن أن تنتهي الوظيفة بأحد الأسباب التي نص عليها القانون: كالاستقالة أو الفصل من الخدمة أو بلوغ السن القانوني للتقاعد..
من جهة أخرى قد ينقل الموظف من وظيفة إلى أخرى أو يرقى إلى وظيفة أعلى..
ومعنى ذلك، أن لا يجوز للموظف أن يباشر اختصاص وظيفته إلا خلال المدة التي يتولى فيها مهام هذه الوظيفة، فإذا قام به سبب من أسباب انتهاء الخدمة، امتنع عليه مباشرة اختصاصات الوظيفة. وإلا كان عمله مشوباً بعيب عدم الاختصاص..
3
ـ عدم الاختصاص الموضوعي:
يجب أن تكون جهة الإدارة التي أصدرت أحد القرارات الإدارية مختصة بذلك، وفقاً لأحكام القانون. فإذا صدر قرار من إحدى الجهات الإدارية في موضوع لا يدخل في اختصاصها، فإن القرار يكون معيباً بعيب عدم الاختصاص من حيث الموضوع. وحقيقاً بالإلغاء..
المبحث الخامس : الركن الخامس (الغاية) أو الهدف:
وهذا الركن يعد المقصد النهائي من إصدار القرار الإداري، فالهدف من صدور قرار تعيين أحد الموظفين، العمل على استمرار سير العمل في المرفق الذي عين به..
والهدف من القرار الصادر بتوقيع جزاء على أحد الموظفين منع الموظف من تكرار الخطأ وتنبيه الغير حتى لا يقعوا في الخطأ بما يحقق المصلحة العامة، (والأصل أن كل قرار إداري يستهدف تحقيق المصلحة العامة) ويفترض فيه ذلك، وعلى من يدعي عكس ذلك ـ أي من يدعي أن الإدارة لم تستهدف بقرارها الصالح العام ـ أن يثبت ذلك..
ولكن في بعض الحالات قد يحدد المشرع للإدارة هدفاً خاصاً محدداً فيجب عليها أن تعمل على تحقيق هذا الهدف الخاص، ولا تسعى لغيره حتى لو كان الهدف الذي تسعى لتحقيقه عاماً..
وإذا خرجت الإدارة عن تحقيق هذا الركن فإن قرارها يكون مشوباً بعيب الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها..
مقتضى ذلك أن عيب إساءة استعمال السلطة المبرر لإلغاء قرار إداري معين يجب أن يشوب الغاية ذاتها
ويتميز هذا العيب بأنه: 1ـ عيب قصدي 2ـ عيب احتياطي
أولاً العيب القصدي:
بمعنى أنه يجب أن يكون لدى الإدارة عند إصدارها القرار قصد إساءة استعمال السلطة والانحراف بها. فهذا العيب يتطلب من الإدارة إرادة واعية ومقصودة منها لتحقيق هدف خلاف ما يتطلبه القانون..
ثانياً: العيب الاحتياطي:
بمعنى أن القاضي إذا وجد عيباً آخر يؤسس عليه حكمه بإلغاء القرار الإداري فيجب أن يستند إليه. فإذا كان القرار معيباً في سببه أو محله أو شكله أو لم تراع فيه قواعد الاختصاص بجانب إساءة استعمال السلطة، (فيجب على القضاء أن يحكم بالإلغاء بناء على أحد العيوب السابقة ولا يلجأ إلى هذا العيب الذي يشوب القرار الإداري..
وأحب التنويه هنا أن هذا العيب لا يقوم إلا إذا كان الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها قد وقع من مصدر القرار، أو من اشترك معه في إصداره. فلو صدر قرار من وزير العدل في أمر يتعلق بالموظفين في الوزارة فلا يجوز طلب إلغائه على أساس الانحراف بالسلطة تأسيساً على وجود خلاف بين من صدر بشأنه القرار، وبين الموظفين في مكتب الوزير لأن هؤلاء لا علاقة لهم بإصدار القرار وليس لهم حق المشاركة في إصداره. فطالما أن القرار صدر من صاحب الاختصاص المحدد قانوناً مستهدفاً تحقيق المصلحة العامة لا مجانباً لها فإن القرار يكون سليماً..
ولا يكاد يظهر هذا العيب إلا في حالة ممارسة الإدارة لسلطتها التقديرية، لأن الإدارة إذا كانت تمارس اختصاصاً مقيداً فإن القانون يلزمها بالتصرف على نحو معين، وبالتالي فإن أي خروج على ذلك فإن القرار يكون معيباً في محله..
*
بعض صور إساءة استعمال السلطة:
أولاً: إساءة استعمال السلطة لتحقيق مصلحة منبتة الصلة بالمصلحة العامة:
ـ إصدار القرار لتحقيق مصلحة شخصية..
ـ إصدار القرار بقصد الانتقام..
ـ إصدار القرار لتحقيق غرض سياسي أو حزبي..
ثانياً: إساءة استعمال السلطة نتيجة الخروج عن الهدف المخصص:
ـ استخدام وسائل الضبط الإداري لتحقيق مصالح مالية..
ـ اتخاذ الإدارة إجراءات الاستيلاء المؤقت بقصد نزع الملكية والاستيلاء الدائم..
ـ نقل الموظفين كجزاء تأديبي خلافاً لما نص عليه القانون..
*
إثبات عيب الانحراف:
يمكن إثبات الانحراف بدراسة الظروف التي أحاطت بإصدار القرار ووسيلة تنفيذه، أو عن طريق اعتراف الإدارة، أو بالاطلاع على ملف الخدمة وما ورد به من بيانات ومعلومات أو إذا اتضح للمحكمة أن لم يكن هناك مبرر معقول يستدعي تدخل الإدارة والقضاء من كل ذلك ربما يستشف ما إذا كانت الإدارة قد التزمت جادة الصواب واستهدفت الصالح العام، أم أنها انحرفت عن ذلك لأغراض أخرى غير مشروعة..
وعلى أي حال فقد ذكرت سابقاً أن عيب إساءة استعمال السلطة هو عيب احتياطي لا يلجأ إليه القضاء لكي يتوصل إلى إلغاء القرار الإداري إلا إذا كان هذا العيب هو العيب الوحيد، لأنه عيب احتياطي لإلغاء القرار الإداري..
الفصل الثالث
نفاذ وسريان القرار الإداري
يمر القرار الإداري بمراحل متعددة حتى يكون نافذاً وسارياً، فالمرحلة الأولى للقرار الإداري هي مرحلة الإعداد، وهو التحضير لإصدار القرار، ويتم سواء من جانب أحد الموظفين أو مجموعة أو أحد المجالس، وقد يتم علانية، وقد يتم سراً..
ثم مرحلة الإصدار، وهي المرحلة القانونية التي تستهدف الإعلان عن قيام القرار قانوناً، وإظهاره في حيز الوجود القانوني، ويكون الإصدار بمثابة تأكيد وجود القرار رسمياً وهي مرحلة الإعلام وهي مرحلة نفاذ القرار في مواجهة المخاطبين به..
والأصل العام أن القرار الإداري ينفذ منذ صدوره من جهة الإدارة التي تملك إصداره. ولكن لا يسري في حق المخاطبين به أو غيرهم إلا إذا علموا به عن طريق وسائل العلم الخاصة بالقرارات الإدارية..
وعلى ذلك سأقوم بتوضيح التفرقة بين عنصرين، هما:
1
ـ نفاذ القرار الإداري
2
ـ سريان القرار الإداري
المبحث الأول: نفاذ القرار الإداري :
ينفذ القرار الإداري من تاريخ صدوره وذلك بأثر مباشر، ويجوز في بعض الحالات الاستثنائية أن يكون للقرار أثر رجعي..
أولاً: القاعدة العامة في نفاذ القرارات الإدارية:
بمجرد صدور القرار الإداري من السلطة المختصة التي تملك حق إصداره قانوناً، فإن القرار يكون نافذاً في حق الإدارة وتستطيع تطبيقه ويحق لمن له مصلحة الطعن فيه، وذلك خلافاً للقوانين التي لا يعتد بها ولا تطبق إلا بعد نشرها في الجريدة الرسمية. لأن القرارات الإدارية تتم وتنتج آثارها القانونية من يوم التوقيع عليها ممن يملك سلطة إصدارها..
ونتيجة لذلك، فإن ثمة نتائج تترتب على ذلك أهمها:
1
ـ يلزم للحكم على مشروعية القرار ومدى اتساقه مع القواعد القانونية الأعلى منه تطبيقاً لمبدأ تدرج القواعد القانونية، الرجوع إلى تاريخ صدور القرار الإداري، وخاصة بالنسبة لسببه وموضوعه ومصدر القرار..
2
ـ تملك الإدارة بمجرد صدور القرار تطبيقه دون إعلان الأفراد به، كما تملك الإدارة إرجاء تنفيذه لأن تنفيذه رخصة مخولة للإدارة تترخص في إجرائه بحسب مقتضيات المصلحة العامة..
3
ـ إن الإدارة إذا أرادت إلغاء وسحب القرار الإداري فإنها تتقيد في حساب المدة المنصوص عليها للإلغاء أو السحب بتاريخ الإصدار..
4
ـ يجوز للأفراد بمجرد صدور القرار أن يتظلموا منه وأن يطعنوا فيه ويطلبوا وقف تنفيذه أمام القضاء المختص..
ثانياً: مدى جواز رجعية القرارات الإدارية:
إن قاعدة عدم الرجعية ليست مطلقة بل هي أصل عام، يمكن أن ترد عليه استثناء لا يخرج القاعدة عن جوهرها أو يحول بينها وبين تحقيق هدفها..
وقد وضع القضاء بعض الاستثناءات على مبدأ الرجعية وهي:
1
ـ جواز رجعية القرارات الإدارية بنص تشريعي: ويعني ذلك صدور قانون يعطي الإدارة الحق في إصدار قرارات بأثر رجعي في بعض الحالات، ومثالها: أن يصدر قانون بسحب بعض القرارات اعتباراً من تاريخ معين..
2
ـ رجعية القرارات الإدارية تنفيذاً لحكم قضائي بإلغاء هذا القرار، ويترتب على ذلك أن يصبح هذا القرار هو والعدم سواء..
3
ـ نظراً لأن القرارات التنظيمية (اللوائح) تعد قوانين وفقاً للمعيار الموضوعي، فإن النص في قانون العقوبات المتعلق بالقانون الأصلح للمتهم تطبق عليه بأثر رجعي..
4
ـ هناك قرارات إدارية تنظيمية تتضمن بالضرورة أثراً رجعياً، ومن أمثلتها:
ـ القرار الصادر بسحب قرار إداري غير سليم..
ـ القرار الإداري بتصحيح قرار غير سليم..
ـ القرارات المؤكدة والقرارات المفسرة..
ـ الرجعية بسبب طبيعة الاختصاص، كأن يفوض المشرع مجلس الوزراء في الزيادة السنوية لموظفي الدولة، فيسري القرار بأثر رجعي كل شهر يناير من كل عام..
المبحث الثاني: سريان القرار الإداري :
إذا كان القرار الإداري ينفذ في مواجهة الإدارة بمجرد صدوره من السلطة المختصة كما سبق بيانه، فإن الأمر جد مختلف بالنسبة لسريان القرار الإداري في مواجهة الأفراد، فلا يسري القرار ولا ينفذ في حقهم إلا بإحدى الوسائل المحددة قانوناً وهما:
1
ـ الإعلان
2
ـ نشر القرار
3
ـ وأضاف القضاء وسيلة ثالثة هي العلم اليقيني التام
أولاً: الإعلان :
ويتم عن طريق إعلان القرار للشخص المعني بالأمر، وليس للإعلان شكل معين، ولا تلتزم الإدارة باتباع وسيلة معينة لكي تبلغ القرار للأفراد. فقد تسلم الإدارة القرار للمعني بالأمر أو بخطاب مسجل بعلم الوصول بحيث يكون إشعار البريد المتعلق باستلام الخطاب الممضي عليه قرينة على الإعلان حتى يثبت العكس، ويقع عبء الإثبات على الموظف، وقد يتم الإعلان على يد محضر وذلك وفقاً للإجراءات المتعلقة في الإعلانات القضائية، وعليه فليس للإعلان شكل معين والمهم هو المضمون بأن يكون العلم بالقرار حقيقياً وهذا لا يحدث إلا إذا كانت وسيلة العلم تؤدي إلى علم المعني بالقرار على وجه اليقين..
وتأسيساً على ذلك فإن إرسال القرار بالفاكس للمعني بالأمر لا يعد وسيلة للعلم لأن الفاكس قد يتسلمه شخص آخر، وقد يصل غير واضح وبالتالي لا توجد وسيلة بالعلم..
ثانياً: النشر:
المقصود بالنشر هو قيام الإدارة بإعلان الكافة ومنهم صاحب الشأن بمحتويات القرار الذي تصدره الإدارة حتى يكونوا على بينة منه..
وتختلف وسيلة النشر في اختلاف القرار نفسه كونه قراراً تنظيمياً أو قراراً فردياً..
فإذا كان القرار تنظيمياً فإن وسيلة العلم به هي النشر في الجريدة الرسمية كالقوانين، ويعد النشر في الجريدة الرسمية قرينة على العلم بمجرد النشر..
أما إذا كان القرار فردياً فيمكن نشره فيما يسمى بالنشرات المصلحية..
الفصل الرابع : تنفيذ القرار الإداري
يقصد بتنفيذ القرار الإداري : انتقال القرار من المرحلة الإدارية النظرية إلى حيز التطبيق العملي. وتتميز الإدارة بالنسبة للقرارات الصادرة منها بمزايا أهمها:
1
ـ أنه يفترض في كل قرار إداري أنه صادر بناء على سبب صحيح، وعلى من يدعي العكس الإثبات. ويترتب على ذلك نتيجة مهمة وهي أنه بمجرد صدور القرار الإداري يكون واجب النفاذ والتطبيق (حتى ولو كان غير سليم)، وعلى من يريد المنازعة فيه التظلم أو الطعن فيه بالإجراءات القانونية..
2
ـ أنه نتيجة أن القرار الإداري يصدر من جانب الإدارة بما لها من سلطة ملزمة بمقتضى القوانين واللوائح. ولا يتوقف صدوره وتطبيقه على موافقة الأفراد، فإن الإدارة تكون مدعى عليها بصفة مستمرة..
3
ـ إن الأصل أن ينفذ القرار اختياراً عن طريق الأفراد، ولكن من حق الإدارة أن تلجأ للتنفيذ المباشر، أو للتنفيذ عن طريق القضاء، أو استعمال القوة الجبرية لكي تنفذ القرار..
الفصل الخامس (والأخير) : نهاية القرار الإداري
يقصد بنهاية القرار الإداري : انتهاء كل أثر قانوني له..
وينتهي القرار الإداري، إما إدارياً من جانب الجهة الإدارية مصدرة القرار، أو قضائياً عن طريق التجاء صاحب الشأن للقضاء مطالباً إلغاءه إذا شاب القرار عيب من العيوب..
وسيقتصر الحديث هنا عن النوع الأول دون الثاني أي عن نهاية القرار الإداري من جانب الجهة الإدارية لأن النوع الثاني يدخل في مجال القضاء الإداري..
وفي صدد نهاية القرارات الإدارية (من جانب الجهة الإدارية)، يجب التفرقة بين أمرين:
الأول: وهو نهاية القرار الإداري (بالنسبة للمستقبل)، وهو ما يطلق عليه (إلغاء القرار الإداري)..
الثاني: هو نهاية القرار الإداري بالنسبة للماضي والمستقبل، وهو ما يطلق عليه (سحب القرار الإداري)..
المبحث الأول: إلغاء القرار الإداري:
ويقصد بالإلغاء ـ كما أوضحناه ـ انتهاء آثار القرار القانونية بالنسبة للمستقبل فقط..
وهذا الإلغاء يمكن أن يكون كلياً أي يشمل القرار بكل محتوياته، ويمكن ان يكون جزئياً وذلك بإلغاء بعض آثار القرار مع الإبقاء على البعض الآخر منتجاً لآثاره القانونية..
وسأوضح في هذا المبحث أسباب إلغاء القرار الإداري، ومدى سلطة الإدارة في إلغائه..
أولاًَ: أسباب إلغاء القرار الإداري:
للإدارة سلطة إلغاء القرار الإداري في حالات معينة، ولكن هذه السلطة ليست مطلقة تلغي ما تشاء وفي أي وقت تريد..
وبادئ ذي بدء فإن هذه النقطة لا تثور ـ غالبا ـ بالنسبة للقرارات التنظيمية التي تتضمن قواعد عامة مجردة، ولا يتعلق بها حقوق مكتسبة للأفراد، ويمكن أن يرد عليها تعديل في أي وقت وفقاً لمقتضيات سير المرفق العام بصفة منتظمة ودائمة..
أما عن ضرورة وجود سبب للإلغاء فيثار بالنسبة للقرارات الإدارية الفردية، ففي مثل هذه القرارات يجب أن تستند الإدارة في إلغائها إلى سبب، والأسباب قد تكمن في:
1
ـ تغير التشريع الذي صدر القرار في ظله، (وكان لهذا التشريع أثر رجعي) :
من المعروف قانوناً أن القرار الإداري يخضع للتشريع المطبق وقت صدوره، ولا يؤثر في القرار الإداري الصادر في ظل نظام قانوني معين صدور قانون جديد..
ويظهر ذلك بوضوح بالنسبة للموظف العام الذي استقر الفقه والقضاء أنه (في مركز تنظيمي لائحي)..
ولتوضيح هذه النقطة نعطي مثالاً: إذا عين الموظف العام أو رقي في ظل نظام قانوني معين فلا يضار بوضع نظام قانوني جديد، إلا إذا تضمن هذا القانون الجديد أثراً رجعياً. كما لو كان القانون السابق يجعل اختيار أعضاء النيابة العامة من قبل وزير العدل، ثم صدر قانون جديد يجعل الاختيار من قبل المجلس الأعلى للقضاء، (وينص على تطبيقه على جميع الحالات بأثر رجعي)، فهنا يلغى قرار كل أعضاء النيابة المعينين من قبل وزير العدل تطبيقاً للقانون، ويتم إعادة تعيينهم بناء على قرار من المجلس الأعلى للقضاء..
2
ـ موافقة صاحب الشأن:
ولا يكون هذا السبب إلا نادراً، وخارج الوظيفة العامة، لأن قبول الموظف على ان يعامل بالخلاف للقانون باطل ولا يعتد به، ولا يؤثر على حقه بالمطالبة بتصحيح وضعه طبقاً للقانون، وذلك تأسيساً على العلاقة التنظيمية التي تربط الموظف بالإدارة..
3
ـ إلغاء القرار لدواعي المصلحة العامة:
يجوز للإدارة أن تلغي القرار الإداري لدواعي المصلحة العامة، ودواعي المصلحة العامة متعددة، أهمها، المحافظة على النظام العام بإحدى مدلولاته الثلاثة: (الأمن العام ـ الصحة العامة ـ السكينة العامة) أو ما يستجد من اعتبارات مختلفة..
ولهذا يجب دائماً حين إلغاء قرار إداري لدواعي المصلحة العامة أن يكون السبب واضحاً..
ثانياً: مدى سلطة الإدارة في إلغاء القرار الإداري:
لمعرفة مدى سلطة الإدارة في إلغاء القرار الإداري يجب التفرقة بين القرار التنظيمي وبين القرار الفردي..
ففي القرار التنظيمي، يحق للإدارة تعديله أو إلغاؤه في أي وقت وفقاً لمقتضيات الصالح العام (كما أوضحنا سابقاً)..
أما بالنسبة للقرار الفردي، فهذا القرار وكقاعدة عامة (لا يجوز المساس به طالما كان سليماً وترتب عليه اكساب الشخص حقاً شخصياً أو مركزاً خاصاً)..
وعلى ذلك، إذا كان القرار غير سليم كأن كان به أحد العيوب، فللإدارة الحق في إلغائه (خلال ستين يوماً)، وبالمثل إذا كان القرار لم يولد حقاً كالقرارات الولائية أو الوقتية التي تعطي الفرد مجرد رخصة أو تساهل من جانب جهة الإدارة أو كأن تسمح الإدارة لبعض المتاجر أو المحلات في مناسبات معينة بوضع الكراسي أو البضائع على الرصيف فالإدارة تملك في أي وقت إلغاء هذه القرارات..
ومن أمثلة ذلك أيضاً قرارات ندب الموظفين التي يجوز إلغاؤها في أي وقت لأن الندب تكليف مؤقت للموظف للقيام بأعباء وظيفة معينة..
وإذا كان القرار الفردي السليم الذي ولد حقاً أو أكسب الشخص مركزاً خاصاً لا يجوز المساس به، فإن هذا الأمر ليس مؤبداً، بل يمكن للإدارة المساس بالقرار عن طريق (القرار المضاد)..
والقرار المضاد: هو نوع من القرارات الإدارية يصدر من جانب الإدارة بما لها من سلطة ملزمة بمقتضى القوانين واللوائح ليحل محل قرار سابق منهياً بذلك القرار الأول. ويراعى فيه الأشكال والإجراءات التي ينص عليها القانون ويظل القرار المضاد منفصلاً ومتميزاً عن القرار الأول..
وبذلك يعد القرار المضاد أحد الوسائل التي يمكن جهة الإدارة لإنهاء قرار سليم صادر منها، ويجب مراعاة أن سلطة الإدارة في إصدار القرار المضاد (سلطة مقيدة وليست تقديرية). فليس من حقها في أي وقت تشاء أن تصدر القرار المضاد لتنهي به آثار القرار السليم والذي غالباً ما يكون قد (تحصن) وإلا عد ذلك اعتداء صارخ على فكرة تحصين القرار الإداري بمضي المدة (ستون يوماً). كما يعد اعتداء صارخاً على فكرة عدم المساس بالقرار الذي صدر سليماً..
ومن أوضح الأمثلة على القرار المضاد إذا صدر قرار بتعيين أحد الأفراد في وظيفة عامة، فلا يجوز للإدارة أن تمسه إذا صدر سليماً بكل أركانه، فلا يتأثر وضع الموظف بعد تعيينه بتغيير بعض الشروط اللازمة للتعيين في الوظيفة..
فهنا تستطيع الإدارة إصدار قرار يسمى بالقرار المضاد لإنهاء الخدمة، أي أننا أصبحنا أمام قرارين:
ـ قرار (أصل) بالتعيين سليم من الناحية القانونية..
ـ قرار مضاد بإنهاء الخدمة سيتم أيضاً من الناحية القانونية..
أو
ـ قرار (أصل) يمنح ترخيص لأحد الأشخاص بمزاولة مهنة معينة..
ـ قرار مضاد بعدم تجديد الترخيص أو إنهاء القرار الأول..
ويجب عدم الخلط بين القرار المضاد وقرار سحب القرار الإداري لأن القرار المضاد ينهي لآثار قرار سليم، بينما السحب فلا يرد إلا على القرارات غير السليمة..
كما ان القرار المضاد يقتصر أثره على المستقبل فقط..
ويترك جميع الآثار التي تركها القرار الأول دون مساس، أما قرار السحب ـ كما سنرى ـ ينهي كل آثار القرار المسحوب من تاريخ صدوره بحيث يعتبر القرار كأن لم يكن..
فالقرار المضاد هو المخرج الذي تمارس السلطة العامة من خلاله إنهاء تصرفها السليم الذي أنشأ حقوقاً < /span>يغادر هذه الحياة، فإن اللحظات الهامة في كل مرحلة من مراحل الحياة يجب تأريخها حتى يمكن التعامل معها..
فقرار تعيين أحد الموظفين لا يمكن أن يتأثر البتة نتيجة لتغير الشروط القانونية اللازمة فيمن عين في الوظيفة حتى لو فقد الموظف بعد تعيينه بعض شروط الصلاحية المتطلبة لشغلها، وإذا ما رأت السلطة الإدارية إنهاء تعيين هذا الموظف، فلن تلجأ إلى وسيلة الرجوع في قرار التعيين، بل تصدر قرار مضاد (كالعزل، أو الإحالة على التقاعد) وذلك في الحالات وطبقاً للشروط المنصوص عليها في القانون..
المبحث الثاني: سحب القرار الإداري :
يقصد بسحب القرار الإداري إنهاء آثار القرار بأثر رجعي، أي إنهاء كل أثر للقرار بالنسبة للماضي والمستقبل. ويقتصر السحب على القرارات غير المشروعة التي أصابها أحد العيوب التي تصيب القرار الإداري: عيب عدم الاختصاص، عيب الشكل، مخالفة القوانين واللوائح (عيب السبب والمحل) والتعسف في استعمال السلطة (عيب الغاية)..
ويعد السحب جزاء لعدم المشروعية للقرار الإداري، وسأبين في هذا المبحث المبادئ القانونية التي يقوم عليها سحب القرارات الإدارية، ومدى سلطة الإدارة في سحب قراراتها، ومدة السحب وآثاره، ثم السلطة المختصة بالسحب كل في فرع على حدة..
الفرع الأول: المبادئ التي يقوم عليها سحب القرارات الإدارية:
أولاً: مبدأ المشروعية:
إن اصطلاح مبدأ المشروعية يقصد به أن تكون كل تصرفات السلطات العامة والأفراد في إطار القانون. وبالتالي فإن أي عمل صادر من إحدى السلطات العامة لا يعد صحيحاً ومنتجاً لآثاره إلا إذا كان مطابقاً للقانون، "فإذا كان العمل مخالفاً للقانون حق لكل ذي مصلحة أن يطلب إلغاءه أو التعويض عنه إذا كان هناك مقتضى لذلك"..
وتعتبر الرقابة على تصرفات السلطة العامة الضمانة الحقيقية والفعالة لتطبيق مبدأ المشروعية..
وكلمة "قانون" التي يجب أن تكون كل تصرفات الأفراد، حكاماً ومحكومين، في إطارها لا تؤخذ بالمعنى الضيق لها، والمتمثل في النصوص القانونية التي تصدر من السلطة التشريعية، بل يقصد بالقانون هنا: كل القواعد القانونية الموجودة داخل الدولة أياً كان مصدرها..
وهكذا يسمح مبدأ المشروعية بتصحيح أي قرار إداري مخالف، ويكون السحب جزاء عدم المشروعية، والقضاء يراقب الإدارة في هذا الصدد..
ثانياً: مبدأ عدم المساس بالآثار الفردية للقرارات الإدارية:
القرار الفردي إذا صدر صحيحاً لا يجوز المساس به، ومن ثم لا يجوز إلغاؤه أو سحبه. فعدم المساس بالآثار الفردية للقرارات الإدارية مبدأ أساسي، ويلزم الإدارة باحترام الآثار الناتجة عن العمل القانوني والتي تتعلق بالأفراد الذين صدر بشأنهم القرار الإداري..
وهذا المبدأ يقوم على أساس أن ثمة حاجة ضرورية لوجود مبدأ تحقيق استقرار الأوضاع القانونية وعدم زعزعتها وتحمي المصالح الخاصة ويوفر لها الأمن القانوني..
وبالتالي يقف هذا المبدأ عائقاً أمام سلطة الإدارة في أن تسحب قراراتها السليمة..
ثالثاً: مبدأ رقابة الإدارة على أعمالها:
ويقصد بهذا المبدأ أن تقوم الإدارة بالرقابة على نفسها بالنسبة لما تقوم به من أعمال، وهذه الرقابة لا تقتصر فقط على التأكد من مشروعية التصرفات التي قامت بها إحدى الجهات الإدارية، ولكن يمكن أن تشمل مدى ملاءمة هذا التصرف..
ويبدو هذا واضحاً في ظل النظام المركزي، لأن من خصائص المركزية الإدارية السلطة الرئاسية وتدرج وحدات الجهاز الإداري، وهذا يستلزم أن تكون الدرجات الدنيا تابعة للأعلى منها وتخضع لتوجيهاتها وتعليماتها..
أ ـ مبدأ الرقابة التلقائية:
تتم الرقابة التلقائية أحياناً بواسطة الموظف ذاته الذي اتخذ القرار، فيقوم بمراجعة ما قام به من أعمال، وفي بعض الأحيان بواسطة السلطة الرئاسية..
فالرئيس بحكم ما له من رقابة على أعمال مرؤوسيه والتفتيش عليها ومراجعتها، وبحكم مسئوليته الأخيرة عن القرار فإن له حق مراجعة التصرفات التي يقوم بها الموظفون في نطاق الإدارة التي يشرف عليها ويترأسها..
وللرئيس سلطة إلغاء التصرف أو تعديله أو اتخاذ قرار جديد، كل ذلك حسبما تمليه الظروف والملابسات التي تحيط بالإدارة..
ب ـ الرقابة بناء على تظلم:
قد لا يتنبه من قام بالعمل إلى عدم مشروعيته، كما أن السلطة الرئاسية قد لا تستطيع لسبب أو لآخر اكتشاف الخطأ. ولهذا أباح القانون للأفراد حق التظلم من تصرفات الإدارة، ويجب أن يوضح في التظلم الخطأ الذي وقعت فيه الإدارة..
رابعاً: مبدأ تجنب دعوى الإلغاء:
يعد تفادي وتجنب دعوى الإلغاء أحد الأسس التي تستند عليها فكرة سحب الإدارة لقراراتها الإدارية غير السليمة، لأن الإدارة بسحبها القرار تتجنب إلغاء القرار قضائياً، وتتفادى مشقة الالتجاء للقضاء كمدعى عليها لسحب القرار، (فسحب القرار يدور وجوداً وعدماً مع قابلية القرار فيه بالإلغاء القضائي)..
الفرع الثاني: مدى سلطة الإدارة في سحب القرارات الإدارية:
ولمعرفة مدى سلطة الإدارة في سحب القرارات الإدارية يلزم التمييز بين القرارات التنظيمية والقرارات الفردية السليمة وغير السليمة..
ـ القرارات التنظيمية والقرارات الفردية السليمة:
القرارات التنظيمية كما بينا سابقاً تتضمن قواعد عامة ومجردة ويتولد عنها مراكز عامة، ولا تنشئ مراكز شخصية..
وإذا صدر القرار التنظيمي سليماً فلا يمكن سحبه، حيث لا يمكن أن يصدر قرار تنظيمي ـ كقاعدة عامة ـ متضمناً أثراً رجعياً، وحظر الرجعية هذا يشكل قيداً على حرية الإدارة في الرجوع في قراراتها التنظيمية بأثر رجعي..
وإذا كان هذا الأمر بالنسبة للقرارات التنظيمية السليمة، فالأمر أكثر وضوحاً بالنسبة للقرارات الفردية السليمة، فالإدارة يمتنع عليها سحب قرار فردي متى صدر سليماً خالياً من أي عيب من العيوب التي يحتوي عليها القرار الإداري، حتى لو كان القرار غير ملائم وأخطأت الإدارة في التقدير، فلا يجوز سحب القرار الإداري لاعتبارات عدم الملاءمة لأن ذلك يؤدي إلى الخروج على مبدأ عدم الرجعية..
وقاعدة عدم سحب القرار الفردي السليم تنشا بمجرد صدور القرار حتى ولو لم يعلن للشخص المعني به، لأنه اعتباراً من تاريخ صدوره تتولد حقوقاً لأصحاب الشأن. فيمتنع على الإدارة سحبه اعتباراً من هذا التاريخ حتى ولو لم يلق القرار قبولاً من صاحب الشأن..
ـ مدى جواز سحب أو إلغاء قرار السحب أو الإلغاء:
عدم جواز سحب القرار الساحب وعدم جواز ورود الإلغاء على الإلغاء، ومن المقرر قانوناً أن سحب أي قرار إداري يعني (إعدامه) من تاريخ مولده، بمعنى آخر موته من تاريخ صدوره..
وإذا كان الأمر كذلك فإن سحب القرار الساحب مسألة لا يقرها منطق ولا يقبلها عقل ذلك أنه بإعدام قرار ما يصير أي تصرف إداري عاجزاً من أن يعيده إلى الحياة تطبيقاً لقاعدة قانونية عامة معروفة تقضي بأن الساقط لا يعود..
هذا هو الأصل العام في مدى جواز سحب القرارات الإدارية السليمة، وقد استثنى القضاء الإداري سواء في مصر أو فرنسا بعض حالات محددة على سبيل الحصر أجاز فيها سحب القرار السليم وهي:
1
ـ القرارات الإدارية السليمة التي لا تولد حقاً..
2
ـ القرارات الإدارية الصادرة بإنهاء خدمة الموظفين..
3
ـ القرارات الإدارية والفردية غير السليمة..
الفرع الثالث: مدة السحب وآثاره:
أولاً: مدة السحب:
مدة سحب القرار هي ذات المدة التي يكون القرار معرضاً فيه بالطعن بالإلغاء أمام القضاء، وهي ستون يوماً من تاريخ صدوره..
فإذا كان القرار يمكن طلب إلغائه أمام القضاء فإنه يجوز للإدارة سحبه، وإذا أغلق طريق الطعن القضائي في القرار يصبح السحب غير ممكن حتى لا تظل القرارات غير المشروعة مفتوح للإدارة حق سحبها ممنوع على الأفراد طلب إلغائها أمام القضاء..
ومدة السحب حددها القضاء بمدة الطعن القضائي للتوفيق بين ما يجب أن يكون للإدارة من حق في إصلاح ما ينطوي عليه قرارها من مخالفة قانونية، وبين وجوب استقرار الأوضاع القانونية المترتبة على القرار الإداري، وهذا يستلزم الاتساق بين الميعاد الذي يجوز لصاحب الشأن طلب إلغاء القرار بالطريق القضائي وبين الميعاد الذي يجوز فيه للإدارة سحب القرار، وللمساواة بين الأفراد وجهة الإدارة..
غير أن ثمة حالات استقر عليها الفقه والقضاء يستدعي المنطق السليم سحب القرار فيها دون التقيد بمدة معينة، وهذه الحالات تعد استثناء على الأصل العام وهي:
1
ـ القرارات الإدارية المنعدمة :
لازالت التفرقة بين القرار الباطل والقرار المنعدم تثير خلافا بين الفقه والقضاء، ويذهب أستاذنا الفاضل الأستاذ الدكتور سليمان الطماوي رحمه الله تعالى فقيه وعلامة القانون الإداري بمصر إلى التفرقة بين القرار المنعدم والقرار الباطل إلى (فكرة الوظيفة) فكل عمل منبت الصلة بالوظيفة الإدارية كما يحددها القضاء على ضوء المبادئ الدستورية العامة في الدولة، بحيث لا يمكن اعتباره تنفيذاً مباشراً أو غير مباشر للوظيفة الإدارية هو عمل معدوم. أما إذا أمكن إرجاع عمل الإدارة إلى وظيفتها الإدارية، سواء أكانت قد مارست تلك الوظيفة في حدودها المشروعة أو تجاوزت تلك الحدود فهو عمل إداري يحتفظ بصفته الإدارية وما تستتبعه تلك الصفة من أحكام (انتهى)..
2
ـ القرارات الصادرة بناء على غش أو تدليس:
فلا يجوز لشخص أن يستفيد من غشه أو تدليسه تأسيساً على القاعدة القانونية (بأن الغش يفسد كل أمر)، ولكي نقول بأن هناك غشاً أو تدليساً يلزم:
أ ـ أن تكون الأعمال التي بها غش أو تدليس صدرت من المستفيد.
ب ـ أن تكون هذه الأعمال الصادرة من المستفيد هي التي حدت بالإدارة إلى إصدار القرار، ومن الأمثلة على القرارات الصادرة بناء على غش أو تدليس ويمكن سحبها في أي وقت:
ـ قرار بمنح الجنسية للأجنبي بناء على أوراق مزورة
ـ قرار تعيين في إحدى الوظائف بناء على شهادات غير صحيحة
ـ قرار قبول في إحدى المدارس بناء على شهادة ميلاد مزورة
ـ قرار بتأسيس شركة مساهمة قام على مخالفة قانونية وغش من المعني بالأمر
جـ ـ التسويات المالية الخاطئة
ثانياً: آثار السحب:
يترتب على سحب القرار الإداري إنهاء كل أثر له منذ إصداره، أي إنهائه بأثر رجعي فهو يميت القرار منذ إصداره..
والسحب قد يكون كلياً إذا شمل القرار بأكمله، وقد يكون جزئياً إذا شمل بعض أجزاء منه. وفي كلتا الحالتين يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل إصدار القرار المسحوب..
إلا ان السحب قد يترتب عليه آثار إنشائية، وقد يترتب عليه آثاراً هدامة:
أولاً: الآثار الإنشائية للسحب:
في حالات كثيرة لا يترتب على السحب إنهاء كل أثر للقرار بأثر رجعي، بل يجب إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل صدور القرار الإداري الذي تقرر سحبه، فعلى سبيل المثال: إذا صدر القرار بخصم مرتب شهر من موظف وتم سحب القرار فيلزم عودة ما خصم من المرتب إلى الموظف، وإذا كان الموظف قد صدر قرار بإنهاء خدماته وتم سحب هذا القرار يلزم عودته إلى العمل واعتبار مدة خدمته متصلة، فإذا قامت الإدارة بتعيينه تعييناً جديداً ولم تحسب له مدة الخدمة بين قرار الإنهاء والعودة للعمل فإن قرار تعيينه الجديد يعد قراراً (غير مشروع)..
ثانياً: الآثار الهدامة للسحب:
يترتب على قرار السحب آثاراً تهدم القرار السابق تظهر في إزالة المسحوب بأثر رجعي منذ تاريخ إصداره، وإزالة كافة الآثار القانونية والمادية التي ترتبت عليه بأثر رجعي..
ويثور التساؤل في حالة سحب قرار التعيين أو الترقية بالنسبة لأحد الموظفين:
أـ بالنسبة لسحب قرار التعيين:
فهل يترتب على سحب قرار التعيين بطلان كل القرارات التي اتخذها الموظف الذي صدر قرار بحسب تعيينه أم لا؟ وهل يرد الراتب الذي حصل عليه خلال الفترة من صدور قرار التعيين وحتى صدور قرار السحب؟..
بالنسبة للراتب وأي مزايا مالية حصل عليها لا ترد، لأن الأجر مقابل العمل، ويحتفظ الموظف بأية مبالغ حصل عليها من الإدارة..
أما بالنسبة للقرارات التي اتخذها فإنها تعد سليمة استناداً لنظرية الموظف الفعلي..
ب ـ بالنسبة لسحب قرار الترقية:
استقر القضاء على أن يترتب على سحب القرار الإداري بالترقية أن يقوم الموظف برد جميع الفروق المالية التي حصل عليها، ويستثنى من ذلك حالة ما إذا أخطأت الإدارة في التقدير، وقام الموظف بأعباء الوظيفة المرقى إليها..
الفرع الرابع: سلطة سحب القرارات الإدارية:
تختلف السلطة التي تملك سحب القرارات الإدارية تبعاً لكون القرار أباح التظلم منه إلى سلطة أعلى، أو كون القرار الصادر من سلطة نهائية أو أن القرار لا تملك الجهة التي أصدرته إعادة النظر فيه ولو كان غير مشروع..
أولاً: القرارات التي نظم القانون طريقاً للتكلم عنها إلى سلطة أعلى أو إلى جهة مختصة بغرض التظلمات:
إذا كان القانون نظم طريقاً للتظلم من القرار الإداري إلى سلطة أعلى أو جهة مختصة بفرض التظلمات، وصدر قرار من السلطة المختصة برفض التظلم، فلا يجوز رد الحالة هذه للجهة التي أصدرت القرار أن تتناول القرار بالسحب أو الإلغاء والتعديل لأنه خرج عن ولايتها، ودخل في ولاية سلطة أخرى هي التي تملك سحبه وإلغاءه..
ثانياً: القرارات الصادرة من سلطة نهائية:
القرارات الإدارية النهائية يملك سحبها أما مصدر القرار، أو الجهة الرئاسية الأعلى، فالسلطة التي تملك سحب القرار التي أصدرته أو السلطة الرئاسية..
والقرار النهائي قد يكون مصدره جهة واحدة، كأن يجيز القانون لسلطة معينة اتخاذ قرار دون أن يحتاج القرار إلى تصديق من السلطة الأعلى منها فلا يملك سحب القرار غير السليم إلا مصدر القرار وحده، كأن يصدر قرار من وكيل الوزارة في إطار اختصاصه المنوط به دون حاجة للتصديق عليه من الوزير. في هذه الحالة لا يملك سوى وكيل الوزارة سحب القرار. أما إذا كان القرار الصادر من وكيل الوزارة يحتاج للتصديق عليه من الوزير، فإن الوزير هو الذي يملك سحب القرار دون وكيل الوزارة..
ثالثاً: القرارات التي لا تملك الجهة التي أصدرتها إعادة النظر فيها، حتى ولو كانت غير مشروعة:
هناك قرارات إدارية نهائية لا تستطيع الجهة التي أصدرتها أن تعيد النظر فيها، حتى ولو كانت غير سليمة، لأنه بمجرد صدور القرار تستنفذ الإدارة اختصاصها..
وهذه القرارات هي تلك القرارات التي نظم المشرع الطعن فيها أمام لجان إدارية ذات اختصاص قضائي كقرارات مجلس التأديب على مستوى الموظفين وقرارات اللجان الضريبية وغيرها من القرارات التي تصدر ونظم المشرع طرق الطعن فيها..
فالسلطة المختصة لا تملك إلغاء أي قرار يصدر من مجلس التأديب في داخل الجهة الإدارية، إنما له حق الطعن أمام الجهة التي أناط لها القانون الاختصاص.. خلاصة أو تلخيص:
1
ـ رأينا أن القرار الإداري عمل قانوني وهو جوهر عمل المسئولين في أي حكومة، باعتباره إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إنشاء أو تعديل أو إلغاء أحد المراكز القانونية متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الهدف منه تحقيق المصلحة العامة، ويستوي أن يكون صريحاً أو ضمنياً، مكتوباً أو شفوياً، وقد فرقنا في ذلك بين الأعمال القانونية والأعمال المادية التي لا تدخل في مصطلح القرار الإداري..
2
ـ وأن أعمال السيادة هي الاستثناء الوحيد على مبدأ المشروعية ولا يدخل ضمن رقابة القضاء..
3
ـ وشاهدنا أن القرار الإداري يقوم ـ باعتباره تصرفاً قانونياً ـ على أركان أساسية، إذا فقد أحدهم شابه البطلان أو الانعدام، وهذه الأركان هي: 1ـ السبب 2ـ المحل 3ـ الشكل 4ـ الاختصاص 5ـ الغاية..
4
ـ وأن هناك فرق بين نفاذ القرار وبين سريانه، فعرفنا أن القرار الإداري ينفذ منذ صدوره من جهة الإدارة التي تملك إصداره. ولكن لا يسري في حق المخاطبين به أو غيرهم إلا إذا علموا به عن طريق وسائل العلم الخاصة بالقرارات الإدارية..
5
ـ وشاهدنا كذلك أن القرار الإداري يحيا ويموت وأن كما للقرار الإداري بداية فأيضاً له نهاية، فشبه بالكائن الحي، يولد ويعيش ثم يغادر هذه الحياة، وعرفنا أن طريق نهاية القرار الإداري تكون إما إدارياً من جانب الجهة الإدارية مصدرة القرار، وإما قضائياً عن طريق التجاء صاحب الشأن للقضاء مطالباً إلغاءه إذا شاب القرار عيب من العيوب، وقد فرقنا في نهاية القرارات الإدارية من جانب جهة الإدارة بين شيئين: 1ـ إلغاء القرار الإداري والذي تكون آثاره بالنسبة للمستقبل فقط 2ـ وبين نهاية القرارات الإدارية بالنسبة للماضي والمستقبل وهو ما يطلق عليه سحب القرار الإداري..
وفي الختام أتمنى بأن أكون قد أوصلت الفكرة بصورة مبسطة. ومما قد يلاحظه القارئ المتخصص أني أغفلت في بحثي هذا عن القرار الإداري (موضوع التعويض عن القرارات الإدارية)، فقد فضلت عدم الخوض في تفاصيل مطولة ومتاهات قد لا تهم القارئ غير المختص أو المحترف القانوني وقد يتوه في مصطلحات كثيرة قد تدخلنا في شروحات لبعض موضوعات القانون المدني وتطويلاته التي لا لزوم لها، وهي أصلاً تدخل في اختصاص المحترفين والعاملين في مجال القانون فلم أر حاجة لذكرها..
وكل عام وأنتم بخير(f)
تمت

مراجع البحث:
1
ـ النظرية العامة للقرارات الإدارية للأستاذ الدكتور المرحوم سليمان الطماوي طبعة سنة 1976م
2
ـ القضاء الإداري للأستاذ الدكتور المرحوم فؤاد العطار الطبعة الثالثة
3
ـ مبادئ الإدارة العامة للأستاذ الدكتور رمزي الشاعر
4
ـ القضاء الإداري للدكتور محمد رفعت عبد الوهاب طبعة 2002م

No comments:

Post a Comment