Sunday, January 27, 2008

مقدمة لدراسة الجريمة

مقدمة لدراسة الجريمة

المبحث الأول : تعريف الجريمة. 2

المبحث الثاني : أركان الجريمة . 2

المطلب الأول : الركن المادي للجريمة . 2

أولا : الإختلاف في طبيعة السلوك الإجرامي : 3

ثانيا : الإختلاف في شكل السلوك الإجرامي : 3

أولا : المفهوم المادي . 3

ثانيا : المفهوم القانوني. 3

أولا : نظرية تعادل الأسباب. 4

ثانيا : نظرية السبب المباشر أو الأقوى . 4

ثالثا : نظرية السبب الملائم . 4

المطلب الثاني : الركن المعنوي . 4

أولا : عناصر القصد الجنائي : 4

العنصر الأول :إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة . 4

* نظرية التصور : 4

* نظرية الإرادة : 4

العنصر الثاني : علم الجاني بتوافر أركان الجريمة غير التي يتطلبها القانون. 4

* العلم بموضوع الحق المعتذى عليه : 5

* العلم بخطورة الفعل على المصلحة التي يحميها القانون : 5

* العلم بزمان إرتكاب الفعل الإجرامي أو مكانه : 5

* العلم ببعض الصفات في الجاني : 5

* العلم ببعض الصفات في المجني عليه : 5

* العلم بالظرف المشدد الذي يغير من وصف الجريمة : 5

ثانيا : صور القصد الجنائي : 5

أ ـ القصد العام و القصد الخاص : 5

أولا : القصد العام . 5

ثانيا : القصد الجنائي الخاص . 5

ب ـ القصد المباشر و القصد غير المباشر . 5

أولا : القصد الجنائي المباشر . 5

ثانيا : القصد الجنائي غير المباشر . 6

جـ ـ القصد المحدود و القصد غير المحدود : 6

أولا : القصد الجنائي المحدود : 6

ثانيا : القصد الجنائي غير المحدود . 6

ب ـ الخطأ غير العمدي : 6

أولا : عناصر الخطأ غير العمدي : 6

ـ العنصر الأول : الإخلال بواجبات الحيطة و الحذر . 6

* المعيار الشخصي : 6

* المعيار الموضوعي : 6

العنصر الثاني : العلاقة النفسية بين الإرادة و النتيجة . 6

ثانيا : صور الخطأ غير العمدي : 6

*الإهمال و عدم الإنتباه : 6

* الرعونة : 7

* عدم الإحتياط : 7

* عدم مراعاة الأنظمة : 7

الفصل الثاني : أقسام الجريمة. 7

المبحث الأول : التقسيم القانوني للجرائم 7

المبحث الثاني : التقسيم الفقهي للجرائم . 7

1 ـ تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها المادي : 7

أ ـ الجريمة الوقتية : 7

ب ـ الجريمة المستمرة : 7

جـ ـ الجريمة البسيطة : 7

د ـ الجريمة المستمرة : 7

هـ ـ الجريمة المتتابعة الأفعال أو المتكررة : 8

2 ـ تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها المعنوي : 8

أ ـ الجريمة العمدية : 8

ب ـ الجريمة الغير العمدية : 8

3 ـ تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها الشرعي : 8

أ ـ الجريمة السياسية : 8

ب ـ الجريمة العسكرية : 8

المبحث الثالث : الركن الشرعي للجريمة. 8

الفصل الثالث : نماذج من الجرائم . 10

المبحث الأول : جريمة إختلاس الأموال العمومية . 10

1 ـ أن يكون الفاعل موظفا أو من في حكمه : 10

2 ـ أن يقع إختلاس أو بتبدير أو إحتجاز بدون حق أموالا عامة أو خاصة التي تمثل في الواقع الفعل المادي للجريمة : 10

3 ـ أن تكون الأموال العامة أو الخاصة قد سلمت للموظف العام أو من في حكمه بمقتضى وظيفته أو بسببها : 10

4 ـ القصد الجنائي : 10

المبحث الثاني : جريمة الرشوة 10

1 ـ جريمة الرشوة الإيجابية. 10

أ ـ الركن المادي : 10

ب ـ الركن المعنوي : 11

2 ـ جريمة الرشوة السلبية. 11

الركن المفترض : 11

مقدمة

ينصرف معنى القانون الجنائي إلى القواعد التي تمدد سياسة التجريم و العقاب ، و تنظم السياسة الإجرامية التي تبين كيفية إقتضاء الدولة لحقها في العقاب بما يضمن التوازن بين حقوق المتهم و حقوق المجتمع .

و يتضمن القانون الجنائي بهذا المعنى نوعين من القواعد :

1 ـ قواعد موضوعية تبين ما يعد جريمة و العقوبة المقررة لها في إطار مبدأ الشرعية بألاّ جريمة و لا عقوبة و لا تدبير أمن إلاّ بنص من القانون ( المادة 1 من قانون العقوبات ).

و يعبر عن هذه القواعد بقانون العقوبات.

ويقسم قانون العقوبات إلى قسمين :

أ ـ قسم عام يهتم بدراسة النظرية العامة الجريمة، ببيان الأحكام العامة التي تحكم الجريمة و العقوبة عن طريق تحديد الأركان الأساسية للجريمة ، و أحكام المسؤولية الجنائية ، و أنواع العقوبات و ظروف تشهيدها و ظروف تخفيفها .

ب ـ قسم خاص يهتم بتحديد وصف الأركان الخاصة بكل جريمة على حدة ، و بيان الحد الأدنى و الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها .

2 ـ قواعد شكلية تبين الإجراءات القانونية التي يتعين مراعاتها ، و يجب إتباعها طوال مراحل الخصومة الجنائية من مرحلة التحري عن الجريمة ، والتحقيق فيها إلى صدور الحكم الجنائي و تنفيده.

و يعبر عن هذه القواعد بقانون الإجراءات الجنائية و الجزائية .

و إذا كان قانون الإجراءات الجنائية يعد جزءا من التشريع العقابي بمعناه الواسع ، و فرعا له بمعناه الضيق ، فإنّ دراستنا لموضوع القانون الجنائي للأعمال ترتكز أساسا على القواعد الجنائية الموضوعية من جانب تحديد مفهوم الجريمة و بيان أنواعها ، و دراسة إختلاس الأموال العمومية ، و جريمة الرشوة ، و جريمة إصدار شيك بدون رصيد ، على أن تخصص لكل موضوع من هذه المواضيع مبحثا مستقلا.

المبحث الأول : تعريف الجريمة

لا تتضمن معظم القوانين العقابية تعريف للجريمة ، و قد أدى إختلاف الفقه في تعريف الجريمة إلى ظهور إتجاهين : إتجاه شكلي ، و إتجاه موضوعي .

1 ـ الإتجاه الشكلي : يعتمد أنصار هذا الإتجاه في تعريفهم للجريمة على الربط بين الواقعة المرتكبة و بين القاعدة القانونية ، و يعرفون الجريمة على هذا الأساس بأنها : " فعل يجرمه القانون " ، أو " نشاط أو إمتناع يجرمه القانون و يعاقب عليه ".

2 ـ الإتجاه الموضوعي : يعتمد أنصار هذا الإتجاه في تعريفهم للجريمة على إبراز جوهرها بإعتبارها إعتداء على مصلحة إجتماعية ، و يعرفون الجريمة على هذا الأساس بأنها " الواقعة ضارة بكيان المجتمع و أمنه ".

ويبدو من بعض قرارات المحكمة العليا أنّ القضاء الجزائري يميل إلى الأخد بالإتجاه الشكلي في تعريف الجريمة بأنّها : " : كلّ فعل أو إمتناع عن فعل يعاقب عليه القانون جزائيا " . ( قرار المحكمة العليا المؤرخ في 1986/06/24 ـ الفرقة الجنائية الأولى ، الطعن رقم : 43.835 ).

و يستخلص من تعريف الجريمة سواء من وجهة نظر الإتجاه الموضوعي مايلي :

ـ أنّ الجريمة سلوك الذي يمكن أن يكون فعلا ينهي القانون عنه ، أو إمتناعا يأمر به القانون.

ـ أنّ السلوك الذي يعتبر جريمة يجب أن يكون مهامها يمكن نسبته أو إسناده إلى فاعله ، بأن يكون هذا السلوك فعلا صادرا عند إنسان يمكن الإعتداء بإرادته قانونا أي أن يكون السلوك صادرا عن إرادة سليمة، أي مدركة و مميزة و غير مكرهة .

ـ أن يكون من شأن السلوك المكوّن للواقعة الإجرامية ،

ـ سواءا كان فعلا أو إمتناعا ـ الإضرار بمصلحة محمية جنائيا . و تكون المصلحة محمية جنائيا إذا كان القانون يرتب على الواقعة جزاء جنائيا.

ويلاحظ أنّ الجريمة بالمعنى المتقدم تمثل الجانب الموضوعي للمسؤولية الجنائية تقتضي وجود الجريمة و الجاني معا ، فلا تعد جريمة حوادث القضاء و القدر.

المبحث الثاني : أركان الجريمة .

يتطلب القانون لقيام الجريمة توافر أركان معينة ، وهي على نوعين :

1 ـ الأركان العامة للجريمة التي تسري على كافة الجرائم بوجه عام ، أيّا كان نوعها أو طبيعتها ، بحيث إذا إكتملت هذه الأركان قامت الجريمة تامة أو مشروع فيها تستوجب توقيع العقاب الذي حدده النّص الجنائي على الجاني . أمّا إذا إنتهى أحد هذه الأركان فلا تقوم الجريمة من الناحية القانونية .

2 ـ الأركان الخاصة للجريمة التي ينّص القانون عليها بالنسبة لكل جريمة على حده ، و هي أركان تختلف من جريمة إلى أخرى بحسب نوعها و طبيعتها . و الغرض من هذه الأركان أن تضاف إلى الأركان العامة لتحدد نوعها و طبيعتها . و الغرض من هذه الأركان الخاصة للجريمة : أن يكون المجني عليه حيا في جريمة القتل ، و أن يكون المرتشي موظفا عاما في جريمة الرشوة ، و أن يكون الشىء المختلس مالا منقولا مملوكا للغير في جريمة السرقة .

وقد إختلف الفقه بشأن تقسيم الأركان العامة للجريمة ـ موضوع دراستنا ـ فمن الفقه من يرى أنّ للجريمة ركنان : ركن مادي و ركن معنوي، ومن الفقه من يرى أنّ للجريمة أركان ثلاثة : فيضيف إلى الركنين المادي و المعنوي الركن الشرعي .

و قد يكون مفيدا أن نفرض فيمايلي هذه الأركان الثلاثة ببعض من التفصيل ، على أن تخصص لكل ركن مطلبا مستقلا.

المطلب الأول : الركن المادي للجريمة .

يتمثل الركن المادي للجريمة في المظهر الخارجي لنشاط الجاني الذي هو عبارة عن السلوك الإجرامي الذي يكون منظا للتجريم و محلا للعقاب . ذلك أن قانون العقوبات لا يعاقب على النوايا الباطنية و الأفكار ، فلا يعاقب قانون العقوبات مثلا على مجرد التفكير في إرتكاب جريمة ما . بل لابد أن يقترن هذا التفكير بنشاط مادي معين الذي يختلف من جريمة إلى أخرى حسب طبيعتها و نوعها و ظروفها .

و يتكون الركن المادي للجريمة بدوره من عناصر ثلاثة ، وهي :

أ ـ السلوك الإجرامي : و هو عبارة عن النشاط المادي الخارجي المكوّن للجريمة و السبب في إحداث الضرر ، فهو عبارة عن حركة الجاني الإختيارية التي تحدث تأثيرا في العالم الخارجي ، أو في نفسية المجنى عليه .

و تختلف طبيعة السلوك الإجرامي وشكله بحسب نوع الجرائم .

أولا : الإختلاف في طبيعة السلوك الإجرامي :

يمكن تجسيد الإختلاف في طبيعة السلوك الإجرامي بحسب ـ

ـ ففي جريمة السرقة يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل إختلاس مال منقول مملوك للغير

ـ و في جريمة القتل يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل إن هامه روح المجني عليه .

و يلاحظ إذا كانت الفائدة في قانون العقوبات وجوب توافر السلوك الإجرامي بإعتباره فعلا ماديا ظاهر على النحو المتقدم بيانه إلاّ أنه يكفي لتحقق السلوك الإجرامي إستثناء على هذه القاعدة في بعض الصور من الجرائم أن يكون فيها السلوك خفيا كما هو الحال في جريمة الإتفاق الجنائي ، أو في جريمة الإشتراك بطريق الإتفاق ، ليكون السلوك الإجرامي في هذا النوع من الجرائم عبارة عن وسيلة الإتفاق ، و هذا ما يستمد المساهمة الجنائية ( المواد 176 و 177 و 178 من قانون العقوبات ).

و يلاحظ أيضا أنّ طبيعة السلوك الإجرامي تختلف بإختلاف نوع الجرائم من جرائم وقتية و جرائم الإعتياد ، على النحو التالي :

ـ ففي الجريمة الوقتية وـ كجريمة السرقة ـ يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل مادي يبدأ و ينتهي على الفور ، يتمثل في فعل إختلاس مال منقول مملوك للغير .

ـ وفي الجريمة الوقتية المتتابعة ـ كجريمة إقامة المباني دون ترخيص أو رخصة ـ يكون السلوك الإجرامي عبارة عن مجموعة أفعال متلاحقة تربط بينهما وحدة المصلحة و تفصل بينها فواصل زمنية تتوقف على ظروف الجريمة .

ـ و في الجريمة المستمرة ـ كجريمة إخفاء الأشياء المسروقة ـ يكون السلوك نشاطا متجددا للحفاظ على هذه الحالة .

ـ و في الجريمة البسيطة ـ كجريمة الضرب أو الجرح ـ يكون السلوك الإجرامي عبارة عن فعل إجرامي واحد لا يلزم فيه التكرار أو الإعتياد.

ـ و في جريمة الإعتياد ـ كجريمة تحريض القصد على الفسق ـ يكون السلوك الإجرامي عبارة عن تكرار عدة أفعال محظورة قانونا . بحيث لا يكفي وقوع أحدهما لقيام الجريمة .

ثانيا : الإختلاف في شكل السلوك الإجرامي :

يختلف شكل السلوك الإجرامي للمجرم حسب المرحلة التي يكون الجاني قد قطعها في مشروعه الإجرامي و حسب الدور الدي يقوم به .

أمّا عند إختلاف شكل السلوك الإجرامي للمجرم بحسب المرحلة التي يكون قد قطعها في مشروعه الإجرامي مثل حيازة سلاح ناري بدون ترخيص لإستخدامه في مثل شخص معين ، فإنّ حيازة السّلاح يعتبر من الناحية القانونية عملا تحضيريا في جريمة القتل و لا

عقاب عليه . و مع ذلك يشكل فعل حيازة السلاّح في حد ذاته الركن المادي في جريمة حيازة السّلاح بدون رخصة . و يفيد الإختلاف في شكل السلوك الإجرامي للمجرم بحسب المرحلة التي يكون قد قطعها في مشروعه الإجرامي في بيان ما يعد من قبيل الأفعال التحضيرية التي لا يعاقب عليها القانون.

و أمّا عن إختلاف شكل السلوك الإجرامي للمجرم بحسب الدور الذي يؤيده على مسرح الجريمة، فإنه يفيد في بيان ما إذا كان المجرم فاعلا أصليا في الجريمة أم مجرد شريك فيها : فمن يطعن المجني عليه بالخنجر حتى يموت يعد فاعلا أصليا في الجريمة بحكم سلوكه الإجرامي فيها ، و من يحرض غيره على الطعن دون أن يمسك بالخنجر يعتبر شريكا فيها بحكم سلوكه الإجرامي هذا لا فاعلا أصليا في القتل

و لا شريكا فيه ، و لكن بشكل سلوكه الإجرامي هذا جريمة مستقلة تتمثل في إخفاء الجاني الفار من العدالة طبقا للمادة 178 من قانون العقوبات .

و يلاحظ أنّ هناك صورا من الأعمال التحضيرية للجريمة ، والتي لا تخضع بحسب الأصل للعقاب مهما سبق بيانه لأنها لا تعد سلوكا ماديا ، و مع ذلك نص المشروع صراحة على تجريم هذه الأعمال لخطورتها على سلامة المجتمع و أمنه ، ومن الأمثلة على تجريم الأعمال التحضيرية :

ـ تعاقب المادة 100 من قانون العقوبات على كل تحريض مباشر على التجمهر غير المسلح سواء بخطب تلقى علنيا أو بكتابات أو مطبوعات تعلق أو توزع.

ـ تعاقب المادة 77 من قانون العقوبات كل من يحرض المواطنين على حمل السلاح ضد سلطة الدولة ، وكذلك كل من يتآمر ضد سلطة الدولة و يتم هذا الفعل بمجرد إتفاق شخصين أو أكثر على التصميم على إرتكابه طبقا للمادة 78 من نفس القانون .

و الواقع أنّ المشرع إذ يجرم مثل هذه الأفعال و يعاقب عليها فهو في الحقيقة ينشئ جرائم مستقلة قائمة بذاتها ، و لا يعتبرها مجرد أفعال تحضيرية لا تخضع للعقاب .

و يلاحظ أيضا وجود ظروف نص عليها المشرع إذا صاحيت السلوك الإجرامي أو المادي من شأنها أن تشدد العقوبة أو تخفف منها بحسب الأحوال .

و تعتبر ظرفا مشددا للعقوبة مثلا : ظرف حمل السلاح في جريمة السرقة ( المادة 351 ق ع ).

و ظرف الليل جريمة إتلاف المزروعات ، ( المادة 361 ق ع ).

و تعتبر ظرفا مخففا للعقوبة مثلا : أن يفاجىء أحد الزوجين زوجه في حالة التلبس بالزنا فيرتكب جريمة القتل ضد شريكه .( المادة 279 ق ع) .

وعذر صغر السن فلا توقع على القاصر الذي لم يكمل الثالثة عشرة من عمره إلاّ تدابير الحماية ، وفي مواد المخالفات لا يكون محلا إلاّ للتوبيخ ( المادتان 49 و 50 ق ع ).

ب ـ النتيجة المترتبة على السلوك الإجرامي : تعتبر النتيجة العنصر الثاني من عناصر الركن المادي للجريمة و يوجد مفهومان للنتيجة : و هما :

أولا : المفهوم المادي .

يقصد بالنتيجة في هذا المفهوم الأثر ، أو التغيير الحسي و الملموس ، الذي يحدثه السلوك الإجرامي في العالم الخارجي . و لا يعد نتيجة إلاّ ما يقيد به القانون و ما يرتب عليه من نتائج بصرف النظر عما يمكن أن يحدثه السلوك الإجرامي من نتائج أخرى . و بذلك تكون النتيجة وفقا للمفهوم المادي النتيجة التي يتطلبها القانون لإكتمال الركن المادي للجريمة ، ففي جريمة القتل مثلا يتطلب القانون لإكتمال هذا الركن موت المجنى عليه ، دون البحث في النتائج الأخرى التي تحدثها الجريمة كالخسارة أو الألم النفسي اللّذان يصيبان أهل القتيل.

و تقسم الجرائم أخد بالمفهوم المادي إلى جرائم مادية يتطلب ركنها المادي وجود نتيجة ، كجريمة القتل و جريمة الضرب ، وجرائم شكلية لا يتطلب ركنها المادي وجود نتيجة كجريمة شهادة الزور ، و جريمة ترك الأطفال .

ثانيا : المفهوم القانوني.

يقصد بالنتيجة في هذا المفهوم ما يسببه السلوك الإجرامي من ضرر أو خطر يصيب أو يهدد مصلحة محمية قانونا . فيجب أن تكون لكل جريمة نتيجة ، فتكون النتيجة في الجرائم المادية كجريمة القتل عبارة عن العدوان على الحق في الحياة ، و تكون النتيجة في الجرائم الشكلية كجريمة ترك الأطفال للخطر ، عبارة عن خطر يهدد مصلحة محمية قانونا.

و قسم الجرائم أخذا بالمفهوم القانوني إلى جرائم ضرر كمقابل للجرائم المادية ، و جرائم خطر كمقابل للجرائم الشكلية .

و لعل أنّ السبب في ظهور المفهومين المتقدمين يرجع إلى أنّ النتيجة المترتبة على السلوك الإجرامي قد يكون لها مظهر خارجي ملموس مثل إزهاق روح إنسان في جريمة القتل ، و نزع حيازه المنقول من مالكه في جريمة السرقة ، و قد لا يكون لهذه النتيجة مظهر خارجي ملموس كالإمتناع عن أداء الشهادة . و هو السبب الذي أدى إلى تقسيم الجرائم في نطاق النتيجة الضارة المترتبة على السلوك الإجرامي و من حيث الضرر أو الخطر الذي تحدثه إلى جرائم ذات ضرر مؤكد و أغلب الجرائم من هذا النوع كجرائم القتل و السرقة و القذف التي يلحق الضرر فيها بالحق الذي يحميه القانون إلى جرائم ذات خطر أو ضرر محتمل و هي جرائم لا يستلزم القانون لتحقق النتيجة فيها وقوع ضرر بالفعل بل يكفي مجرد الخطر ، فيمثل هذا الخطر النتيجة فيها وقوع ضرر بالفعل بل يكفي مجرد الخطر ، فيمثل هذا الخطر النتيجة المترتبة على السلوك الإجرامي ، و مثل هذه الجرائم جريمة الإتفاق الجنائي .( المادة 176 ق ع ).

و لا خلاف في أنّ النتيجة المترتبة عن السلوك الإجرامي حقيقة قانونية تتميز عن الضرر المادي، و تتمثل في ضرر معنوي يعتدي به على حق يحميه القانون ، ففي جريمة القتل تكون النتيجة الضارة فيه الإعتداء على حق الإنسان في الحياة و هو حق يحميه القانون . و في جريمة إمتناع الشاهد عن الحضور أمام المحكمة تكون النتيجة الضارة عبارة عن الإعتداء على حق المجتمع في الإستعانة بأي فرد من أفراده في إستجلاء الحقيقة .

و يلاحظ أنّ كل جريمة ينتج عنها ضرر عام و ضرر خاص ، أمّا الضرر العام فهو ضرر مفترض يصيب المجتمع ككل يفرض له القانون عقابا لمن يكن السبب في إحداثه ففي جريمة القتل مثلا بسبب فعل إزهاق روح المجني روح المجنى عليه إضطرابا في أمن المجتمع و كيانه فيضع القانون عقوبة توقع على يقوم بتحقيق هذه النتيجة التي تضر بالمجتمع. و أمّا الضرر الخاص فهو الضرر الذي يصيب المجنى عليه أو أقاربه بحسب الأحوال . ففي جريمة القتل مثلا يتمثل الضرر الخاص في حرمان المجنى عليه من الحياة . و قد يكون الضرر الخاص ماديا كما في جريمة السرقة ، و قد يكون معنويا كما في جريمة القذف و السبب بالنظر إلى ما تسببه هذه الجريمة من الألم نفسية للمجنى عليه ، و قد يكون الضرر محققا كما في جريمة القتل التامة ، و قد يكون محتملا كما في الشروع في الجريمة.

و يلاحظ أيضا أنّ القانون يستلزم في بعض الجرائم توافر الضرر كركن لا تحقق الجريمة ، و مثال ذلك أن يقع تزوير في محرر دون أن يعقب ذلك إستعمال هذا المحرر و من ثمّ لا يتحقق الضرر و لا تقوم الجريمة .

جـ ـ علاقة السببية التي تربط بين السلوك الإجرامي و النتيجة :

لا يكفي لقيام الركن المادي للجريمة أن يصدر سلوك إجرامي عن الجاني و أن تحصل نتيجة ضارة . بل لابد أن تنسب هذه النتيجة إلى ذلك السلوك أي أن يكون بينهما علاقة سببية .

و يقصد بالسببية إسناد أمر من أمور الحياة إلى مصدره ، و الإسناد في النطاق الجنائي على نوعين إسناد مادي و إسناد معنوي ، و يقتضي الإسناد المادي نسبة الجريمة إلى فاعل معين ، و يقتضي الإسناد المعنوي نسبة الجريمة إلى شخص متمتع بالأهلية المتطلبة لتحمل المسؤولية الجنائية ، و لا يعتبر الشخص متمتعا بهذه الأهلية إلاّ إذا توافر لديه الإدراك و حرية الإختيار ، تنتهى المساءلة الجنائية بإختفاء أحدهما.

و لا يثار أي إشكال في علاقة السببية بين السلوك الإجرامي و النتيجة ، إذا كان الفعل الذي أتاه الجانى هو سبب تحقق النتيجة كأن يطلق الجاني النار على المجنى عليه فيرد به قتيلا ، فإنّ السبب في مثل هذه الحال بين السلوك الإجرامي المصدر الوحيد و النتيجة واضحة لا غموض فيها . و لكن الإشكال يثار إذا تذاخلت أسباب أخرى في إحداث النتيجة الضارة إلى جانب نشاط الجاني ، و قد تكون هذه الأسباب سابقة على الفعل الجرمي مثل إعتلال صحة المجنى عليه ، و قد تكون معاصرة للفعل الجرمي مثل إعتداء آخر على المجنى عليه في نفس الوقت الذي يحصل الإعتداء بين الجانى، وقد تكون تلك الأسباب لاحقة للفعل الجرمي كأن يطلق الجاني عيارا ناريا يصيب به المجنى عليه الذي لا يقتل على الفور بل بتراخي الموت لفترة طويلة قد تتدخل فيها عوامل أخرى مثل خطأ الطبيب في علاج المجني عليه أو إهمال هذا الأخير في العلاج ، الأمر الذي يثير التساءل عن الدور الذي لعبته هذه العوامل في إحداث النتيجة و بالتالي تأثيرها على علاقة السببية بين الوجود و العدم.

و قد قيلت في هذا الخصوص عدة نظريات نفرضها بإيجار فيمايلي :

أولا : نظرية تعادل الأسباب.

يرى أنصار هذه النظرية أنّ جميع العوامل التي تتدخل في إحداث النتيجة متعادلة . ولكن يمكن الرجوع إلى العامل الأول و الأساس الذي جعل الأمور تسير إلى ما انتهت إليه من نتيجة و العامل الأول هو فعل الجانى الذي وقع منه إبتداء ، ومن ثمّ يسأل عن النتيجة الضارة التي وقعت أيا كانت النهاية سواءا كانت هذه العوامل سابقة أم معاصرة أم لاحقة لنشاطه الإجرامي .

ثانيا : نظرية السبب المباشر أو الأقوى .

يرى أنصار هذه النظرية أنّ الجاني يسأل عن النتيجة الضارة التي أحدثها إذا كانت متصلة إتصالا مباشرا بفعله أو سلوكه الإجرامي ، أي يجب أن يكون نشاط الجاني هو السبب الرئيس أو الأقوى في إحداث النتيجة الضارة . ذلك أنّ قيام علاقة السببية تستلزم نوعا من الإتصال المادي المباشر بين السلوك الإجرامي للجاني و النتيجة الضارة . أمّا العوامل الخارجية فتعد عوامل ثانوية أو مساعدة فحسب.

العوامل التي تدخلت معاصرة كانت للسلوك الإجرامي أو لاحقة عليه ، و يصرف النظر عما إذا كانت هذه العوامل نادرة الحصول أم عادية ، و مهما كان مصدرها فعل الطبيعة أم فعل المجني عليه أم فعل أي إنسان آخر ذلك أنّ نشاط الجاني هو العامل الذي جعل حلقات الحوادث بعد ذلك ، فلولا سلوك الجانى لما حدثث تلك النتيجة النهائية ، و بذلك تقوم المسؤولية الجنائية كاملة :

و لا يسأل الجانى إذا كانت النتيجة الضارة واقعة لا محالة بصرف النظر عن فعله ، فلا يسأل الجانى عن النتيجة متى كان من المؤكد أنّها ستحدث حتى و لو لم يقع الإعتداء على المجنى عليه ' فإذا تبين أنّ المجنى عليه فارق الحياة بسبب السكتة القلبية قبل الإعتداء عليه . فلا يسأل الجاني لأنه لم يترتب على فعله بتسلسل الحوادث التي تؤدي بدورها إلى النتيجة الضارة.

ثالثا : نظرية السبب الملائم .

يرى أنصار هذه النظرية أنّ تقرير مسؤولية الجانى الجنائية متوقف على ما إذا كان السلوك الإجرامي الذي أتاه يصلح وفقا للمجرى العادي للأمور أن يكون سببا ملائما أو مناسبا لحدوث النتيجة الضارة . فإذا تدخلت في إحداث النتيجة الضارة عوامل شاذة غير مألوفة بحسب المجرى العادي للأمور فإنّ العلاقة السببية بين السلوك الإجرامي و النتيجة تنتفي و لا تقوم مسؤولية الجانى الجنائية . فلا يسأل الجانى عن الوفاة إذا إحترق المجنى عليه بسبب نشوب حريق بالمستشفى يعد من الأسباب الشاذة نادرة الحدوث و يسأل الجانى فقط عن الشروع في القتيل حسب الظروف. فلا مسؤولية للجانى عن العوامل الجنبية التي تتوسط بين فعله أو سلوكه الإجرامي و بين النتيجة .

و يلاحظ أنّ الراجح ـ و في غياب نص قانوني يضع حلا للخلاف القائم بشأن توافر علاقة السببيةـ أن يترك أمر تقدير توافرها لقاضي الموضوع لتعذر وضع قاعدة مجردة و مطلقة في هذا الخصوص.

المطلب الثاني : الركن المعنوي .

لا يكفي لتقرير المسؤولية الجنائية أن يصدر عن الجانى سلوك إجرامي ذو مظهر مادي بل لابد من توافر ركن معنوي الذي هو عبارة عن نية داخلية أو باطنية يضمرها الجانى في نفسه .

و يتخذ الركن المعنوي إحدى صورتين أساسيتين :

إمّا صورة الخطأ العمدي : أي القصد الجنائي ، و إمّا صورة الخطأ غير العمدي :أي الإهمال أو عدم الحيطة .

و لنفرض فيما هاتين الصورتين ببعض من التفصيل.

أ ـ القصد الجنائي :

لا يتضمن قانون العقوبات الجزائري تعريفا للقصد الجنائي ، و قد تعددت تعريفات الفقه له ، نذكر فيمايلي أهمها .

ـ القصد الجنائي هو : " علم الجانى بأنه يقوم مختارا بإرتكاب الفعل الموصوف جريمة في القانون ، و علمه أنه بذلك يخالف أوامره و نواهيه ".

ـ القصد الجنائي هو : " إرادة النتيجة و شرطه أن تكون لدى الجاني نية الإبداء ، فإذا كان الإبداء لازما كما في الضرب فلا حاجة للبحث عن النية".

ـ القصد الجنائي هو : " توجيه الفعل و الإمتناع إلى إحداث النتيجة الصادرة التي تتكون منها الجريمة".

ـ القصد الجنائي هو :" إرادة الخروج على القانون يعمل أو إمتناع ، أو هو إرادة الإضرار بمصلحة يحميها القانون الذي يفترض العلم به عند الفاعل ".

القصد الجنائي هو : " إرادة إرتكاب الجريمة كما حددها القانون و هو علم الجاني أيضا . بمخالفة نواهي القانون التي يفترض دائما العلم بها ".

و يستخلص من تعريفات القصد الجنائي أنه عبارة عن انصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة مع العلم بأركانها التي يتطلبها القانون . و للقصد الجاني هذا المعنى عناصر يتكون منها ، و صور متعددة تعبر عنه ، يفرضها مايلي:

أولا : عناصر القصد الجنائي :

يستفاد من تعريف القصد الجنائي : " إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة " و قد إختلف الفقه حول ما إذا يكفي أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة ، أم أنه يلزم أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة و إلى تحقيق النتيجة الضارة أيضا ؟ و قد أدى هذا الإختلاف إلى ظهور نظريتين في تحديد القصد ، و هما :

العنصر الأول :إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة .

و قد إختلف الفقه حول ما إذا يكفي أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة أم أنه يلزم أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة و إلى تحقيق النتيجة الضارة أيضا ؟ و قد أدى هذا الإختلاف إلى ظهور نظريتين في تحديد القصد و هما :

* نظرية التصور :

يرى أنصار هذه النظرية أنّ القصد الجنائي يمثل حقائق النفس البشرية ، فإرادة الإنسان هي التي تدفعه إلى إتيان حركة عضلية معينة تمثل تصميمه الإجرامي سواء تحققت النتيجة أو لم تتحقق . فمتى أراد الجاني إرتكاب الفعل الإجرامي فإنه يتوافر لديه القصد الجنائي الكافي لقيام مسؤولية الجنائية كاملة ، فيسأل عن جريمة عمدية في جميع الأحوال ، و سواءا شبع الجاني شعوره الذي دفعه إلى إرتكاب الجريمة أم لم يشبعه . و لا فرق في نظر أنصار نظرية التصور بين القصد غير المباشر أو القصد الإحتمالي بين الفعل و النتيجة فكلاهما كاف لتوافر القصد الجنائي في الجرائم العمدية .

* نظرية الإرادة :

يرى أنصار هذه النظرية أنّ القصد الجنائي يستلزم أن تتجه إرادة الجاني إلى إرتكاب الفعل الإجرامي و أيضا إلى تحقيق النتيجة المطلوبة و علّة ذلك أنّ القصد الجنائي يتطلب توافر الإرادة لدى الجاني ، فإذا إنتقت الإرادة انعدمت المسؤولية الجنائية في جمع الجرائم عمدية كانت أم غير عمدية . أمّا إذا إنعدم القصد فينفي المسؤولية الجنائية في الجرائم العمدية ، ذلك أنّ الإرادة هي أن يتعمد الجاني الفعل أو النشاط المادي ، أمّا القصد فهو أن يتعمد الجاني النتيجة المترتبة على هذا الفعل ، وترتيبا على ذلك أنّ القصد يستلزم حتما توافر الإرادة ، و لكن توافر الإرادة لا يستلزم حتما توافر القصد ، ففي الجرائم العمدية كالقتل العمدي يتوافر القصد و الإرادة معا ، و في الجرائم غير العمدية كالقتل الخطأ تتوافر الإرادة و يتخلف القصد نحو تحقيق النتيجة

و تعتبر نظرية الإرادة النظرية السائدة في معظم القوانين العقابية ، و منها قانون العقوبات الجزائري الذي لا يسوى في المعاملة الجنائية كأصل عام بين القصد المباشر الذي يستلزم إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الفعل الإجرامي و تحقيق النتيجة الضارة و هو حال الجرائم العمدية ، وبين القصد غير المباشر أو الإحتمالي الذي يستلزم إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الفعل الجرمي دون تحقيق النتيجة و هو الحال في الجرائم غير العمدية .

العنصر الثاني : علم الجاني بتوافر أركان الجريمة غير التي يتطلبها القانون.

لا يكفي لتوافر القصد الجنائي أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة ، بل عن علاوة على ذلك ، أن يكون عالما بتوافر أركان الجريمة التي يتطلبها القانون.

و يعني علم الجاني بتوافر أركان الجريمة إدراك الأمور على نحو صحيح مطابق للواقع بأن يعلم الجاني بأنّ أركان الواقعة الإجرامية متوافرة و أنّ القانو-ن يعاقب عليها : بمعنى أن يحيط الجاني بجميع الوقائع التي يتطلبها القانون لقيام الجريمة بكل أركانها . فإذا ما إنتفى عنصر العلم أنتفى معه القصد الجنائي و ينتفي القصد الجنائي عموما في حالة الجهل أو الغلط في الواقعة الإجرامية ".

ويعتبر من الوقائع التي تدخل في تكوين الجريمة ، و التي يتطلب القانون علم الجاني بها حتى يتوافر القصد الجنائي لديه مايلي :

* العلم بموضوع الحق المعتذى عليه :

إذ يجب أن يعلم الجاني في جريمة القتل مثلا أنه يعتدي على إنسان حي ' و أن يعلم في جريمة السرقة أنّ المال المختلس مملوك للغير . فإذا كان الجاني يجهل مثل هذه الحقائق انتفى القصد الجنائي لديه.

* العلم بخطورة الفعل على المصلحة التي يحميها القانون :

فإذا كان الجاني يعتقد أنّ الفعل الذي أتاه لا يشكل خطرا على هذه المصلحة ، فإنّ فعله هذا لا يعد جريمة عمدية ، و إن كان يمكن إعتبارها جريمة غير عمدية ، و مثاله أن يستعمل الجاني متفجرات لا يعلم طبيعتها.

* العلم بزمان إرتكاب الفعل الإجرامي أو مكانه :

إذ يجب أن يكون الجاني عالما بعنصر المكان الذي سيتوجه القانون لتحقق بعض الجرائم ، كعلمه بأنّ جريمة التجمهر تتم في مكان عام ( المادة 97 ق ع ) ، و جريمة ترك الأطفال التي تتم في مكان خال ( المادة 314 ق ع ) . و أن يكون عالما بعنصر الزمان الذي سيتوجه القانون لتحقق بعض الجرائم الأخرى كالجرائم التي ترتكب في زمن الحرب ( المادتان 62 و 73 ق ع ).

و أن يكون عالما بعنصري الزمان و المكان معا اللّذان يستلزم القانون تحققتهما في بعض الجرائم كجريمة الإعتداء على المسكن ليلا ( المادة 40 ق ع ) . فيجب الإعتداء بالعلم الحقيقي بهذه الظروف لتقرير توافر القصد الجنائي لديه.

* العلم ببعض الصفات في الجاني :

إذ يجب أن يعلم الجاني مثلا بصفته جزائريا في جريمة الخيانة كحمل السلاح ضد الجزائر ( المادة 60 ق ع ).

* العلم ببعض الصفات في المجني عليه :

إذ يجب أن يعلم الجاني مثلا بأنّ المجني عليه موظفا في جريمة إهانة الموظفين (المادة 144 ق ع) ، و أنّ المرأة متزوجة في جريمة الزنا ( المادة 339 ق ع ).

* العلم بالظرف المشدد الذي يغير من وصف الجريمة :

يعتبر الظرف المشدد الذي يغرم وصف الجريمة ركنا في تكوينها ، ومن ثمّ يجب علم الجاني به ، كوجوب علمه بأنّ حمل السلاح في التجمهر يعتبر طرفا مشددا ( المادة 97 ق ع ) خلافا عن التجمهر غير المسلح أو التجمهر البسيط.

و يلاحظ أنّ عدم علم الجاني بالوقائع التي لا يتطلبها القانون لتكوين الجريمة لا يؤدي إلى إنتقاء القصر الجنائي ، ومن هذه الوقائع الظروف المشددة المتعلقة بجسامة النتيجة كوفاة الضحية دون قصدا حدوثها ( المادة 246 ق ع ) . و الشروط الموضوعية للعقاب ، و مثالها أنّ الجاني يعاقب على إرتكابهة الجناية مرتبكة في الخارج سواءا كان يعلم أو لا يعلم بأنّ قانون بلاده يعاقبه عليها ( المادة 582 ق إ ج ). و الظروف المشددة التي لا يغير من وصف الجريمة كظرف العود ( المواد من 54 إلى 60 ق ع ).

ويلاحظ أيضا أنّ الجهل بالقانون أو الغلط في تفسيره لا ينفي القصد الجنائي . ذلك أنذ العلم بالقانون هو علم مفترض لدى الكافة فلا يقبل الدفع بالجهل بالقانون أو بعدم فهمه أو بالغلط في تفسيده لنفي القصد الجنائي تحقيق للعدالة .

ثانيا : صور القصد الجنائي :

تتعدد صور القصد الجنائي من حيث مداها في كل صوره فيه مع تواره في جميعها . فقد يكون القصد الجنائي عاما أو خاصا ، و قد يكون مباشرا أو غير مباشر ، و قد يكون محدودا ، نتولي عرضها بمايلي :

أ ـ القصد العام و القصد الخاص :

أولا : القصد العام .

يقصد بالقصد الجنائي العام إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة مع توافر العلم بأركان التي يتطلبها القانون . و يعتبر القصد العام لازما لقيام المسؤولية الجنائية في جميع الجرائم العمدية ، و ينحصر في حدود تحقيق الغرض من الجريمة و لا تميز بغيره ذلك أنّ القانون يكتفي بربط القصد الجنائي بالغرض الذي يسعى الجاني إلى تحقيقه بصرف النظر عن الباحث الذي دفعه إلى إرتكاب الجريمة :

و مثال القصد الجنائي العام أن الفقرة الخامسة من المادة 450 ق ع تنص على أنّ " كلّ من تسبب عمدا فالإضرار بممتلكات منقولة للغير... يعاقب بغرامة من 50 إلى 200 دج ، و يجوز أن يعاقب أيضا بالحبس لمدة عشرة إيام على الأكثر".

تقتضي المخالفة المنصوص عليها في الفقرة 5 من المادة 450 ق ع ، أن يتعمد الجاني الإضرار بممتلكات الغير الممنقولة : أي توافر القصد الجنائي العام لديه بأنّ تنصرف إرادته إلى إرتكاب هذه المخالفة مع العلم بأركانها التي يتطلبها القانون ، و من ثمّ لا تقوم هذه الجريمة إذا كان الإضرار بالأموال المنقولة المملوكة للغير كان نتيجة إهمال أو خطأ غير عمدي .

و يعني هذا أنّ القصد الجنائي العام ينتفي في الجرائم غير العمدية ، و يحل محله لخطأ أو الإهمال أو الرعونة و هي جرائم تسود فيها فكرة الخطأ غير العمدي كالقتل الخطأ و الإصابة الخطأ.

ثانيا : القصد الجنائي الخاص .

قد يتطلب القانون أن يتوافر في بعض الجرائم ـ إلى جانب القصد الجنائي العام ـ الباعث على إرتكابها و يسمى هذا الباعث بالباعث الخاص أو القصد الجنائي الخاص ، و يقصد بالباعث الدافع النفسي لتحقيق سلوك معين بالنظر إلى غاية محددة .

و مثال القصد الجنائي الخاص أنّ المادة 216 ق ع تستلزم لقيام جريمة التزوير في المحرارات الرسمية أو المحررات العمومية أن يتوافر لدى الجاني باعث خاص وهونية إستعمال المحرر الرسمي أو العمومي المذور ، إذ لا يكفي لقيام هذه الجريمة القصد العام المتمثل في إنصراف إرادة الجاني إلى مجرد تغيير الحقيقة في المحرر الرسمي مع العلم بعناصر الجريمة القانونية .

ويلاحظ أنّ القصد الجنائي الخاص لا يكون إلاّ في الجرائم العمدية كالذي يتطلب توافر القصد إلى جانب القصد الجنائي العام . ذلك أن توافر القصد الجنائي الخاص في هذا النوع من الجرائم يفترض حتما توافر القصد الجنائي العام في حين أنّ توافر القصد الجنائي العام لا يفترض دائما توافر القصد الجنائي الخاص.

ويلاحظ أيضا أنّ القانون لا شأن له في معظم الجرائم بالباعث أو الدافع إلى إرتكابها ، حتى و لو كان هذا الباعث شريفا أو نبيلا كمن يرتكب جريمة قتل دفاعا عن الشرف ، فإنّ ذلك لا يعفي الجاني من المسألة الجنائية ، و إن كان قد يدفع بالمحكمة إلى تطبيق نظام الظروف المخفقة للعقوبة بحسب ظروف كل واقعة ، و بالنظر إلى ما تتمتع به المحكمة من سلطة تقديرية في هذا الخصوص.

ب ـ القصد المباشر و القصد غير المباشر .

أولا : القصد الجنائي المباشر .

يقصد بالقصد الجنائي المباشر أن" تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة مع علمه بتوافر أركانها القانونية ، و إعتقاده اليقيني بأنّ نتيجة محررة بعينها يقصدها ستحقق ".

ومثال القصد الجنائي المباشر أن يطلق الجاني النار على خصمه بهدف قتله ، فإنّ الجاني في هذا المثال يتوقع نتيجة محددة يعينها و هي إزهاق روح المجني عليه ' و بذلك يعتبر قصده هنا قصار جنائيا مباشرا. ويلاحظ أنّ القصد الجنائي المباشر هذا المعني لا يبدو أن يكون القصد الجنائي سواءا كان عاما أو خاصا بحسب طبيعة الجريمة ، الذي هو عبارة عن إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة مع علمه بأركانها القانونية ، و الذي يميز الجرائم العمدية عن الجرائم غير العمدية ، ولذلك يرى بعض الفقه عدم وصول أي مبرر عملي للتفرقة بين القصد الجنائي العام و القصد الجنائي المباشر ، و إن كان لهذه التفرقة أهمية في التعرف على القصد الجنائي غير المباشر .

ويلاحظ أيضا أنّ القصد الجنائي المباشر لا يفترض في حق المتهم ، و أنّ تقدير توافره مسألة موضوعية تخضع لتقدير قاضي الموضوع .

ثانيا : القصد الجنائي غير المباشر .

يطلق على القصد الجنائي غير المباشر أيضا تسمية القصد الجنائي الإحتمالي ، وهو عبارة عن إقدام الجاني على نشاط إجرامي معين فتتحقق نتيجة أشد جسامة من النتيجة التي توقعها في إرتكاب الجريمة ، ويتبن من ظروف الواقعة الجرمية ما يدعو إلى الإعتقاد بأنّ هذه النتيجة كانت في نظر الجاني ممكنة الوقوع لا أكيدة الوقوع .

و مثال القصد الجنائي غير المباشر أن يعمد الجاني إلى ضرب المجني عليه ، و أن يؤدي هذا الضرب إلى وفاته ، ففي هذا المثال أقدم الجاني على فعل الضرب ، و اكن تحققت نتيجة أشد جسامة ممّا قدر لجريمته و لكن هذه النتيجة كانت في نظر الجاني ممكنة الوقوع ، فيكون القصد الذي توافر لديه هو القصد غير المباشر أو الإحتمالي ، فيسأل جنائيا عن جناية ضرب أخطر إلى الموت . ( الفقرة الأخيرة من المادة 264 ق ع ).

و يلاحظ أنّ الرأي الغالب في الحق يعتبر القصد الجنائي غير المباشر أو الإحتمالي صورة من صور القصد الجنائي ، على إعتبار أنّ الجاني توقع النتيجة و مع ذلك مضى في نشاطه الإجرامي غير مبال بما يمكن أن يقع.

جـ ـ القصد المحدود و القصد غير المحدود :

أولا : القصد الجنائي المحدود :

يقصد بالقصد الجنائي المحدود أو المحدد أن تنصرف إرادة الجاني إلى إحداث نتيجة معينة و عقد العزم على ذلك : أن تدبر موضوع الجريمة . و مثاله أن يطلق الجاني النار على شخص معين يقصد قتله. ففي هذا المثال تحدد موضوع الجريمة ، و بالتالي تحدد قصد الجاني .

ثانيا : القصد الجنائي غير المحدود .

يقصد بالقصد الجنائي غير المحدود أو غير المحدد أن تنصرف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريم

غير مبال بما تحدثه من نتائج ' فالجاني يقبل سلف أن تقع أية نتيجة يرتبها نشاطه الإجرامي . و مثاله أن يطلق الجاني النار على تجمع من النّاس يقصد أن يقتل منهم أي عدد ممكن ، و دون أن يكون لديه تصور محدد لأي عدد من النّاس سيقتل ، أي دون تحديد لموضوع الجريمة ، و بالتالي يكون قصد الجاني غير محدد.

و يلاحظ أنّ القصد الجنائي المحدد و القصد الجنائي غير المحدود لا فرق بينهما من حيث تقرير المسؤولية الجنائية ، و النتيجة في كليهما واحدة في نظر القانون ، و لذلك يرى بعض الفقه أنّ التفرقة بين هذين النوعين من القصد الجنائي هي تفرقة شكلية لا قانونية .

و يلاحظ أيضا أنّ القصد الجنائي المحدود و القصد الجنائي غير المحدود صورتان للقصد الجنائي العام ، ولا صلة لهما بالقصد الجنائي غير المباشر ، و هما صورتان لا تكونا إلاّ في الجرائم العمدية.

ب ـ الخطأ غير العمدي :

يعتبر الخطأ غير العمدي صورة من صورتي الركن المعنوي للجريمة . فقد تكون الجريمة عمدية تقوم على توافر القصد الجنائي ، وقد تكون الجريمة غير عمدية تقوم على مجرد توافر الخطأ .

و يقصد بالخطأ غير العمدي التصرف الذي لا يتفق مع الحيطة التي تتطلبها الحياة الإجتماعية . و قد يقع الخطأ غير العمدي بإعتباره يكون الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية ، قد يقع بفعلي سلبي و قد يقع بفعل إيجابي .

و مثال الخطأ الذي يقع بفعل سلبي أن يكون هناك إلتزام قانون أو تعاقدي ، و أن يقع الإخلال بهذا الإلتزام نتيجة خطأ أو إهمال ، ، كما في حالة الممرضة التي هي ملزمة بمراعاة المريض و إعطائهم الدواء في المواعيد التي يحددها الطبيب ، و تمتنع عن الخطأ أو إهمال القيام بإلتزاماتها التعاقدية هاته و يترتب على ذلك تفاقم حالة المريض أو وفاته .

ـ و مثال الخطأ الذي يقع بفعل إيجابي قيادة سيارة بسرعة مفرط فيها ، و أن يؤدي ذلك إلى إصابة أحد المارة . و للخطأ غير العمدي بإعتباره الركن المعنوي في الجرائم العمدية أركان و صور لفرضها فيمايلي:

أولا : عناصر الخطأ غير العمدي :

يستفاد من تعريف الخطأ غير العمدي بالتصرف الذي لا يتفق مع الحيطة التي تتطلبها الحياة الإجتماعية ، أنّ الخطأ لا يقوم إلاّ بتوافر عنصرين ، و هما :

ـ العنصر الأول : الإخلال بواجبات الحيطة و الحذر .

يفترض القانون أنّ الحياة الإجتماعية تقتضي أن يتوخى الفرد في تصرفاته الحيطة و الحذر ، بأن يأتي عملا أو يقوم بسلوك مقضي لنتيجة إجرامية ، و يتولى القانون عادة بيان حدود هذا العمل أو السلوك التي يتوجب مراعاتها . وقد لا يحيط القانون بكل ما يتوجب على الفرد مراعاته في حياته اليومية . و لذلك يثار التساؤل عن المعيار المعول عليه لتحديد القواعد الواجب مراعاتها.

فقد يكتفي القانون بالإشارة إلى الواقعة المجرمة بفعل الإهمال ، أو عدم الحيطة أو عدم الإنتباه ، دون بيان للتصرفات التي تعد إهمالا أو تنطوي على عدم الحيطة ، و متى لا يعتبر كذلك . الأمر الذي فتح المجال لإجتهاد الفقه الذي تبنى بعضهم المعيار الشخصي و يتبنى لبعض الأخر المعيار الموضوعي ، نعرضهما فيمايلي ببعض من التفصيل .

* المعيار الشخصي :

يرى أنصار هذا المعيار أنه يجب أن ينظر إلى الشخص المنسوب إليه الخطأ و إلى ظروفه الخاصة ' فإذا تبين أنّ سلوك الشخص المفضى للجريمة كان من الممكن تفاديه بالنظر إلى صفاته و ظروفه عرّ مخطئا . ذلك أنه لا يمكن أن يطالب شخص بقدر من الحيطة و الذكاء يفوق ما تحتمله ظروفه الإجتماعية و في حدود ثقافته و سنه و حيويته .

* المعيار الموضوعي :

يرى أنصار هذا المعيار وجوب المقارنة بين ما صدر عن الشخص المعتبر مخطئا و بين ما كان يمكن أن يصدر عن شخص آخر متوسط الحذر و الحيطة لا يمكن أن يقع فيما وقع فيه الجاني ، عد هذا الأخير مهملا أو مخطئا و يسأل جنائيا.

و يميل الرأي الغالب في الفقه إلى الأخر بالمعيار الموضوعي لتقدير توافر الخطأ الواجب للمسؤولية الجنائية مع مراعاة الظروف الشخصية للجاني في تقدير الجزاء العادل.

العنصر الثاني : العلاقة النفسية بين الإرادة و النتيجة .

لا يكفي مجرد الإختلال بواجب الحيطة و الحذر لقيام المسؤولية الجنائية على أساس الخطأ ، بل يجب علاوة على ذلك ، من تحقق نتيجة محددة يرتبها السلوك الموصوف بالإخلال بواجب الحيطة و الحذر : أي وجود ثلاثة بين إرادة الجاني المخطئة وبين النتيجة . بمعنى بأن يكون نشاط الجاني السبب المباشر في إحداث الواقعة الجرمية ،أن يكون نشاط الجاني متصلا بالنتيجة إتصال السبب بالمسبب إذ لا يتصور قيام الجريمة إلاّ بخطأ الجاني ، فإذا إنعدمت رابطة السببية لقدم الجريمة تبعا لذلك.

ثانيا : صور الخطأ غير العمدي :

تتعدد صور الخطأ في قانون العقوبات لستوعاب الخطأ الذي يحدث في الحياة اليومية غالبا تتمثل صور الخطأ في الإهمال أو الرعونة أو عدم الإنتباه أو عدم الإحتياط ، أو عدم مراعاة الأنظمة . فكل صورة من هذه الصور يتحقق بها الخطأ الموجب لقيام المسؤولية الجنائية عن الجريمة غير العمدية .

ويبدو من هذا التنظيم القانون للخطأ أنه يوجب لقيام الجريمة وجود فعل ناتج عن وعي و إرادة دون أن

يكون هناك قصد في تحقيق النتيجة . و نبين فيمايلي بإختصار معنى كل صورة من هذه الصور :

*الإهمال و عدم الإنتباه :

ينصرف معنى الإهمال و عدم الإنتباه لتقاربهما في المعنى إلى الخطأ الذي ينطوي عليه نشاط سلبي ترك أو إمتناع يتمثل في إغفال الفاعل إتخاذ الحيطة التي يوجبها الحذر ، و الذي لو أتخذه لما وقعت النتيجة . كأن يتسبب الشخص في قتل إنسان أو جرحه بإهماله.

* الرعونة :

يقصد بالرعونة سوء التقدير ، وقد تتجسد الرعونة في واقعة مادية تنطوي على خفة و سوء تصرف كأن يطلق الشخص النار ليصيد طير فيصيب أحد المارة ، وقد يتجسد في واقعة معنوية تنطوي على جهل و عدم كفاءة كالخطأ في تصميم بناء يرتكبه مهندس ، فيتسبب في سقوط البناء و موت شخص.

* عدم الإحتياط :

و يقصد به الخطأ الذي ينطوي على نشاط إيجابي من الجاني بدل عدم التبصر بالعواقب ، و هذا الخطأ الذي يدرك فيه الجاني طبيعة عمله و ما قد يترتب عليه من نتائج ضارة ، كقيادة السيارة بسرعة زائدة في شارع مزدحم بالمارة يفضى إلى قتل أو جرح أحدهم .

* عدم مراعاة الأنظمة :

يقصد به عدم تنصيب الأنظمة المقررة على النحو المطلوب ، أي مخالفة كل ما تصدره جهات الإدارة المختلفة من تعليمات لحفظ النظام و الأمن و الصحة في صورة قوانين أو لوائح أو منشورات.

و يتبين من صور الخطأ المتقدمة أنّ القصد الجنائي منعدم تماما في الجرائم غير العمدية . ذلك أنّ الجاني في هذا النوع من الجرائم يرغب في إرتكاب الفعل الإجرامي و لكن دون نية تحقق النتيجة الضارة خلافا للجرائم العمدية التي يريد فيها الجاني إرتكاب الفعل الإجرامي و أيضا إحداث النتيجة الضارة معا.

الفصل الثاني : أقسام الجريمة

سلك المشرع الجزائري مسلك معظم التشريعات المقارنة ، بأنّ قسم الجرائم بموجب المادة 27 من قانون العقوبات تقسيما ثلاثيا تبعا لخطورتها إلى جنايات و جنح و مخالفات . و لكن الفقه لم يكتف بهذا التقسيم القانوني للجرائم بل قسمها تقسيمات أخرى تبعا لأركان الجريمة . و لنعرض في مايلي للتقسيم القانوني للجرائم في مبحث أول ، و تخصص المبحث الثاني للتقسيم الفقهي لها.

المبحث الأول : التقسيم القانوني للجرائم

تقسم المادة 27 من قانون العقوبات الجرائم تبعا لخطورتها إلى جنايات و جنح و مخالفات . و تنص المادة 5 من نفس القانون على مايلي :

1 ـ أنّ العقوبات الأصلية في مواد الجنايات هي الإعدام و السجن المؤبد : و اليسجن المؤقت لمدة تتراوح بين خمس سنوات و عشرين سنة.

2 ـ أنّ العقوبة الأصلية في مواد الجنح هي الحبس لمدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ، ماعدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى . ذلك أنّ القانون قد يقرر في مواد الجنح حدا أقصى يفوق خمس سنوات حبسا كما هو الحال بالنسبة للحجنة إختلاس الأموال من طرف الموظف العام أو من في حكمه ،

( الفقرة 2 من المادة 119 ق ع ) ، و جنحة الفعل المخل بالحياء على قاصر دون عنف

( الفقرة 1 من المادة 334 ق ع ) و جنحة الفاحشة في الحالات المنصوص عليها في الفقرات 3 و 4 و 5 من المادة 337 مكرر ، ق ع ، و جنحة إستعمال المخدرات و الإتجار فيها ( المادة 242 من قانون الصحة المؤرخ في : 1985/02/16 ) .

3 ـ أن العقوبة الأصلية في مواد المخالفات هي الحبس من يوم واحد إلى شهرين على الأكثر ، و الغرامة من عشرين دينار جزائري إلى ألفي دينار جزائري .

و يستفاد من نص المادتين 27 و 5 من قانون العقوبات أنّ العبرة في وصف الجريمة بجناية أو جنحة أو مخالفة ، هي بنوع العقوبة المقررة قانونا للجريمة ، فإذا كانت هذه العقوبة المقررة قانونا للجريمة ،فإذا كانت هذه العقوبة من عقوبة الجنايات و صفت الجريمة بجناية أو جنحة أو مخالفة، هي بنوع العقوبة المقررة قانونا للجريمة ، فإذا كانت هذه العقوبة من عقوبة الجنايات و صنفت الجريمة بجناية .

و يراعى أنّ نوع الجريمة لا يتغير ، وفقا لمقتضيات المادة 28 من قانون العقوبات متى طبقت محكمة الجنايات أحكام المادة 53 من نفس القانون ، و وقعت على المتهم عقوبة جنحة على الواقعة التي تشكل جناية في أصلها ، نتيجة ثبوت وجود ظروف مخففة لصالحه.

و لكن إذا كان تشديد العقوبة أمر يعود إلى النص القانوني . و مثال ذلك أن جرم السرقة البسيطة هو جنحة و لكن القانون رفع عقوبتها عند توافر الظروف المشددة إلى عقوبة جناية ، ففي مثل هذه الحال تصير جريمة السرقة جناية على الرغم من أنها في الأصل و في غياب أو إنعدام الظروف المشددة تعتبر جنحة (المادة 29 ق ع )

و تتجلى أهمية هذا التقسيم الثلاثي للجرائم إلى جناية و جنحة و مخالفة في الآثار الأساسية التالية :

1 ـ أنّ التحقيق القضائي وجوبي في مواد الجنايات ، و إختباري في مواد الجنح ما لم تكن ثمة نصوص خاصة ، و جوازي في مواد المخالفة إذا طلبة وكيل الجمهورية ( المادة 66 ق ج ) .

2 ـ تختص محكمة الجنايات دون غيرها من المحاكم للفصل في الجرائم الموصوفة قانونا جناية ، مالم ينص القانون صراحة على خلاف ذلك ( المادة 248 ق ج ).

3 ـ تتقادم الدعوى العمومية في مواد الجنايات بإنقضاء عشرة سنوات كاملة تسري من يوم إقتراف الجريمة إذا لم يتخذ في تلك الفترة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة ( المادة 7 ق ج ) . و تتقادم الدعوى العمومية في مواد الجنح بإنقضاء ثلاث سنوات كاملة تسري من يوم إقتراف الجريمة إذا لم يتخذ في تلك الفترة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة . ( المادة 8 ق ج ). و تتقادم الدعوى العمومية في مواد المخالفات بإنقضاء سنتين كاملتين تسري من يوم إقتراف الجريمة إذا لم يتخذ في تلك الفترة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو المتابعة ( المادة 9 ق ج ).

المبحث الثاني : التقسيم الفقهي للجرائم .

يقسم الفقه الجرائم بالنظر إلى أركان الجريمة و هي الركن المادي ، و الركن المعنوي ، و الركن الشرعي ، تقسيمات عدة نوجزها في الآتيـك

1 ـ تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها المادي :

تقسم الجرائم إعتمادا على الركن المادي إلى جريمة فنية و جريمة مستمرة ، و جريمة بسيطة و جريمة إعتياد ، و جريمة متتابعة ، و لتتكلم فيمايلي في كل نوع من هذه الأنواع من الجرائم كل على حدى.

أ ـ الجريمة الوقتية :

تعتبر الجريمة وقتية إذا كان ركنها المادي لا يمتد فترة زمنية : أي الجريمة التي لا يستغرق وقوعها فترة زمنية ، و مثالها : جريمة القتل التي تتم بمجرد إزهاق الروح ، و جريمة السرقة التي تتم بمجرد حصول فعل الإختلاس ، و جريمة الضرب التي تتم بمجرد حصول فعل الضرب .

ب ـ الجريمة المستمرة :

تعتبر الجريمة مستمرة إذا كان ركنها المادي يمتد فترة زمنية : أي الجريمة التي يستغرق وقوعها فترة زمنية ، و مثالها : جريمة إخفاء الأشياء المسروقة ، و جريمة الإهمال العائلي التي تبقى قائمة إلى أن يتم دفع جميع المبالغ المحكوم بها .

جـ ـ الجريمة البسيطة :

تعتبر الجريمة بسيطة إذا كان يكتفي فيها بحصول الواقعة المادية مرة واحدة مع سائر العناصر الأخرى لتمام الجريمة ، و قيام المسؤولية الجنائية ، و مثالها : جريمة القتل و جريمة السرقة .

د ـ الجريمة المستمرة :

تعتبر الجريمة مستمرة إذا كان لا يكتفي فيها بحصول الواقعة المادية مرة واحدة مع سائر العناصر الأخرى لتمام الجريمة و قيام المسؤولية الجنائية ، بل يتطلب لتحقيقها تكرار هذه الواقعة ذاتها مع توافر العناصر الأخرى لقيام الجريمة .

و مثالها : جريمة التسول ، و جريمة تحريض القصر على الفسق .

هـ ـ الجريمة المتتابعة الأفعال أو المتكررة :

تعتبر الجريمة متتابعة الأفعال إذا قام الجاني بأفعال متتالية و متماثلة تنصب على مصلحة واحدة محمية قانونا يهدف إلى غرض إجرامي واحد ، و مثالها : جريمة الضرب في حالة تكرار فعل الضرب ، و جريمة السرقة في حالة حصول هذه الجريمة على مراحل ، أو دفعات .

و يعني هذا أنّ الجريمة المتتابعة الأفعال تقوم على عدة أفعال ، يشكل كل فعل منها في حد ذاته و إستقلالا جريمة تامة بحيث لو إكتفى الجاني بهذا الفعل دون تكراره لكان مسؤولا . و على الرغم من تكرار هذه الأفعال فإنها تعد بمثابة فعل واحد ، لأنّ من شأن تعددها أن ينصب على مصلحة واحدة ، تجمع بينها وحدة الهدف الإجرامي .

2 ـ تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها المعنوي :

تقسم الجرائم اعتمادا على الركن المعنوي للجريمة أو على توافر القصد الجنائي إلى جريمة عمدية و جريمة غير عمدية .

أ ـ الجريمة العمدية :

تعتبر الجريمة عمدية إذا توافر القصد الجنائي ، لدى مقترفها : أي إتجاه إرادته إلى تحقيق النتيجة التي يتوقعها ، و مثالها : جريمة القتل العمد.

ب ـ الجريمة الغير العمدية :

تعتبر الجريمة غير عمدية إذا لم يتوافر القصد الجنائي لدى مقترفها : أي الجريمة التي ينتفي فيها القصد الجنائي ، فهي جريمة تقوم على مجرد الخطأ المبني على الإهمال و الرعونة و قلة الإحتراز و عدم إطاعة القوانين و اللوائح ، و مثالها القتل الخطأ ، أو الجروح الخطأ.

3 ـ تقسيم الجرائم بالنظر إلى ركنها الشرعي :

تقسم الجرائم إعتمادا على الركن الشلرعي للجريمة إلى جريمة سياسية و جريمة عسكرية .

أ ـ الجريمة السياسية :

يتنازع تعريف الجريمة السياسية مذهبان : مذهب شخصي و مذهب موضوعي : فتعتبرالجريمة سياسية أخذا بالمذهب الشخص الجريمة التي يكون الباعث على إرتكابها باعثا سياسيا أو تكون الغاية من إرتكابها غاية سياسية ، و تعتبر الجريمة سياسية أخا بالمذهب الموضوعي إذا كانت المصلحة المحمية قانونا التي وقع عليها الإعتداء ذات طبيعة سياسية : بمعنى أنّ وصف الجريمة أنها سياسية يكون بالنظر إلى طبيعة الحق المعتدي عليه ، فإذا كانت طبيعة الحق سياسية كانت الجريمة سياسية.

و من الجرائم المعتبرة جرائم سياسية في قانون العقوبات الجزائري :

الجنايات الجنح ضد أمن الدولة كجرائم الجباية و التحسس ، و جرائم التعدي على الدفاع الوطني ، و الجرائم ضد سلطة الدولة و سلامة أرض الوطن ، و جنايات المساهمة في حركات التمرد ، و الجنحضد الدستور ، و الإعتداء على الحريات العامة ( المواد من 60 إلى 90 ) و المواد من 97 إلى 111 ق ج ).

و يلاحظ أنّ المشرع الجزائري لا يعبر إهتماما للتفرقة بين الجريمة السياسية و الجريمة العادية فيما يتعلق بالعقوبات المقررة لها ، مقارنة بالتشريعات الأجنبية التي تخصص للجرائم السياسية عقوبات خاصة تميزها عن العقوبات المقررة للجرائم العادية.

ب ـ الجريمة العسكرية :

تعتبر الجريمة عسكرية إذا أخل الفاعل بالقواعد التي يفرضها قانون العقوبات العسكري ، أو ما يسمى في الجزائر تعاون القضاء العسكري.

و تخضع الجريمة العسكرية في الجزائر لقانون القضاء العسكري الصادر في 1971/04/22 بموجب الأمر رقم : 28-71 و من أهم ما يميز الجريمة العسكرية مايلي :

ـ أنّ مصدر الجريمة العسكرية هو قانون القضاء العسكري.

ـ أنّ المحكمة العسكرية تختص دون غيرها بالفصل في الجرائم العسكرية .

أنّ قانون القضاء العسكري يطبق فقط على العسكريين ، و على من في حكمهم.

ـ أنّ قانون القضاء العسكري يتضمن عقوبات لا يتضمنها قانون العقوبات ، فقانون القضاء العسكري قانون تأديبي يستوجب أن يتضمن عقوبات إلى جانب العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات.

و تنص المادة 243 من قانون القضاء العسكري في هذا الخصوص ، على أن تصدر المحاكم العسكرية نفس العقوبات التي تصدرها المحاكم التابعة للقانون العام ، بإستثناء عقوبات الإبعاد ، و ذلك مع مراعاة أحكام هذا القانون أو القوانين الخاصة و كل عقوبة جنائية صادرة على عسكري تتضمن تحريره من الحقوق الوطنية يترتب عليها خصوصا فصله من الجيش ، و حرمانه من الرتبة و الحق في حمل الشارات و النبوة العسكرية ، و تنص المادة 224 من نفس القانون على أنه يمكن أيضا للمحاكم العسكرية أن تقضي بعقوبة العزل العسكري و فقدان الرتبة .

المبحث الثالث : الركن الشرعي للجريمة

يعبر عن الركن الشرعي في الجريمة بمبدأ "لا جريمة ولا عقوبة ولا تدبير أمن إلا بنص في القانون " (المادة 1 ق.ع) ويهدف هذا المبدأ الى إقامة التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع عن طريق توفير الحماية لكل من هذين المصلحتين، وبالقدر اللازم الذي لا يهدر إحداهما لفائدة الأخرى.

ويحقق مبدأ الشرعية الحماية لمصلحة الفرد عن طريق :

1 ـ منع السلطة من التحكم في حريات الأفراد، ومنع انتهاك حرياتهم .إذ يوجب هذا المبدأ بألا يعاقب الفرد على سلوك يأتيه إلا إذا كان هذا السلوك مجرما وقت إتيانه.

2 ـ بيان السلوك المعتبر جريمة ، الأمر الذي يمكن الأفراد من معرفة السلوك الإجرامي والسلوك المباح:أي معرفة الوجهة الإجتماعية المقبولة لممارسة نشاطهم في مأمن من المسؤولية الجنائية.

ويحقق مبدأالشرعية الحماية لمصلحة المجتمع عن طريق :

1 ـ إصفاء الصبغة القانونية على العقوبة تجعلها مقبولة باعتبارها توقع تحقيق للمصلحة العامة .

2 ـ إسناد وضيفة التجريم والعقاب الى المشرع وحده .ويتكون مبدأ الشرعية من عنصرين أساسيين، وهما : وجود نص سابق يجرم الفعل قبل ارتكابه،وعدم توافر المشروعية في الفعل المرتكب ،ولنتكلم في كل من هذين العنصرين على التوالي ببعض من التفصيل.

1 ـ وجود نص سابق يجرم الفعل قبل إرتكابه

يقضي مبدأ شرعية التجريم بعدم جواز متابعة شخص عن فعل إرتكبه. وأنزل العقاب عليه بسببه مالم يكن هذا الفعل مجرما بنص وقت ارتكابه ويشترط في النص التجريمي جملة من الشروط نوجزها في التالي:

أ ـ من حيث طبيعة النص التجريمي : يجب أن يكون النص التجريمي نصا تشريعيا : أي مكتوبا حتى يمكن للفرد معرفة الأفعال المجرمة والأفعال المباحة، ومن ثم توفير نوع من الإستقرار للنظام الجزائي ولذلك يستوجب مبدأ الشرعية اعتماد التشريع كمصدر وحيد للتجريم والعقاب، واستبعاد المصادر الأخرى .

ويفرض مبدأ الشرعية من المشرع بعض الإلتزامات في سن للنص التجريمي ، ويتعلق بعضها بمصدر التجريم، ويتعلق البعض الآخر بمضمون التجريم .

أما فيما يتعلق بمصدر التجريم : فإن مبدأ الشرعية يجعل سياسة التجريم والعقاب من صلاحيات المشرع دون غيره من الهيئات الأخرى لضمان الحماية الكافية للأفراد ويلاحظ مع ذلك إذا كانت السلطة التشريعية تملك وحدها سن النصوص التجريمية فقد تتخلى عن سلطتها إلى السلطة التنفيذية بطريق مباشر، وإلى السلطة القضائية بطريق غير مباشر.

ومن الأمثلة على تخلي السلطة التشريعية عن سلطة سن النصوص التجريمية إلى السلطة التنفيذية ما تقوم به هذه الأخيرة من ضبط وتحديد بعض الجرائم كمخالفات المرور، أو تدخلها عن طريق الاحالة في النصوص التجريمية الصادرة عن السلطة التشريعية في بعض الجنح الخاصة بقانون الأسعار.

ومن الأمثلة على تنازل السلطة التشريعية عن سلطة سن النصوص التجريمية إلى السلطة القضائية بطريق غير مباشر،ما اصطلح على تسميته بالنصوص المفتوحة،إذ يخول المشرع للقاضي بموجب هذه النصوص سلطة تقديرية واسعة،ومن ذلك ما تنص المادة 58 من القانون رقم: 90 ــ 41 المؤرخ في 1990 /06 /02 ، والمتعلق بكيفيات ممارسة الحق النقابي التي تعاقب على كل عرقلة لممارسة الحق النقابي.

وأما فيما يخص مضمون التجريم ،فإن مبدأ الشرعية يلقى هو الآخر على عاتق المشرع إلتزامات أهمها ما يلي :

1 ـ عدم الإفراط في التجريم والعقاب.

2 ـ الحرص على سريان النص التجريمي على المستقيل.

3 ـ توفر الوضوح في النص التجريمي ببيان أركان الجريمة،تحديد العقاب على نحو يسهل للقاضي تطبيق هذا النص.

ب ـ من حيث تطبيق النص التجريمي : يحكم تطبيق النص التجريمي مبدأتبعية القاضي للمشرع،وهي تبعية تحرم القاضي من التدخل ولو بطريق غير مباشر في سياسة التجريم.

إلا أن الملاحظ من الناحية العمليةأن مبدأ تبعية القاضي للمشرع غير مطلق التطبيق بالنظر إلى ما للقاضي من سلطة تقريرية في تطبيق النص التجريمي على الوقائع المعروضة عليه تحقيق العدالة ،فيكون القاضي بذلك في مركز تقييم الإرادة المشرع. وتتجلى مظاهر السلطة التقريرية للقاضي في تطبيق النص التجريمي في مسائل ثلاثة وهي تكييف الوقائع،وتفسير النص التجريمي و صلاحيته في إستيعاد هذا النص خدمة للشرعية،ولنعرض لهذه المسائل.

1 ـ تكييف الوقائع والجريمة : تنصب مسألة التكييف التي يتولاها القاضي على الوقائع والجريمة ،إذ يهدف تكييف الوقائع إلى البحث في مدى توافر التطابق بين الواقعة المرتكبة أو السلوك المرتكب مع الواقعة النمودجية أو السلوك النموذجي الذي يتضمنه النص التجريمي.

وتتجلى أهمية التكييف في أن ثبوت عدم التطابق بين السلوك المرتكب والسلوك النموذجي من شأنه أن يؤدي لزاما الى إستيعاد النص التجريمي، وتتجلى أيضا في أن ثبوت التطابق من شأنه أن يحدد العقاب والنظام الإجرامي، فالقاضي ملزم بتطبيق العقاب في حدود سلطته التقديرية .

2 ـ تفسير النص التجريمي : يقتضي مبدأ الشرعية أن تفسير النصوص تفسيرا يحافظ على التوازن بين مصلحة الأفراد ومصلحة المجتمع يضاف ألى ذلك أن خصوصية ذاتية قانون العقوبات تستلزم أن يخضع تفسير نصوصه لأساليب خاصة.

ويعتبر التفسير القضائي أهم تفسير للنص التجريمي، وهو تفسير يقوم به القاضي أثناء تطبيق النص التجريمي على الوقائع المعروضة عليه ويكاد يجمع الفقه والقضاء على أن تفسير النص التجريمي يجب أن يكون تفسيرا ضيقا لا يجيز التوسع. وهو التفسير الذي يدعمه مبدأ الشرعية مع مراعاة ارادة المشرع وقصده.

3 ـ صلاحية القاضي في إستيعاد النص التجريمي خدمة للشرعية: لا يكفي تطابق السلوك المرتكب مع السلوك النموذجي الذي يتضمنه النص التجريمي لقيام الركن الشرعي للجريمة، ذلك أن الركن الشرعي يتطلب علاوة على ذلك أن يكون النص التجريمي نفسه صالحا للتطبيق على السلوك المرتكب. وتتأكد هذه الصلاحية من خلال مراعاة الحدود الزمنية والمكانية لسريانه، وهذا ما يعبر عنه بالنطاق الزمني والنطاق المكاني لتطبيق النص التجرمي.

أما فيما يتعلق بالنظام الزمني للنص التجريمي فإن المشكلة تثور في حالة وقوع جريمة في ظل قانون ثم يصدر قانون جديد يعدل أو يلغي القانون القديم الذي إرتكب في ظله الجريمة. فلا خلاف في أن القانون الجديد يطبق على الواقعة اللاحقة لصدوره، ولكن الإشكال يبقى قائما بالنسبة للقانون الواجب التطبيق على تالوقائع السابقة لصدوره . ويثير هذا الإشكال مسألة تنازع القوانين من حيث الزمان .

ويقتضي مبدأ الشرعية عدم جواز متابعة فرد من أجل سلوك إرتكبه إلا إذاكان هذا السلوك مجرما بنص سابق على وقوعه. ويفيد هذا المبدأ عدم جواز تطبيق القانون الجديد على الوقائع التي سبقت صدوره.إلا أن هذا المبدء لايؤخر به على إطلاقه إذ يكاد يجمع الفقه والقضاء وما يرثهم في ذلك بعض التشريعات على جواز تطبيق القانون الجديد بأثر رجعي إذا كان أصلح للمتهم.وقد نص قانون العقوبات الجزائري في المادة الثانية منه على ذلك.

ولعل من أهم تطبيقات القانون الأصلي للمتهم ما يلي:

1 ـ أن ينص القانون الجديد على تخفيض العقوبة مع الإبقاء على تجريم الفعل: هذه الحال يطبق هذا القانون على الجرم المرتكب قبل صدوره باعتباره الأصلح للمتهم شريطة أن يكون القانون الجديد قد صدر قبل الحكم نهائيا على المتهم وفقا للقانون القديم.فإذا ما صدر حكم نهائي على المتهم في ظل القانون القديم فلا يطبق القانون الجديد ولو كان الأصلح للمتهم.

2 ـ أن يجعل القانون الجديد من الفعل الذي إرتكبه المتهم غير معاقب عليه: أي مباحا، ففي هذه الحال يطبق هذا القانون بأثر رجعي باعتباره الأصلح للمتهم على الفعل الذي إرتكبه المتهم قبل صدوره،حتى ولو كان قد صدر في حقه حكما نهائيا وفقا للقانون القديم، وقبل صدور القانون الجديد.

وأما فيما يتعلق بالنظام المكاني للنص التجريمي : فيحكمه مبدأ أصلي وهو مبدأ إقليمية القانون الجنائي ،ومبادئ إحتياطية وهي ميدأ عينية النص الجنائي ومبدأ شخصية النص الجنائي،ومبدأعالمية النص الجنائي،نتناولها فيما يلي لبعض من التفصيل.

1 ـ المبدأ الأصلي: مبدأ إقليمية القانون : تنص المادة 3 من قانون العقوبات على أن يطبق قانون العقوبات على كافة الجرائم التي ترتكب في أراضي الجمهورية، ويعني أراضي الجمهورية، وإقليم الدولة الجزائرية وفقا للمبادئ العامة في القانون الدولي العام الإقليم البري الذي تحدده الحدود السياسية للدولة،والإقليم البحري الذي يشمل المياه الإقليمية للدولة، والإقليم الجوي الذي يشمل طبقات الجو الذي يعلو الإقليمين البري و البحري للدولة ،وقد تولى قانون الإجراءات الجزائية بيان مكان وقوع الجريمة إستنادا إلى مبدأ إقليمية القانون بأن نص في المادة 586 منه على أن تعد مرتكبة في الإقليم الجزائري كل جريمة يكون عمل من الأعمال المميزة لأحد أركانها المكونة لها قد تم في الجزائر.

ونص في المادة 590 من قانون الإجراءات الجزائية على أن تختص الجهات القضائية الجزائرية بالنظر في الجنايات والجنح التي ترتكب في عرض البحر على بواخر تحمل الراية الجزائرية أيا كانت جنسية مرتكبيها .وكذلك الشأن بالنسبة للجنايات والجنح التي ترتكب في ميناء بحرية جزائرية على ظهر باخرة تجارية أجنبية.

ونص في المادة 591 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائرية على أن تختص الجهات القضائية الجزائرية بنظر الجنايات والجنح التي ترتكب على متن طائرات جزائرية أيا كانت جنسية مرتكب الجريمة . كما أنها تختص أيضا بنظر الجنايات أو الجنح التي ترتكب على متن طائرات أجنبية إذاكان الجاني أو المجني عليه جزائري الجنسية أو إذا هبطت الطائرة بالجزائر يعد وقوع الجناية أو الجنحة.

وإذا كان مبدأ أقليمية النص التجريمي يعني أن يخضع كل من أرتكب فعلا جرميا على أقليم الدولة يخضع لقانون العقوبات لهذه الدولة ولو لم يكن من رعاياها الذين يحملون جنسيتها، فأن هذا الميدأ يرد عليه إستثناء إذاكانت الجريمة صادرة ممن له صفة معينة تجعله غير خاضع لقضاء الدولة سواء أكان من المواطنين أو من الأجانب ومن الأشخاص المعينون فهذا الإستثناء هم عموما: رئيس الدولة وأعضاء المجالس النيابية ورؤساء الدول الأجنبية ورجال السلك الدبلوماسي.

2 ـ المبادئ الإحتياطية : وهي مبدأ عينية النص التجريمي، ومبدأ شخصية النص التجريمي ومبدأ عالمية النص التجريمي نعرضها في مايلي :

أ ـ مبدأ عينية النص التجريمي : يقوم هذا المبدأ على وجوب سريان قانون الدولة على الجرائم التي ترتكب خارج اقليمها ، والتي تشكل إعتداء على مصالحها بصرف النظر عن جنسية مرتكبها وقد حدد المشرع الجزائري الحالات التي يطبق عليها قانون العقوبات الجزائري بصرف النظر عن جنسية مرتكبها ، بأن النص في المادة 588 من قانون الإجراءات الجزائية على أن كل أجنبي إرتكب خارج الإقليم الجزائري بصفة فاعل أصلي أو بشريك .

في جناية أو جنحة ضد سلامة الدولة الجزائرية أو تزييفا لنقود أو أوراق مصرفية وطنية متداولة قانون بالجزائر تجوز متابعته ومحاكمته وفقا لأحكام القانون الجزائري إذا ألقي عليه القبض في الجزائر، أو حصلت الحكومة على تسليمه لها .

ب ـ مبدأ شخصية النص التجريمي: يقوم هذا المبدأ على وجوب سريان قانون الدولة على من يحمل جنسيتها ولو ارتكب جريمة خارج إقليمها .

ويميز المشرع الجزائري في تطبيقه لمبدأ شخصية النص التجريمي بين أن تكون الواقعة المرتكبة من طرف الجزائري في الخارج جناية أو جنحة ، بأن خص كلا منهما بنص خاص . بأن نص في المادة 582 من قانون الإجراءات الجزائية فيما يخص الجناية على أن كل واقعة موصوفة بأنها جناية معاقب عليها من القانون الجزائري في خارج إقليم الجمهورية يجوز أن يتابع ويحكم فيها في الجزائر .غير أنه لا يجوز أن تجرى المحاكمة أو المتابعة إلا إذا عاد الجاني إلى الجزائر ولم يثبت أنه حكم عليه نهائيا في الخارج وأن يثبت في حالة الحكم بالإدانة أنه قض العقوبة أو سقطت عنه بالتقادم أو حصل على العفو العام .

ونص في المادة 583 من قانون الإجراءات الجزائية فيما ينص بالجنحة على أن كل واقعة موصوفة بأنها جنحة سواء في نظر القانون الجزائري أو في نظر تشريع القطر الذي ارتكب فيه يجوز المتابعة من أجلها والحكم فيها في الجزائر إذا كان مرتكبها جزائريا.ولا يجوز أن تجرى المحاكمة أو يصدر الحكم إلا بالشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة .582 وعلاوة على ذلك فلا يجوز أن تجرى المتابعة في حالة ما إذا كانت الجنحة مرتكبة ضد أحد الأفراد الأبناء على طلب النيابة العامة بعد إخطارها بشكوى من الشخص المضرور أو ببلاغ من سلطات القطر الذي ارتكب الجريمة فيه.

ج ـ مبدأ عالمية النص التجريمي : يقوم هذا المبدأ على وجوب سريان قانون الدولة التي يلقى فيها القبض على المجرم بصرف النظر عن جنسيته ومكان إرتكاب الجريمة بإعتبارها تمس الجماعة الدولة ، وتشكل بالتالي إعتداءا على مصلحة مشتركة لكل الدول بما في ذلك الدولة التي تم فيها القبض على المتهم .ولا يوجد في القانون الجزائري ما يفيد أن المشرع الجزائري قد تبنى هذا المبدأ شأنه في ذلك شأن معظم التشريعات المقارنة.

فنص في المادة 39 من قانون العقوبات على أن لا جريمة إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون، وإذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع على النفس أو عن الغير أو عن المال مملوك للشخص أو للغير يشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الإعتداء .

ونص في المادة 40 من قانون العقوبات على أن يدخل ضمن حالات الضرورة الحالة للدفاع المشروع ، القتل أو الجرح أو الضرب الذي يرتكب لدفاع إعتداء على حياة الشخص أو سلامة جسمه أو المنع تسلق الحواجز أو الحيطان أو مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو توابعها أو كسر شيئ منها أثناء الليل .والفعل الذي يرتكب للدفاع عن النفس أو عن الغير ضد مرتكبي السرقة أو النهب بالقوة .

يستافد من نص المادتين 39 و 40 من القانون العقوبات أن المشرع الجزائري حصر أسباب الإباحة فيما فيما يأمر به القانون أو يأذن به وفي الدفاع الشرعي ، نعرضهما فيما يلي :

* أمر القانون أو إذنه : يقصد بأمر القانون جميع النصوص التشرعية علاوة على اللوائح في حالات معينة، ويتخذ بتقيد أمر القانون بشكل التنفيذ المبابشر لأمر القانون .ومثال ما يتضمنه قانون الصحة نصوص توجب على الطبيب التبليغ على حالة مرض معدى ، ولا يعد هذا التبليغ جريمة افشاء أسرار المهنة المعاقب عليها بنص المادة 301 من قانون العقوبات . وتتخذ تنفيذ الأمر الصادر من سلطة مختصة ، ومثاله أن يقوم الموظف المختص بتنفيذ حكم الإعدام بناء على أمر السلطة المختصة . فتنفيذحكم الإعدام لا يعد جريمة قتل طبقا لأحكام المادة 254 وما يعدها من قانون العقوبات .

ويقصد بإذن القانون ترخيص القانون لصاحب الحق في أن يستعمل حقه . ويشترط في ممارسة الحق كسبب إباحة، وجود الحق مهما كان مصدره،وأن يلتزم صاحب الحق في استعماله لحقه حدود هذا الحق ، وتمثل قيود الحق في ممارسة الحق بواسطة صاحبه ، وأن تكون الأفعال التي أتاها لازمة لممارسة الحق ، وأن يتوفر صاحب الحق في استعماله حسن النية.

* الدفاع الشرعي : ويقصد بالدفاع الشرعي استعمال قدر لازم من القوة لرد إعتداء حال غير مشروع على النفس أو المال ولا يتحقق الدفاع الشرعي إلا بتوافر شروط في العدوان وشوط في فعل الدفاع .

أما الشروط الخاصة بالعدوان أي الخطر أن يكون حالا بألا يكون إحتماليا أو منذرا بخطر مستقبلا، وأن يكون العدوان أو الخطر غير مشروع ، ويعتبر الخطر غير مشروع إذا كان يهدد بإعتداء على حق يحميه نص تجريمي ، فلا دفاع شرعي إذاكان الفعل مباحا .وأن يقع العدوان أو الخطر على حق يحميه ونص تجريمي ويستوي في ذلك أن يكون العدوان على النفس والمال..

وأما الشروط المتطلبة في فعل الدفاع الذي يتمثل في اتيان المعتدى عليه سلوك لصد الخطرالذي يهدد الحق الذي يحميه النص التجريمي ، وأ، يكون فعل الدفاع لازما لصد الخطر من جهة، ومتناسبا معه من جهة أخرى.

ويكون فعل الدفاع لازما لردء العدوان أو الخطر إذا وجد عدوان وقت الدفاع، وكأن هذا الفعل هو الوسيلة الوحيدة لصد العدوان، ويكون فعل الدفاع متناسبا مع العدوان إذا كان متناسبا مع جسامته، ذلك أن ممارسته ضد الدفاع الشرعي مرهونة بإلتزام حدوده والإخراج المدافع عن دائرة المباح وسقط في دائرة المخطور ويقع على عاتق من يتمسك بالدفاع الشرعي عبءإقامة الدليل على قيامه.

الفصل الثالث : نماذج من الجرائم .

تخصيص هذا الفصل لدراسته نماذج من الجرائم تثمثل أساسا في جريمة إختلاس الموظف العام لأموال عمومية ، و جريمة الرشوة ، و جريمة إصدار شيك بدون رصيد ، على أنّ تخصص لكل منها قسما مستقلا .

المبحث الأول : جريمة إختلاس الأموال العمومية .

تنص المادة 119 من قانون العقوبات على أنه " يتعرض القاضي أو الموظف أو الضابط العمومي الذي يختلس أو يبدد أو يحتجز عمد أو بدون وجه حق أو يسوق أموالا عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامها أو وثائق أو سندات أو عقودا أو أموالا منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها:

1 ـ للحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا كانت قيمة الأشياء المختلسة أو المبددة أو المحتجزة أو المسروقة أقل من 100.000 د ج .

2 ـ للسجن من سنتين إلى عشر سنوات إذا كانت القيمة التي تعادل أو تفوق مبلغ 100.000 د ج و تقل عن 300.000 د ج .

3 ـ للسجن المؤقت من خمس سنوات إلى عشر سنوات إذا كانت القيمة أو تفوق مبلغ 300.000 دج ، و تقل عن 1000.000 دج .

4 ـ للسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة إذا كانت تعادل أو تفوق مبلغ 1.000.000 دج و تقل عن 3.000.000 دج.

5 ـ للسجن المؤبد إذا كانت القيمة تعادل مبلغ 3.000.000 دج أو تفوقه.

6 ـ للحكم بالإعدام إذا كان إختلاس أو تبدير أو حجز أو سرقة الأموال المشار إليها أعلاه من طبيعتها أن تضر بمصالح الوطن العليا.

و يتعرض كذلك للعقوبات المنصوص عليها أعلاه كل شخص تحت أية تسمية و في نطاق أي إجراء يتولى و لو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدوون أجر و يسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات أو الهيئات الخاضعة للقانون العام أو المؤسسات الإقتصادية العمومية أو أي هيئة أخرى خاضعة للقانون الخاص معهد بإدارة مرفق عام ، يختلس أو يبدد أو يحتجز عمدا و بدون وجه حق أو يسرق أموالا عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقاماها أو وثائق أو سندات أو عقودا أو أموالا منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها .

يستفاذ من نص المادة 119 ق ع أنّ إختلاس الأموال العمومية أو الخاصة من طرف الموظف العمومي أو من في حكمه يكون جنحة إذا كانت قيمة الأشياء المختلسة أقل من 100.000 دج ، و يكون جناية إذا كانت قيمة الأشياء المختلسة تزيد عن هذا المبلغ و في الأحوال الأخرى المنصوص عليها في هذه المادة .

و يشترط لتحقيق جريمة إختلاس الموظف للأموال العمومية الشروط التالية :

1 ـ أن يكون الفاعل موظفا أو من في حكمه :

و قد حددت الفقرة السابعة من المادة 119 ق ع الأشخاص الذين يعتبرون في حكم الموظف و الذين تسري عليهم نفس الأحكام .

و يجب أن تتوافر صفة الموظف أو من في حكمه في الفاعل حتى يمكن نسبته الجريمة إليه ، فلا تقوم الجريمة إذا إنتفت عن الفاعل صفة الموظف العام أو من في حكمه ، أو أن يكون المال قد دخل في حوزته بدون أن يكون لوظيفته شأن في تلك الحيازة كأن يكون الفاعل موظفا عاما و لكن لا شأن له بحيازة أموال لحساب الدولة ، و يرتبط تحديد توافر صفة الفاعل كموظف مختص أو من في حكمه يوقف إرتكاب فعل الإختلاس .

2 ـ أن يقع إختلاس أو بتبدير أو إحتجاز بدون حق أموالا عامة أو خاصة التي تمثل في الواقع الفعل المادي للجريمة :

و يقصد بالإختلاس أو السرقة إنتزاع حيازة المال من المجني عليه دون رضاه خلسة أو بالعنف و التصرف فيه تصرف المالك بملكه ، و يقصد بالتبدير التصرف في المال بأي وجه من أوجه التصرفات سواءا كان تصرفا قانونيا كالبيع أو تصرفا ماديا بإستهلاك المال أو بإتلافه.

و يستوى أن يقع الإختلاس أو التبدير أو الإحتجاز على المال العام و هو الأصل أو على المال الخاص و هو الإستثناء ، أو على وثائق و سندات و عقود.

3 ـ أن تكون الأموال العامة أو الخاصة قد سلمت للموظف العام أو من في حكمه بمقتضى وظيفته أو بسببها :

أي لابد من قيام علاقة سببية بين حيازة الموظف العام أو من في حكمه للمال و بين وظيفته كان يتسلم الموظف المال بمقتضى قوانين الوظيفة ، أو كانت وظيفته تسمح له بإستلام المال كمصادرة رجل الأمن الأشياء المتحصلة من جريمة : لإغذا استولى الموظف العام على مال عام بدون أية صفة تجعله صاحب حق في الإستيلاء على المال ثم تصرف فيه فلا يعد تصرفه إختلاسا و إنما سرقة عادية لا تطبق عليها المادة 119 ق ع.

4 ـ القصد الجنائي :

تعتبر جريمة الإختلاس جريمة عمدية في جميع صورها ، و من ثم يجب أن يكون الموظف على علم بأنّ المال عام أو خاص و مع ذلك اتجهت إراته إلى إختلاسه و حجزه أو بتبديره.

و يكاد يجمع الرأي أن القصد العام القائم على العلم و الإرادة يكفي لتحقق الركن المعنوي أو القصد الجنائي في صورة إحتجاز المال بدون وجه حق ، في حين يتطلب لتحقق القصد الجنائي الخاص فيما عدا ذلك من صور هذه الجريمة من إختلاس و تبدير أن تتجه بنية الموظف إلى تملك

المال أو الشئ الذي بحوزته ، فإذا ما تخلق القصد الخاص : أي فيه التملك ، فلا تقوم جريمة الإختلاس، و مثاله أن يستولي الموظف على المال لمجرد إستعماله ثمّ رده أو لمجرد الإنتفاع به .

و قد سبقت الإشارة إلى أنّ العقوبة المقررة لجريمة إختلاس الموظف العام للأموال العمومية أو الخاصة تختلف بإختلاف المبلغ المختلس و الذي يتحدد على أساس وصف الجريمة أنها جنحة أو جناية، و المستقر عليه في إجتهاد قضاء المحكمة العليا إذا لم يكن المبلغ المختلس معروفا تعين

ندب خبير لتحديده للتمكن من إعطاء الوقائع الوصف القانوني الصحيح و من معرفة ما إذا كانت الجريمة المرتكبة جنحة أو جناية ، و من المستقر عليه أيضا في هذا الإجتهاد أنّ القانون لا يتطلب لقيام جريمة الإختلاس حصول شكوى من الإدارة إنتصاب المؤسسة التي يعمل بها طرف مدني لأنّ ذلك لا يكون ركنا من أركان هذه الجريمة .

المبحث الثاني : جريمة الرشوة

لم يعن المشرع الجزائري بتعريف جريمة الرشوة ، ويعرفها الفقه بأنها اتفاق بين شخصين يعرض بموجبه أحدهما على الآخر عطية أو وعدا بعطية أو فائدة فيقبلها لأداء عمل أو الإمتناع عن عمل يدخل في أعمال وضيفته أو مأموريته.

يستفاد من تعريف جريمة الرشوة أنها تستوجب وجود شخصين وهما :

1 ـ صاحب مصلحة يدفع للموظف أو من في حكمه عطية أو وعدا بعطية أو فائدة، أو يستجيب لطلب هذا الموظف أو من في حكمه بدفع عطية لقضاء مصلحته ، ويسمى بالراشي.

2 ـ الموظف أو من في حكمه الذي يقبل العطية أو يطلبها من أجل أداء عمل أو إمتناع عن عمل من أعمال وضيفته، ويسمى المرتشي.

وتختلف التشريعات المقارنة حول ما إذا كانت جريمة الرشوة جريمة واحدة يستوجب لقيامها وجود شخصين الراشي والمرتشي ، أم أنها تتكون من جريمتين مستقلتين: أحدهما يرتكبها الراشي والثانية يرتكبها المرتشي يفرد لكل منهما عقابا منفصلا باعتبارها جريمة تامة بكل عناصرها وأووصافها وعقوبتها.

ويتضح من نص المواد 129 و 127 و 126 من قانون العقوبات أن المشرع الجزائري يجعل من جريمة الراشي بنص المادتين 126 و 127 ويطلق عليها الفقه تسمية الرشوة الإيجابية، و جريمة المرتشي بنص المادة 129 ، ويطلق عليها الفقه تسمية الرشوة السلبية .ولنتكلم فيما يلي في هذين الصورتين من جريمة الرشوة.

1 ـ جريمة الرشوة الإيجابية

تنص المادة 129 من قانون العقوبات على أن كل من يلجأ إلى التعدي أو التهديد أو الوعود أو العطايا أو الهيات أو غيرها من الميزات، أو استجاب لطلبات يكون الغرض منها الإرتشاء حتى ولو لم يكن هو الذي طلبها وذلك إما للتوصل إلى أداء عمل أو الإمتناع عنه أو للحصول على المزايا أو المنافع المنصوص عليها في المواد من

126 128 ق. ع لم تذكر الراشي بصفة مباشرة خلافا للمادة 126 ق.ع بالنسبة للمرتشي. وقد إقتصرت المادة 129 ق.ع على تعداد الأفعال التي قد يلجأ إليها الراشي، ويستفاد من هذه المادة أن لجريمة الرشوة الإيجابية أو جريمة الراشي ركنان وهما:

أ ـ الركن المادي :

حددت المادة 129 ق ع الأعمال التي يقوم عليها الركن المادي لجريمة الرشوة الإيجابية وهي : التعدي والتهديد وهو ما يعبر عنه بالإكراه ، والوعد أو الهبة أو العطية أو الهدية وهذا ما يعبر عنه بالرشوة الفعلية ، والإستجابة لطلبات يكون الغرض منها الإنشاء.

ويتحقق الركن المادي بقيام الراشي بتهديد المرتشي ـ الموظف أو من في حكمه ـ لاكراهه على قيام العمل أو الإمتناع عن عمل ، في حدود وضيفته أو إختصاصه. ويستوي أن يكون التهديد ماديا أو معنويا مهما كانت وسيلتهما .وتقوم جريمة الرشوة بمجرد صدور تهديد من الراشي لاكراه المرتشي على القيام بالعمل أو الإمتناع عنه .فإذا ما تجاوز الراشي حد التهديد إلى التنفيد أعتبر ذلك تعديا.

ويتحقق الركن المادي أيضا إذا أقدم الراشي على إغراء المرتشي الموظف أو من في حكمه وتحريضه على أداء خدمة معينة له أو لغيره مقابل الوعود أو العطايا أو الهبات أو الهدايا أو غيرها من المزايا دون أهمية لموضوعها أن تكون مالا أو سلعة أو غيرها ومهما كان مقدراها وأهميتها ، إذ يكفي أن تكون مما يستهوي المرتشي للإستجابة لطلبات الراشي فيما ينبغي الحصول عليه هذا الأخير من منفعة لنفسه أو لغيره.

ويقتضي الإستجابة لطلبات يكون الغرض منها الإرتشاء ، صدور إيجاب من المرتشي الموظف أو من في حكمه يقابله قبول من الراشي والمستقر عليه فقها وقضاءا أن جريمة جريمة الرشوة تتحقق سواء أدى الإكراه أو الرشوة إلى تحقيق النتيجة المرجوة أم لم يِؤد بنص المادة 129 ق.ع .

ب ـ الركن المعنوي :

يهدف الراشي الى تحقيق مصلحة يبتغيها لنفسه أو لغيره، فيعتبر هدف الراشي أساس الركن المعنوي الذي تتجه إرادته لتحقيقه فيجب أن يعلم الراشي أنه يوجه التهديد أو التعدي أو العطايا أو الهدايا أو غيرها من المزايا إلى المرتشي الموظف العام أو من في حكمه لحمله على القيام بعمل أو الإمتناع عن عمل تبتغيه في حدود وضيفته أو إختصاصه.

وتعاقب المادة 129 ق.ع الراشي بنفس العقوبة المقررة للراشي ؤوالمنصوص عليها في المادتين 126 و 126 مكرر و 127 ق.ع مع مراعاة الظروف المشددة المنصوص عليها في المادتين 130 و 131 ق.ع ، والعقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادتين 133 و 134 ق.ع

2 ـ جريمة الرشوة السلبية

تنص المادة 126 من قانون العقوبات على أن يعد مرتشيا ويعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من 500 إلى 5000 د.ج كل من يطلب أو يقبل عطية أووعدا أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع أخرى وذلك : ـ ليقوم بصفته موظفا أو ذا ولاية نيابية بأداء عمل وظيفته غير مقرر له أجر سواء كان مشروعا أو غير مشروع أو بالإمتناع عن آدائه أو بآداء عمل وإن كان خارجا عن إختصاصاته الشخصية،إلا أن من يشأ وظيفته أن تسهل له آداءه أو كان من الممكن أن تسهل له.

ب ـ ليقوم بصفته محكما أو خبيرا معينا من السلطة الإدارية أو القضائية أو من الأطراف بإصدار قرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أوضده.

ج ـ ليقوم بصفته عضوا محلفا أو عضوا في جهة قضائية بإتخاد قرار سواء لصالح أحد الأطراف أو لضده.

د ـ ليقوم بصفته طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو قابلة بالتقرير كذبا بوجود أو بإخفاء وجود مرض أو عاهة أو حمل أو بإعطاء بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة أو عن سبب الوفاة. وتنص المادة 126 مكرر من قانون العقوبات على أنه إذا كان مرتكب الرشوة قاضيا يعاقب بالسجن المؤقت من 5 إلى 20 سنة وبغرامة من 5000 إلى 50.000 دج ، إذا كان مرتكب الرشوة كاتب ضبط يعاقب بالسجن المؤقت من 5 إلى 10 سنوات وبغرامة من 3000 إلى 30.000 د.ج. وتنص المادة 127 من قانون العقوبات على أن يعد مرتشيا ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 500 إلى 5000 د.ج كل عامل أو مستخدم أو مندوب بأجر أو مرتب على أية صورة كانت ، طلب أو قبل عطية أو وعدا، أو طلب أن يتلقى هبة أو هدية أو جعلا أو خصما أو مكافأة بطريق مباشر أو عن طريق وسيط ، وبغير علم مستخدمه أو رضاه وذلك للقيام بأداء عمل من أعمال وضيفته أو الإمتناع عنه أو بأداء عمل وإن كان خارج عن إختصاصاته الشخصية ، إلا أن من شأن وضيفته أن تسهل له أداءه أو كان من الممكن أن تسهله له. ويتضح من نص المواد 126 و 126 مكرر و 127 من قانون العقوبات أن لجريمة الرشوة السلبية أو جريمة المرتشي أركان ثلاثة وهي :

الركن المفترض :

يعبر عنه بالصفة المفترضة في الجاني ، إذ تعتبر جريمة الرشوة السلبية من جرائم ذوي الصفة لأن المشرع اشترط وصفا خاصا في مرتكبها ، فلا تقع من غيره، ولذلك يجب لقيام جريمة الرشوة السلبية أن تتوافر في المرتشي أوصافا خاصة أوردتها المواد 126 و126 ، 127 ق.ع على سبيل الحصر وهي :

* القضاة

*الموظفون العامون أو من في حكمهم ، ويعتبر شبيها بالموظف العام عملا بالفقرة 3 من المادة 119 ق. ع كل شخص تحت أي عنوان تسمية وفي نطاق أي إجراء ما يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر، ويسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الإدارات العامة أوالجماعات المحلية أو الهيئات المصرفية أو الوحدات المسيرة ذاتيا للإنجاز الصناعي أو الفلاحي أوفي في أية هيئة من القانون الخاص تتعهد بإدارة مرفق عام .

* الأشخاص ذوي الولاية النيابية من أعضاء المجالس البلدية و المجالس الولائية والمجالس الشعبي الوطني .

*الخبراء المنتدبون من طرف السطة الإداريةأوالسلطة القضائية أوالأطراف لإبداء الرأي في مسألة فنية.

*المحكومون المخترون من طرف السلطات أو الأطراف للتحكيم بين الأطراف المتنازعة في مسألة معينة.

* الأعضاء المحلفون كالأعضاء في محكمة الجنايات.

* أعضاء الجهات القضائية الذين يشتركون في عمل أو مهمة قضائية كعضو في تشكيلة المحكمة أو كاتب الضبط.

*الأطباء و الجراحون وأطباء الأسنان و القبلات .

* العمال أو المستخدمون أو المتدولون بأجر. فإذا لم تتوافر صفة من هذه الصفات التي يتطلبها القانون في الفاعل فلا يعد الشخص مرتشيا،حتى ولو كان قد إنتحل إحدى هذه الصفات. وتتحقق صفة الموظف أو من في حكمه عند إكتشاف الجريمة ، وتظل هذه الصفة قائمة حتى بعد التوقف عن الوظيفة متى كانت قد سهلت أو مكنت منت إتمام الجريمة . والراجح أن الموظف لا يفلت من العقاب لأن قرار تعيينه قد صدر باطلا ما دام قد باشر فعلا مهام الوظيفة ، والعلة في ذلك أن تجريم الرشوة إنما تقررلحماية الوظيفة العامة ومقتضيات الثقة فيها.

ويلاحظ أن المشرع الجزائري وإن كان يشترط إلى جانب توافر صفات خاصة في المرتشي على النحو المتقدم ـ أن يكون العمل من إختصاص الموظف أو من شأن وظيفته أن تسهل له أداؤه أو من الممكن أن تسهله له، فإنه توسع في تحديد مدلول الإختصاص على النحو الذي تتطلبه مقتضيات الحماية الجنائية، فلم يشترط لتحقق جريمة الرشوة أن يكون العمل الوظيفي داخلا في إختصاص الموظف أو من في حكمه فقط ، بل يكفي أن يكون له نصيب من الإختصاص يسمح له بتنفيد الفرض من الرشوة . ومن ثم يكفي لتحقق الرشوة أن يكون الغرض منها أداء عمل أو الإمتناع عنه ولو كان خارجا عن إختصاص الموظف أو من في حكمه، طالما أن من شأن وظيفته أن تسهل له أدؤه أو من الممكن أن تسهله له: أي مادام له إتصال بهذا العمل.

2 ـ الركن المادي :

تتخلص الأفعال التي يقوم عليها الركن المادي لجريمة الرشوة السلبية وفقا للمادتين 126 و 127 من قانون العقوبات في الطلب والقبول والتلقي أو الأخذ، نعرضها فيما يلي :

*الطلب : يقصد بالطلب الإيجاب الصادر عن الموظف أو من في حكمه للرشوة ، ويكفي بمجرد تعبير الموظف عن إرادته في الحصول على مقابل لأداء عمل أو الإمتناع عنه لتحقق الركن المادي للجريمة حتى ولو لم يقترن الإيجاب هذا الأخير بقبول.

*القبول : يقصد بالقبول قبول الموظف أو من في حكمه الإيجاب صاحب المصلحة الصادر إليه.

ويتحقق الركن المادي للجريمة بمجرد تلاقي قبول الموظف مع إيجاب صاحب المصلحة يصرف النظر عن تنفيذ الراشي لوعده أو عدم تنفيده له بإرادته أو الأسباب خاجة عن إرادته، ولكن يشترط في القبول أن يكون جديا وصادرا عن ارادة حرة وواعية .

التلقي أو الأخد : يقصد بالتلقي أو الأخد بتسلم الموظف أو من في حكمه للشيئ موضوع الرشوة والراجح أن الأخد لا يقع على الوعد وإنما على تلقي هبة أو هدية أو أية مزية أو منفعة أخرى . ويتم بإستلام الموظف لما عرض عليه ، مهما كان شكل هذا الإستلام.

وقد حددت المادة 126 ق.ع في فقراتها الثانية والثالثة والرابعة نوع العمل الذي يعتبر سببا للرشوة في إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده ، أو في إتخاد قرار لصالح أحد الأطراف أو ضده ، أو في التقرير كذبا بوجود أو إخفاء وجود مرض أو عاهة أو حمل أو إعطاء بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة أو عن سبب الوفاة. ويعتبر سببا للرشوة أيضا الإمتناع عن أداء أحد أعمال الوظيفة ، ولا يشترط في الإمتناع أن يكون تاما إذ يكفي مجرد التأخير في القيام بالعمل.

3 ـ الركن المعنوي :

إن جريمة الرشوة السلبية، شأنها شأن الرشوة الإيجابية، جريمة عمدية تستوجب

القصد الجنائي ، أي توافر عنصري العلم والإرادة : أي إتجاه إرادة الموظف أو من في حكمه إلى طلب الرشوة أو قبولها أو تلقيها أو أخذها .وأن يعلم بأن المقصود من المقابل الذي أخده هو أداء عمل أو الإمتناع عنه . ويشترط معاصرة القصد الجنائي للركن المادي بمعنى توافر القصد الجنائي لدى الجاني لحظة تنفيد للركن المادي لجريمة الرشوة . ويلاحظ في الأخير أن المادة 126 من قانون العقوبات قد أوردت بصورة عرضية إسم الوسيط، ولكن المشرع لم يبين حكم هذا الوسيط في الرشوة ، والراجح أن تطبق بشأنه المبادئ العامة للشريك، فيعتبرشريكا لمن تعامل معه الراشي أو المرتشي أو معا شريطة أن يكون عالما بأنه يقوم بدور وسيط بينهما، عملا بالمادة 42 قانون العقوبات.

No comments:

Post a Comment