Tuesday, January 29, 2008

النظام القانوني للرقابة العليا على الأموال العامة بالمغرب أية حصيلة وأية آفاق؟

النظام القانوني للرقابة العليا على الأموال العامة بالمغرب أية حصيلة وأية آفاق؟

(قراءة في دستور 1992)

للدكتور محمد حركات*

يشكل مشروع المراجعة الدستورية لسنة 1992، الذي تقدم به جلالة الملك، بمناسبة الذكرى 39 لثورة الملك والشعب، مطعما ومعززا ببعض المقترحات التاريخية، التي كانت قد أبدت بها الكتلة الديمقراطية في المذكرة المرفوعة إلى الديوان الملكين في تاريخ 19 يونيو 1992، حثا سياسيا بارزا ومعلمة كبرى في تاريخ المعركة التي يخوضها الشعب المغربي بكل فئاته وفصائله وشرائحه الاجتماعية، في سبيل ترسيخ مبادئ وقيم الديمقراطية الحقة ودولة القانون وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، التي يتطلع إليها.

ومعروف أن مستقبل التنمية يرتبط عضويا بتحقيق الديموقراطية، فالديموقراطية والتنمية يمثلان وجهين لعملة واحدة، بحكم العلاقة الجدلية بينهما، وتفاعل وتشابك آثارهما المتبادلة، لأن الديموقراطية توفر السياج الواقي للتنمية، بينما توفر التنمية الشاملة القاعدة الصلبة التي تقوم عليها الديمقراطية.

ومن هذا المنطلق، يعتبر دستور 1992 مكسبا وطنيا لا يستهان به.

أولا: بحكم الآفاق السياسية التي سيفتحها، لا ريب، أمام مختلف المؤسسات والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ثم الدينامية الجديدة التي سيمنحها للعمل التنموي ـ طبعا، إذا توفرت كل الشروط والضمانات اللازمة ووضع الدستور موضوع التطبيق ـ بغية تدشين عهد جديد يتميز أساسا باستحضار الذات المغربية في فضائها المغاربي والعربي والعالمي.

ثانيا: بفضل تفتحه المعلن على معظم قضايا العصر في خضم التحولات والتطورات التي يعرفها العالم المعاصر خاصة منذ فتح بوابة برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي مرورا باندلاع أزمة الخليج وما نتج عن ذلك وتمخض من قيم جديدة في الحقوق الإنسانية والتكتل الجهوي والإنتاج.

ولعل إيجابيات مشروع الدستور الجديد تكمن أساسا في العناصر الآتية:

النص والتأكيد في تصدير الدستور عل تشبث المغرب برعاية حقوق الإنسان بناء على ما هو متعارف عليه دوليا.

باحث، مجاز في الحقوق وعلم الاجتماع، حاصل على دبلوم الدراسات العليا ودكتوراه الدولة في الرقابة العليا.

إقرار حق البرلمان دستوريا في تنصيب الحكومة وإنشاء لجان التقصي ( الفصل 20 والفصل 40).

النص على اختيار الوزير الأول لوزرائه واقتراحه تعيينهم وإعفائهم ( الفصل24).

إحداث ودسترة المجلس الدستوري ليسهر على رقابة القوانين ( الفصول من 76 إلى 79).

إحداث مجلس اقتصادي واجتماعي ( الفصل 91).

النص على الجهات في الدستور ( الفصل 94).

تحديد دستوريا مدة إصدار أمر تنفيذ القانون في 30 يوما وأجل 20 يوما للإجابة على الأسئلة الشفوية التي يتقدم بها البرلمان للحكومة ( الفصلان 26و 55).

ومما لاشك فيه أن مختلف هذه المقتضيات التي أتى بها الدستور الجديد يمكن أن تسهم في تدعيم سلطة البرلمان في مراقبة الحكومة لو تم تعزيزها بوسائل أخرى أشد فعالية في تحقيق هذا الهدف.

وسنحاول في هذه الدراسة، من خلال قراءتنا لمختلف بنود وفصول دستور 1992، مقاربة بعض النواقص والثغرات التي أغفلها هذا المشروع.

وسينصب بحثي منهجيا على دراسة 3 محاور أساسية بغية الوقوف وإبراز مدى محدودية الرقابة المالية في دستور 1992 من خلال تحليل ومناقشة العناصر الآتية:

مدى محدودية وسائل الرقابة المالية التي يمارسها البرلمان.

أهمية الرقابة العليا للمالية ودورها في دعم الديموقراطية والتنمية وترسيخ دولة الحق والقانون.

مدى ضعف ومحدودية الضمانات الممنوحة لقضاة لمجلس الأعلى للحسابات في ظل الدستور الجديد.

مدى محدودية وسائل الرقابة المالية التي مارسها البرلمان.

تمثل السلطة المالية التي يتمتع بها البرلمان في الدول الغربية المتقدمة أحد الوسائل الأساسية التي تترجم مدى قدرته القانونية والمؤسساتية والتقنية في مراقبة الجهاز التنفيذي، لكن مقارنة مع هذه الدول نجد في المغرب أن مشروع الدستور الجديد لا يمنح البرلمان سلطا مالية وتقنية واسعة في مراقبة الحكومة.

وإذا كانت مقتضيات الفصل49 من الدستور تخول له الحق في ممارسة المراقبة المسبقة على قوانين المالية من خلال تصويته ومصادقته على الميزانية، شريطة ألا تؤدي اقتراحاته إلى تخفيض الموارد العمومية وإحداث أو زيادة تكاليف موجودة ( الفصل 50)، فإن هذا الحق لا يوجد ما يعززه ـ قانونيا وتقنيا ـ فيما يخص الرقابة المرافقة ( المتابعة المادية أثناء التنفيذ) أو الرقابة اللاحقة ( بعد التنفيذ).

فعلى المستوى القانوني، لا يوجد في بنود الدستور ما يدعم ويعزز هذه الرقابة، فالمجلس الأعلى للحسابات الذي يعتبر أعلى هيئة للرقابة المالية بالمغرب، لم يكتب له الارتقاء إلى مؤسسة دستورية لتحديد علاقته أولا بالبرلمان وثانيا لمساعدته في القيام بالمهام الرقابية المتخصصة لفائدة مجلس النواب ( رقابة تسيير الأجهزة العمومية مثلا).

وإذا كانت لجان التقصي التي نص عليها دستور 1992 سعيا وراء دسترة الممارسات العرفية كتلك التي قامت بها لجان التقصي والتحقيق خلال الولايتين السابقتين ( 1977-1983) و ( 1984-1992)، فيما يخص مثلا البحث في تسرب امتحانات الباكلوريا ( 1979) أو أحداث 1984 و 1990، تجاوزا لتلك المواجهة وذلك الجدل الفقهي الذي كان قائما بين البرلمان في مراقبة الميزانية سواء خلال أو بعد التنفيذ.

غير أنه يجب الإشارة أن لجان التقصي، كما يدل على ذلك اسمها ليست لجان رقابة، فعلاوة على محدوديتها القانونية وطابعها المؤقت فهي محاطة بمجموعة من القيود، فاستنادا إلى مقتضيات الفصل 40 من الدستور، نلمس أن لجان التقصي لجان ذات اختصاصات عامة، ولا يمكن تكوينها من طرف الأقلية، لأنها لا تشكل إلا مبادرة من البرلمان وعند توفر أغلبية المجلس.

في هذا الصدد استنتج الأستاذ عبد الرحمان القادري " أن إحداث لجان التقصي بمبادرة أغلبية البرلمان من شأنه أن يضعف هذه الوسيلة في المراقبة، لأن الأغلبية عادة ما تكون متفقة مع الحكومة، لذا فإن هذه الوسيلة لن تكون ناجعة إلا إذا كان من حق الأغلبية في مجلس النواب الالتجاء إليها، على غرار كثير من الدول الغربية".

وباستثناء تدخل لجان التقصي في البحث في بعض القضايا العامة كتلك التي عرفتها تجربة الولايتين السابقتين فإن هذه اللجن لا يمكن لها التدخل في مراقبة وتقويم وتسيير الأجهزة العمومية ( دولة، مؤسسات عمومية وجماعات محلية) بغية إخبار المواطنين والرأي العام عن ظروف وملابسات التسيير المالي والإداري بالمغرب، الشيء الذي يترجم مدى محدودية الرقابة المالية التي يمارسها البرلمان ومدى ضرورة الارتقاء بالمجلس الأعلى للحسابات إلى مستوى مؤسسة دستورية على غرار المجلس الدستوري والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والجماعات المحلية والمجلس الأعلى للقضاء.

أهمية دور الرقابة العليا للمالية في دعم الديموقراطية والتنمية وترسيخ دولة الحق والقانون.

ما هي دلالة سكوت الدستور الجديد عن مؤسسة الرقابة العليا؟

تعهد الرقابة العليا التي أغفلتها التعديلات الجديدة، أو اعتبرت أن الوقت لم يحن بعد لإقرارها حاليا، إلى المجلس الأعلى للحسابات الذي أحدث بمقتضى القانون 79-12 بتاريخ 14 شتنبر 1979، وهو يمارس المراقبة العليا لتنفيذ القوانين المالية.

إن المجلس الأعلى للحسابات بصفته محكمة مختصة يمارس عدة اختصاصات قضائية، فهو المحكمة الوحيدة التي تختص في النظر في حسابات المحاسبين العموميين والفعليين، كما يمارس المجلس المهام القضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية بالنسبة لكل موظف أو مسؤول تجري عليه مراقبة المجلس.

وأخيرا، تشمل مراقبة المجلس، فيما يخص الاختصاصات الإدارية، جميع مظاهر التسيير.

ومن جهة أخرى ويتيح الفصل 61 من القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للحسابات لرئيس مجلس النواب رفع القضايا المتعلقة بالتأديب المالي إلى المجلس الأعلى للحسابات بواسطة الوكيل العام للملك، كما نص الفصل 84 من هذا القانون على أن يوجه المجلس إلى رئيس مجلس النواب تصريحا عاما بمطابقة حسابات المحاسبين الفردية للحسابات العامة للدولة، ويلحق هذا التصريح بمشروع قانون التصفية الذي تعرضه الحكومة على مجلس النواب، ومن جهة أخرى يتولى رئيس المجلس الأعلى للحسابات سويا رفع تقرير عام إلى جلالة الملك عن جميع أوجه أنشطته.

ومما لاشك فيه أن وضع هذه الاختصاصات والفصول كلها موضع التطبيق سيسهم لا ريب في عقلنة التسيير المالي والإداري والتخفيف من وطأة الاختلاس والتبذير والتلاعب بالأموال العامة ثم الحد من تجاوزات الجهاز التنفيذي في هذا الشأن مع الحرص على إخبار المواطنين والرأي العام بكل الخروقات القانونية المرتكبة أثناء تنفيذ الميزانية.

لكن رغم خطورة المهام التي خولها القانون للمجلس الأعلى للحسابات سواء فيما يخص خدمة مجلس النواب أو السلطات العليا في البلاد أو الجهاز التنفيذي نفسه ظلت هذه المؤسسة غير قادرة على مباشرة أي اختصاص من اختصاصاتها المعددة، وظل قانونها حبرا على ورق...بحكم عدم قدرتها على التخلص من قبضة الجهاز التنفيذي (وزارة المالية أساسا) والتمتع باستقلال عضوي ووظيفي ومادي يصون لها كيانها كجهاز عال للرقابة المالية، الشيء الذي دفع الكتلة الديموقراطية في مذكرتها المرفوعة إلى جلالة الملك بتاريخ 19 يونيو 1992 حول الإصلاح السياسي والدستوري اعتبار إصلاح مؤسسة الرقابة العليا من بين الأركان الأساسية التي يجب أن يرتكز عليها النظام الديموقراطي الحقيقي.

حيث أكدت على ضرورة الارتقاء بالمجلس الأعلى للحسابات إلى مؤسسة دستورية مستقلة تتمتع بدورها كاملا من المراقبة العليا للمالية العامة، الشيء الذي يقتضي توسيع وتقوية بنيانها ومنح أعضائها الضمانات اللازمة لممارسة مهامهم، مع قرار استقلالها المادي والعضوي والوظيفي.

كما أشارت المذكرة إلى ضرورة تحديد علاقة المجلس الأعلى للحسابات بالسلطتين التشريعية والتنفيذية والرأي العام على أساس دستوري بغية ترسيخ مبادئ الرقابة والمساءلة في المجتمع وتقوية دولة القانون.

وفي الأخير، أبرزت المذكرة الدور الذي يجب أن يضطلع به المجلس الأعلى للحسابات ليشمل المراقبة المالية وتقويم مشاريع الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية.

وتجدر الإشارة أنه خلافا لعدد كبير من دساتير الدول الغربية والعربية فإن الدساتير الثلاثة (1962-1970-1972) التي عرفها المغرب، لم تنص أبدا على الرقابة العليا، حيث أنه كان من المتوقع أن يتم إقرار المجلس الأعلى للحسابات في مشروع التعديل الدستوري الجديد لسنة 1992، ولكن ذلك لم يحدث، وتم بالتالي إغفال أو تغييب مؤسسة الرقابة العليا عن كل هذا الصرح التشريعي الهائل الذي أتى به مشروع هذا التعديل، ولحال عكس ما نصت عليه اتفاقيات وتوصيات المنظمات الدولية ولجهوية التي صادق عليها المغرب بصفته عضوا فيها والتي تقر كلها ضرورة التنصيص ولإقرار الرقابة العليا في الدستور.

وهكذا نلاحظ، من خلال قراءة نصوص دستور 1992، بوضوح بقاء هذه الثغرات التي غفلتها التعديلات الجديدة أو اعتبرت أن الوقت لم يحن بعد لإقرارها مكتفية بمقتضيات القانون العادي المنظم لهذه الرقابة.

فعلى سبيل المثال نجد أن الفصل 47 من الدستور الفرنسي ـ الذي تأثر به المغرب كثيرا ـ يعهد لمحكمة الحسابات " مساعدة البرلمان والحكومة في تنفيذ قوانين المالية".

وفي ألمانيا الاتحادية نصت الفصول من 121 إلى 128 من دستور 1948 المتعلق بتغيير مقتضيات نص 1929 بشأن الفرع الخامس حول الرقابة المالية على المهام الموكولة لمحكمة الحسابات الفيدرالية وعلى تشكيلتها ومسؤوليات رئيسها وطرق تعيين أعضائها ونطاق رقابتها والتقارير التي تعدها وتاريخ تقديمها والجهات التي يجب أن تقدم إليها.

أما في الدول العربية، فقد نصت عدة دساتير منذ سنوات على إنشاء جهاز عال للرقابة، كما هو الشأن في سوريا سنة 1920 والعراق سنة 1925 ومصر سنة 1923 ولبنان سنة 1926 والأردن سنة 1925 وليبيا سنة 1951 والكويت سنة 1964 والإمارات العربية سنة 1971 وتونس سنة 1959 والجزائر سنة 1962 ( لمزيد من التفاصيل يراجع الجدول البياني حول ترتيب أجهزة الرقابة في آخر هذه الدراسة).

ومن خلال هذه المقارنة يمكن أن نستنتج مدى تأخر المغرب في مواكبة التطورات الحديثة التي يعرفها علم الرقابة ـ فكرا وممارسة ـ إلى درجة أنها أصبحت تعد برهان تحضر ودليلا على تقدم دولة المؤسسات والقانون ناهيك عن أن وجودها يشكل تاريخيا أحد الحقوق الأساسية للإنسان ( الفصل 14 من التصريح الفرنسي لحقوق الإنسان).

ويمكن كذاك ملامسة هذه الثغرات المتعلقة بغياب الأساس الدستوري للرقابة ـ وإن كان ليس غاية في حد ذاته ـ بالبحث في مدى ملاءمة النصوص التشريعية التي تقنن الرقابة العليا بالمغرب مع مختلف توصيات المنظمات الدولية والجهوية المختصة في الرقابة العليا ( لانتوساي* العربوساي*، الأفروساي*). التي يعتبر المغرب فيها عضوا منذ عدة سنوات، حيث يتم أثناء انعقاد مؤتمراتها وندواتها المختلفة استعراض وتقييم التجارب الوطنية لمعرفة مدى قدرتها على السيطرة على التقنيات الحديثة قي مجال الرقابة وذلك من خلال استعمالها للحاسوب، ونوعية التقارير المنجزة، وتحقيق الاستقلال العضوي والوظيفي للعمل الرقابي والضمانات الممنوحة لأعضاء الأجهزة العليا الخ...لذلك تشكل هذه اللقاءات منبرا أساسيا للإشعاع الحضاري والثقافي، ما فتئت الدول المتقدمة التي لها باع في هذا الشأن تستغله في التعريف بما حققته أجهزتها العليا من مجهودات في رقابة المالية العامة وعقلنة التسيير الإداري وإخبار البرلمان والرأي العام والمواطنين بذلك ( الدور الإعلامي والدعائي الذي تلعبه إسرائيل في الأنتوساي مثلا).

(*) الأنتوساي: المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية، وهي منظمة تشمل كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويتولى أمانتها العامة رئيس محكمة الحسابات بالنمسة، ولقد أنشئت في غضون سنة 1953.

(*) العربوساي: المجموعة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة، وهي تشمل كل الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية، ولقد أنشئت سنة 1980، ويوجد مقر أمانتها العامة حاليا بتونس.

(*) الأفروساي: المنظمة الإفريقية للأجهزة العليل للرقابة المالية، وهي تضم كل الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية، وتم إحداثها سنة 1976 بالكامرون.

ومن جهة أخرى نسجل أن إقدام أعضاء اتحاد المغرب العربي (باستثناء المغرب) على إقرار الرقابة العليا دستوريا ثم إنشاء موريطانيا أخيرا محكمة للحسابات عل غرار التجربة المغربية سعيا وراء إحداث بنيات قانونية وتشريعية وقضائية متجانسة تساعد لا ريب عل الدفع بعجلة الاتحاد، الشيء الذي يقتضي الارتقاء بالمجلس الأعلى للحسابات إلى مؤسسة دستورية لمواجهة كل العراقيل التي تحول دون قيام المجلس بالمهام المنوطة به وتساعد على ترسيخ مبادئ المراقبة والمساءلة في المجتمع.

لكن هل يعتبر ما أتى به دستور 1992 من مكاسب كافيا لدفع بالرقابة العليا، لا سيما وأن لا أحد يشك في جمال ديباجة النص المتعلق برقابة المجلس الأعلى للحسابات؟

في اعتقادنا أن ذلك ليس كافيا ما دامت المؤسسة تواجه عدة صعوبات بشرية ومادية جد عويصة، وخاصة تلك التي ترتبط بضعف الضمانات الممنوحة حاليا لقضاة المجلس الأعلى للحسابات والتي أغفلها الدستور.

مدى ضعف ومحدودية الضمانات الممنوحة لقضاة المجلس الأعلى للحسابات في ظل التعديل الدستوري الجديد.

زيادة على الإيجابيات العامة التي حاولنا جردها في أول الدراسة، هناك إيجابيات أخرى، ذات صفة فرعية، أتى بها مشروع مراجعة الدستور، تكمن في قراره لاستقلال القضاء وخاصة في توسيعه لتمثيلية المجلس الأعلى للقضاء الذي يترأسه جلالة الملك ليشمل أربع قضاة ينتخبهم زملاؤهم قضاة المحاكم الابتدائية (الفصل 84).

وبذلك يكون القضاة بمختلف درجاتهم قد تم تمثيلهم في المجلس الأعلى للقضاء، وهذه التمثيلية لم يكن منصوص عليها سابقا بكل هذا الوضوح.

غير أنه يجب أن نسجل، أن من النواقص التي تشوب ديباجة هذا الفصل، نجد عدم تنصيصه على هيئة وتمثيلية قضاة المجلس الأعلى للحسابات داخل المجلس الأعلى للقضاء رغم أنه يسري عليهم نفس النظام ونفس المبادئ التي تقنن السلطة القضائية في المحكمة ( وحدة القضاء وثنائية القانون):

فهو يجري عليهم نظام أساسي خاص على غرار قضاة الأحكام وفق الفصل 83 من الدستور والفصل 3 من القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للحسابات.

تصدر أحكامهم باسم جلالة الملك وتذيل بصيغة التنفيذ استنادا إلى الفصل 81 من الدستور والفصل 85 من القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للحسابات.

كما تخضع أحكامهم عل غرار باقي المحاكم للنقض من طرف المجلس الأعلى، بصفته أعلى هيئة قضائية بالمملكة، استنادا إلى المبدأ العام الذي يكرس وحدة القضاء، وإلى الفصول 53،69و 86 من القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للحسابات الذي يتيح للأشخاص المتابعين أمامه، متى سجلوا خرق القانون أو عدم الاختصاص، تقديم طلب النقض إلى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، خلال الستين يوما الموالية لتاريخ تبليغ الحكم النهائي.

لكن رغم كل هذه الوشائج القوية والصلات الوظيفية التي تربط المجلس الأعلى للحسابات بالصرح القضائي بكل مكوناته ثم خطورة المهام الموكولة إليه بحكم اختصاصاته في الرقابة المالية والإدارية للدولة التي تدخل ضمنها وزارة العدل نفسها، نلاحظ أن دستور 1992 يفل دسترته ودمج تمثيلية أعضائه في المجلس الأعلى للقضاء من أجل منحهم كل الضمانات اللازمة وخاصة تلك المتعلقة بالترقية والتأديب، وذلك على غرار تجربة المجلس الأعلى للقضاء الجزائري الذي يشمل، زيادة على باقي أعضائه الآخرين، عضوية أربع (4) قضاة من جلس المحاسبة.

ترتيب بعض الأجهزة العليا للرقابة المالية في الدول العربية

( حسب تاريخ الأحداث، والأساس القانوني والتسمية)

-----------------------------------------------------------------------------------------

التسمية الأساس القانوني تاريخ الأحداث الأقطار

-----------------------------------------------------------------------------------------

مجلس المحاسبة الدستور (ف:190) 1980 الجزائر

ديوان المراقبة العامة ق(م ملكي9/1953) 1953 السعودية

جهاز لمحاسبة القانون(52/1942) 1942 مصر

ديوان المحاسبة الدستور(ف:136) 1971 الإمارات

ديوان المراقبة المالية الدستور 1927 العراق

ديوان المحاسبة الدستور(ف:119) 1952 الأردن

ديوان المحاسبة الدستور(ف:151) 1964 الكويت

الجهاز الشعبي للمتابعة الدستور(ف:166) 1951 ليبيا

ديوان المحاسبة الدستور(ف:87) 1952 لبنان

المجلس ع للحسابات بموجب قانون(ف:57) 1979 المغرب

دائرة المحاسبة الدستور(ف:57) 1968 تونس

ديوان المحاسبة قانون 5/1973 1973 قطر

المرجع: بحث شخصي أنجز بناء على استبان رأي وعلى وثائق ودراسات المجموعة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية وكذا أعداد مجلة الرقابة المالية.

المراجع

أطروحتنا لنيل دكتوراه الدولة ـ مساهمة في النظرية العامة للرقابة للمالية العامة، دراسة نموذج المغرب ـ كلية الحقوق ـ الرابط 1991-1992.

دراستنا: الرقابة على الأموال العامة بالمغرب في أفق الإصلاحات السياسية والدستورية المرتقبة ـ جريدة العلم

عدد 21/5/1992، ص7.

دراستنا: دور المساءلة والرقابة في تحقيق التنمية والوحدة ـ مجلة المستقبل العربي، عدد 153، ديسمبر 1991،

ص: 48-59.

دراستنا: حول معوقات الرقابة المالية على المشاريع العربية المشتركة ـ سينشر بمجلة الوحدة.

د. عبد الرحمان القادري" تحليل أولي لمشروع مراجعة الدستور" ـ الاتحاد الاشتراكي، عدد 24/8/1992.

د. المعتصم محمد " تأملات أولية في مشروع المراجعة الدستورية"، جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد25/8/1992.

د. عبد القادر باينة" قراءة إجمالية في التعديلات الدستورية"، جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 27و28/8/1992.

جريدة الاتحاد الاشتراكي أعداد 29-30و31 غشت 1992و 1-2-3 شتنبر 1992 (مناقشات حول تعديل الدستور)..

No comments:

Post a Comment