Sunday, February 10, 2008

بعض مظاهر حماية الطفل من الاعتداءات النفسية والجسدية والجنسية

بعض مظاهر حماية الطفل من الاعتداءات النفسية والجسدية والجنسية

الدكتور محمد عياط أستاذ بكلية الحقوق بفاس

كان الإنسان وما يزال يعيش في عالم قلما يسلم فيه الضعفاء من الجور والقهر. وإذا كان القانون نفسه في كثير من جوانبه تكريسا لمنطق القوي، فإنه أيضا كثيرا ما يشكل نقطة التوازن الممكن في وقت وزمان معينين بين ما استطاع الضعيف أن ينتزعه من القوى وما اضطر أن يقر به للضعيف. هذا علما بأن الاعتراف بحق ما ولو في نصوص واضحة ومحددة لا يعني بالضرورة دخول تلك النصوص فعلا إلى حيز التطبيق ولا حتمية احترامها من طرف من قلصت من امتداد حريته لفائدة الغير. ويبقى القانون مع ذلك في هذا المدلول المتجدر في تربة النسبية والتطور يمثل من دون شك أحد وسائل النضال والمطالبة بالحقوق المهضومة. كما أنه يشكل وسيلة فعالة لإبراز ما تم اكتسابه والعمل على فرض احترام تطبيقه فضلا عن محاولة تغييره والدفع به إلى ما هو أفضل.

وما الحديث عن حقوق الإنسان بوجه عام إلا حديثا عن مظهر متميز من نضالات الإنسان ضد الجور والطغيان. وذلك اتقاء للمعاناة التي يخلفها الحيف ودوس الكرامة ونشدانا لعيشه تتبدد الظروف التاريخية التي مهدت لظهور وبلورة فكرة حقوق الإنسان (تلك الظروف التي يجب ربطها بالبيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي سمحت ببزوغ كل من الوثائق الأساسية المعلنة أو المنظمة لها) بقدر ما يهمنا أن نركز على الفكرة الرئيسية التي ينطلق منها ويدور حولها أي دفاع عن تلك الحقوق. تلك الفكرة التي تتمثل في الاعتراف للإنسان بقيمة أولية هي القيم النبيلة والتي تجعل كل القيم الأخرى ممكنة وقابلة للتطبيق.

وإذا كانت فكرة حقوق الإنسان في مفهومها الحديث قائمة على اعتبار الإنسان قيمة في حد ذاته فإن هناك على الأقل طريقتين للتعامل مع هذا المعنى.

الطريقة الأولى تميل إلى التعميم الذي لا يأبه بالفوارق التي تميز بين الناس في الواقع العملي. وكان الإنسان في هذا المنظور مقطوع الصلات بالبيئة التي يترعرع فيها. ولا شك أننا نوجد هنا إزاء تصور يغلب عليه التجريد والبحث عما هو مشترك بشك واسع وممتد بين جميع بني آدم وحواء.وذلك مع التغاضي عن الفروق وربما إغفالها أحيانا. وهذا التصور ضروري لرصد ما ينبغي أن يعتبر حدا أدنى لا يمكن التنازل عنه عموما في مجال حقوق الإنسان. ورغم ضرورته وأهميته فإنه قد يطرح أحيانا بعض الإشكالات المنحدرة أساسا من طابعه العام أو التعميمي الذي قد يبدو أحيانا متعارضا مع بعض معطيات الواقع المعاش[1]. أما الطريقة الثانية فإنها على العكس من ذلك تميل إلى التركيز على بعض الخصوصيات أو الفروق منطلقة منها لإقرار حماية خاصة للفئات التي تتجلى ضرورة إيجاد حماية خاصة لها. وقد يكون من نافلة القول التأكيد على التكامل الموجود بين المنظورين وعلى أن أولها قد لعب في أغلب الحالات دورا تمهيديا ميسرا لبزوغ الثاني في مرحلة تالية.

وفي هذا الإطار الثاني يمكننا أن نصنف الصعوك الدولية التي تمت صيانتها من اجل حماية حقوق الإنسان المتعلقة بفئة الأطفال. وعلى رأس تلك الصعوك الإعلان العالمي لحقوق الطفل الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 نوفمبر 1989. وهذه المساهمة تنصب على استعراض وتحليل بعض جوانب الحقوق الأساسية للطفل. وذلك أولا على المستوى الدولي وثانيا على المستوى الداخلي(الذي سوف نتقصى فيه بعض مقتضيات القانون الجنائي المغربي). وأما الجوانب التي نريد أن نتطرق إليها بصفة أخص، فإنها تتعلق بحماية الطفل من الاعتداءات التي من شانها أن تمس بسلامة كيانه النفسي والجسدي أو الجنسي.

وحتى يمكننا أن ننطلق من بعض مقومات الواقع المعاش ارتأينا أن نقسم هذا الموضوع إلى مبحثين نتطرق في أولهما إلى دواعي منح الطفل رعاية خاصة ونخصص المبحث الثاني لاستعراض وتحليل بعض الجوانب القانونية لتلك الحماية.

المبحث الأول

دواعي منح الطفل رعاية خاصة في مجال الاعتداءات

على سلامته النفسية والجسدية والجنسية

نقسم هذا المبحث إلى فقرتين، نتعرض في أولاهما لبعض العوامل التي قد تساهم في تعريض الطفل إلى الاعتداءات على حرمته النفسية والجسدية عموما، ونحاول في الفقرة الثانية، أن نعطي الأمثلة المقارنة عن تلك الاعتداءات.

بعض العوامل التي قد تساهم في تعريض الطفل للاعتداءات على سلامته النفسية والجدية والجنسية.

تعترضنا هنا مسألة أولية لابد من الوقوف عندها بالإيجاز المناسب وهي متعلقة بتعريف الطفل. ويمكننا في هذا المعرض أن نستأنس بالتعريف الذي تبناه الفصل الأول منت الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل. وقد ورد فيها بأن "الطفل هو كل إنسان حتى الثامنة عشرة إلا إذا بلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب قانون بلده. وهذا التعريف قابل لبعض الانتقادات[2]. ولكنه يظل مؤشرا جيدا على المستوى المقارن. كما أنه نظرا لمرونته، كما سوف يتجلى لنا ذلك لاحقا، يكاد لا يتعارض مع الأحكام المحددة لمفهوم الطفل في نطاق القانون الجنائي المغربي.

ولا ريب في أن الطفل نظرا لحداثة سنه، يمتاز بضعف جسماني ونفساني جلي بالمقارنة مع الرشداء. هذا الضعف الذي يعرف أوجه عندما يكون مجرد جنين في بطن أمه وفي الأيام والشهور والأعوام الأولى بعد ميلاده. وهذه الوضعية تختلف كثيرا عما يقع لدى كثير من فضائل الحيوانات القريبة من بني آدم وحواء. يلاحظ في هذا الصدد مثلا الحيوية الهائلة وخفة ودقة الحركات التي يتمتع بها الفرد بعد أيام معدودة من ولادته. تلك القدرات الجسمانية التي تصل إلى حد البهلوانية عند مقارنة ما تتطلبه من مرونة جسدية ومن جهد عضلي بالإنسان عموما ولو كان راشدا فأحرى بالوليد أو الرضيع المنتمي إلى فصيلة الإنسان[3].

هذا إلى حد الذي تبدو معه حظوظ البقاء على قيد الحياة هزيلة جدا إن لم تكن منعدمة أصلا بالنسبة للمولود أو الرضيع الأدمي فيما لو أهمل وحده بدون أية عناية فيما يخص أكله وشربه وحمايته من عوارض الحر والقر والاهتمام بشؤون صحته ونظافته. إن اعتماد المولود الأدمي على غيره في المراحل الأولى لنشأته يكاد يكون كليا وهو في قسط مهم منه مسألة حياة أو موت.

إن الضعف الذي يميز الأطفال في المراحل الأولى لنموهم يعني أنهم يقضون فترة طويلة جدا وهم في أمس الحاجة إلى عناية رعاية أسرتهم أو من يعوضها عند الاقتضاء وإلى رعاية كل من يشارك بشكل أو بآخر في النهوض بأعباء تربيتهم وتعليمهم وإلى حماية خاصة من طرف المجتمع بصفة أعم.

وإذا كانت الحماية الجسدية والنفسية للطفل من أوجب واجبات كل من يتدخل في مسلسل تنشئتهم ورعايتهم فإن هناك سؤالا يفرض علينا نفسه في هذا المقام. إلى أي حد يمكن الجزم بأن هاته المهمة يقوم بها من تسند إليه على أحسن وجه؟

إن الأسرة هي الخلية الأولى للمجتمعات الإنسانية عموما مهما اختلفت تشكيلاتها وقيمها. وقد درج الناس على أن يعتبرونها مرفأ الأمان والسكينة لمن يعيش في أحضانها وخاصة الأطفال (الذين قيل عنهم بأنهم أكبادنا تمشي على الأرض). فهل هذا التصور مطابقا للواقع كل المطابقة؟

الجواب مع الأسف بدون تردد هو : قطعا لا. وذلك لعوامل متعددة. ولنذكر على رأس تلك العوامل معطى بسيطا ومفجعا في نفس الوقت، وهو أن كثيرا من الأطفال في عالم القرن العشرين ليس لهم عائلة أصلا أو لديهم صلات جد واهية بتلك العائلات. ومنهم من يقضي جل أوقاته تائها في الشوارع يبحث عن لقمة العيش في محيط قاس ومرعب لا يعرف معنى للطفولة ولا يأبه بما لها من حاجيات. ويعد هذا النموذج حاليا بالملايين، ولاشك أن عددهم يزداد يوما عن يوم. وقد ورد في مقال مهم بصحيفة لموند ديبلوماتيك الفرنسية مثلا بأن عدد الأطفال التائهين في شوارع البرازيل يفوق 32 مليون طفلا من 132 مليون نسمة [4]. وقد وجد الدكتور باتريك براون مادة خصبة في هذا الصدد لاصدار مؤلف جد مؤثر يتناول مشكل الاطفال البروليطاريين في مختلف بقاع العالم اختار له كعنوان - أطفال اليأس[5].

عامل آخر يكمن في أن مؤسسة الأسرة أخذت تعرف في الآونة الأخيرة تغيرات بنيوية ليست دائما في اتجاه التماسك الأسروي، وغالبا ما يكون أول ضحاياهم هم الأطفال. وهكذا يلاحظ مثلا تفشي ظاهرة الطلاق سواء في الدول المتقدمة أو الدول النامية [6]. والطلاق على الخصوص كثيرا ما يترك الأسرة بدون معيل حقيقي ويلقي بأعباء مسؤولياتها الثقيلة على الأم التي قلما تكون مؤهلة لتحملها بمفردها على أحسن وجه. هذا علاوة على أن هناك أطفالا عديدين لا يعرف لهم أب أصلا. وهاته الأوضاع المختلفة لم تعد تسلم منها بعض المجتمعات المعروفة بتقاليدها الميالة إلى تثمين التضامن والتلاحم العائلي. وهكذا نجد مثلا بأن 75 في المائة من أطفال مدن القصدير بنيروبي بكينيا ينحدرون من أسرة ليس بها سوى الأم [7].

وحتى إذا توفرت العائلة بشكلها التقليدي أو بشكل آخر فإن الدور الذي يسند إليها عموما كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية يحتاج إلى وسائل وخبرات وظروف ملائمة قد لا تكون دائما متاحة لها. ومعلوم أن الضغط النفسي والاجتماعي الذي قد يولده هذا النقص من شأنه في كثير من الأحيان أن يؤدي إلى تأسيس على الذكور اعتبارا للدور الريادي المسند إليهم، عادة فإن النساء والأطفال هم الذين يؤدون في غالب الأحيان ثمن الاختلالات العائلية. ولعل من أهم عوامل الضغط : الفاقة والجهل وكل ما سن شأنه أن يسبب الإرهاق الجسدي والاضطراب النفسي كالعمل الوضيع والمضني أو البطالة وانسداد أفق تحسن الوضع المادي والمعنوي والإدمان على تعاطي المخدرات وما إلى ذلك. وكل هذا قمين بان يخلق جوا مشحونا داخل الأسرة قد يؤدي يدوره إلى انتفاضات عنيفة من طرف الرشداء يؤدي ضريبتها الصغار.

هذا علاوة على أن الأسرة لا تعيش معزولة عن المجتمع، والعنف إحدى الظواهر (المعدية) التي قد تكون أحيانا مفشية فيه. فضلا عن أن التربية في مفهومها التقليدي تعترف عادة لأولياء أمور الأطفال بحق تأديبهم في حدود معقولة. لكن تلك الحدود في الغالب ليست دائما واضحة بشكل مرضي بحيث أنها لا تقي الطفل من تعسف الراشدين. هذا ما لم يشذ حق التأديب عن غايته المألوفة ليصبح شعورا بملكية الطفل يتهيأ لصاحبه أم هل حق التصرف في الطفل كما يشاء "ابني او ابنتي افعل بها ما أريد". وهو ما كان سائدا فعلا وبصورة يكرسها القانون أو الأعراف في أزمنة غابرة. مثلا في مدينة سبارطة باليونان وعند الرومان وفي القرون الوسطى وعند العرب خلال فترة الجاهلية بالنسبة لإمكانية وأد البنات على الخصوص[8].

ومما يزيد الطين بلة السرية التي تحيط عادة بشؤون الأسرة بحيث يمكن للمعتدي داخلها أن يتدرع بحرمة الكيان العائلي لكي يمارس العنف النفسي أو الجسدي أو الجنسي على بقية أفراده.

وحتى لو فرضنا أن الاعتداء على الطفل، نظرا لخطورته، قد انتهى إلى علم الطبيب فإن هذا لا يعني بالضرورة أن ستر التكتم سوف تنجلي عن الواقعة المؤدية. وهذا طرح تسانده معطيات واقعية متعددة. ومنها صعوبة التأكد من طرف الطبيب من وقع الاعتداء فعلا. خاصة وأن أولياء أمر الطفل غالبا ما يحاولون تغليفه في أثواب حادثة لا علاقة لها بإيذاء متعمد. ومن جهة أخرى فإن الطبيب قد لا يكون مقتنعا بجدوى رد الفعل الاجتماعي الرسمي المعتاد. هذا علاوة على أنه قد لا يرغب في فقد بعض زبائنه بسبب القيام بدور المخبر لدى الجهات المعنية. ويجب الانتباه أيضا إلى أن القانون في كثير من البلدان العربية يفرض على الطبيب الالتزام بالسر المهني ولا يحله من ذلك إلا إذا وجدت نصوص خاصة وصريحة في هذا الاتجاه[9].

وعلى مستوى أعم مستأنس بالبعد المقارن نستطيع أن نجزم بان ضرب الأطفال والاعتداء الجنسي عليهم هو سلوك منتشر ومألوف أكثر مما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة. كما أنه متواجد (وإن كان ذلك بأشكال ودرجات متفاوتة) في كافة المجتمعات وفي جميع الشرائح الطبقية. أما العوامل الأساسية التي تزيد من احتمال خطر التعرض إليه فقد تم تركيزها في المعهد السابع لعلم الضحية المنعقد خلال شهر ماي الفارط بإسبانيا في ما يلي : الفقر، الأنوثة، تصدعات التشكيلة الأسرية، الإدمان على الكحول أو على المخدرات، حداثة السن، الانتماء في أقلية، انتشار العنف وقبوله داخل جماعة معينة، توفر السلاح، التطرف الديني وكون الشخص قد ازداد وهو مصاب بعاهة ما [10].

هذا عن بعض العوامل التي يمكن اعتبارها أرضا خصبة تنبت فيها وربما قد تتفشى ظاهرة الاعتداء على حرمة الأطفال النفسية والجسدية والجنسية فما عن الحجم الفعلي لهاته الظاهرة في وقتنا الراهن؟

بعض المعطيات عن مدى تفشي ظاهرة الاعتداء على السلامة النفسية والجدية والجنسية للأطفال

انطلاقا من العوامل المشار إليها سابقا قد لا نفاجأ مثلا إذا علمنا بأن مليوني طفل على الأقل سنويا يعانون من اعتداءات على سلامتهم الجسدية أو النفسية أو الجنسية في الولايات المتحدة. وذلك حسب آخر الإحصائيات التي أدلى بها ممثل رسمي عن جمعية المحامين بمدينة نيويورك في المؤتمر السادس لعلم الضحية الذي انعقد خلال شهر ماي 1991 بإسبانيا (والذي كنا من جملة المشاركين فيه [11]. كما أن أكثر من مليون تلميذ يتعرضون للتأديب البدني بالمدارس الأمريكية من جملتهم حوالي 20000 يصابون بجروح تتطلب إخضاعهم لمعالجة طبية [12]، هذا علاوة على تفشي الاعتداءات الجنسية على الأطفال وخصوصا من طرف الآباء أو أزواج الأمهات على الإناث اللواتي توجدن في سن المراهقة أو قبله. ومن جهة أخرى تبين من خلال نتائج بحث هام أجري في هولاندا بأن كل سيدة هولاندية من أصل سبعة سبق لها أن كانت ضحية بشكل أو بآخر لسلوك يمكن اعتبارها اعتداء جنسيا من طرف أحد أفراد عائلتها، وذلك قبل أن تبلغ السادسة عشرة من عمرها. وهو رقم يبدو مخيفا حتى ولو أخذ بعين الاعتبار على سبيل الاستئناس فقط [13].

وإذا كان هذا الوضع في بلدان متقدمة اقتصاديا كالولايات المتحدة وهولاندا فما هو الوضع في البلدان النامية؟. الواقع أن الطفل لا يجد له دائما في هاته البلدان المكانة التي تليق به. ويمكن التأكيد على أن المس بالسلامة الجسدية والنفسية للأطفال مسالة معتادة داخل الأسرة وبالمدارس(وإن كان الاهتمام بهذا الموضوع شبه منعدم), ولكن هاته الممارسات من جهة أولى تظل مرتبطة بالثقافة السائدة التي لا ترى غضاضة في استعمال العنف لأغراض التربية والتأديب. ومن جهة ثانية ، فإن التغيرات التي أخذت تطال بنية العائلة زيادة على الظروف القاسية والمزرية التي أصبح يعيش فيها عدد لا يستهان به من سكان العالم الثالث من شانها أن تساعد على تأجيج جدوة النف داخل الأسرة وخارجها مع ما يتضمن ذلك من مضاعفات بالنسبة للفئات الضعيفة داخل المجتمع وفي مقدمتها الأطفال الصغار.

ولا شك ان موضوعا بهذه الأهمية يستحق أن تخصص له دراسات علمية مستفيضة ومنهجية في كل بلد عربي على حدة. بيد أن الصعوبات التي يمكن أن تقف في سبيل إنجازها لا يمكن أن تخفى على أحد. فمهما تكن الاعتداءات على حرمات الأطفال مسالة معتادة، فإن أسوارا عالية من الكتمان والصمت سوف تشاد بسرعة في وجه من يود أن يتعرف بدقة على خصائص الظاهرة وأسبابها.

وفي نطاق الاهتمام بهذا الموضوع سألنا عددا من الأطباء بمدينة فاس هل تصل إلى علمهم حالات عنف واقع على الأطفال وعلى الخصوص من طرف أولياء أمرهم؟ فكان جوابهم بالإجماع تقريبا إن هاته الحالات على الأقل في مدينة فاس تكاد تكون غير موجودة بثاتا. لكن هناك مؤشرات متعددة تجزم بأننا في هذا الباب أمام سلوك اجتماعي تجوز مقارنته بجبل الجليد العائم الذي لا يظهر منه على السطح إلا جزء ضئيل لا يمكن أن يعبر لأول وهلة عن مدى ضخامة حجمه الكامل. ومن جملة هذه المؤشرات التصور السائد بالنسبة لطريقة تربية الأطفال. وعلى الأقل في الأوساط الشعبية وهو لا يستبعد مطلقا المعاملة المتشددة لضبط سلوكهم وتقويمه عند الحاجة. يقول المثل المغربي الدارج والسائد في هذا الصدد "لعصا ما تخلي من يعصا" (وهو ما معناه العصا وسيلة ناجعة لمنع التمرد والعصيان). ومن بين تلك المؤشرات أيضا أننا عثرنا على بعض الحالات أثناء قيامنا ببحث في علم الإجرام حول جريمة القتل تم فيها إزهاق روح الوالد عمدا من طرف أحد أبنائه بسبب المعاملة القاسية جدا التي اعتاد أن يمارسها عليه. كما وجدنا في بحث قمنا به حول النساء المضروبات من طرف أزواجهن بفاس أن هذا الضرب يواكبه أحيانا الاعتداء على الأطفال أيضا[14]. كما أن ثمة أطروحة بكلية الطب بالرباط نوقشت في نهاية السبعينات تعرضت لموضوع ضرب الأطفال. وقد استطاع صاحبها أن يعثر على حالات متعددة عرضت الأطفال إلى أضرار تطلبت علاجا طبيا بالمستشفى العمومي [15]. هذا علاوة على أن مؤلفات عدد من الأدباء المغاربة المرموقين مثل عبد الحق سرحان وإدريس الشرايبي ومحمد شكري وغيرهم التي لها إلى حد ما طابع السيرة الذاتية كثيرا ما تطرقت بشكل مؤثر ومعبر جدا لهذا الموضوع [16]. والواقع أن ما عبر عنه هؤلاء لا يبدو تجربة نادرة في حياة كثير من المغاربة[17] . وفي هذا السياق يلاحظ أن أحد الأدوار البارزة التي تسند عادة للأب داخل الأسرة المغربية التقليدية هو دور المراقبة والعقاب. عقاب الزوجة وعقاب الأطفال عند خروجهم عن جادة السلوك القويم[18] على أن ضرب الأطفال ليس مقصورا على الأب. بل إنه غالبا ما يمتد إلى الأم وأحيانا إلى أفراد آخرين من العائلة كالإخوان والأخوات الأكبر سنا، ولربما حتى خدم البيت. وذلك لأن الأم هي أيضا تعتبر مسؤولية عن تربية أطفالها وتنهج عادة الأسلوب السائد للقيام بتلك المهمة. فضلا عن أنها هي التي تتواجد في أغلب الأوقات بالبيت مع الأطفال الصغار. وقد لا يكون ذلك في ظروف سيئة جدا كوفرة العيال وضيق المكان والجهل بمبادئ التربية(إن لم نقل الجهل بدون تخصيص) والفقرة وما إلى ذلك من العوامل السلبية التي قد يتمخض عنها وخاصة عند تراكمها تأجج جدوة السلوكات العنيفة. وعلى العموم بخصوص بقية الأفراد المتواجدين داخل الأسرة يلاحظ أن الطفل نظرا لضعفه الجسماني يوجد في واحد من أخطر مستويات سلم العنف الذي قد يكون متفشيا داخل الأسرة. ذلك السلم الذي عبر عنه أحد الفنانين بسخرية لاذعة واضعا في أعلى مراتبه رب العمل الذي يعنف الأب(العامل لديه)، فالأب الذي يقسو على كافة أفراد أسرته وخاصة الأم المسكينة، فالزوجة التي تضرب أطفالها، فالأطفال الذين يعاملون الخادمة معاملة سيئة. وينتهي هذا المسلسل بضرب الخادمة للكلب ومطاردة الطلب للقط وتصدي هذا الأخير لفئران البيت. وتعديل ضروري يجب إدخاله على هذا المسلسل الساخر المترابط الحلقات وهو أن الأطفال الذين لا يزالون في سن مبكرة كثيرا ما يكونون هم محل الاعتداء من طرف الخدم وليس العكس.

وفي نفس الإطار لا نستطيع أن نكبح رغبة جامحة في سرد نص طويل بعض الشيء بالنسبة للحدود التي يسمح بها السرد الحرفي لما يكتبه الآخرون عادة. وهذا النص المعبر يتعلق بوضعية الطفل العربي عموما ويستعرض فيه الدكتور عبد الله الرميحي مدير تحرير مجلة العربي تجربة هامة استقاها من خلال تعامله مع الرسائل التي بعثها إليه الأطفال الذين يقرأون مجلة العربي الصغير. وقد كان عمر المجلة الفتية آنذاك أربع سنوات. وهي تجربة غنية ومفيدة في نفس الوقت. يقول الدكتور الرميحي بعد مقدمة منهجية يمكن الرجوع إليها حيث وردت في المرجع الأصلي : "...وللتعميم دون التخصيص هناك رسائل تأتينا تشكو مر الشكوى من معاملة الوالدين القاسية، خاصة من قبل الآباء وبعض الأمهات، إلى درجة أننا نكاد نقول : (أننا في مجتمع قاسي القلب..)".

وليس هناك قانون، حسب علمي، في وطننا العربي، يمنع الكبار من معاقبة الصغار أو الإضرار بهم جسمانيا، على الرغم مما نقوله عن حقوق الطفل، فما زال الأطفال، خاصة الأبناء والأبناء، يعدون في تقدير كثير منا ممتلكات شخصية للأب والأم، وليسوا أشخاصا يتألمون. وتجري هاته المعاملة القاسية خلف أبواب موصدة، وعندما يصل الأمر إلى المحاكم والصحافة فقط ينتبه بعضنا إلى هاته القضية، لكنها ممارسة يومية لدى أسر كثيرة، وقد يجيب كثير من الأباء : لقد ضربنا ونحن صغار، فلم يؤثر فينا ذلك عندما كبرنا ! والإجابة عندي عن كل ذلك في ما نشر من الدراسات العلمية، ومعظمها نشر خارج أقطارنا العربية مع الأسف، لكنها مؤشر مهم يمكن الاسترشاد به. تقول هاته الدراسات أن الآباء الذين ضربوا وهم صغار، ويدعون أن ذلك لم يضر بهم، يكررون نفس المعاملة مع أطفالهم.

ودراسات اليس ملير التي نشرت مجموعة من الكتب في هذا الموضوع، منها على سبيل المثال الكتاب المشهور "مأساة أن تكون طفلا"، قد تابعت بدراسة تفصيلية السلوك العدواني على مستوى الكبار، وعلاقته بالإهانة والضرب عندما كانوا صغارا، ولعل دراستها المشهورة عن حياة هتلر، دكتاتور ألمانيا النازية، وبعض رفاقه مثل أدولف هيس، قد كشفت أنهم ضربوا بقسوة عندما كانوا صغارا.

وتقول هاته الدراسة : أن هذا النوع من التنشئة مسؤول إلى حد ما عن توليد "مجتمع العنف". فإذا نظرنا إلى واقعنا العربي وجدنا أن العنف يتكاثر بين ظهرانينا. فهناك في لبنان في الخمسة عشر سنة الماضية، قد تولد عنف شب عليه جيل كامل، أما العنف الذي يواجه أطفالنا في فلسطين الذين سميناهم "أطفال الحجارة"، فهو مشاهد ومسموع يوميا.

وفي مناطق أخرى من الوطن العربي يشب الأطفال تحت وطأة الحاجة التي تقودهم إلى العنف".

ولا يسعنا هنا إلا أن نضيف ما عانى منه ومازال يعاني أطفال حرب الخليج المدمرة[19] .

أما بخصوص الاعتداءات الجنسية على الأطفال فرغم التكتم الشديد الذي يحيط بها عادة فإننا نعثر على عدد منها معروضا على المحاكم. وقد لا يكون عددها المحدود معبرا عن حجمها الحقيقي إلا كما تعبر قمة الهرم عن حجم قاعدتها. وقد أعرب لنا بعض القضاة عن تقززهم من وجود بعض القضايا في هذا الصدد تتعلق باعتداءات جنسية لها علاقة بالمحارم وإن كنا لم نطلع عليها شخصيا.

وأخيرا لن يفوتنا هنا أن نشير إلى أنواع العنف الجسدي والنفسي والاستغلالات البشعة التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال في أماكن العمل علما بأن عمل الطفل في حد ذاته كثيرا ما يشكل نوعا من الاستغلال الإنساني البشع[20] .

وعلى مستوى النتائج الوخيمة التي تترتب عن تعويض الأطفال لمختلف الاعتداءات الجسدية والنفسية، يجب التأكيد على أن العقابيل (أي المخلفات السلبية التي قد تدوم طويلا) لا تظهر (عندما تكون بادية) على جسم الطفل المعتدي عليه فقط، بل إنها تتجاوز ذلك إلى حد التأثير على شخصيته وعلى طريقة اتصاله بالآخرين والتعامل معهم. وقد بينت دراسة الدكتور إ. ميلين كينارد بأن مجموعة من الخصائص السلبية لشخصية الطفل من المحتمل جدا أن تتولد مباشرة عن تعرضه إلى الممارسات العنيفة. وأهم هاته الخصائص : استيطان تصور سلبي للذات وصعوبة ربط علاقات مع الوالدين ومع الأقران. وقد ركزت أبحاث أخرى في نفس الاتجاه على اضطرابات النمو العاطفي المختلفة التي لا يستعيد أن يعاني منها الأطفال المعنيون[21] .

نتيجة لكافة المعطيات السالفة كان لزاما أن يتم التفكير من طرف المجتمعات الوطنية والدولية في وضع قواعد قانونية يقصد بها أولا إثارة الانتباه إلى خطورة الأوضاع التي يعيش فيها جزء كبير من أطفال المعمور، ويراد بها ثانيا الاتجاه نحو فرض حماية خاصة لفائدة الأطفال.

المبحث الثاني

بعض الجوانب القانونية لحماية الطفل من الاعتداء على

سلامته النفسية والجسدية والجنسية

سوف نقسم هذا المبحث أيضا على فقرتين. الفقرة الأولى تتناول بالتحليل البعد الدولي للحماية المعنية. والفقرة الثانية نتطرق لبعدها الداخلي الوطني مع الاقتصار كما أشرنا إلى ذلك سابقا على أهم جوانب الحماية في القانون الجنائي المغربي.

البعد الدولي لحماية الطفل من الاعتداء على سلامته الجسدية والنفسية

صدر أول إعلان عن المجتمع الدولي بشأن حماية الطفل عن الجمع الخامس لعصبة الأمم بتاريخ 26 دجنبر 1924. وقد تضمن خمس نقط جد مختصرة تذهب كلها في اتجاه الحث على منح الأطفال عناية خاصة تهذب أبدانهم وعقولهم وتضمن لهم الحصول على حاجياتهم الأساسية وتساعد على تنشئتهم بشكل مفيد لبقية أفراد المجتمع.

ثم جاء الإعلان الدولي لحقوق الطفل الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20 نوفمبر 1959 بتفصيل أو في متبنيات عشرة مبادئ أساسية لحماية الطفل. وقد جاء في الحيثيات التي تدعم تلك المبادئ أن على الإنسانية أن تمنح للطفل خير ما لديها وأن الطفل في حاجة إلى حماية قانونية قبل مولده وبعد ذلك. وقد أكد الإعلان على ضرورة تربية الأطفال في جو من الحب والتفاهم والحنان. وذلك حتى يتأتى لهم اكتساب شخصية متزنة ومتفتحة وأن يصبحوا مواطنين صالحين.

وقد أوضح المبدأ التاسع من زاوية لصيقة بموضوع بحثنا بأن الطفل يجب أن يتمتع بالحماية من جميع صور الإهمال والقسوة والاستغلال. كما جاء في المبدإ الثامن بأن الطفل يجب أن يكون في كافة الظروف في مقدمة المتمتعين بالحماية والإغاثة.

وقبل صدور الاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق الطفل عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر سنة 1989 صدر الإعلان الدولي المتعلق بالقواعد الأساسية للعدالة لحماية ضحايا الجريمة واستغلال النفوذ.

وقد نص الفصل الثاني منه على أن الشخص يمكن أن يعتبر ضحية من منظور الإعلان بصرف النظر عن العلاقة التي تربطه بمرتكب الجريمة. وأن قواعد الإعلان يجب تطبيقها بدون تمييز من أي نوع كان سواء تعلق بالعنصر أو اللون أو الجنس أو السن الشيء الذي يجعل الأطفال معنيين هم أيضا بكافة أحكام هاته الوثيقة الهامة.

وقد تم تبني هذا الإعلان خلال المؤتمر السابع للأمم المتحدة حول الوقاية من الجريمة ومعاملة المذنبين سنة 1985، وقد حاول إبراز أهم السبل القانونية والاجتماعية التي يمكن أن تعالج بها وضعية ضحايا الجريمة واستغلال النفوذ، وفي مقدمتها الاسترداد والتعويض وتقديم العون المادي والمعنوي المناسب.

أما الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل فقد تم إصدارها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 5 دجنبر 1989. وقد صادف تاريخ صدورها الذكرى الثلاثينية للإعلان الدولي لحقوق الطفل والذكرى العاشرة للسنة الدولية للطفل. وقد عبرت في مقدمتها عن قلق عميق إزاء الأوضاع المزرية التي يعيش فيها الأطفال في جهات متعددة من العالم. كما أكدت على حقوق الأطفال تحتاج إلى رعاية خاصة ونادت بالعمل على تحسين ظروف تنشئتهم وتربيتهم في وسط تخيم عليه ألوية السلام والطمأنينة. كما ورد في ديباجتها التأكيد على الدور الطلائعي الذي تقوم به الأسرة في مجال تنشئة الأطفال وعلى وجوب الاهتمام بالأحوال المادية والمعنوية للأسرة حتى تتمكن من النهوض بأعباء هذا الدور الحيوي على أحسن وجه.

وإذا تجاوزنا هذا الإطار العام فإننا نلاحظ أن هاته الاتفاقية قد حققت تقدما ملموسا على مستوى تفصيل القواعد التي تنظم الرعاية التي يجب أن يتمتع بها الطفل. وقد تضمنت 54 مادة، حاولت أن تطال أهم حقوق الطفل. وليس في روعنا أن نتوقف عند جميع محطات الأحكام المؤطرة لتلك الحقوق بل إننا سوف نقتصر هنا على تلك التي تهم منها بالأساس موضوع هذا البحث.

وهكذا نلاحظ أولا بأن المادة السادسة من الاتفاقية قد نصت على أن الدول الأعضاء ترى بأن للطفل حق ملازم له في الحياة وأن على تلك الدول أن تحرص على صيانته [22]. ومعلوم أن الاعتداءات على السلامة الجسدية تذهب أحيانا إلى حد إزهاق روحه والقضاء على حياته.

وقد جاء في المادة التاسعة عشرة بأن على الدول الأعضاء أن تتخذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية والاجتماعية والتربوية لحماية الطفل من جميع أنواع العنف الجسدي والنفسي، وكذا من الجروح والمعاملة السيئة، ومن الإهمال والاستغلال بما فيه الاستغلال الجنسي. وذلك سواء أكان تحت رعاية أسرته أو تحت رعاية أية جهة أخرى. وقد خصصت المادة الرابعة والثلاثون لتحريم الاستغلال والاعتداء الجنسي، والمادة الثانية والثلاثون لحظر الاستغلال الاقتصادي، وخاصة عندما يكون خطيرا أو من شأنه أن يعرقل المسار التربوي للطفل أو يعرض للأذى صحة الطفل أو نموه الجسمي أو النفسي أو الأخلاقي أو الاجتماعي [23]، وقد اهتمت المادة السادسة عشرة بمنع التهجمات التي يمكن أن تقع على شرف الطفل أو سمعته أو ما له الحق فيه من حرمة تتعلق بحياته الخاصة.

وقد نصت المادة السادسة والثلاثون بصفة عامة، أن على الدول الموقعة على المعاهدة أن تحمي الطفل من جميع أشكال الاستغلال الماسة بأي مظهر من مظاهر راحته وسعادته. كما حظرت المادة السابعة والثلاثون تعذيب الطفل أو تعريضه لأي معاملة أو عقاب قاس أو لا إنساني أو ماس بالكرامة.

وقد أكدت الوثيقة أيضا على ضرورة عدم إبعاد الطفل عن وسطه العائلي إلا بموجب القانون، وعلى الخصوص في الحالات التي يقع فيها إهماله أو معاملته سيئة (المادة 9). كما قررت حق الطفل في أن يحيى في مستوى عيش يتلاءم مع متطلبات نموه الجسمي والنفسي والروحي والأخلاقي والاجتماعي (المادة 27).

وعند تعرض الوثيقة لأحد الحقوق الأساسية للطفل وهو حقه في التعليم قررت على أن طرق الانضباط في المدارس يجب أن تمارس بطريقة لا تتعارض مع كرامة الطفل ولا مع الروح التي تهيمن على أحكام الاتفاقية ككل (المادة 28). هذا علاوة على أن المادة التالية حددت مجموعة من الأهداف ينبغي أن يتجه نحوها التعليم. ونذكر منها مساعدة الطفل على تنمية شخصيته ومؤهلاته الجسدية والنفسية على أكمل وجه، وتهييئه ليعيش حياة مسؤولة في مجتمع حر في جو من التفاهم والسلم والتسامح والمساواة بين الجنسين والصداقة بين الشعوب والسلالات والجماعات الوطنية والدينية (المادة 29 الفقرة أ-د[24] . ولاشك أن هاته الأهداف يقتضي نشدانها أول ما يقتضي احترام كيان الطفل الجسدي والنفسي وتعويده على احترام نفسه وتقديرها تمهيدا لاحترام غيره وتقديره ومحبته.

وأخيرا (وليس آخرا) فقد اهتمت المادة 39 بوضعية الأطفال الذين تعرضوا فعلا للإهمال أو الاستغلال أو للاعتداء أو التعذيب أو لأي شكل من أشكال المعاملة القاسية أو المهنية وكذا الأطفال الذين عانوا من نتائج الخلافات المسلحة. وقد أهابت بالدول الأعضاء العمل على إيجاد الوسائل الكفيلة بتحسين الوضعية المادية والنفسية لهؤلاء الأطفال الضحايا وإعادة إدماجهم في حظيرة المجتمع بشكل ملائم.

وهكذا يتجلى لنا مدى اهتمام المشرع الدولي بحماية الطفل من الاعتداء على سلامته البدنية والنفسية والجنسية. وقد سبق لنا أن قلنا بأننا سوف نستعرض أيضا بعض جوانب تلك الحماية في صلب القانون الجنائي المغربي.

حماية الطفل من الاعتداء على سلامته الجسمية والنفسية والجنسية في القانون الجنائي المغربي.

لقد صدر القانون الجنائي المغربي الجاري به العمل حاليا سنة 1962، سبع سنوات بعد استقلال المغرب. وقد تأثر في أغلب نصوصه بالقانون الفرنسي. ونلاحظ أنه يتضمن أحكاما عديدة اهتمت بصفة مباشرة أو لا مباشرة بحماية الأطفال. ولن نتمكن هنا (نظرا لضيق المجال) من أن نستعرض إلا جزءا من تلك الأحكام محاولين أن نختار أهمها فيما يخص موضوعنا مع التقيد بالاختصار المناسب الذي لا يخل بتوازن مجموع التحليلات [25].

اهتم القانون الجنائي المغربي بحماية الطفل من الاعتداء على حياته وعلى سلامة جسمه ونفسه عموما. كما اهتم بتحصينه ضد التصرفات التي تؤدي إلى إهماله خلقا وخلقا وضد تلك التي يكون من شأنها أن تعتدي على سلامته وحرمته الجنسية. ويمكننا أن نقسم هاته الرعاية الخاصة إلى قسمين رعاية تتعلق عموما بالجانب الجسدي ورعاية تتعلق أساسا بالجانب التربوي والخلقي. وهذا دون ننكر ولا أن نغفل التداخل الأكيد الموجود بين البعدين.

أما الحماية الجسدية للطفل فإنها تبدأ في التشريع الجنائي المغربي قبل ولادة الطفل وهو مجرد جنين في بطن أمه. وذلك عن طريق تحريم الإجهاض (المادة 449 وما بعدها). وقد عاقب المشرع على الإجهاض أيا كانت الوسيلة التي استعملها المجهض للوصول إلى غايته، ولو بقي نشاطه في نطاق المحاولة. بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك وعاقب حتى على الجريمة المستحيلة. وهي تتمثل في إجهاض سيدة يظن الفاعل أنها حامل رغم أنها في واقع الأمر ليست حبلى. وقد اختار المشرع المغربي سياسة متشددة إزاء المجهض إذ أنزل به عقوبة تتراوح بين عشر سنوات وعشرين سنة ويرتفع حدها الأقصى إلى ثلاثين سنة في حالة الاعتياد. ويلاحظ مع ذلك تخفيف العقـاب تجـاه المرأة التي تجهض نفسهـا عمـدا أو تسمح بإجهاضها من طرف الغير. وقد سمح المشرع بالإجهاض عندما تكون صحة الأم مهددة شرط أن يقوم به طبيب علنا وأن يسمح به الزوج، ويستغن عـن إذن الـزوج إذا كانت حياة الأم في خطر (المادة 453).

ومن مظاهر عناية المشرع المغربي أيضا بالحفاظ على حق الطفل في الحياة قبل أن يولد أن المرأة المحكوم عليها بالإعدام إذا ثبت حملها لا يمكن أن تنفذ عليها العقوبة إلا بعد وضع الحمل بأربعين يوما (المادة 21).

وقد حرم المشرع المغربي أيضا قتل الوليد وعاقب عليه بنفس عقوبة القتل العمد (السجن المؤبد أو الإعدام) إلا بالنسبة للأم التي خص لها عقوبة أخف (من خمس إلى عشر سنوات سجنا) (المادة 397). ويقصد بالوليد الطفل الذي يتهيأ للخروج من بطن أمه أثناء الوضع أو الذي تم وضعه فعلا منذ زمن يسير وقد وقع اختلاف بين الفقهاء في تحديد المدة التي يعتبر خلالها الطفل وليدا، لأن المشرع المغربي تركها بدون تحديد.

وعلى أي، إذ تجاوز الطفل المرحلة التي يعتبر أثناءها وليدا[26] ، فإن قتله (ولو من طرف أمه) يصبح قتلا عاديا يعاقب عليه بموجب المادة 392 من القانون المغربي وما يليها. وعلاوة على ذلك فقد أوجد المشرع نصا خاصا ليواجه به مشكلا له أبعاد اجتماعية خطيرة وهو عرض الطفل أو تركه في مكان خال من الناس. ويلجأ إلى هاته الوسيلة عادة بقصد التخلص من الطفل الغير المرغوب فيه لسبب أو لأخر مع توفير نية قتله أو عدم توفرها بحسب الحالات. وقد يؤدي العرض أو الترك إلى إصابة الضحية بمرض قد تطول مدته أو تقصر أو ينتج عنه بتر أو عطب أو حتى الوفاة. وتختلف عقوبة هاته الجريمة بحسب نوعية الضرر الذي يلحق الطفل مع اعتبار صفة من يتركه أو يعرضه. ومن ثم فإنها تتراوح من سنتين كحد أدنى إلى ثلاثين سنة كحد أقصى (تراجع المواد 459 و460 بشأن التفاصيل). وقد مال المشرع إلى تخفيف العقوبة على الجاني إذا كان مكان العرض أو الترك غير خال من الناس (المادة 461 و462). كما عمد إلى تشديد العقوبة إذا نتج عن العرض أو الترك وفاة الطفل وتبين أن الجاني كانت لديه نية إحداثه، وقد أحال في هذه الصورة على المواد المتعلقة بالقتل العمد (المادة 463).

أما بخصوص جرائم الإيذاء المتعمد فإننا نعرف أن ركنها المعنوي يتمثل في توفر نية المس بالسلامة الجسدية للغير. كما أن عقوبتها تختلف عادة باختلاف الأضرار التي تلحقها بضحية الجريمة (لاحظ على الخصوص المواد 400 إلى 403). ولن ندخل هنا في متاهات تفاصيل تلك العقوبات ونكتفي بالإشارة إلى أن المشرع المغربي قد خص الأطفال دون الثانية عشرة بحماية خاصة من جرائم الإيذاء.

وهكذا فإنه أولا، قد شدد العقوبة في حق الجاني عندما يكون ضحية الإيذاء العمدي طفلا دون الثانية عشرة مراعيا بذلك ضعف هذا الأخير وانعدام خبرته (المواد 408 إلى 411).

ومن جهة ثانية، فإنه لم يكتف بتحريم الأفعال الإيجابية التي يكون من شأنها أن تلحق أضرارا بالطفل الذي لم يتعد اثني عشر سنة، بل أضاف إلى تلك الأفعال الأنشطة السلبية المتعمدة التي تهدف إلى حرمان الطفل من التغذية أو العناية حرمانا من شأنه أن يضر بصحته (408). ومعلوم أن الشارع الجنائي قلما يعاقب على الأنشطة السلبية أو الامتناع عن الفعل. ولم يستثن من العقاب هنا سوى الإيذاء الخفيف (المادة 408) وهو الإيذاء الذي يسمح به عادة للوالدين قصد تربية الطفل.

وإذا كانت الأضرار التي يمكن أن تلحق الطفل من الإيذاء متعددة ومتفاوتة الخطورة (من الجرح البسيط إلى الوفاة)، فإن العقوبات المقررة في هذا الباب تختلف باختلاف جسامة الضرر الذي يلحق الطفل بحيث تتراوح تبعا لذلك من سنة حبسا إلى عقوبة الإعدام (تراجع الفصول 408 إلى 411 من القانون الجنائي المغربي). ويلاحظ أيضا تشديد العقوبة في هذا المجال على أصول الطفل المجني عليه وكذا على الأشخاص المكلفين برعايته أو اللذين لهم سلطة عليه (المادة 411).

وإذا انتقلنا إلى الجانب المتعلق بالحماية الأخلاقية والتربوية للطفل فإننا نجد أيضا عددا من المقتضيات الجنائية الهامة في هذا الصدد وعلى رأسها حماية الأنثى القاصرة من الاغتصاب وحماية الطفل عموما من هتك عرضه ومن تحريضه على الدعارة والفجور ومن استغلاله لأغراض التسول. وسوف نستعرض كل ذلك باختصار. ولكننا نود قبل ذلك أن نقف قليلا عند جنحتين توجدان في مفترق الطرق بين الحماية الجسدية والحماية النفسية والأخلاقية للطفل وهما إهمال الأسرة والامتناع عن أداء نفقة واجبه.

تتعلق جنحة إهمال الأسرة بالأب أو الأم الذي يترك بيت الزوجية بدون عذر قاهر. وذلك بنية التملص من واجباته العائلية ولمدة تزيد على شهرين. وهاته المدة لا يمكن أن تنقطع إلا بالعودة إلى بيت الأسرة بشكل ينم عن إرادة استئناف الحياة العائلية بصورة مؤكدة ونهائية (المادة 479). والملاحظ هنا أن النص يهم الأب أو الأم ولذا لابد أن يكون للأسرة ولو طفل واحد على الأقل. وقد عمدت الفقرة الثانية من نفس المادة المذكورة أعلاه إلى تحريم وضعية أخرى وهي ترك الزوج زوجته أكثر من شهرين دون موجب قاهر وهو يعلم أنها حامل. وإذا كانت هاته المادة تحاول حماية الزوجة الحامل فإن من شأنها ولاشك أن تحمي الجنين أيضا.

وقد ارتأى المشرع في نفس الفرع المتعلق بإهمال الأسرة أن يحرم الامتناع عن دفع نفقة مستحقة للزوجة (التي قد تكون حاملا) أو لأحد الأصول أو الفروع. وينبغي أن يكون الامتناع متعمدا وأن يحين موعد الأداء وأن يكون هناك مقرر قضائي نهائي أو قابل للتنفيذ المعجل يحكم بالنفقة. ويلاحظ هنا أن النيابة العامة لا يحق لها أن تتابع الزوج إلا بعد أن توجه إليه إنذارا بواسطة الضابطة القضائية تعلمه فيه بأن عليه تأدية دينه خلال قدره خمسة عشر يوما. ومعنى ذلك أن هنا اتجاه إلى عدم استعمال القانون الجنائي في هذا الإطار إلا في الحالات المستعصية جدا. ولكن هذا الوضع قد يؤدي أيضا إلى الإساءة إلى حقوق مستحقي النفقة، اعتبارا لطول المسطرة وتعثرها، خاصة وأنه ليس لدينا لحد الآن نظام اجتماعي لمساعدة الأسر في مثل هاته الوضعيات الحرجة. وقد سمح المشرع للنيابة العامة أن ترفع الدعوى عن مستحق النفقة القاصر عندما يكون نائبه الشرعي هو مهمل النفقة. ومن جهة أخرى قرر أن المحاكم التي يقطن بدائرة نفوذها مستحق النفقة تختص هي أيضا بمقاضاة الممتنع عن الأداء، وذلك فضلا عن الاختصاص الجنائي العادي (المادة 481).

أما بالنسبة للجرائم الماسة بعرض الطفل فإننا نجد على رأسها اغتصاب القاصر. والاغتصاب عموما هو مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها. والمواقعة المقصودة هنا إيلاج العضو التناسلي للرجل في العضو التناسلي للمرأة. ويلاحظ أن عقوبة الاغتصاب العادية تتراوح بين خمس وعشر سنوات سجنا. إلا أن مقدار العقوبة يصبح مضاعفا، في حده الأدنى وحده الأقصى، عندما يكون سن ضحية الجريمة أقل من خمسة عشر سنة (المادة 486). وهذا يعني تخصيص حماية خاصة للإناث صغار السن. ومن جهة أخرى، فإن العقوبة قد ترتفع إلى ثلاثين سنة إذا انضافت ظروف تشديد أخرى إلى القصور. وظروف التشديد الإضافية تتمثل في الافتضاض وتعدد الجناة وتوفر الفاعل على بعض الصفات التي تجعل عمله يبدو أكثر جسامة (وذلك كأن يكون أبا للضحية أو خادما مأجورا ببيتها الخ) (تراجع التفاصيل في المادة 487 و488).

وإلى جانب جناية الاغتصاب نجد جناية هتك العرض. وهتك العرض يختلف عن الاغتصاب من زاويتين على الأقل. الزاوية الأولى أن هتك العرض يمكن أن يقع على الأنثى أو الذكر، خلافا للاغتصاب الذي لا يقع إلى على الإناث. الزاوية الثانية هي أن هتك العرض يهم أغلب الأنشطة الماسة بالسلامة والحرمة الجنسية للضحية ما عدا المواقعة بالمفهوم الذي تحدثنا عنه عند التطرق لجناية الاغتصاب. وجدير بالذكر أن سن الضحية المتعرضة لهتك العرض على جانب كبير من الأهمية. وفي هذا الاتجاه نلاحظ أولا أن هتك العرض المقترف دون اسعمال للعنف لا يحرمه المشرع المغربي إلا إذا كان عمر الضحية أقل من خمسة عشر سنة (المادة 484). وبمعنى آخر فإن هتك العرض بدون استعمال العنف لا يعتبر جريمة أصلا إلا إذا ارتكب في حق قاصر الخامسة عشرة. الشيء الذي يؤكد وجود حماية متميزة للطفل في هذا الباب. أما إذا ارتكب في حق من بلغ خمسة عشر سنة. وهكذا ترتفع العقوبة من عشر سنوات سجنا كحد أقصى إذا ارتكبت في حق من بلغ خمسة عشر سنة، إلى عشرين سنة إذا ارتكبت في حق من سنه دون ذلك. وهنا أيضا كما هو الأمر في جناية الاغتصاب يمكن أن تنضاف ظروف تشديد أخرى من شأنها أن تزيد في مقدار العقوبة (بخصوص التفاصيل تراجع المادتان 487 و488).

وأخيرا وفي نفس المعرض، فإن المشرع المغربي يمنع إفساد أخلاق الشباب المتمثل في تحريضهم على الدعارة والفجور (المادة 497). أما الدعارة فإن لها مدلولا جنسيا طاغيا يجعلها مرادفة لمدلول البغاء. وأما الفجور فإن له معنى أوسع يكاد يستقطب كل سلوك من شأنه أن يمس بسمعة الشخص كالإدمان على تعاطي الخمر أو المخدرات أو لعب القمار. وقد أفرد المشرع لهاته الجريمة جزاء يتراوح بين سنتين وخمس سنوات علاوة على غرامة جنائية. وقد اشترط القانون لقيام الجريمة أن يتوفر الاعتياد عندما يكون سن المحرض (بنصب الراء المشددة) أقل من ثمانية عشر سنة. لكن شرط الاعتياد يختفي ولا يصح متطلبا إذا كان عمر الضحية أقل من خمسة عشر سنة.

والى جانب المقتضيات المشار اليها في الفقرة السابقة والتي تطال نطاق واسعا، هناك مادتان اضافيتان تتعلقان على وجه التخصيص بتسهيل ممارسة البغاء للغير او استغلاله لتحقيق فائدة شخصية (المادة 488 و 489). ونلاحظ هنا ايضا ان من بين الظروف المشددة التي يأخذ بها المشرع اقتراف الجريمة ضد شخص تقل سنه عن ثمانية عشر سنة

ولاشك أيضا في أن استغلال القاصر من طرف الرشداء لأغراض مشبوهة قد يتجسد في صور عديدة أخرى. ولعل من أبرزها استغلال الطفل من طرف بعض الرشداء للتسول. وليس هناك أشد مرارة على النفس الحساسة من مشاهدة طفل يمد يده استجداء إلى المارين في الشوارع. والتسول في القانون المغربي يشكل في حد ذاته جنحة. وذلك بشرط توفر الاعتياد والتأكد من أن الجاني لديه وسائل للتعيش أو على الأقل أن بإمكانه الحصول عليها إما بالعمل أو بأية وسيلة مشروعة (المادة 326). وقد أضاف قانوننا الجنائي إلى هذا المنع المبدئـي مقتضيات تحظر على المتسول استصحاب الأطفال الذين يقل سنهم عن ثلاثة عشر سنة. وذلك باستثناء فروعهـم. كما ذهب أيضا إلى تجريم تسليم هؤلاء الأطفال إلى المتسولين أو المتشردين أو تحريضهم على مغادرة مساكن ذويهم لمعاشرة المتسولين أو المتشردين (المادة 33).

خاتـمـة

تلك إذن هي المحاور التي كنا نريد أن نتطرق إليها. ونريد أن نضيف إليها باختصار شديد بعض الملاحظات.

الملاحظة الأولى تنصب على التأكيد على وعينا التام بقصور هذا العمل المتواضع عن احتواء كل جوانب الموضوع المتطرق إليه. الملاحظة الثانية تنصب على وعينا التام بالمفارقات المهمة التي يمكن أن تكون موجودة أحيانا بين النصوص والواقع العلمي. وهذا يعني ودون دخول في التفاصيل، مثلا أن منع الإجهاض أو التسول أو استغلال حاجات القاصرين لا يحول بالضرورة بين هاته الظواهر وبين تفشيها بشكل أو بآخر في البلد الذي يحظرها. وهاته مسألة لا تغيب على ذهن المهتمين بالقانون علما وعملا. الملاحظة الثالثة، هي وعينا بالطابع التحولي للقانون وللواقع الذي يحيط به، وضرورة العمل في الاتجاه الذي يساعد القانون والواقع معا علة التغير نحو الأفضل. وتلك أمانة ملقاة على عاتق كل مواطن داخل بلده وخاصة إذا كان منتميا إلى النخبة المتعلمة والمثقفة (دون إغفال لما للبعد الوطني من صلات وثيقة مع البعد الدولي في هذا المجال). أما الملاحظة الأخيرة فإننا نوردها نظرا لاحتواء ورقتنا على قسم مهم متعلق بالقانون الجنائي. وهي تبرر وعينا بالطابع الإشكالي للحماية الجنائية للطفل داخل أسرته. وذلك لأن تطبيق القانون الجنائي أحيانا في هذا الإطار قد يكون نفعه أكثر من ضرره سواء على تماسك الأسرة أو على الاستقرار والاتزان النفسي للطفل. وعليه يجب عموما إلا يلجأ إلى القانون الجنائي لحل المشاكل التي تثور داخل الأسرة وخاصة بين الأطفال وأولياء أمورهم إلا حيث تفشل فعلا كافة الحلول الأخرى ويظهر أن الحل الجنائي قد يحقق بعض الفائدة. وبعبارة أخرى ومجاراة للمنطق السليم يجدر بنا ألا تلجأ أبدا إلى إجراء عملية جراحية خطيرة ومكلفة حيث يكفي استخدام مرهم بسيط للعلاج.

يلاحظ أن المغرب قد وقع سنة 1991 على اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الطفل بيد أنه يجب الانتباه من الزاوية القانونية إلى أن التزامات التي يجعلها التوقيع على عاتق الدول الموقعة لا تصل إلى مستوى تلك التي تتمخض عن المصادقة. لأن الأمر يتعلق في الحالة الأولى بالتزامات معنوية فقط. ومع ذلك فإن قاعدة ضرورة تطبيق المعاهدات بحسن نية من طرف الدول الموقعة عليها يجعل هذا التوقيع على جانب كبير من الأهمية.



[1] Levi-Struss - « Race et Histoire » Editons Gonthier UNESCO 1961 p.22-23.

[2] يراجع في هذا الصدد الدكتور السعيد الدقاق "الحماية القانونية للأطفال في إطار مشروع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل" حقوق الإنسان المجلد الثاني دراسات حول الوثائق العالمية والإقليمية إعداد د. شريف بسيوني د. محمد الدقاق ود.عبد العظيم وزير دار العلم للملايين 1989 ص 334 إلى 342 ص 334

[3] CF. Desmond Morris « Le Singe nu ». Edition Livre de poche 1998 , pp 33 - 34.

[4] Michel Raffoul « Au Brésil, trente deux millions enfants dans la rue » le Monde Diplomatique

janvier 1986 p. 16. Voir aussi M.C. Bassiouni « Protéger l'enfant sans protéger ses droits ? »,

Revue Internationale de Droit Penal 2e et 4e trimestre 1991.

حيث يعرض المؤلف أرقاما أخرى مهمة يتبين منها مثلا أن 100 مليون طفلا على الأقل مهملون تماما ليس لديهم من

يعولهم ولا من يهتم بشؤونهم.

[5] Patrick Braun « Les gosses du dessespoir » Mercure de France 1981.

وتراجع أيضا كنزه لمراني "الأسرة المغربية ثوابت ومتغيرات" ص 154 وما يليها عن حالات الطلاق بالمغرب خلال بعض سنوات 1980.

[6] Howard Burgess and Coll. "The Family in a Changing World, Winners and losers" paper

presented to the Seventh International Institute of Victimology on physical And Sexual Abuse

of children. Advovacy, Law Reform, And Public Policy. Onate Spain May 1991.

[7] Marie - Laure Coison « Au Kenia quand la famille éclate » Le Monde Diplomatique op. cit p. 12 et 13.

[8] Alain et Olivier Morel « Le drame des enfant martyrs » Balland 1979p. 13 - 14

[9] وذلك مثلا هو واقع التشريع الجنائي المغربي (ف446 من القانون الجنائي) والمصري (ف66 من قانون الإجراءات حل من أمره إذا أراد ذلك لإعلام الجهات القضائية المختصة بأعمال العنف الواقعة على الأطفال التي تنتهي إلى علمه. ويلاحظ أيضا أن عددا من قوانين دول أمريكا الشمالية تذهب في هذا الاتجاه بل أن قوانينها تفرض أحيانا ذلك الإخبار.ويلاحظ في هذا الصدد مثلا :

(New York Sate Social Services Law Paragraphe 413).

[10] تراجع أعمال العهد الدولي السابع حول علم الضحية الذي سوف تصدر أعماله ضمن المنشورات الدولية للمعهد الدولي لعلم الاجتماع القانوني بمدينة أوناسي بإسبانيا.

[11] Robert J. Schack * Recent Legal Developments in the Prosecution of Child and Spouse Abuse Abuse * op.cit.

[12] Robert Fathman * Corporal Punishment Schools : Legalised Chikd Abuse* p5: op.cit.

[13] Soetenhorst Lahman « Progress in Research and Policy Mesures Concerning Family violence in the Netherlands »OP.Cit.

[14] البحث المذكور في المثل قمنا به مع جماعة من الزملاء الباحثين وهم الأساتذة عبد العزيز العتيقي، كفيتة نجاة، وزينب الخزوني، وذلك بطلب من منظمة اليونسكو واتحاد المحامين العرب. وقد وجهنا إليهم تقريرا وافيا بشأن كافة نتائجه.

[15] الأطروحة المذكورة نوقشت بكلية الطب بالرباط في السبعينات وقد سبق لنا أن أطلعنا عليها أنذاك ثم وجدنا بعض الصعوبات في الاطلاع عليها والعثور على مرجعها من جديد.

[16] VOIR PAR EXEMPLE M.Ghoukri « Le pain nu » Maspero 1er chapitre et notamment p.13.

[17] Moussaoui Driss « Approche Socio-Psychologique des système oducatifs et cultuels traditionnels marocains » These de Medicine Rabat 1973 103 p.et A. Radi « Processus de socialisation de l'enfant au Maroc » Annales Marocaines de Socilogi 1969pp.30-47.

[18] الدكتور عبد الله الرميحي "الآباء يأكلون الحصرم والأطفال يدرسون" تقديم لكتاب الطفل والمستقبل العربي، منشورات كتاب العربي 1989، ص8و9.

[19] لدينا تحفظ على التقرير الذي ورد في هذا الطرح على المستوى القانوني سيتجلى مدلوله عندما نتطرق للجانب القانوني من الموضوع.

[20] بالنسبة للمغرب كثيرا ما يثار عمل الأطفال دون السن القانوني (يراجع في هذا الاتجاه أمال جلال بعض جوانب

الحماية القانونية للطفل في المغرب بمجلة القانون والسياسة والاقتصاد كلية الحقوق بالرباط العدد الخامس 1979

ص 9 إلى 50 وخاصة الصفحة 46 وما يليها. ومعلوم أن هناك عدة تقارير دولية معروفة تفيد بأن عدد الأطفال

الذين يشتغلون وكثيرا ما يتم ذلك في ظروف بشعة ولا إنسانية يتجاوز 52 مليون نسمة.

[21] E. Milling kinard « The Psychological Consequenses of Abuse for the Child » Iournal of Mental Issues Volume 35; Number 2, 1979.

[22] ورد التنصيص أيضا وبصفة أعم على حق الإنسان في الحياة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 دجنبر 1948 المادة 3. وكذا في العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة بتاريخ 16 دجنبر 1966 المادة السادسة. ونجد في نفس المادة النص على عدم جواز إعدام الأطفال دون الثامنة عشرة ولا إعدام النساء الحوامل. وذلك من طبيعة الحال حفاظا على حق الجنين في الحياة.

[23] يلاحظ في نفس السياق المادة السادسة من الإعلان الدولي الخاص بحقوق المتخلفين عقليا الصادر في 20 دجنبر 1971، والتي تؤكد على ضرورة حمايتهم من الاستغلال والتجاوز والمعاملة المهدرة للكرامة وكذا المادة 10 التي وردت في الإعلان الخاص بحقوق المعوقين الصادر بتاريخ 9 دجنبر 1975 والتي توجب حماية المعوق من أي استغلال ومن أية أنظمة ومعاملة ذات طبيعة تمييزية أو متعسفة أو حاطة بالكرامة.

[24] يلاحظ في هذا الصدد أيضا الإعلان بشأن إشراب الشباب مثل السلم والاحترام المتبادل والتفاهم بين الشعوب الصادر بتاريخ 7 دجنبر 1965 وخاصة المادة الأولى والثانية منه.

[25] انظر مقالنا :

Mohammed Ayat « Quelques aspects de la protection de l'enfant en droit penal Marocain ».

ضمن أعمال المعهد الدولي المشار إليه أعلاه.

[26] هاته المرحلة تتراوح حسب آراء الشراح في المغرب بين بضع ساعات وشهر بأتمه وهاته المدة الأخيرة تتطابق مع أجل التصريح بولادة الطفل بالمغرب. وهما رأيان يصعب التوفيق بينهما اعتبار للفرق الممتد بين ساعات معدودات وشهر كامل (يراجع في هذا الصدد الدكتور أحمد الخمليشي القانون الخاص، الجزء 2، دار المعارف، الرباط 1986، ص 87، وكذا دليل القانون الجنائي المغربي، وزارة العدل الرباط 1981، ص 283 وما يليها).

No comments:

Post a Comment