Tuesday, February 12, 2008

مؤسسة الوسيط بين الأصالة والمعاصرة

مؤسسة الوسيط بين الأصالة والمعاصرة

اذ. الحسن سيمو

المقدمة

اعلن الوزير الأول في تصريح أمام مجلس النواب يوم 13 يناير2000 عن عزم الحكومة على التقدم بمشروع قانون تحدث بمقتضاه مؤسسة وطنية مستقلة على غرار مؤسسة الوسيط التي تعرفها عدد من الدول المتحضرة وذلك خلال احدى دورتي المجلس لهذه السنة.

واذا كانت هذه الخطوة الحميدة قد اتت في وقتها باعتبار ان مؤسسة الوسيط ستنضاف إلى مؤسسات قضائية وحقوقية تصب كلها في اتجاه تشييد وبناء دولة الحق والقانون وبالتالي تكريس مزيد من الضمانات لحماية حريات وحقوق الافراد والجماعات من تعسفات الإدارة وتجاوزها وذلك باضافة رقابة ثالثة إلى جانب الرقابة البرلمانية والقضائية على اعمال وتصرفات الإدارة فان المهم بالنسبة لبلدنا هو نوعية المؤسسة وفعاليتها وملاءمتها لدرجة تطورنا وحضارتنا،

( هذه الحضارة المستندة أولا إلى القيم الاسلامية، وثانيا إلى القيم العالمية المشتركة والتي تنسجم مع هويتنا وتقاليدنا واعرافنا واختياراتنا، لذا سنتطرق إلى الموضوع من الجوانب الاتية :

1-مؤسسة والي المظالم في النظام الإسلامي.

2-مؤسسة المفوض أو الوكيل في الدول الاسكندنافية ( السويد ـ الدانمارك نموذجا).

3-مؤسسة " الوسيط أو المدافع عن الشعب " في اوروبا ( فرنسا واسبانيا نموذجا)

4-مؤسسة الوسيط في افريقيا " الجزائر" نموذجا.

5-أي نظام يصلح لبلادنا ؟

1-ولاية المظالم أو مؤسسة والي المظالم في النظام الاسلامي :

عرف الفقهاء بولاية المظالم كل حسب نظرته إلى اهمية وفعالية هذه المؤسسة وتقييمه لحصيلة منجزاتها[1] الا ان تعريف الأستاذ : محمد سلام مذكور[2] اكثر وضوحا ودقة حيث يقول :" ولاية المظالم : هي سلطة قضائية أعلى من سلطة القاضي والمحتسب، فهي تنظر من المنازعات ما لم ينظره القاضي بل هي تنظر ظلامة الناس منه، فهي وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة ونصفة القضاء".

ومثله تعريف اذ. عبد العزيز خليل بدوي[3] وعرف قاضي المظالم في الشريعة الاسلامية بانه القاضي الذي ينظر فيما يعجز عنه القضاة فضلا عما له من سلطات تفوق سلطة المحتسب وسلطة القاضي لانه وجد في الشريعة لوقف تعدي ذوي الجاه والسلطان وكبح جماحهم والاخذ على ايديهم ورد المظالم وانصاف المظلوم والنظر في كل حكم يعجز عنه القاضي كأن يكون النزاع بين طرفين قويين مثلا أو طرف قوي واخر ضعيف، فقاضي المظالم يختص برفع الظلم عن الضعفاء الذين لا يستطيعون دفع الظلم عن انفسهم ولا يستطيعون القاضي دفعه عنهم لذلك كانت رتبة قاضي المظالم أعلى مرتبة من القاضي ومن المحتسب.

وقد ظهرت ولاية المظالم قبل ميلاد المسيح والرسول محمد صلي الله عليه وسلم فقد عرفها الفرس والصينيون القدامى كما عرفها عرب الجاهلية[4] والعرب المسلمون ايام الرسول محمد صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون والامويون والعباسيون واستمرت إلى عهد غير بعيد كما عرفها المغرب، ويعد مكتب الشكايات اخر مظهر لها بعد نظام الحماية، اما قبل هذا النظام فقد عرف المغرب هذه المؤسسة والتي تشبه في جزء منها مجلس الدولة، وفي جزئها الاخر غرفة تختص بنظر الطعون الإدارية الرئاسية ضد تعسفات الموظفين المحليين.

وقد كان اختصاص هذه المؤسسة : أي مؤسسة ولاية المظالم في المغرب قبل نظام الحماية محددا في المسائل الاتية :

-فحص شطط العمال في استعمال السلطة تجاه الافراد المتعاملين مع الإدارة.

-مراقبة الإدارة المالية لمختلف القباض.

-مراقبة حسابات موظفي المالية.

-الاختصاص بنظر الشكايات المقدمة من المستفيدين من الاعتمادات المالية.

-النظر في الشكايات المقدمة لاجل ارجاع الاشياء التي انتزعت منهم بالقوة.

-مراقبة نظارات الاوقاف.

- التوفر على سلطة التنفيذ الاحتياطي[5].

-اما اختصاص هذه المؤسسة في النظام الاسلامي بوجه عام فيمكن تلخيصه فيما يلي :

1-النظر في تعدي الولاة وتجاوزاتهم، ويمكن لوالي المظالم ان يوقفهم عن العمل ان اقتضى الحال أو يعزلهم ويستبدلهم بغيرهم.

2-النظر في ظلم الجباة فيما يجبونه من اموال فان كانوا أخذوها من الافراد اموالا زائدة ووضعوها في بيت

المال امر والي المظالم بردها إلى اصحابها وان كانوا اخذوها لانفسهم امرهم بإرجاعها[6].

3-مراقبة امناء بيت المال، وذلك بمحاسبتهم عن كل تقصير في مداخيل الدولة زيادة أو نقصانا أو خللا في

ضبط الاعتمادات والنفقات.

4-مراقبة اعمال وتصرفات الحجاب الخارجة عن اختصاصاتهم الحقيقية كالتدخل في شؤون الخليفة والولاة والوزراء ورجال الدواوين.

5-مراقبة الاوقاف العامة وسيرها ومداخيلها ونفقاتها واوجه هذه النفقات[7].

6-رد الغصوب السلطانية : أي ما يغتصبه الولاة والحكام واصحاب الجاه والنفوذ من عقارات ومنقولات ظلما وجورا دون وجه حق من اصحابها.

7-النظر فيما عجز عنه المحتسبون ومساعدتهم على القيام بمهامهم احسن قيام خاصة فيما يتعلق بالمجاهرة بالمنكر ورد الحقوق إلى اصحابها من مغتصبيها.

8- النظر في شكايات وتظلمات الموظفين من رؤسائهم.

9-النظر في شكايات العامة من الامة بخصوص تسلط الاوقاف على الاحباس الخاصة وضمها إلى الاحباس العامة بالرغم من وجود واحتياج المحبسة عليهم من الضعفاء والمحتاجين .

10-تنفيذ الاحكام التي عجز القضاء عن تنفيذها[8].

وفي ختام هذه الفقرة يجدر القول ان الشروط المتطلبة في القاضي والمحتسب هي نفس الشروط المتطلبة في والي المظالم واهمها.

1- العلم والكفاءة والنزاهة والاستقامة والتقوى والورع والاستقلالية والحياد والجرأة والشجاعة والقدرة على الجهر بالحق والمجاهرة بالمنكر وقوة الشخصية وصلابة العزيمة.

2- مؤسسة OMBUDSMAN أو المفوض أو النائب أو الممثل أو الوكيل في الدول الاسكندنافية ( السويد ـ الدانمارك نموذجا) : يعرف هذا النموذج في الدول الاسكندنافية خاصة السويد والدانمارك منذ القرن الثامن عشر، لكنه لم يتبلور الا في القرن العشرين وخاصة في اواخر الستينات حيث استقرت تسميته على : " المفوض البرلماني".

1- نموذج السويد :

ظهر هذا النظام لأول مرة في السويد اوائل القرن الثامن عشر وبالتحديد سنة 1713 وكان يسمى القائم به انذاك " المفوض الملكي " وبموجب دستور 1809 اصبح يطلق عليه إسم " المفوض البرلماني" وتحددت مهمته الاساسية في الرقابة على الإدارة وضبط نشاطها من خلال :

- اقامة الدعاوي أمام المحاكم ضد من ارتكبوا اعمال مخالفة للقانون بسبب التحيز أو المحسوبية أو أي سبب اخر أو اهملوا القيام بالواجب على الوجه المطلوب، الا انه ابتداء من سنة 1967 تم توسيع مجال اختصاص المفوض البرلماني في السويد ليشمل الإدارة المحلية والقوات المسلحة ورجال السلك القضائي والكنائسي باستثناء التاج والوزراء واعضاء البرلمان والمواطن العادي[9].

ويمكن تحديد معنى " الامبودسمان OMBUDSMAN " حسب ذ : LEGRAND [10] بانه ممارسة للرقابة على الادارة من قبل سلطة غير إدارية متصلة بالسلطة التشريعية عن طريق التفويض.

وبذلك تكون هذه المؤسسة في الدول الاسكندنافية خاصة السويد والدانمارك مكلفة من قبل السلطة التشريعية للقيام بمراقبة واسعة على الجهاز التنفيذي بهدف صيانة حريات الافراد والجماعات وضمان احترام سيادة القانون والتاكد من حسن تطبيقه والحيلولة دون استغلال النفوذ والسلطة.

ومؤسسة البودسمان في الدول الاسكندنافية خاصة السويد والدانمارك ابانت بالملموس عن استقلالها التام عن كل السلط ومكونات المجتمع المدني بما فيها السلطة التشريعية المفوضة من قبلها كما ان عمل المفوض البرلماني OBUDSMAN" يختلق في طبيعته وخصوصيته عن عمل المشرع والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية وهيئة الدفاع الا ان دوره يقترب إلى حد ما من دور المحقق أو الوكيل الذي يحل محل ذوي المصلحة لرفع القضية إلى النيابة العامة[11].

واذا كانت بعض الدول قد اسست هذه المؤسسة أو شبهها بنصوص قانونية ( كفرنسا ـ ايطاليا ـ المانيا ) فان السويد قد نصت عليها في الدستور وبذلك تعتبر احدى المؤسسات الدستورية، اما الاحكام والقواعد التفصيلية فينص عليها في نصوص تنظيمية لاحقة، كما ان المفوض البرلماني يعتبر احدى الضمانات الدستورية لحماية الحقوق والحريات.

والشروط المتطلبة في المفوض البرلماني تقترب إلى حد ما من الشروط المتطلبة في والي المظالم كما اسلف القول مع الاخذ بعين الاعتبار خصوصية كل منهما في بلده الا ان القاسم المشترك بينهما هو العلم والكفاءة والنزاهة، والحياد والموضوعية والاستقلالية والجرأة.

ان الدافع لاحداث هذه المؤسسة هو ايجاد الية ثالثة للرقابة على الادارة إلى جانب الرقابة التشريعية والقضائية نظرا لعدم كفاية هذين الاليتين، في كبح جماع الإدارة، ويمكن تلخيص وظيفة رقابة الامبودسمان في الاعمال والاجراءات التالية :

1-يمارس الامبودسمان الرقابة على الإدارة من حيث مشروعية العمل الإداري وملاءمته وتماسكه سواء في

مجال السلطة التقديرية أو المقيدة. وهو يقوم بذلك اما تلقائيا أو بناء على طلب أو شكاية أو بتكليف من

البرلمان.

2-يعمل على توحيد العمل الإداري على الصعيد الوطني وكذا تحديد المعايير لتفادي الانحياز إلى طرف أو جهة

ما أو تفادي انعدام المساواة بين الافراد وتكافؤ الفرص.

3-العمل على حماية وحقوق الافراد والجماعات خاصة الاجانب، والاقليات المحرومة

4-العمل على تطوير النظام القانوني وذلك بتقديم الاقتراحات إلى البرلمان[12]

5-القيام بدور تربوي وذلك بايجاد حلول توفيقية بين الإدارة والمتعاملين معها بشكل يؤدي إلى حفظ التوازن بين

المصلحة العامة والمصلحة الفردية.

6-ممارسة الردع تجاه الإدارة الممتنعة عن التنفيذ وذلك بنشر تقارير وتوصيات على نطاق واسع لفضح

الانتهاكات، والتجاوزات والتلاعبات بواسطة الصحافة والهيئات والجمعيات المهنية المهتمة بقضايا حقوق

الانسان.

7- سلطة التدخل المباشر بمجرد العمل بالتجاوزات اما عن طريق الصحافة أو عن طريق التفتيش المفاجئ دون

حاجة لشكاية أو تظلم.

8- القيام بالتفتيش الدوري أو المفاجئ لجميع القطاعات الداخلة في اختصاصه والاطلاع على كل الوثائق

والمستندات الإدارية مهما تكن درجة سريتها وذلك اما على اثر تظلم أو شكاية أو طلب واما تلقائيا.

9- حضور جلسات القضاء والمجالس الإدارية[13].

10- يملك الامبودسمان حق اصدار توبيخ أو انذار إلى المسؤول الإداري المتعنت كما يملك في حالات محددة حق

متابعة المسؤولين الاداريين والموظفين قضائيا.

هذا ويقدم الامبودسمان تقريرا سنويا مفصلا إلى البرلمان لمناقشته يتضمن الحالات التي عالجها وكذلك الحالات التي استعصى عليه حلها كما يتضمن ملاحظاته واستنتاجاته، واقتراحاته بخصوص سير عمل الادارة ومناهجها واسلوب معالجتها للمشاكل اليومية قصد تطوير العمل الإداري وتحسينه وتصحيح الاوضاع المتسمة بالغموض أو البطء[14].

وتجدر الاشارة في ختام هذا الجزء إلى انه نظرا لايجابية هذه المؤسسة على الصعيد الوطني، فقد عمدت عدد من الدول ومنها السويد طبعا إلى تطوير هذه المؤسسة وانشاء امبودسمانات موازية لكنها متخصصة حسب المجالات والقطاعات الإدارية، فهناك :

1-امبودسمان لشؤون الجيش.

2-امبودسمان للسجون والمعتقلات.

3-امبودسمان للاحداث.

4-امبودسمان لحماية المعلومات.

5-امبودسمان لشؤون الهجرة والاقليات العرقية والدينية.

6-امبودسمان لشؤون الطلبة.

7-امبودسمان للشؤون البلدية.

8-امبودسمان لجمعيات المستهلكين.

9-امبودسمان لشؤون الصحة.

10-امبودسمان لشؤون الصحافة.

11-امبودسمان الحريات الاقتصادية إلى غير ذلك من المجالات قصد التخفيف على الامبودسمان الوطني ومساعديه[15].

هذا ولا يفوتنا قبل نهاية هذا الجزء ان نشير إلى ان الامبودسمان في الدول الاسكندنافية ومنها السويد لا يتوفر على شرطة أو درك أو قوات مساعدة لتنفيذ قراراته وأوامره، وانما يجبر الإدارة على القيام بالتنفيذ بوسائل متحضرة جدا كإنذارها وتهديدها برفع تقرير سلبي إلى الدوائر العليا أو إلى البرلمان أو بنشر نتائج تحرياته وتفتيشه في اهم الصحف اليومية والاسبوعية لفضح الخروقات والانتهاكات والتجاوزات التي لم ترد الإدارة التراجع عنها بالرغم من تنبيهها.

2- نموذج الدانمارك :

هذا النموذج شبيه إلى حد كبير بنموذج السويد مع اختلاف نسبي في بعض المناهج والاساليب وسأقتصر فقط على ابراز اوجه الاختلاف وهي قليلة جدا ونسبية.

ان اوجه الاختلاف بينهما يختصر في المسائل الاتية :

1- عندما يشعر الامبودسمان في الدانمارك بان قراره الذي سيصدره في النازلة سيستحيل مؤقتا تنفيذه من الناحية الواقعية أو المادية أو سيتطلب ميزانية ضخمة فانه يحيل المشتكي أو المشتكين إلى المحاكم المختصة ليحصلوا على احكام الزامية في النازلة.

2- يحاول الامبودسمان في الدانمارك عند تلقيه تظلما أو شكاية ان يجري صلحا أو سدادا أو توفيقا بين الادارة والمواطن قبل اتخاذ أي قرار في النازلة فان نجح في ذلك فالملف يطوى نهائيا والشكاية تصبح كأن لم تكن وان فشل يتابع البحث والتحري في النازلة، وبذلك يقوم أولا بدور المسدد أو المصلح بين الطرفين : المواطن والادارة وثانيا بدور والي المظالم إذا لم تسفر محاولة الصلح عن أية نتيجة وبعد التحري والتحقيق والتفتيش ان اقتضى الحال يصدر قراره اما بقبول الشكاية واصدار توصية بتنفيذ مقترحاته لحل المشكل واما برفض الشكاية لعدم وجاهتها، واما بإحالة المشتكي إلى المحكمة المختصة.

ج- النموذج الفرنسي " مؤسسة الوسيط " le médiateur .

إذا كانت الدول الاسكندنافية قد عرفت اول امبودسمان سنة 1713 ( مملكة السويد ) فان فرنسا لم تعرفه الا في اواخر القرن العشرين وبالتحديد في 3 يناير1973.

وتختلف طرق أو اساليب عمل الوسيط في فرنسا عن مثيله في الدول الاسكندنافية شكلا وموضوعا كما ان طريقة تعيين كل منهما مختلفة، فبينما ينتخب الامبودسمان عن طريق البرلمان ويفوض من قبله للقيام بمهامه نجد الوسيط الفرنسي يعين من قبل رئيس الجمهورية لمدة ست سنوات قابلة للتجديد بواسطة مرسوم يصادق عليه مجلس الوزراء كما ان الامبودسمان عضو برلماني في حين يمنع على الوسيط في فرنسا ان يرشح نفسه للانتخابات البرلمانية. أي انه مستقل عن جميع اجهزة الدولة بما فيها الجهاز التشريعي.

وهناك مفارقة اخرى وهي ان الوسيط الفرنسي يتلقى الشكايات عن طريق البرلمان لا عن طريق المواطنين مباشرة كما هو الحال بالنسبة لنظيره في الدول الاسكندنافية، بل ان لجنة من اعضاء البرلمان الفرنسي بغرفتيه تختار وتنتقي من تلك الشكايات ما تراه جديا ومعقولا وجديرا بالبحث والتقصي ثم تقديمه إلى الوسيط حتى تسهل عمله حيث يكون عملها هذا بمثابة غربلة أو تصفية لآلاف الشكايات، بينما هذه الغربلة يقوم بها نواب الامبودسمان عبر لجان مصغرة، كما ان لكل عضو من اعضاء مجلس النواب والشيوخ الفرنسيين وكذلك رئيسيهما ان يتقدم بشكايات إلى الوسيط بطلب من لجنة برلمانية مشتركة متخصصة.

وعند نهاية كل سنة يقدم تقريره السنوي إلى رئيس الجمهورية كما يقدم نسخة منه إلى الحكومة في حين يقدم الامبودسمان تقريره كما اسلف القول إلى البرلمان.

د- النموذج الاسباني :

يعرف هذا النموذج في اسبانيا بـ : Défonsor delpueblo" أي المدافع عن الشعب وقد نص الدستور الاسباني لسنة 1978 على احداث هذه المؤسسة بعد تخلص الشعب الاسباني من ديكتاتورية فرانكو، ولذلك تعتبر هذه المؤسسة مؤسسة دستورية إلى جانب المؤسسات الرئيسية في البلاد ويعين رئيسها أي المدافع عن الشعب من طرف الكرتيس الاسباني " البرلمان " ويمارس مهامه لمدة خمس سنوات ولا يجوز له الجمع بين هذه المهمة ومهمة اخرى تتنافى معها خاصة الانشطة المهنية والسياسية والنقابية والتجارية والاستشارية ويتمتع بنفس الحصانة التي يتمتع بها اعضاء البرلمان كما يشترط فيه نفس الشروط والمواصفات المتطلبة في الوسيط الفرنسي والامبودسمان الاسكندنافي خاصة التكوين القانوني المتين والتجربة الميدانية والسمعة الطيبة والنزاهة والحياد والشجاعة.

ويساعده مجموعة من الخبراء وطاقم ضخم من المستشارين والفنيين، كما تتوفر المؤسسة على كاتب عام وعلى موظفين اداريين متمرسين.

مهام مؤسسة المدافع عن الشعب : (1) صيانة الحقوق الواردة في الدستور الاسباني لسنة 1978، وهي كما يلي :

1- الحقوق الاساسية والحريات العامة المقررة للمواطنين الاسبان والاجانب في الفصلين الأول والثاني من الدستور.

2- حقوق وواجبات المواطنين المنصوص عليها في الفصل الثاني.

ج- الحقوق الاقتصادية الاجتماعية ( الفصل 3).

يراقب مدافع الشعب الإدارة المدنية والعسكرية وطنيا ومحليا، كما يراقب المؤسسات العمومية والمقاولات العامة لكنه لا يراقب اعمال القضاء وكل ما يقوم به في هذه الحالة الاخيرة هو انه يوجه الشكايات الموجه ضد إدارة العدل إلى النيابة العامة وهذه الاخيرة تبحث في كل ما له علاقة بالجنحي والجنائي وتحيل الباقي على المحاكم المدنية أو الإدارية أو التجارية أو الاجتماعية.

ويحق للمدافع عن الشعب ان يقدم طعنا بعدم دستورية قانون ما أمام المحكمة الدستورية الشيء الذي لا يتوفر عليه نظراؤه في اوروبا[16]

وكباقي نظرائه في الدول الاسكندنافية فانه يقدم تقريرا سنويا إلى البرلمان الاسباني : " الكرتيس" يضمن فيه ملاحظاته واقتراحاته وتوصياته ويكون هذا التقرير موضوع مناقشة من طرف البرلمان ولجانه، كما يضع نسخة منه رهن اشارة الصحافة.

وفي ختام هذا الجزء الموجز نشير إلى ان اسبانيا تتوفر على ست مدافعين عن الشعب باقاليم الحكم الذاتي الستة وينظم العلاقة بينهم وبين المدافع الوطني عن الشعب قانون رقم : 36/1985 صادر بتاريخ6 نونبر1985.

مؤسسة الوسيط في الجزائر : بعد ان استعرضنا نموذجا من اروربا الشمالية وجنوب ووسط اوروبا وقبلها النموذج الاسلامي نتطرق الان إلى نموذج اخر افريقي عربي ويتعلق الامر بمؤسسة الوسيط في الجزائر، مشيرين إلى ان هناك دولا افريقية اخرى سبقت الجزائر في هذا المضمار منذ سنوات نذكر منها : (1) تنزانيا، (2) زامبيا، (3) غانا، (4) اثيوبيا، (5) غينيا الجديدة.

احدثت مؤسسة الوسيط في الجزائر بمقتضى مرسوم رئاسي رقم : 96/113 صادر في 23 مارس1996 تحت اسم : " وسيط الجمهورية" استنادا إلى الفصول : 67، 74، 116 من الدستور الجزائري، ومن خلال تصفح مواد المرسوم المؤسس لهذه المؤسسة والمتكونة من ثلاثة عشر مادة يمكن استنتاج العناصر الاتية : أولا : طريقة التعيين، يعين الوسيط هذا من طرف رئيس الجمهورية ويلحق بديوانه ( المادة الأولى )

ثانيا : اختصاصاته وصلاحياته ومهامه :

1-يعتبر الوسيط في الجزائر هيئة طعن غير قضائية تساهم في حماية حقوق المواطنين وحرياتهم وفي قانونية

سير المؤسسات والادارات العمومية: " المادة الثانية "

2-يخول صلاحية المتابعة والرقابة العامة لتقدير حسن علاقات بالمواطنين : " المادة الثالثة"

5-لا يلجا الطاعن أو المشتكى إليه الا بعد استنفاذ كل طرق الطعن : " المادة الثالثة ايضا".

8-الوسيط لا يفصل في الطعون الموجهة من الموظفين ضد الادارة " المادة الرابعة"

26-لا يتدخل الوسيط في اعمال القضاء " المادة (4) ايضا"

27- يقوم بالتحريات اللازمة لانجاز مهامه لكن بتعاون مع الادارات والمؤسسات المعنية " المادة الخامسة" ونفس الشيء بالنسبة للاطلاع على الملفات والوثائق ذات الصلة بالطعن ( م : 5 ايضا).

12- لا تشمل التحريات والاطلاع على الملفات الميادين التي لها علاقة بامن الدولة والدفاع الوطني والسياسي الخارجي : ( م : 5 ايضا)..

ع- يقترح الوسيط على رئيس الجمهورية التدابير والقرارات التي ينبغي اتخاذها ضد الادارة المعنية أو موظفيها المقصرين : ( م : 6).

ق- يعد الوسيط تقريرا سنويا بالاعمال المنجزة ويبعث به إلى رئيس الجمهورية " م : 8".

ل- يخطر الوسيط رئيس الجمهورية عند الاقتضاء بعدم تلقيه جوابا مرضيا من الإدارة المعنية عن طلباته ( م 11).

باستعراض هذه المواد يتجلى بكل وضوح ودون حاجة للتفصيل في ذلك ان هذه المؤسسة اقل فعالية وتاثيرا في الادارة ولا يمكنها القيام بمهامها لضمان وحماية الحقوق والحريات وبالتالي مساعدة المواطنين على الوصول إلى حقوقهم ومصالحهم بالمقارنة مع النماذج السالف ذكرها بما فيها النموذج الاسلامي، وبذلك تصبح مثل هذه المؤسسات عبئا على كاهل ميزانية الدولة دون مقابل : أي دون فائدة أو مردودية.

(7) أي نموذج يصلح لبلدنا ؟ المغرب بلد عربي مسلم ينتمي إلى القارة الافريقية لكنه يطل على اوروبا مما يجعله دائما ينهج اختيارا وسطا يجمع بين الاصالة والمعاصرة، وهذا ما هو مكرس في بلدنا منذ عقود، مكرس في الدساتير خاصة دستور 1996 ومكرس في المؤسسات القائمة ومكرس في القوانين كما هو مكرس في العلاقات مع الدول والتعاون معها، لذا ومن هذا المنطلق ينبغي ان تكون لنا مؤسسة وطنية مستقلة على غرار مؤسسة والي المظالم، لكن باسلوب عصري ونظام مواكب لتطورات العصر، وسلطة فاعلة حاسمة وامكانيات ووسائل كافية للقيام بهذه المهمة العظيمة حتى يمكننا القول باننا اضفنا رقابة ثالثة فاعلة إلى جانب الرقابة البرلمانية والقضائية.



[1] من هؤلاء : الماوردي في الاحكام السلطانية والولايات الدينية ص : 97 ـ ابن خلدون في المقدمة ج 1 ص 234 الشيخ محمد ابو زهرة في مقاله "ولاية المظالم في الاسلام " ـ مجلة دنيا القانون العددان 1 و2 السنة :3.

[2] محمد سلام مذكور في كتابه المدخل للفقه الاسلامي ص 404 وللمزيد من التفاصيل انظر بحث اذة. فائزة بعلسري " ولاية المظالم والقضاء الإداري" العددان 17 و18 من هذه المجلة : م م إ م و ت.

[3] القضاء في الاسلام وحماية الحقوق ص 20 مشار إليه في البحث السابق : العددان 17 و18 من هذه المجلة .

[4] الماوردي ـ المرجع السابق ص 100.

[5] البحث السابق : العددان 17 و18 من هذه المجلة : م م إ م و ت.

[6] البحث السابق : العددان 17 و18 من هذه المجلة.

[7] الماوردي ـ المرجع السابق.

[8] الماوردي ـ المرجع السابق.

[9] لمزيد من التفاصيل : " انظر بحث الأستاذ احمد الباز المنشور بكتاب : " القضاء الإداري: حصيلة وافاق " منشورات الجمعية المغربية للعلوم الإدارية لسنة 1993 ص 114 وما بعدها .

[10] LEGRAND (A) L' ombudsman scandinave. L.G.D.J ; Paris 1970, P. 10.

( مشار إليه في البحث المذكور ص 114 وما بعدها)

[11] البحث السابق ص 115 وما بعدها.

[12] البحث السابق ص 119ـ 120

[13] البحث السابق122

[14] البحث السابق 123.

[15] البحث السابق 125، 126، 127.

[16] د. احمد الباز ـ المرجع السابق ص134.

No comments:

Post a Comment