Tuesday, February 12, 2008

وجهة نظر حول عيوب وثغرات المسطرة لاطالة امد التقاضي والتنفيذ في المادة المدنية

وجهة نظر حول عيوب وثغرات المسطرة لاطالة امد التقاضي والتنفيذ في المادة المدنية

محمادي لمعشكاوي محام بهيئة القنيطرة

نشرت مجلة الإشعاع[1] موضوعا قيما، تحت عنوان : " بعض عيوب وثغرات المسطرة واثارها على سرعة البث، والتنفيذ في المادة المدنية"، للاستاذ عبد اللطيف تجاني، حاول فيه - وان بعجالة - تعرية بعض تلك العيوب والثغرات، واستقراء ما يترتب على ذلك من سلبيات تؤدي إلى إطالة امد التقاضي، وتشعب الخصومة، مستفيدا من تجربته المزدوجة في قضاء البداية، وقضاء الدرجة الثانية[2]. ونظرا لاهمية الدراسة، فقد حفزتني على المساهمة بوجهة نظري المتواضعة في الموضوع، وذلك بالتعرض لبعض العراقيل الكيدية الأخرى والتي تكون مقصودة، لاعاقة سير الدعاوى وتمطيط مسطرتها، أو لوقف تنفيذ الاحكام الصادرة فيها بل واحيانا تؤدي إلى اهدار حقوق البعض بصفة نهائية. مع الاشارة إلى طرق التصدي لها. متبعا في ذلك نفس الترتيب الذي جاء في الدراسة المشار إليها. وقد يبدو في بعض الاحيان عدم التطابق مع الراي الاخر، الا انني اعتبر ذلك تكاملا، من اجل التصدي لهذه الظاهرة.

أولا - تعدد الأشخاص الممثلين للدولة

أ ـ بالنسبة للتقاضي : حقيقة ان تعدد الأشخاص الممثلة للدولة، يترتب عليه اضطراب في سير الدعاوى. ولا اعتقد ان بإمكان المشرع - ولو على المدى القريب - اسناد تمثيل الدولة إلى جهة واحدة، الا ان علاج الامر يبقى دائما بيد القضاء بالدرجة الأولى الذي عليه الحسم في المسالة وفق ظروف كل قضية. خاصة وان من يمثل الأشخاص الاعتبارية، لا يخرج عن كونه محاميا، أو موظفا ذو تكوين قانوني. اما بالنسبة للمتقاضين الذاتيين، فالمشرع اهل المحامين وحدهم لتمثيلهم ومؤازرتهم، لتقديم المقالات والمذكرات والمستنتجات في جل القضايا[3] الشيء الذي ينبغي ان يوظف لفائدة البت الفوري، لا لإعاقته.

ب ـ بالنسبة للتنفيذ : ان اشكالية تنفيذ الاحكام، كانت وما زالت تؤرق المعنيين، متقاضين ومسؤولين سواء تعلق الامر بالاشخاص، أو بالادارة. والمسؤولية ليست مسؤولية القضاء وحده، بل مسؤولية جهاز العدل بصفة عامة(4). وينبغي المبادرة إلى تنظيم ندوات وطنية. وايام خاصة، كأيام التقاليد التي تنظمها هيئات المحامين بالمغرب مثلا، يشارك فيها جميع الجهات المعنية، للخروج بتنظيم جديد لهذه المصلحة الخطيرة يعيد للاحكام مصداقيتها وللقضاء هيبته واستقلاله، ويساير مستجدات الالفية الجديدة، لا على مستوى الحقوق فحسب، بل وبمساهمته أيضا في تدعيم المجالين الاقتصادي والاجتماعي.

اما بالنسبة للادارة، فالامر يحتاج إلى توعية بوجوب احترام القضاء، وتنفيذ احكامه. ونبذ ما علق ببعض الذهنيات من تسلط واستعلاء، لتغليب الإدارة على المواطن، كما ينبغي تعميم مقاضاة بعض المسؤولين شخصيا، عندما يمتنعون - بدون مبرر - عن تنفيذ الاحكام الصادرة ضد الإدارات التي يسيرونها. والعمل القضائي المغربي تواتر اجتهاده في ذلك، وعلى سبيل المثال، قرار المجلس الأعلى الصادر تحت عدد : 27/95 في الملف الإداري عدد 102006/94، بتاريخ 6/3/1995، المنشور بمجموعة : منشورات المجلس الأعلى في ذكراه الاربعين، صفحة301، والامر الصادر عن المحكمة الإدارية بمكناس، الذي قضى بالغرامة التهديدية، في مواجهة رئيس الجماعة القروية بتونفيت - ميدلت شخصيا، لعدم تنفيذ حكم صادر بالغاء مقرر إداري اصدره بعزل موظف ، معتمدا أيضا قرار المجلس المشار إليه.

ثانيا : المبالغة في التشبث بالانذارات لاصلاح المسطرة أو تحديد البيانات غير التامة أو التي وقع اغفالها.

إذا كانت بعض مقتضيات المسطرة تلزم القاضي بانذار الأطراف من اجل تصحيح المسطرة، أو تحديد البيانات غير التامة، فالمشرع لم يطلق الحبل على الغارب، بل اعطى القاضي أيضا سلطة تقديرية لتحديد الاجل المناسب للقيام بالمطلوب. وهو يختلف من الحالة الأخرى. ويجب على الجميع احترام هذه الآجال والوقوف عندها، بما في ذلك القاضي الذي حددها.

وإذا كان الاستاذ التجاني، قد حمل المسؤولية لبعض المحامين[4]، فان كل المحامين الشرفاء الذين يعانون من هذه الاساليب الكيدية، يرون ان المطلوب من القضاة - خاصة أولئك الذين يسايرون محترفي الإجراءات الكيدية - مراجعة النفس، والتصدي لاقفال الثغرات بما يتمتعون به من صلاحيات واسعة، فيرد القصد السيئ إلى اهله.

ان المحامي - ولو كان هو المثير للعرقلة - ليس مسؤولا كالقاضي، عن ملف ينتظر انجاز خبرة على شخص واحد، لمدة فاقت سبع سنوات مثلا، في حين تم انجاز باقي الخبرات في شهر من تاريخ الامر بها. ومن يعرقل من. عندما يقدم طلب الاستيفاء كراء مدعوم بعقد كراء، ومحضر تبليغ انذار بالاداء ثم يأتي وكيل المدعى عليه، فيطلب اجلا للجواب فيعطى، ثم ياتي مرة اخرى ويطلب اجلا ثانيا وثالثا ورابعا، ويستجاب له ؟ وهناك أيضا حالات العدول عن التخلي، ومنها مثلا تلك الحالة التي يقدم فيها طلب العدول بناء على رغبة احد الأطراف في " صنع لفيف" أو تقديم طلب من اجل انجاز معاينة لاثبات شيء بالمحضر الذي سينجز، فيقع العدول ويستجاب للطلب، ثم ينسى الملف شهورا ان لم يكن سنوات، في انتظار ان يدلي المتقاضي " الشاطر" بسند ما زال في واقع الامر مجرد مشروع في ذهنه. اما الاستجابة لطلب استفسار لفيف مضى على انجازه سنوات، واغلب شهوده تشتوا في جهات المعمور بل منهم من انتقل إلى الدار الاخرة، فأمره عجب ………

ان الذي يجب التاكيد عليه هو ان القاضي لا يعلم المتقاضين مسطرة التقاضي تحت مبرر الانذار، حتى تبقى المسالة نسبية ومحددة، ولا تسري على كل الحالات، فمن حق القاضي إذا قدم المقال مجردا من سند يثبت الادعاء، ان يحكم بعدم القبول، عملا بمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل : 32 من ق م م الذي نص بصيغة الوجوب على ذلك[5]. اضافة إلى ان الاجتهاد القضائي، تواتر على ان : " الخصوم مدعوون تلقائيا للادلاء بالحجج التي تفيدهم[6] ". كما ان التدخل، ومواصلة الدعوى، والطلبات العارضة، أو وفاة الأطراف، التي تأتي بعد ان تصبح الطلبات الاصلية جاهزة، اصبحت وسيلة معروفة لاطالة امد النزاع، بمباركة القاضي الذي يرفض إعمال النصوص بشانها وفصلها عن الطلبات الاصلية، حتى اطلق على البعض فصول المسطرة، كالفصول : 112-113-114 من ق م م [7] الفصول " المحنطة" لعدم تطبيقها.

كما تحول البحث في إطار مقتضيات الفصل 71 من ق م م[8] إلى وسيلة لتجميد الدعوى، عندما يعمد احد محترفي الدعاوى الكيدية إلى تقديم شهود وهميين لا وجود لهم، ويطلب استدعاءهم لاجراء البحث معهم، ويتكرر ذلك مرات عديدة دون جدوى، في الوقت الذي تسمح مقتضيات الفصل 72 من ق م م بانذار المعني بتقديم شهوده، والتكفل بإحضارهم للمحكمة.

ان اغفال الفصل في بعض الطلبات، يعتبر أيضا من العراقيل الكبرى التي تطيل امد النزاع، وكمثال على ذلك، عدم البت في تحديد مدة الاكراه البدني، عندما يرفض المنفذ عليه اداء المبالغ المحكوم بها عليه، ولا يجد مأمور التنفيذ ما يمكن حجزه وكذلك الشان بالنسبة لعدم إعمال ( التنفيذ المعجل الوجوبي) عندما تتوفر شروطه[9].

ثالثا : اختلاف الجزاءات القانونية المقررة عن عدم اداء الرسوم القضائية :

ان مشكل اداء الرسوم القضائية، لا يطرح من حيث اختلاف الجزاء القانوني المترتب عليه فحسب، بل من حيث استخلاصه أيضا. فبعض وكلاء الحسابات، يفرضون أداءات عشوائية، عن قصد، حيث يستخلصون مبالغ اكثر من المطلوب، وفي هذه الحالة، يضيع المبلغ الزائد المستخلص، إذا لم تسلك المسطرة القانونية لاسترجاعه.

اما في حالة استخلاص مبلغ اقل، أرى ان تعميم مقتضيات الفصل : 9 من ظهير : 27.4/1987، المتعلقة بالانذار - شريطة ان يتم ذلك مرة واحدة - قبل التشطيب. اكثر ضمانة للمتقاضين، خاصة وان مثل هذه الحالات ناذرة. عدا الحالات التي يشترط فيها المشرع، اداء الوجيبة قبل مرور اجل الطعن، أو المبالغ المساوية للغرامات التي يمكن الحكم بها، والتي ينبغي إرفاق الوصل بايداعها رفقة عريضة الطعن[10].

رابعا : عدم وجود جزاء عن التقاضي بسوء نية.

ان وسائل مواجهة التقاضي بسوء نية ( التقاضي الكيدي) من اجل اطالة امد النزاع، لا ينبغي ان تقتصر على الجزاء المادي الذي فرضه المشرع، في شكل غرامات فقط، بل يجب ان يشمل أيضا جزاء ماديا في شكل التعويضات للطرف المتضرر[11]، ورأى ان التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة، يقتضي تدخل ثلاث جهات :

أولا - المشرع، وذلك بسن مقتضيات تتيح الحكم بتعويض تلقائي لفائدة الطرف المطلوب، كلما كان هناك تقاضي بسوء نية[12].

ثانيا - القضاة، اذ بإمكان القاضي بما أوتي من فطنة وتكوين علمي، ان يكشف ألاعيب وتضليل المتقاضين بسوء نية أو ممثليهم، وعند ذلك يجب تطبيق الموجود من النصوص للقضاء بالتعويض وفق القواعد العامة.

ثالثا - المحامون، وذلك بتكثيف استعمال المساطر المضادة، في شكل طلبات التعويض لفائدة موكليهم، كلما كانت هناك دعوى كيدية، أو تعسفية،

رابعا - الضابطة القضائية، حيث تقضي بعض مساطر التنفيذ لدى بعضها سنوات، وتعاد دون انجازها.



العدد : 22 دجنبر2000، ص :19.[1]

[2] يعمل حاليا مستشارا بمحكمة الاستئناف بالرباط.

[3] تنص الفقرة الأولى من الفصل : 31 من قانون تنظيم مهنة المحاماة على ما يلي : " المحامون المقيدون بجدول هيئات المحامين بالمملكة، هم وحدهم المؤهلون في نطاق تمثيل الاطراف ومؤازرتهم لتقديم المقالات والمستنتجات والمذكرات الدفاعية في جميع القضايا الجنائية وقضايا النفقة امام المحاكم الابتدائية والاستئنافية، والقضايا التي تخص المحاكم الابتدائية بالنضر فيها ابتدائيا وانتهائيا".

[4] الإشعاع، عدد 22، الصفحة : 24 السطر 6.

[5] تنص الفقرة الثانية من الفصل : 32 من ق م م على ما يلي* يجب ان يبين بايجاز في المقالات والمحاضر علاوة على ذلك موضوع الدعوة والوسائل المثارة. وترفق بطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء.

[6] قرار المجلس الأعلى عدد : 74 الصادر بتاريخ : 20/03/1972 منشور بمجلة القضاء والقانون عدد : 120 ص 564

[7] ينص الفصل :112 من ق م م على ما يلي يجوز للقاضي في حالة طلب ادخال الغير في الدعوى، ان يحكم في الطلب الاصلي منفصلا إذا كانت القضية جاهزة، أو ان يؤجله ليبت فيه وفي طلب ادخال الغير في الدعوى بحكم واحد . ينص الفصل :113 من ق م م على ما يلي : لا يمكن ان يؤخر التدخل والطلبات العارضة الأخرى الحكم في الطلب الاصلي إذا كان جاهزا." ينص الفصل 114 : من ق م م على ما يلي : لا تؤخر وفاة الأطراف أو تغيير وضعيتهم بالنسبة إلى الاهلية الحكم في الدعوى إذا كانت جاهزة."

[8] ينص الفصل : 71 من قانون م م على ما يلي : " يجوز الامر البحث في شان الوقائع التي يمكن معاينتها من طرف الشهود والتي يبدو التثبت منها مقبولا ومفيدا في التحقيق الدعوى."

[9] تنص الفقرة : 71 من الفصل : 147 من ق م م على ما يلي : " يجب ان يؤمر بالتنفيذ المعجل رغم التعرض او الاستئناف دون كفالة، اذا كان هناك سند رسمي أو تعهد معترف به، أو حكم سابق غير مستأنف.

[10] انظر على سبيل المثال، الفصول 304-305-357-403-407-528 ـ من قانون م م.

[11] ينبغي اعتبار الضرر هنا افتراضيا، لا يحتاج إلى اثبات، كلما كان هناك دعوى أو اجراء كيدي، تسبب في اطالة امد البت أو التنفيذ.

[12] التقاضي بسوء نية أو تعسف في استعمال حق التقاضي، يتحقق في صور متعددة، يمكن التمثيل لها . بانعدام الصفة أو الاهلية أو المصلحة في الشخص، أو الطعون خارج الاجال القانونية، أو الدعاوي الصورية لدى قضاء الموضوع، أو القضاء الاستعجالي لاطالة امد النزاع، أو لعرقلة التنفيذ... الخ.

No comments:

Post a Comment