مجال تطبيق ظهير 24 ماي 1955 على الملك الجماعي
سمير ايت ارجدال عضو مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية باحث في صف الدكتوراه بكلية الحقوق مراكش
تمهيد:
إذا كانت الجماعة المحلية عبارة عن مجموعة بشرية تستمد مقومات وجودها من ارتباطها بمجال ترابي معين(1)
فإن عدم استثمارها لهذا المجال على الوجه المطلوب قد يكون السبب الرئيسي في عرقلة التنمية المحلية القمينة بجلب رؤوس الأموال والمبادرة الخاصة.
ولن يتأتى ذلك إلا بتفعيل دور الجماعات المحلية في ممارسة آليات التدخل الاقتصادي للدولة بشكل تنظيمي ومعقلن(2)
وبغية تجسيد البعد الاقتصادي لمفهوم السلطة الذي تحدث عنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بتاريخ "9 يناير 2001
فإنه بات ضروريا تأطير الأموال الجماعية، ووضع ميثاق جماعي بين كيفية استغلالها والتصرف فيها من لدن الخواص، خاصة وأن الجماعة لا يمكن لها أن تقوم بكل شيء وليس الهدف أن تتحول إلى رجل صناعة أو تجارة، بل من أجل تمكين كل من الصناعي والتاجر من مزاولة النشاط المهني الذي يدخل في مجال اهتمامه، و هو الشأن بالنسبة للأشخاص الذين يتعاقدون مع الجماعات المحلية بغية الحصول على حق امتياز من أجل استغلال أراضي جماعية وإقامة أصول تجارية عليها، الشيء الذي قد تثار بشأنه مجموعة من الإشكالات تتمحور بالأساس حول مدى إمكانية قيام أصول تجارية على الأملاك الجماعية والبحث عن الطبيعة القانونية للعلاقة القائمة بين الجماعة وصاحب الأصل التجاري ثم النظر بعد ذلك في القانون الواجب التطبيق والمحكمة المختصة في حالة نشوب نزاع بين الطرفين.
وحتى تتسنى لنا الإحاطة بالموضوع بشكل دقيق، نرى دراسته من خلال محورين:
*المحور الأول: إنشاء الأصل التجاري على الملك الجماعي.
*المحور الثاني: طبيعة العلاقة بين صاحب الأصل التجاري والجماعية المحلية.
المحور الأول: إنشاء الأصل التجاري على الملك الجماعي
ينص الفصل الأول من ظهير 24 ماي 1955 على أنه: "تطبق مقتضيات هذا الظهير على عقود كراء الأملاك التي تستغل فيها أصول تجارية سواء كانت هذه الأعمال ترجع إلى تاجر أو إلى رب صنعة أو حرفة..."، الشيء الذي يستفاد منه أن أحكامه تطبق مبدئيا على العقارات المخصصة للتجارة أو الصناعة أو الاستعمال الحرفي(1)
غير أن مسألة تحديد طبيعة العقار موضوع الحماية القانونية للظهير: لا يمكن الحسم فيها إلا بتحديد الأملاك القابلة للاستعمال التجاري. ذلك أنه وبغض النظر عن مقتضيات الفصل المسطر أعلاه والمحدد لمجال تطبيق الظهير، والفصلين الثالث والرابع المحددين للعقود غير المشمولة بحمايته، نجد الفصل الثاني ينص على ما يلي:
"... مقتضيات هذا الظهير... تطبق أيضا على ما سيذكر:
أولا: عقود الكراء التي تتعلق بالأملاك والأماكن المستعملة للتجارة أو الصناعة أو الحرف والتي أبرمت مع الدولة أو الجماعات العمومية أو المؤسسات العمومية في شأن أملاك أو أماكن أعدت لمصالح وجدها تستغل بمشاركة الدولة إما وقت إبرام عقد الكراء أو قبله...".
الأمر الذي يشترط معه لانطباق ظهير 24 ماي 1955(1)
أن تتوفر الشروط التالي
1- أن يتعلق الأمر بكراء أملاك أو أماكن، والتي يقصد بها المنشآت الثابتة والبنايات(2)
الشيء الذي استبعدت معه محكمة النقض الفرنسية ومحكمة الاستئناف بالرباط البنايات المتنقلة أو القابلة للتفكيك(3)
2 - أن تقوم العلاقة التعاقدية على أساس عقد كراء لا مجرد انتفاع بدون مقابل.
3- أن ينصب عقد الكراء على استغلال الأصل التجاري من طرف تاجر أو صانع أو حرفي. الأمر الذي يفيد أن ظهير 24 ماي 1955 لا يطبق على كراء الأصل التجاري الذي هو بطبيعته مال منقول معنوي(4)
يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية وذلك حسب مفهوم المادة 79م ت(5)
وتماشيا مع هذه الشروط العامة، فإن تطبيق مقتضيات ظهير 24 ماي 1955 رهين بتحديد الأملاك القابلة للاستغلال التجاري، الأمر الذي نتساءل معه حول إمكانية كراء العقارات الجماعية إلى فئة التجار بناء على عقود كراء تجارية قد تخول لهم إمكانية إنشاء أصول تجارية؟.
قبل الجواب عن هذا التساؤل: تجدر الإشارة إلى أن الجماعات المحلية تعتمد في تدبير شؤونها على بنية عقارية تختلف طريقة استعمالها باختلاف نظامها القانوني(1)
وتعكس ازدواجية الملك الذي لا يخلو أن يكون إما ملكا عاما أو ملكا خاصا.
أما الملك العمومي العام(2)
فإنه يتضمن الأملاك المخصصة للاستعمال العام(3)
ويخضع في تسييره وإدارته للدولة التي تعتبر وصية على مصالح الجماعات المحلية وهو غير قابل لأي تصرف أو تفويت(4)
في حين أن الملك العمومي الخاص: هو الملك الذي لا يخصص في طبيعته للمنفعة العامة وإنما يكون الغرض من تملكه مجرد استغلاله(5)
وهو محمي مبدئيا بالحماية القانونية للأملاك الخاصة.
وتماشيا مع هذا التنوع في الملك الجماعي، وبرجوعنا إلى ما أقره ظهير 24 ماي 1955 من استثناءات تقع خارج نطاق تطبيقه، نجد الفصل 40 منه ينص على أنه: "لا تطبق مقتضيات هذا الظهير على العقود المبرمة بشأن الأملاك أو الأماكن التابعة إلى الأملاك الخاصة بالدولة الشريفة أو بأشخاص آخرين أو بالجماعات العمومية إن كانت تلك الأملاك مخصصة لمصلحة عمومية أو كانت عقود كرائها يستثنيها استثناء صريحا لشؤون تجارية أو صناعية أو مهنية".
الأمر الذي يكون معه مجال تطبيق ظهير 24 ماي 1955 على عقارات الدولة والجماعات ينحصر في الأملاك التالية:
1- أملاك الدولة أو الجماعة التي لا تخصص للمصلحة العامة.
2- الأملاك التي يقع الاتفاق حين التعاقد على استغلالها لشؤون تجارية أو صناعية أو حرفية.
ومن ثمة، فإن مجال إعمال الظهير ينحصر بالأساس في الأملاك الخاصة للدولة أو الجماعة، والتي تقوم على أساس معيار التسيير الخاص دون الأملاك العامة، والتي تنبني على أساس معيار المصلحة العامة(1)
وهو الاتجاه الذي أيدته محكمة الاستئناف بالرباط(2)
حين أكدت أنه: "يحق لقضاة الواقع أمام اتفاقية سميت باتفاقية كرائية مانحة لحق الانتفاع بجزء من الملك العام للدولة أو البلدية أن يعيدوا لهذه الاتفاقية خاصيتها القانونية. إن هذا الملك غير قابل للكراء حسب مقتضيات التشريع الجاري به العمل والتي تعطي للدولة أو البلدية وحدها حق منح رخص بالاحتلال بطريقة عارضة وقابلة للفسخ".
الشيء الذي يكون معه التاجر -تنفيذا لعقد الكراء التجاري الذي يربطه مع الجماعة المحلية- متمتعا بمزية الأصل التجاري متى ثبتت شروطه وعناصره. الأمر الذي يكسبه الحق في الكراء كأنهم عنصر من عناصر الأصل التجاري(1)
والذي يعرف عادة بأنه حق انتفاع شخصي لصيق المتجر، يسوغ التنازل عنه أو نقله للغير(2)
وهو ما سارت عليه محكمة الاستئناف بالرباط في إحدى قراراتها حين قضت بأن:
المكتري ينتفع بمقتضيات ظهير 24 ماي 1955 إذا تم الإيجار من طرف صاحب حق الجلسة في عقار تملكه إدارة الأحباس"(3)
بغض النظر عن ما سبق ذكره حول الحق في الكراء، فإن الجدير بالذكر أن القضاء الفرنسي في قرارات حديثة جدا قرر أنه:
"بغض النظر عن أهميته، فإن الحق في الكراء لا يشكل بقوة القانون عنصرا ضروريا للأصل التجاري الذي يمكن أن يوجد حتى خارجه"(1)
وهو نفس الاتجاه الذي سار عليه بعض الفقه المغربي(2)
وأكده القضاء المغربي في أعلى قممه ممثلا في المجلس الأعلى والذي قضى بأن:
"الحق في الكراء يمكن فصله عن الأصل التجاري إما بتصرف فيه باستغلال أو مع عناصر معينة".
الشيء الذي نتساءل معه عن موقع الحق في الكراء في الصورة التي يظهر فيها التاجر قد كون أصله التجاري على ملك جماعي؟؟.
لا أخفيكم أن اطلاعي المتواضع على الاجتهاد القضائي الصادر في هذا المجال: لم يسعفني في إيجاد الجواب الشافي سوى ما قضت به محكمة الاستئناف بالرباط في أحد قراراتها الصادر بتاريخ 29 يونيه(3)
) 1962 والذي جاء فيه ملازمة الحق في الكراء لصاحب الأصل التجاري على ملك جماعي إنما يقضي" أن يكون الكراء الذي يربط بينه وبين الجماعة عقدا عاديا لا يتضمن في ثناياه شروط غير مألوفة في القانون العادي تهدف إلى فرض واجبات المصلحة العمومية على المتعاقد".
وسعيا وراء تثبيت القواعد الخصوصية لمجال تطبيق ظهير 24 ماي 1955 على الأملاك الجماعية، فإنه بات من اللازم التطرق في مبحث ثان إلى طبيعة القانونية لعقد الكراء التجاري الذي يربط الجماعة بالتاجر، فضلا على البحث عن القانون الواجب التطبيق والمحكمة المختصة في حالة نشوب نزاع بين أطراف العقد؟؟؟
المحور الثاني: طبيعة العلاقة بين صاحب الأصل التجاري والجماعة المحلية
عادة ما تقوم الجماعة المحلية باستعمال أملاكها الخاصة وذلك بموجب طرق التعاقد المختلفة المقررة في القانون الخاص كالكراء والشراء وغيرها(1)
بعلة أن المرفق العام الصناعي والتجاري عندما يتعاطى لعمليات البيع والشراء والتحويل وتقديم الخدمات ووضعها على هذا النحو رهن إشارة المستعملين: إنما يجعل المرفق منظما مثل المقاولة الخاصة(2)
غير أن التكييف القانوني لطبيعة هذه العقود قد يثير الكثير من اللبس، الأمر الذي يتعين معه البحث في مضمونها، وبالتالي في نظامها القانوني الذي يختلف باختلافها فيما إذا كانت عقودا عادية أو عقودا إدارية.
فإذا كان العقد في "القانون المدني" يعرف بأنه توافق إرادتين على إنشاء التزام أو على نقله(1)
فإن العقود التي تبرمها الجماعة تنبني هي الأخرى على توافق إرادتين على إنشاء التزام. غير أن كبيعة هذه العقود تتوقف على أطرافها من جهة وشروطها من جهة ثانية(2)
فالجماعة المحلية عندما تتعاقد مع التاجر الذي كون أصله التجاري على ملك عمومي خاص: تكون قد قامت بذلك بصفتها شخصا عاديا، الأمر الذ=ي يجعل المخالفة -لقرار محكمة الاستئناف بالرباط والذي قضى بأن: "عقد الكراء المبرم بشأن الملك الذي يفيد أنه كلما تعلق الأمر بكراء ملك خاص بالجماعة، إلا ويكون العقد. المبرم بشأنه عقدا عاديا.
غير أنه وفي خضم عصرنة الاقتصاد الوطني، واعتماد الدولة عموما والجماعات المحلية خصوصا على تقنية التجارة المندمجة أو المتكاملة والتي تفيد قيام شبكات ومسالك للتوزيع تتخذ صورة عقود الامتياز أو عقود الترخيص: حيث يندمج بموجبها التاجر ضمن شبكة التقديم خدمات يستعمل علامتها كما هو الشأن بالنسبة لمحلات بيع أحذية "باطا" ومطاعم "ماكدونالدز" وغيرها من المحلات(1)
الشيء الذي يتعين معه البحث في طبيعة العقد الذي يربط بين المقاولة المرخصة صاحبة العلامة والمقاولة المرخص لها أو صاحبة الامتياز على ملك عمومي خاص؟؟
جوابا على هذا التساؤل: ذهب القضاء الفرنسي إلى أن المقاولات المرخص لها أو صاحبة الامتياز لعلامة مشهورة لا تتوفر على أصل تجاري إلا إذا كانت لها زبانة ذاتية ومستقلة(2)
وإذا نحن انتهينا إلى أن عقد الكراء التجاري الذي يربط بين الجماعة المحلية والتاجر يخضع في نظامه إلى أحكام ظهير 24 ماي متى تحققت شروط انطلاقه، فإنه بات لازما الوقوف على طبيعة المبلغ المالي الذي يؤديه بعض التجار أصحاب الأكشاك المرخص لهم من طرف المصالح الجماعية؟
الواقع أن هؤلاء التجار يقومون باستغلال هذه الأكشاك بموجب تراخيص إدارية. وعليه، فمتى تبث أن لهم زبانة ذاتية ومستقلة، فإنهم بدون شك يتمتعون بمزية الأصل التجاري حتى ولو لم يكن لهم أي حق في الكراء. باعتبار أن ما يؤدونه للجماعة من مقابل عن الاحتلال المؤقت لاستغلال الملك العام لا يعتبر وجيبة كرائية بل مجرد رسوم. الأمر الذي يعطي للجماعة وبصفة دائمة حق إلغاء الترخيص واستصدار قرار إداري يقضي بالإخلاء.
على خلاف ما إذا تعلق الأمر بمركب تجاري تعود ملكيته للجماعة، ويستغله التجار على وجه الكراء: فإن علاقة المكتري بالجماعة في هذه الحالة تخضع لمقتضيات ظهير 24 ماي 1955(1)
وموازاة مع ما تمت الإشارة إليه، فإن تكييف العقد الذي يربط الجماعية بالتاجر بأنه عقد عادي يتبعه القول بأن القانون الواجب التطبيق هو القانون الخاص، وأن المحكمة المختصة هي المحكمة العادية، الأمر الذي قضى به المجلس الأعلى في إحدى قراراته:
"لكن حيث إنه من الثابت أن النزاعات المتعلقة بعقود الكراء المبرمة بين الجماعات والأشخاص يرجع فيها النظر للمحاكم العادية طبقا للفصل 18 من ق م م (2)
وهو نفس الاتجاه الذي نحته محكمة الاستئناف بالدار البيضاء حينما قضت بأنه:
"حيث يستفاد من نص العقد الذي دخل المجلس البلدي لمدينة المحمدية طرفا فيه، أن المجلس المذكور رخص بامتياز استغلال شبكة النقل العام للركاب... وحيث إن هذا العقد المبرم بين المنتفع والملتزم بشروط مألوفة في روابط العقود القائمة في ظل القانون الخاص بالنظر لطبيعة المرفق الذي يدار عن طريق الامتياز، وعلى ضوء هذا، فالمجلس البلدي الذي مارس عملا اعتياديا يتعاطاه الأفراد ينزله منزلتهم وخضع مثلهم لصلاحية المحاكم العادية"(1)
الشيء الذي يتبين معه أن القضاء المغربي يرجع المعيار الوظيفي على نظيره العضوي لتحديد الاختصاص القضائي للنظر في مثل هذه النزاعات(2)
وفي خضم هذا الاتجاه الذي نؤيده: تثار إشكالية الجهة القضائية المختصة للنظر في النزاعات التي قد تنشب بسبب عقود الكراء التجارية؟؟؟
فكما هو معلوم: فالأصل التجاري هو منقول ذو طبيعة تجارية. في حين أن العمليات التي تجري على هذا الأصل اختلفت الآراء الفقهية والاتجاهات القضائية حول صفتها التجارية الأمر الذي انعكس سلبا على تحديد الجهة المختصة بين من ينادي باختصاص المحاكم العادية ومن يقول باختصاص المحاكم التجارية؟؟
أمام السيل العارم من الأحكام والقرارات القضائية الصادرة في الموضوع، برزت ثلاث اتجاهات فقهية وقضائية نجملها فيما يلي:
الاتجاه الأول:
يقول بأن المحاكم التجارية هي المختصة للنظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق مقتضيات ظهير 24 ماي 1955، وهو الشيء الذي قضت به محكمة الاستئناف التجارية بمراكش في إحدى قراراتها(1)
الاتجاه الثاني:
يرى أن النزاعات الحاصلة بخصوص تطبيق ظهير 24 ماي 1955 لم يتطرق إليها المشرع المغربي بنص صريح، ويرجع ذلك إلى أن كراء المحلات التجارية يعد كراء لعقار يخضع للظهير، في حين أن كراء الأصل التجاري الذي يعد كراء لمنقول معنوي يخضع للظهير، في حين أن كراء الأصل التجاري الذي يعد كراء لمنقول معنوي يخضع لعقد التسيير الحر وفق أحكام المواد 52 أو 158 من مدونة التجارة. الأمر الذي يفيد في نظر هذا الاتجاه أن الكراء المبرم بين مكري غير تاجر ومكتبري تاجر إنما يبقى خاضعا لاختصاص المحاكم الابتدائية(2)
الاتجاه الثالث:
والذي يقضي بأن المحكمة المختصة للنظر في كراء العقارات المعدة لاستغلال الأصل التجاري أو مقاولة تجارية تارة تكون المحاكم التجارية وتارة تكون المحاكم الابتدائية(1)
فإذا كان كل من المكري والكتري تاجرين، اختصت المحاكم التجارية لأن العقد هنا عقد تجاري، أما إذا كان المكري غير تاجر والمكتري تاجر، فالعقد هنا عقد مختلط لذلك تختص المحاكم الابتدائية وفق أحكام المادة الرابعة من مدونة التجارة ما لم يتفق الطرفان على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية، وذلك بصرف النظر عن أيهما المدعي أو المدعى عليه(2)
ومن وجهة نظرنا المتواضعة، واعتبارا لكون عقد الكراء التجاري الذي يربط بين الجماعة المحلية والتاجر يعد عقدا مختلطا، وإيمانا بالمبدأ العام المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية والذي يعطي الاختصاص إلى محكمة المدعى عليه(3)
فإن المؤكد هو أن يجوز للطرف الذي يعد العمل مدنيا بالنسبة إليه -وهي الجماعة المحلية في هذا الإطار - أن يتنازل عن الخيار الممنوح له بين المحكمة الابتدائية والمحكمة التجارية، ويسند تبعا لذلك الاختصاص للمحكمة التجارية بموجب اتفاق مسبق مع الطرف الذي يعد العمل تجاريا بالنسبة إليه. ذلك أن الخيار لا يتعلق بالنظام العام بقدر ما يستند إلى تجنيب المدعي الذي يكون العمل مدنيا من جانبه مشاق اللجوء إلى قضاء متميز ومتخصص(1)
وفي الأخير: لن تفوتنا فرصة التنبيه إلى إمكانية اللجوء ضمن المعادلة الثانئية للاختصاص المشار إليها أعلاه إلى القضاء الإداري، والذي يبقى مختصا في هذا المجال في حدود القرارات الإدارية المنفصلة عن عقد الكراء التجاري. وهو المبدأ الذي كرسته المحكمة الإدارية بمراكش حينما قضت بأن:
"القرار الاستئنافي القاضي بأن دعوى إتمام البيع سابقة لأوانها، يجعل القرارت الإدارية بشأن هذا التعاقد ممهدة، وتقبل الطعن بالإلغاء"(
خاتمة:
هذه ورقة بسيطة حاولت من خلالها الإحاطة ببعض جوانب مجال تطبيق ظهير 24 ماي 1995 على الملك الجماعي، وذلك سعيا وراء تسخير النصوص القانونية لخدمة التنمية بمفهومها الشامل من جهة، واستعدادا لكي يصبح الاستثمار داخل الجماعات المحلية أداة لتفعيل الامركزية وعدم التمركز من جهة ثانية. مع أن السبب في هذا أوذاك ليس سوى التأكيد على أن جميع الروابط القانونية أو التعاقدية التي تتم بين السلطات العامة ومؤسسات القطاع الخاص يجب أن تخضع خضوعا تاما لموجبات التنمية التي أضحت العامة ومؤسسات القطاع الخاص يجب أن تخضع خضوعا تاما لموجبات التنمية التي أضحت الهدف المنشود من وراء سياسة أو برنامج اقتصادي. وهو الهاجس الذي كان على هديه يسير هذا المقال المتواضع الذي انتهينا من خلاله إلى كون الأملاك الخاصة بالجماعة هي وحدها القابلة لإنشاء أصول تجارية عليها. وأن العقد الذي بموجبه تتعاقد الجماعة المحلية مع التاجر أو الصانع أو الحرفي من أجل الاستغلال التجاري إنما يكيف على أنه عقد عادي، تطبق عليه مقتضيات القانون الخاص، ما لم يتضمن في ثناياه شروطا غير عادية، أو يكن الهدف المنشود منه هو تحقيق المصلحة العامة. الشيء الذي يعود معه الاختصاص -مبدئيا- في حالة نشوب نزاع بين أطراف العلاقة التعاقدية للمحكمة الابتدائية ما لم يتفق على خلاف ذلك. تم بحمد الله وتوفيقه.
No comments:
Post a Comment