Tuesday, February 12, 2008

مسؤولية محافظ الملكية العقارية

مسؤولية محافظ الملكية العقارية

الأستاذ أقلعي دريوش عبد القادر أستاذ بكلية الحقوق فاس.

عن المحافظ العقاري كموظف عمومي يخضع إلى جميع المقتضيات القانونية والتنظيمية المهنية، التي توجبها ممارسة الوظيفة العمومية...

وفي هذا الإطار يتحمل مسؤوليتين: مسؤولية إزاء الدولة ،وأخرى إزاء المستفيدين من عمل مصلحة المحافظة العقارية، فبالنسبة للأولى فإن الإدارة يمكنها تطبيق عقوبات تأديبية في حقه عند الإخلال بالمقتضيات الوظيفية.، وبالنسبة للثانية فإن القضاء هو المختص لتقريرها.وما يهمنا في هذا الجانب هو المسؤولية المدنية للمحافظ والتي تخضع لاختصاص القضاء.

الفرع الأول: الطبيعة القانونية لمسؤولية المحافظ

عن مسؤولية المحافظ العقاري ،مسؤولية قانونية تجد أسسها في الخطأ المهني الناتج عن عدم القيام بالالتزامات المفروضة قانونا،والذي يؤدي على إلحاق أضرار بالغير[1].

ولقد اختلف الفقه في طبيعة هذه المسؤولية،فجانب منه اعتبرها مسؤولية تقصيرية[2].

وآخر اعتبرها عقيدة استنادا إلى وجود عقد بين المحافظ وطالب التحفيظ[3].

ويؤخذ على هذا الرأي الأخير كون المحافظ في إطار التحفيظ العقاري لا يقوم إلا بواجب مهني تمليه عليه وضعيته كموظف عمومي،دون أن يستطيع الامتناع عن ذلك كما ان اختصاصه في هذا المجال محدد في العقارات والحقوق العقارية داخل الدائرة الترابية للمحافظة العقارية التي يعمل بها، إذ ليس من حق أي طرف سواء المحافظ أو طالب التحفيظ فرض شروط عقدية على الآخر، بحيث لا يلزم طالب التحفيظ إلا بما هو مسطر في القوانين والأنظمة المعمول بها في ميدان التحفيظ،كما لا يستطيع المحافظ إضافة أية شروط أخرى على النصوص[4] ذلك أن مسؤولية المحافظ كسائر الموظفين تخضع للنظرية العامة للمسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي المرتبطة بالشروط المعروفة[5].

فمسؤولية المحافظ حسب الرأي الفقهي السائد لا يمكن أن تكون إلا تقصيرية ناتجة عن عدم القيام بالالتزامات المهنية وهو ما أكده الاجتهاد القضائي الفرنسي الذي لا يمكن الأخذ به حتى في المغرب باعتبار تطابق دور المحافظ في كلا النظامين[6].

الفرع الثاني: شروط قيام مسؤولية المحافظ

لقيم مسؤولية المحافظ لابد من توفر الشروط القانونية المتطلبة في إطار القواعد العمة للقانون المدني من خطأ وضرر وعلاقة سببية.

الفقرة الأولى: الخطأ

يتطلب لمسألة المحافظ العقاري مدنيا وجود خطأ مرتكب من طرفه عند تنفيذه لمهمته أثناء سريان مسطرة التحفيظ أو إحجام عن القيام بالالتزامات المهنية المفروضة عليه طبقا للقوانين والنظم المعمول بها في مادة التحفيظ العقاري...

وتقتضي دراسة عنصر الخطأ في مسؤولية المحافظ التمييز بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير وبين الخطأ الشخصي والخطأ المصلحي أو المهني ،رغم ما يعتري ذلك من صعوبات ليبقى الأمر في الأخير راجع إلى السلطة التقديرية للقاضي لما يترتب من آثار مختلفة.

فهناك بعض الفقه من يرى ان هذه المسألة غير مطروحة في التشريع المغربي ذلك ان قانون الالتزامات والعقود وخاصة في الفصلين 79و80 حدد حالات مسؤولية الدولة وحالات المسؤولية الشخصية للموظف والتي لا تكون إلا عند ارتكاب

خطأ جسيم أو تدليس أو غش[7]،إلا أن البعض الآخر يرى أن المشرع لم يحدد ما إذا كانت مسؤولية المحافظ قائمة على أساس الخطأ أم على أساس المخاطر[8] بل ترك الأمر إلى القضاء ليحدد ذلك حسب كل حالة على حدة[9].

أ - مسؤولية الدولة : الخطأ المصلحي.

لقد اختلف كل من الفقه والقضاء في تفسيره نص الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود فجانب يقول بالمسؤولية الموضوعية للدولة وآخر يرى إعطاء السلطة القانونية للقاضي لتحديد طبيعتها.

موقف الفقه

هناك اتجاه يرى أن المشرع أقر في إطار الفصل 79 من ظهير الالتزامات والعقود المسؤولية الإدارية الموضوعية بعيدا عن فكرة الخطأ بحيث أن إثبات الضرر كاف للقول بمسؤولية الدولة في التعويض مؤسسين موقفهم على أساس المساواة أمام التكاليف العامة لتحقيق التوازن بين الحرية التي تتمتع بها الإدارة في نشاطها القانوني والمادي لتحقيق المصلحة العامة[10].

إلا أن الرأي الراجح في الفقه هو الذي يرى إعطاء السلطة التقديرية للقاضي لتمديد نوع المسؤولية حسب كل حالة على حدة والذي يرى أن الفصل79 لا يهتم بمشكل المسؤولية الإدارية وإنما اكتفى بتحديد مبدئها العام[11].

موقف القضاء

لقد اختلف الاجتهاد القضائي في المغرب في تفسير الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود ومدى خضوع مسؤولية الجماعات العمومية لقواعد القانون المدني،فهناك أحكام اعتبرت أن الفصل 97 لا ينص على مبدأ المسؤولية الموضوعية للإدارات العمومية، وأنه لا يمكن البحث على أساس المسؤولية الإدارية في الفصل 97 المذكور الذي لم يكن له من هدف سوى إقرار وجود مسؤولية الجماعات العمومية وأن المشرع ترك للقاضي الذي ينظر في المنازعات الإدارية حرية إرساء المسؤولية على أساس قضائي[12] غير ان الأحكام القضائية الحديثة وخاصة الصادرة عن المجلس الأعلى ذهبت إلى تأسيس مسؤولية الإدارة على أساس فكرة المخاطر بعيدا عن فكرة الخطأ مؤكدة على أن الدولة مسؤولة عن الأضرار التي تسبب فيها... ولو لم ينسب غليها أي خطأ[13] كما أن القضاء الزم الدولة بأداء التعويض عن السير المعيب لعملية التحفيظ وذلك لعدم تحقق المحافظ من مطابقة الوثائق على القطعة المراد تحفيظها.

ب- المسؤولية الشخصية للمحافظ عن خطأه الجسيم

إذا استثنينا مسؤولية المحافظ في إطار الفصل 79 من ظهير الالتزامات والعقود، فإن أي خطأ يسأل عنه مسؤولية شخصية حسب ما يستفاد من الفصل 80 من نفس القانون الذي يحيل عليه الفصل 5 من القرار الوزاري الصادر بتاريخ 5/6/1915 والذي يعالج مسؤولية المحافظ.

ويلاحظ ان المشرع المغربي لا يرتب المسؤولية الشخصية للمحافظ إلا في حالة الخطأ الجسيم أو ارتكابه غشا أو تدليسا،فقد أشار الفصل 64 من ظهير التحفيظ إلى مساءلة المدلس شخصيا عن فعله سواء كان المحافظ أو غيره ذلك أن النص لم يميز بين المحافظ وباقي أطراف التحفيظ.والتدليس في هذا الإطار يؤخذ بمفهومه الواسع بحيث لا يشترط القيام بأعمال تدليسية كما هو الحال في ميدان التعاقد بل يتوفر بكل تصرف يهدف إلى الإضرار بالغير[14].

وقد حدد المشرع في الفصول 30 و72و97 من ظهير التحفيظ أهم حالات مساءلة المحافظ شخصيا[15] وقد عالج الاجتهاد القضائي بعض حالات المسؤولية الشخصية للمحافظ ذلك أن هذا الأخير يكون مسؤولا مسؤولية شخصية عن الأضرار الناتجة عن إغفال التضمين بسجلاته أو القيام بتسجيل غير قانوني[16] او في حالة عدم تحققه من مطابقة الوثائق على القطعة المراد تحفيظها[17].

أو في حالة امتناعه عن تنفيذ حكم قضائي حيث يشكل امتناعه شططا في استعمال السلطة، وخرقا للقوانين الأساسية والتنظيم القضائي مما يفتح المجال لتقديم دعوى إلغاء أمام المجلس الأعلى ودعوى أمام المحكمة المختصة للحصول على التعويض[18].

الفقرة الثانية : الضرر والعلاقة السببية

لا يكفي لقيام مسؤولية المحافظ وجود عنصر الخطأ بل لا بد من أن يكون هذا الأخير هو الذي سبب الضرر مباشرة.ولا يثير اكتشاف العلاقة السببية بين الخطأ والضرر أي إشكال إلا إذا تعددت الأفعال والعوامل المحدثة للضرر في وقوعه،وفي هاته الحالة يقضي الفقه والقضاء بتوزيع المسؤولية بين الطرفين[19] بحيث يبقى للمحاكم صلاحية تقدير جسامة خطأ المحافظ وتشطير المسؤولية متى ساهم المضرور في حدوث الضرر...

ويبقى التعويض هو جزء من المسؤولية حيث يتعين جبر الضرر،وإذا كان القانون المدني يجيز التعويض عينيا أو نقديا، فإنه في الميدان الإداري لا يكون التعويض إلا نقدا[20] ويتم تقديره على أساس جسامة الضرر وليس على أساس جسامة الخطأ[21].

ويجب على المحافظ ان يؤدي التعويض المحكوم به عليه من ماله الخاص ولا تتحملها الخزينة العامة غلا في حالة إعساره، حيث يؤدي التعويض من صندوق التامين بمقتضى الفصل 100 من ظهير التحفيظ على أن يكون للإدارة حق الرجوع على المحافظ لاستياف ما أدته إما من ماله الخاص إن كان له أو بالخصم من مرتبه او معاشه[22]

وتجدر الإشارة على أنه لا يجوز بالمضرور مقاضاة الدولة مباشرة على في حالة إعسار الموظف المسؤول شخصيا عن الضرر وهو ما يؤكده الفصل 61 حيث ينص على أنه ط يكون لمن يهمهم الأمر وفي حالة التدليس فقط أن يقيموا على مرتكب التدليس دعوى شخصية بأداء التعويضات وفي حالة إعسار المدلس تؤدى التعويضات من صندوق التأمينات المحدث مع الاحتفاظ للصندوق المذكور بحق الرجوع على المعسر" وهو ما أقره المجلس الأعلى في قراره ورد فيه على ط أن المحافظ العقاري مسؤول شخصيا عن الضرر الناتج عن نسيان التسجيل بسجلاته وعن الأخطاء والتشطيبات الواقعة في السجل العقاري " وأن الدولة لا يمكن متابعتها غلا في حالة إعسار الموظف أو ورثته طبقا للفصل 80"[23] وقد أوضح الفقه أن دعوى التعويض التي مكن رفعها على الدولة لمطالبتها بالتعويض تتسم بطابع الدعوى بأي شيء إلا بعد أن توجه الدعوى ضد الموظف ويثبت إعساره"[24].

الفرع الثالث: أحكام دعوى المسؤولية

تتميز دعوى مسؤولية المحافظ بخاصيتين: الأولى من حيث الاختصاص الترابي(أ) والثانية فيما يخص تقادمها(ب).

أ - الاختصاص الترابي

يعود الاختصاص الترابي للنظر في مسؤولية المحافظ إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد بها مقر عمله سواء وجهت ضده شخصيا أو لذوي حقوقه[25].

إن هذه القاعدة المحددة للاختصاص الترابي لدعوى المسؤولية اختيارية بالنسبة للمدعي ،إذ يمكنه إقامتها بمحكمة الفصل السالف الذكر أو إلى محكمة محل سكناه في حالة استقالة المحافظ أو إحالته على التقاعد.

وتجدر الإشارة على وجوب توجيه الدعوى ضد الدولة في شخص الوزير الأول الذي له حق تعيين الوزير المختص ،كما يقتضي إدخال العون القضائي للمملكة[26].

ب- مصاريف الدعوى

إن المحافظ لا يلزم بأداء التعويض المحكوم به عليه عن الضرر الحاصل من جراء تدليسه أو خطأه الجسيم فقط، بل يلزم بأداء مصاريف الدعوى التي أقيمت ضده، وهو ما تشير إليه الفقرة الأخيرة من الفصل10 من القرار المؤرخ في 3/6/1915نالتي تنص على انه "وتقع المصاريف القضائية على كاهل الطرف المعني بالأمر غلا إذا صدر من المحافظ خطأ جسيم الأمر الذي يجب....من طرف المحكمة".

وإذا كان المشرع قد منح المضرور من عملية التحفيظ مدعاة المحافظ متى وقع منه ما يستوجب مسؤوليته،فإنه بالمقابل أعطى لهذا الأخير حق طلب التعويض عن التعسف في استعمال حق الادعاء عند ثبوت ذلك.

ج- تقادم دعوى مسؤولية المحافظ

ينص الفصل 8 من القرار الوزيري المؤرخ في 4/6/1915 في فقرته الأولى على أنه رفع دعوى المسؤولية ضد المحافظ في أي وقت مادام يزاول عمله، أما في حالة الانقطاع،فلا بد من رفعها داخل أجل 10 سنوات ،من تاريخ مغادرته للعمل،وفي حالة انصرام المدة المذكورة فإن المحافظ يتحلل من أي ضمان أو مسؤولية قد تواجه بها بعد ذلك.

وفي هذه المدة الخاصة للتقادم لا يمكن أن تكون محل انقطاع أو توقف باعتبار أن النص الخاص لا يجوز إخضاعه إلى المقتضيات القانونية العامة.



[1] الباتولي أحمد ط دور المحافظ في إطار التحفيظ العقاري" رسالة بالفرنسية لسنة 1988-1989 ،كلية الحقوق بالرباط،ص145.

[2] جون كلود برجوا،"دور مسؤولية محافظ الرهون الرسمية" أطروحة ،باريس 1959،ص 11،أشار إليها الباتولي ص145،هامش2.

[3] كارينيي وشون باز مذكور عند جون كلود برجوا،ص11. والباتولي،ص145،هامش2.

[4] الباتولي،ص146.

[5] إدريس قاسمي وخالد المير،" سلسلة التكوين القانوني، حقوق الموظف وواجباته". ،ص20.

[6] نقض مدني 16/11/1898 دالوز 27/1/1904 مذكور عند جون كلود برجوا،ص11.أورده الباتولي،ص146،هامش2.

[7] سبل المسؤولية المدنية لمحافظ الملكية العقارية بالمغرب،ص47،مذكور عند الباتولي،ص148،هامش1.

[8] ديلوبا دير ، القانون الإدراري،ص718نالباتولي،ص149،هامش1. محمد المرغينسي:" القانون الإداري". ص491 ،والهوامش المشار إليها في نفس الصفحة.

[9] جون كرانيون وميشل روي"القانون الإداري"،الطبعة الثانية،الرباط،1973،ص457. حسن الوازاني الشهدي، المجلة المغربية للقانون واقتصاد التنميةنعدد7 ص149،هامش2و3 الأستاذ باحنيني الرئيس الأول للمجلس الأعلى في تعليقه على قرار صادر عن المجلس الأعلى،منشور بمجلة المحاكم المغربية،عدد5ص8.

[10] ديلوبا دير " أساس مسؤولية الجماعات العمومية الخطأ او المخاطر"،مجلة المحاكم المغربية،9/4/1943. القانون الإدراي للأساتذة إدريس البصري ومن معه،ص575،هامش1،الطبعة العربية.المرغينسي،"اقانون الإداي"،ص942،الهامش15و16.

[11] أحكام محكمة الاستئناف بالرباط 9/12/1974 و13/3/1951 أشار إليها إدريس البصري،ص579و580 في مؤلفه القانون الإداري المغربي.

[12] قضاء المجلس الأعلى،عدد28،ص3،عدد30،ص121،ص142،وعدد39نص174.

[13] بول ديكرو، القانون العقاري بالفرنسية،طبعة 1977،منشورات لابورط،ص130-131.

[14] بول ديكرو،ص134.

[15] محكمة الاستئناف بالرباط ،مجلة المحاكم المغربيةن1956،ص10، والمرجع في قرارات المجلس الأعلى،الجزء الثاث،ص313،مذكورة عند فرنسوابولبلون،التعليق على قانون الالتزامات والعقود في الاجتهادات المذيل بها،الفصل80.

[16] قضاء وقانون ،عدد144،ص230.

[17] قضاء المجلس الأعلى،عدد 31،ص132.

[18] محمد المرغينسي،ص496، هامش3.

[19] مليكة الصروخ،القانون الإداري،ص464،طبعة1990.

[20] قضاء المجلس الأعلى،عدد9،ص97.

[21] المرغينسي ،ص494.

[22] مجموعة قرارات المجلس الأعلى،الغرفة الإدارية لسنة 1961-1969نص313.

[23] الكزبري ،نظرية الالتزامات والعقود في ضوء قانون الالتزامات والعقود ، لجزء الأول،ص506.

[24] الفقرة الأخيرة من الفصل 8 من القرار الوزيري المؤرخ في 4/6/1915.

[25] الفصلين 514-515 من قانون المسطرة المدنية.

[26] الباتولي،ص164.

No comments:

Post a Comment