Sunday, February 17, 2008

دور قاضي الموضع في تكييف العلاقة التعاقدية

دور قاضي الموضع في تكييف العلاقة التعاقدية

الدكتور الحبيب بيهي أستاذ محاضر بكلية الحقوق بالبيضاء

القرار

محكمة الاستيناف بالرباط

قرار رقم 1558? ملف رقم 729/89/6? بتاريخ 20/3/90

باسم جلالة الملك

وبعد المداولة طبق القانون

فشكلا حيث أن السيد مولاطو محمد بواسطة دفاعه الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد والأستاذ محمد الصديقي استأنف بتاريخ 14/12/1988 الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط رقم 932 وتاريخ 29/6/88 في الملف رقم 7/137/87 والقاضي بصحة العقد المبرم بين الطرفين المؤرخ في 29/10/1982 وعلى المدعى عليه بإتمام إجراءات البيع واستخراج القطعة موضوع البيع من الرسم العقاري 70546 وعلى السيد المحافظ تسجيل الحكم بع

د صيرورته نهائيا والصائر على المدعى عليه.

وحيث أن هذا الحكم بلغ بتاريخ 14/12/1988 حسب الوصل رقم 5384213 مما يكون معه الاستئناف مستوفي للشروط المتطلبة قانونا لقبوله أجلا وأداء.

وموضوعا: حيث أنه بمقتضى مقال مدرج ? 15 أكتوبر 1987 وضعه بكتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية بالرباط الأستاذ محمد بوزبع نيابة عن السيد أبو الغسول بن حدو في مواجهة السيد مولاطو محمد بحضور السيد المحافظ على الأملاك العقارية بالرباط يعرض فيه أنه سبق أن أبرم عقد وعد بالبيع مع السيد مولاطو مؤرخ في 29/10/82 وبمقتضاه باع هذا الأخير قطعة أرض تبلغ مساحتها 2.220 مستخرج من العقار موضوع الرسم العقاري عدد 70.546 الحامل لاسم المستقبل الذي تبلغ مساحته10136 ? الكائن بكلمتر 7 طريق وادي عكراش وذلك بثمن قدره 197.500 درهما حاز منها البائع مبلغ ستين ألف درهم عند التوقيع على العقد والباقي سدد له بأقساط بلغ عددها خمسة وخمسين بقيمة ألفين وخمسمائة درهم 2500 درهم للقسط وقد سدد السيد أبو الغسول مجموع الأقساط لكنه في الوقت الذي كان ينتظر فيه من السيد مولاطو إبرام العقد النهائي معه والقيام بالإجراءات اللازمة لتقسيم القطعة واستخراج الجزء المباع ووضع رسم مستقل له عمد إلى إرسال رسالة مؤرخة في 21/4/1987 بواسطة محاميه يخبره فيها بأنه يفسخ العقد بكيفية منفردة دونما أي سبب.

وحسب رسالة مؤرخة في 6/5/87 أخبر العارض السيد مولاطو بأنه يتشبث بالبيع ويذكره بأنه وفى بالتزاماته في الوعد بالبيع ويطلب منه إتمام إجراءات البيع ليتم تفويت القطعة نهائيا إلى العارض إلا أن السيد مولاطو بعث بإنذار إلى العارض يع رهن إشارته المبالغ المسددة له من قبل اعتماد على فقرة في العقد التزم فيها بأداء 15% كتعويض في حالة ما إذا أراد فسخ العقد.إلا أن هذه الفقرة وإن كانت واردة في العقد فإنها تعتبر شرطا لاغيا لأن المدعى عليه استولى له على ماله واستعمله طيلة مدة خمس سنوات ليخبره في الأخير بنيته في فسخ العقد ملتمسا الحكم بصحة العقد المبرم بين الطرفين والمؤرخ في 29/10/82 في جميع أجزائه المكونة لأركان قيام البيع وبإتمام إجراءات البيع المتعلقة بالقطعة الأرضية موضوع عقد الوعد بالبيع المبرم بين الطرفين والحكم عليه بالقيام بالإجراءات الكفيلة باستخراج القطعة موضوع البيع من الرسم العقاري رقم 70.546 الحامل الاسم المستقبل ووضع رسم عقاري خاص بها وأمر السيد المحافظ على الأملاك العقارية بتسجيل الحكم الصادر الذي يقوم مقام عقد البيع النهائي بين الطرفين وإن ترتب عليه كل النتائج التي ينص عليها القانون والحكم بغرامة تهديدية قدرها ألف درهم عن كل يوم تأخر فيه المدعى عليه عن تنفيذ الحكم والحكم عليه بالصائر وبالنفاد المعجل.

وأجاب المدعى عليه بواسطة دفاعه الأستاذان الصديقي وبوعبيد بأنه من خلال عقد الوعد بالبيع يتبين أن كلا الطرفين احتفظ لنفسه بخيار الفسخ متى شاء وأن المدعى عليه لما أبلغ المدعي برغبته في فسخ عقد الوعد بالبيع وضع رهن إشارته جميع المبالغ التي سبق له التوصل بها طبقا للفقرة ما قبل الأخيرة من العقد ملتمسا رفض الطلب فأصدرت المحكمة الحكم المطعون فيه بالاستئناف اعتمادا على أن الشرط المدرج بعقد الوعد بالبيع لا يبرر الفسخ سيما بعد أداء كافة الثمن.

وحيث أن هذا الحكم استأنف من طرف المدعى عليه بواسطة دفاعه الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد وأوضح في أسباب استئنافه أن ما علل به الحكم لا يرتكز على أي أساس وأن الثابت من خلال عقد الوعد بالبيع أن كلا الطرفين احتفظ لنفسه بخيار الفسخ متى شاء وكذا الشأن بالنسبة للعارض شرط أدائه له نسبة 15% من ثمن الشراء وأن خيار الفسخ ليس شرط وإنما هو مخول لكل واحد من طرفي العقد له أن يمارسه بدون قيد ولا شرط وذلك باتفاق ورضى الطرفين ولذلك فهو ملزم له طبقا للفصل 230 من ?.?.?. وكذلك الفصول 112 و 113 و 114 من ق.ل.ع. ملتمسا إلغاء الحكم والحكم برفض الدعوى وتحميل المستأنف عليه الصائر.

وحيث أجاب المستأنف عليه بواسطة دفاعه الأستاذ عمرو برحو أن الحكم صادف الصواب وطبق مقتضيات الفصل 231 وأن الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئتها ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الخالات المنصوص عليها في القانون وشرط الخيار الذي تضمنه العقد اقترن بفائدة ولذلك يعتبر شرطا لاغيا وأن المستأنف لم يطبق مقتضيات الفصول 112 و 114 تطبيقا سليما ملتمسا التأييد فاعتبرت القضية جاهزة وصدر أمر بالتخلي توصل به الطرفان وأدرجت القضية بالمداولة.

وحيث يؤخذ من وثائق الملف أن طرفي النزاع أبرما اتفاقا بينهما وأنشئا عقدا للوعد بالبيع اتفقا فيه معا على أن لكل منهما حق الفسخ وعدم إتمام البيع إلا أنه يلزم البائع في حالة ما إذا أراد الفسخ أن يدفع تعويضا قدره خمسة عشر بالمائة من ثمن البيع دون أن يحدد لذلك أجلا.

وحيث أن البائع أبدى رغبته في الفسخ ووضع رهن إشارة المشتري المبالغ التي تغطي مجمل التعويض إلا أن المشتري تمسك بإبرام العقد بعلة أنه أدى مجمل قسط البيع بينما تمسك البائع بحقه في الفسخ حسب بنود العقد.

وحيث أن الحكم قضى بإتمام البيع وصحته، واعتمادا على أن شرط الفسخ الوارد في العقد لا يضر بأحد الطرفين كما أنه لايبرر الفسخ.

وحيث أنه بالرجوع إلى بنود العقد يتضح أن الطرفين معا ارتضيا واتفقا على أن لكل منهما الحق في الفسخ متى أراد ذلك، وقد تراجع البائع بدفع تعويض قدره 15% مما يدل على أن الطرفين كانا يعيان ويعلمان مسبقا ما سيؤول إليه الاتفاق المبرم بينهما وقد ارتضى كل منهما نتيجة الاتفاق وهما كما يلي الوعي والإرادة مما تكون معه بنود العقد ملزمة لهما ? ومن التزم بشيء لزمه و خصوصا أنهما لم يحددا أجلا لذلك وأن مقتضيات الفصل 113 من ق.ل.ع. صريحة في هذا الشأن مما يتعين معه الركون إلى إرادة الطرفين التي عبرا عنها أثناء إنشاء العقد وهي حق كل واحد منهما في الفسخ متى أراد لأن الطرفين معا التزما بذلك وتقيدا به.

وحيث أن العقد شريعة المتعاقدين، ولا مجال للقول هنا بأن المشتري دفع جل الثمن مادام أن الطرفين لم يحددا أي أجل في العقد ما يكون معه العقد ملزما لهما.

وحيث أن ما اعتمده الحكم لم يكن مبنيا على أي أساس لأنه لم يوضح سببا لبطلان التزام الطرفين والقول بكون العقد لا يضر بأحد الطرفين ولا يبرر الفسخ مناف لما ورد في العقد إذا لم تكن هناك علة لما وقع التمسك بمقتضيات العقد، وما يسري على البائع يسري على المشتري من الالتزام ببنود العقد لأن حق الفسخ لم يتم ارتضاؤه والتنصيص عليه إلا ليكون مرجعا لهما وإلا فما فائدة التنصيص عليه في العقد والعقد شريعة المتعاقدين.

وحيث أن الحكم المستأنف لم تكن تعليلاته مبنية على أي أساس وبالتالي مخالف لإرادة الطرفين المعبر عنها في بنود العد مما يتعين معه إلغاؤه والتصريح بأن الطلب غير مرتكز على أي أساس ويتعين رفضه.

إن محكمة الاستئناف وهي تقضي علنيا حضوريا انتهائيا.

تصرح بقبول الاستئناف شكلا.

وموضوعا بإلغاء الحكم المستأنف والحكم من جديد برفض الطلب وتحمل المستأنف عليه الصائر.

التعليق

إن القرار المنشور أعلاه، يثير العديد من المشاكل القانونية، الجديرة بالتأمل والمناقشة. وليتسنى ذلك، يتعين استعراض الوقائع التي استدعت إصدار القرار، وذلك تمهيدا لمعرفة الأفكار القانونية موضوع التعليق قبل مناقشتها.

الفقرة الأولى: ملخص الوقائع

تتلخص وقائع هذه القضية فيما يلي:

في 29 أكتوبر 1982 أبرم السيد ( أبو الغسول) مع السيد (مولاطو)، عقدا يتمن التزام هذا الأخير، بأن يبيع للأول قطعة أرض صالحة للبناء، مساحتها: 2.200 متر مربع، وهي جزء من الأرض ذات الرسم العقاري 705.46 المسماة " المستقبل" والتي تبلغ مساحتها الإجمالية 10.136 متر مربع.

وقد اتفق المتعاقدان على تحديد الثمن الإجمالي للبيع، في مبلغ ( 197.000 درهما) على أن يؤدي المشتري مبلغ

( 60.000درهما) فور إبرام العقد، ويؤدي باقي الثمن على شكل كمبيالات عددها 55 بقيمة 2500 درهما للواحدة شهريا.

والتزم البائع من جهته بما يلي:

بتقييد رفع اليد على الرهن المثقل لمجموع العقار، بحيث تكون القطعة المبيعة حرة من كل التكاليف قبل استحقاق آخر كمبيالة.

تأدية جميع التكاليف المتعلقة بالقطعة والمترتبة عن المصاريف الضرورية لتكوين الملف التقني ( التصميم وشهادة التجزئة).

كما اتفق المتعاقدان، على أن لكل منهما أن يفسخ العقد، على شرط استرداد المشتري، ما تم دفعه بالإضافة إلى مبلغ 15% كتعويض، إذا كان الفسخ من جانب البائع.

وأطلق المتعاقدان، على المحرر المصادق على إمضائه من لدنهما، اسم ( تعهد بالبيع Compromis de vente).

وتنفيذا لهذا التعهد، دفع المشتري مبلغ التسبيق ( 60.000درهما) وظل يؤدي بانتظام الكمبيالات عند حلول أجلها، وذلك ابتداء من نونبر 1982، وإلى غاية مايو 1987 أي طيلة خمس سنوات من إبرام العقد.

وفي الوقت الذي لم يبق، سوى الكمبيالة ما قبل الأخيرة، وهي الكمبيالة 54 من أصل 55 و عمد البائع إلى غلق الحساب البنكي، المفتوح لاستخلاص الكمبيالات، موجها للمشتري إخطارا مؤرخا في ( 21/4/1987) يشعر فيه بأنه يفسخ العقد المبرم بينهما.

وأجاب المشتري برسالة مؤرخة في 6/5/87 يؤكد فيها تمسكه ببنود العقد، ومطالبة البائع بالوفاء بالتزاماته، وإبرام العقد النهائي، وإتمام البيع. وانتهى الخلاف إلى طرح الأمر على ابتدائية الرباط، التي قضت في حكمها عدد 972 وتاريخ 29/6/1988 في الملف المدني عدد 7/137/87 بصحة البيع والتزام البائع بإتمامه، استنادا إلى أن الثمن قد دفع، وأن البيع استكمل جميع عناصره، وأنهلا مبرر للفسخ.

وند عرض الأمر على استئنافية الرباط، حكمت هذه الأخيرة بمقتضى قرارها المنشور أعلاه، بإلغاء الحكم الابتدائي، وتصديا برفض الطلب الرامي إلى إتمام البيع، وذلك استنادا إلى أن العقد شريعة المتعاقدين، وأن أعمال الفسخ يجوز أن يحصل في أي وقت، مادام أن الأطراف لم يحددا أجلا لذلك.

تلك بإيجاز أهم وقائع النازلة، فما هي الأسئلة القانونية التي تطرحها، كيف تعامل معها القرار موضوع التعليق، ذلك ما نعالجه في الفقرة الموالية.

الفقرة الثانية: المشاكل القانونية التي تثيرها الواقعة.

بالرجوع إلى الوقائع الواردة في الفقرة الأولى، يتضح أن أهم سؤال طرح على القضاء هو: ما هو القالب القانون للوقائع الذي تنصهر فيه الواقعة؟ وبعبارة أخرى ما هو التكييف القانوني للوقائع؟ وبمعنى آخر ما هي طبيعة العلاقة القانونية الرابطة بين الطرفين المتعاقدين؟ هذه الأسئلة تندرج في مشكلة أعم، وهي دور قاضي الموضوع في تكييف العلاقة التعاقدية.

فمعرفة هذا الدور، وكذا الإجابة على تلك الأسئلة، متوقف على التذكير ببعض المبادئ القانونية، التي رغم بداهتها ـقد تغيب عن الأذهان.

هذه المبادئ يمكن حصرها في مبدأين:

المبدأ الأول: إن المشرع المغربي لا يأخذ بفكرة الوعد كمصدر للالتزام.

المبدأ الثاني: عقد البيع من العقود المسماة كالتي تكفل المشرع بتنظيمها ونعالج كل مبدأ بشيء من التفصيل.

بالنسبة للمبدأ الأول:

إن المشرع المغربي، أسقط من مصادر الالتزام فكرة الوعد، وقد نص على ذلك صراحة، في جملة وحيدة منفردة، تضمنها الفصل 14 من ق.ل.ع. الذي جاء فيه:" مجرد الوعد لا ينشئ التزام".

وإذا كان مجرد الوعد لا ينشئ التزام، فإن التسمية التي أطلقها المتعاقدان في النازلة موضوع التعليق، وهي كلمة " تعهد بالبيع (Compromis de vente)" لا محل لها.

ومن تم، كان على قاضي الموضوع أن يبحث عن التكييف الحقيقي للعلاقة القانونية، ولا يقف عند حد العبارات الفاسدة التي استعملها المتعاقدان.

وهذا ما أكده المجلس الأعلى في اجتهاده القار ، فقد جاء في قراره المؤرخ في 7 يناير 1976 بأن " الطبيعة القانونية للعقود، رهينة، ليس بالتحديد الصادر من الأطراف، وإنما بالطبيعة المستخلصة من بنودها، لذلك فإن على قاضي الموضوع، أن يستخلص من هذا التحديد، الآثار القانونية والاتفاقية التي تولدها هذه العقود.

ويتضح من القرار موضوع التعليق، أنه أغفل تماما هذه البديهية، ولم يتجشم عناء البحث في الطبيعة القانونية للعقد المبرم بين الطرفين، واكتفى بمسايرتهما في التعبير الفاسد الذي استعملاه. في حين نجد المجلس الأعلى يؤكد في قرار آخر بأنه:" على قاضي الموضوع أن يصحح التعبير الفاسد" ومن قرارته في هذا ال�أن ذلك الصادر عن ال�رفة المدنية تحت عدد 308 وتاريخ 20 أبريل 1966 المنشور بمجلة القضاء والقانون، عدد 85 يناير ? مارس 1968 صفحة 289. وقد ورد في القرار المذكور بأنه:" لمحكمة الموضوع الحق في ألا تعتبر في العقود إلا معناها، لا مبناها، وأنها حينما تقرر أن العقد المبرم بين الطرفين، عقد كراء، لا عقد شركة تصحح الوضع بالنسبة للتعبير الفاسد".

- لاحظ على سبيل المثال، قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 7 يناير 1976، منشور بمجلة " المعيار" الصادرة عن نقابة المحامين بفاس العدد الأول، ص: 45.

المبدأ الثاني:

إن عقد البيع، من العقود المسماة، التي حظيت بعناية المشرع نظرا لأهميته، لذلك نجد ق.ل.ع. يعرض بتفصيل لأحكام هذا العقد في الكتاب الثاني الذي سماه" في مختلف العقود المسماة، وأشباه العقود التي ترتبط بها". وقد أورد بعض الأنواع الخاصة من البيوع، في الباب الثالث من الكتاب الثاني الفصل 585 وما بعده.

ومن بين العقود الخاصة الملحقة بعقد البيع ذاك الذي سماه المشرع (بيع الخيار)، أو البيع المعلق على شرط واقف الفصل 601 من ق.ل.ع.

وقد أكد المشرع في الفصل 601 المذكور بأنه:" يسوغ أن يشترط في عقد البيع، ثبوت الحق للمشتري أو للبائع، في نفضه خلال مدة محددة، ويلزم أن يكون هذا الشرط صريحا، ويجوز الاتفاق عليه، إما عند البيع، وإما بعده في فصل إضافي".

وهذا هو الذي حصل في النازلة موضوع التعليق، فقد اتفق الطرفان في عقد البيع، على الاحتفاظ لكل منهما بخيار الفسخ..لكنهما أغفلا تحديد أجل أعمال الخيار.

غير أن المشرع لم يفته معالجة الحالة التي يتغافل فيها المتبايعان، عن تحديد أجل خيار الفسخ، فبادر في الفصل 603 إلى النص على أنه:" إذا لم يحدد العقد أجلا للخيار، افترض أن المتعاقدين قد ارتضوا الأجل المقرر بمقتضى القانون أو العرف، إلا أنه لا يجوز أن تتجاوز الآجال المبينة في الفصل الثاني".

وقد حدد المشرع في الفصل 604 أجل الخيار بالنسبة للعقارات البلدية في ستين يوما، واعتبره أجلا قاطعا، لا يجوز للأطراف ولا للمحكمة تمديده، واعتبر باطلا كل شرط مخالف (الفصل 605).

واعتبر القضاء الأجل دون أعمال الخيار قرينة على قبول البيع (الفصل 608).

وبالرجوع إلى النازلة محل التعليق، نجد أن المتعاقدين أغفلا ذكر أجل الخيار، وفي هذه الحالة، يفترض أنهما ارتضيا أجل 600 يوما المنصوص عليها قانونا، وهذا الفرض قائم على قرينة قانونية قاطعة، وعلى قاعدة آمرة، لا يجوز الاتفاق على خلافها.

لكن الذي حصل، هو أن البائع استعمل خيار الفسخ في تاريخ 6/5/87 بينما تاريخ إبرام العقد يرجع إلى 29 أكتوبر 1982، أي خيار الفسخ، قد تم الإعلان عنه بعد خمس سنوات من إبرام العقد.

والنتيجة مما سبق، أن من الأمور البديهية التي كان يجب الانتباه إليها هي أن المشرع المغربي لا يأخذ بالوعد كمصدر للالتزام، وأن قاضي الموضوع ملزم بالبحث في طبيعة العقد، ولا يتقيد في ذلك بالتعبير الفاسد، الذي استعمله الأطراف.

هذه البديهيات، التي أغفلها القرار موضوع التعليق هي التي أدت إلى الوقع في الخطأ، وخرق القانون، وعدم قيامة على أساس، وهو ما نعالجه في الفقرة الثالثة الموالية.

الفقرة الثالثة: مناقشة القرار.

إن القرار خرق القانون من جهة (1) ، لأنه لم يكن مبنيا على أساس سليم (2).

إن القرار محل التعليق قد خرق القانون.

إذا تأملنا الأسباب التي بني عليها القرار، نجد أنه بني على ما يلي:

" حيث أنه بالرجوع إلى بنود العقد، يتضح أن الطرفين معا، ارتضيا واتفقا على أن لكل منهما الحق في الفسخ، متى أراد ذلك...وقد ارتضى كل منهما نتيجة اتفاق المبرم بينهما...مما تكون معه بنود العقد ملزمة لهما ? ومن التزم بشيء لزمه ? خصوصا أنهما لم يحددا أجلا، مما يتعين معه الركون إلى إرادة الطرفين...وفي حق كل واحد منهما في الفسخ متى أراد، لأن الطرفين معا التزما بذلك وتقيدا به..."

ويستطرد القرار قائلا في سبب آخر:" وحيث أن العقد شريعة المتعاقدين ولا مجال للقول هنا بأن المشتري دفع جل الثمن، مادام الطرفان لم يحددا أجلا لفسخ العقد، مما يكون معه العقد ملزما لهما".

ومن قراءة هذه الأسباب يتضح الخرق الصريح لمقتضيات الفصول 603 و604 و605 و 608 من ?.?.?.

وهكذا يتجلى، أن القرار يؤكد على أن الطرفين لم يحددا أجلا لأعمال خيار الفسخ، ويبني على ذلك نتيجة خاطئة، وهي جواز أعمال الخيار في أي وقت، والحالة أن الشرع حسم الأمر بنص صريح، حينما افترض أن الأطراف قد ارتضوا في مثل هذه الحالة أجل 60 يوما ( الفصل 604)، وهو أجل لا يقبل التمديد وكل شرط مخالف يعد باطلا ( الفصل 605).

ولا تخفي المحكمة في تحديد أجل الخيار، وهي عدم ترك الأمور على عواهنها وفي ذلك تمشيا مع روح الفقه الإسلامي في شأن مجلس العقد، عملا بالقاعدة الفقهية المشهورة:"( المتبايعان بالخيار مالم يفترقا)".

والغريب كل الغرابة، أن يجهل القرار محل التعليق، كل هذه المقتضيات ويقرر خلافا لإرادة المشرع، بأنه يجوز للأطراف استعمال خيار الفسخ في أي وقت.

إن القرار محل التعليق لا يقوم على أساس.

تستمد قرارات المحاكم صحتها، من مدى قيامها عل أساس سليمة والقرار موضوع التعليق بني على أساس خاطئ، فكانت النتيجة التي انتهى إليها مشوبة بالخطأ.

لد كان على مصدري القرار، البحث عن الوصف الحقيقي والقانوني للعلاقة الرابطة بين المتعاقدين، واحترام هذا الوصف، لأن كل خطأ فيه من شأنه أن يستتبع توقيع آثار، غير تلك التي يرمي إليها.

فلو التزم القرار هذه المبادئ، وسلك هذا النهج، لما وقع فيها آل إليه من خرق صريح للقانون.

وبيان ذلك أن المتعاقدين، أطلقا خطأ على العقد المبرم بينهما اسم:" تعهد البيع" في حين أن طبيعة الاتفاق كما يتضح من بنوده ومحتواه، تتصرف إلى ( البيع بالخيار)، وهو بيع قائم الأركان، تام الشروط، من حيث حصول التراضي على البيع والشراء، مع تحديد البيع ومقداره ونوعه، وتحديد الثمن، وكيفية أدائه، كل ما في الأمر أنه بيع معلق على شرط واف، وهو ما عبر عنه المشرع (بيع الخيار).

إن القرار محل التعليق، لم يدخل في اعتباره، تحديد الطبيعة القانونية للعقد، واكتفى بمسايرة الأطراف في التعبير الفاسد الذي استعملاه.

وجدير بالذكر، أن المجلس الأعلى أكد، في نازلة مماثلة دور القاضي في تحديد الطبيعة القانونية للعقد. ففي قراره الصادر بتاريخ 15 مايو 1983، المنشور بمجلة رابطة القضاة، العدد 12 و 13 و 43 وما بعدها نجد نازلة مشابهة اتفق فيها الطرفان، على أن التعهد الذي يربطهما، هو مجرد وعد بالبيع، في حين اعتبره المجلس الأعلى، بيعا تاما، لأنه استجمع كل عناصر هذا الأخير.

واجتهاد المجلس الأعلى في هذا الشأن، يساير أحداث النظريات الفقهية والقانونية.

وهكذا يتضح بجلاء أن دور قاضي الموضوع في تحديد الطبيعة القانونية للعلاقة التعاقدية، دور أساسي. وأن القرار موضوع التعليق، كان بعيدا كل البعد عن الصواب لأنه لم يتجشم عناء تكييف الرابطة التعاقدية فبني على أساس خاطئ، وهو ما أفضى به إلى نتيجة خاطئة تمثلت في خرق قواعد القانون.

No comments:

Post a Comment