Sunday, February 17, 2008

القانون الاجتماعي بين الطابع الحمائي والشرط الجزائي من خلال تعليق على القرار عدد 485 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 05/10/87 في الملف الاجتماعي عدد 6

القانون الاجتماعي بين الطابع الحمائي والشرط الجزائي من خلال تعليق على القرار عدد 485 الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 05/10/87 في الملف الاجتماعي عدد 6325 –85

ذ. الأمراني زنطار امحمد أستاذ مساعد بكلية الحقوق - مراكش

1- إذا كان أول تدخل تشريعي في المادة الاجتماعية قد تم بمقتضى ظهير 12 غشت 1913[1]، فان ذلك كان لعدة أسباب :

أ - تحقيق الصالح العام للمجتمع المغربي، ومنع إهداره لحساب بعض المصالح الخاصة، و هو ما اقتضى إهدار مبدأ سلطان الإرادة والحد منه حدا كبيرا، خاصة بعد أن كشف التطبيق العلمي أن العقد اصبح وسيلة لإقرار الظلم وتمكين القوي من التحكم في الضعيف، وان الحرية التعاقدية ليست إلا أسطورة خيالية لا وجود لها في الواقع أمام تفاوت أطراف التعاقد، الأمر الذي دفع المشرع المغربي إلى إصدار مدة ظهائر ومراسيم صدرت فيما بعد في المادة الاجتماعية .

* أنظر القرار المذكور أعلاه في الصفحة 105

ب - أن هذا التدخل القانوني هو، في جوهره ، تدخل اقتصادي ، لان تنظيم العمل وشؤونه يعتبر أحد العوامل الاقتصادية التي تنتج آثارا بعيدة، في الإنتاج والاستهلاك على السواء .

ج - تحقيق سلم اجتماعي، عن طريق تحقيق التوازن بين الطرف القوي في العقد . رب العمل. والطرف الضعيف فيه- الاجير- . ورغم هذه الأهداف النبيلة، وصدور عدة قوانين اجتماعية لتحقيق التوازن بين هاتين الفئتين، فان ما نلمسه، بعد مضي ما يناهز 80 سنة على صدور أول تنظيم اجتماعي أن العمل في المغرب- كسائر الدول النامية - لازال يخضع لقانون العرض والطلب ، مما يمكن أرباب العمل، خاصة في بعض المؤسسات المتوسطة والصغيرة، إلى الهبوط بمستوى الأجور عن الحد الأدنى، و التحكم في العمال وشؤون العمل بما يحقق لهم اكبر ربح ممكن وبأقل نفقة ممكنة .

وعوض أن يضع القضاء المغربي حدا لهذا التحكم انطلاقا من خصوصية القانون الاجتماعية، نجده يزكيه، ولعل قرار المجلس الأعلى الذي سنحاول مناقشته، في هذا العرض البسيط، لخير دليل على ذلك[2].

الوقائع :

2- يشتغل محمد اعمارة كمدير بالشركة المركزية لاعادة التأمين، تم طرده من طرف هذه الأخيرة بدون مبرر سوى الاستناد إلى عقدة بينه وبينها تخول لها إمكانية الفصل من جانب واحد مقابل تعويضات جزافية تعرضها عليه .

رفع الأجير دعوى إلى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء يطالب من خلالها بإرجاعه إلى عمله لان طرده كان تعسفيا .

وقد حكمت المحكمة الابتدائية وفق الطلب الأساسي للعامل، وهو حكم أيدته محكمة الاستئناف، وقد جاء فيه : د ... إرجاع المدعي إلى عمله مع أدائه لها مبلغ

7310 درهم وبرفض باقي طلبات الطرفين " .

وقد نقض المجلس الأعلى قرار محكمة الاستئناف مستندا إلى أنها خرقت الفصل 230 من ق .ل .ع . الذي ينص على أن الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها وان الجزاء المنصوص عليه في العقد لا يخاف مقتضيات الفصل 754 من ق .ل .ع . ، كما يعيب القرار على قضاة الموضوع كونهم اعتبروا فسخ العقد الرابط بين الطالب والمطلوب في النقض فسخا تعسفيا .

التحليل:

3- ينتهي عقد العمل غير المحدد المدة انتهاء عاديا بإنهائه بالإرادة المنفردة لاحد طرفيه، وهذا النوع من الإنهاء ليس مقصورا على عقد العمل غير المحدد المدة، وانما هو عام في شأن العقود غير المحددة المدة على اختلاف أنواعها ، إذ لو توقف انتهاء هذه العقود على رضا الطرفين معا لانتهى الأمر إلى تأبيدها تأبيدا يقضي على الحرية الفردية [3] . فضلا عن أن عدم تحديد المتعاقدين فترة العقد، مقتضاه رضاهما سلفا بالترخيص لأي منهما بوضع حد لعلاقته بالآخر وقت ما يشاء .

وإنهاء العقد بالإرادة المنفردة لا تخفى فوائده بالنسبة للمتعاقدين على السواء .

فهو يمكن العامل من انتهاز الفرص العديدة التي قد تعرض له للحصول على عمل افضل أو اجر اكبر، كما يمكن صاحب العمل من تحقيق مصالح العمل والمؤسسة ومواجهة مختلف الظروف الاقتصادية التي قد تقتضي الاستغناء عن بعض الإجراء .

4- غير أن مخاطر هذا الإنهاء ليست ضئيلة، وخاصة بالنسبة إلى العامل ، حيث قد يدفع به إلى البطالة في حين يعتمد في حياته على رزقه وعمله وما يكتسبه منه من اجر. كما أن الإنهاء قد يصيب صاحب العمل نفسه بالضرر، فقد يحرمه من عامل ذي كفاءة عالية .

غير أن الخطر الأكبر الذي يحمله إنهاء أحد المتعاقدين عقد العمل غير المحدد المدة بإرادته المنفردة هو مفاجأة الطرف الآخر بانتهاء العقد. لذلك كان لابد من تحريم المفاجأة بالإنهاء عن طريق استلزام أخطار سابق به يفسح للمتعاقد الآخر تدبير أموره. ولكن هذه الوسيلة غير كافية بمفردها للتقييد من حق الإنهاء الانفرادي واتقاء أضرار استعماله استعمالا غير مشروع. ولذلك لم يلبث التطور أن انتهى إلى فرض رقابة على هذا الاستعمال لمنع التعسف فيه[4].

5- والقرار الذي بين ايدينا يبرز، بما لا يدع مجالا للشك، انه زكى الإنهاء التعسفي لعقد العمل، وان كان قد صيغ في شكل شرط جزائي، فهو في حقيقة الأمر شرط تعسفي، وهذا ما سنحاول، بإذن الله ، إثباته ، من خلال مناقشة هذا القرار، انطلاقا من ثلاثة محاور أساسية ، نعتقد انه كان على المجلس الأعلى أن يراعيها قبل النطق بالحكم وهي :

استقلال قانون الشغل عن القانون المدني، في جوانب جد حيوية: مفهوم النظام العام، الطابع الحمائي للقانون الجنائي والشرط الجزائي .

استقلال قانون الشغل عن القانون المدني:

6- ضم قانون الالتزامات و العقود لبعض المقتضيات الخاصة بقانون الشغل، لا يفيد احتوائه لجميع المقتضيات المتعلقة بالشغل، وذلك لوجود نصوص أخري منفصلة عنه تكون الأغلبية الساحقة لقانون الشغل، وهي في بعضها ذات تقنية خاصة تفيد خروج المشرع عن بعض المبادئ المدنية الصرفة .

فهناك الأهلية، حيث لا يباح للصبي الذي يتراوح عمره 12 و 15 سنة في إطار القانون المدني (5) إلا إجراء التصرفات النافعة نفعا محضا كقبول الهبة، إما التصرفات الضارة ضررا محضا أو الدائرة بين النفع والضرر، فالأولي باطلة بطلانا مطلقا، إما الثانية فهي قابلة للإبطال [5] وهذه التصرفات الأخيرة - أي الدائرة بين النفع و الضرر- لا يستطيع إجراءها إلا بوجود الولي، و هو نفس ما قرره المشرع في إطار قانون الشغل الفصل 725 من ق .ل .ع .[6].

ولكن خصوصية قانون الشغل بالنسبة للأهلية تظهر في بعض أحكامه الناصة كمنعه استخدام الأحداث الذين تقل أعمارهم من 19 سنة في باطن الأرض [7] ومنعه تشغيل من يقل عمره من 18 سنة في مخازن التبريد [8] معنى ذلك أن العقد الذي يبرم في هذه الأعمال قبل السن المحددة يقر باطلا بطلانا مطلقا مما يبين أن الأصلية في إطار القانون الاجتماعي تخضع لمقتضيات خاصة .

7- وإذا كان الفصل 316 من ق .ل .ع . يقضي بأنه : " يترتب على إبطال الالتزام وجوب إعادة المتقاعدين إلى نفس ومثل الحالة التي كانا عليها وقت نشأته ، والتزام كل منهما بان يرد للآخر ما أخذه منه بمقتضى أو نتيجة العقد الذي تقرر إبطاله ... "

فان هذه القاعدة لا تطبق في إطار حوادث الشغل والأمراض المهنية، فرغم بطلان العقد، فالأجير المصاب يستفيد من مقتضيات ظهير6 فبراير 1963[9].

8- وإذا كان الفصل 228 من ق .ل .ع . ينص على انه : " الالتزامات لا تلزم إلا

من كان طرفا في العقد فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم إلا في الحالات المذكورة في القانون "[10]. فإننا نجد في إطار اتفاقية الشغل الجماعية أن هذه القاعدة لا تطبق ، ذلك أن هذه الأخيرة قد تمتد إلى أشخاص لم يشاركوا في إبرامها، أو ربما لا يريدونها، ومع ذلك يجدون أنفسهم مجبرين على الخضوع لأحكامها، مع ملاحظة أن عقد العمل الفردي إذا كان يتضمن شروطا افضل من اتفاقية الشغل الجماعية فهو الذي يبقى ساري المفعول، أما إذا كان يتضمن شروطا اقل فان الاتفاقية الجماعية هي التي تسري[11].

9- هذه بعض الأمثلة سقناها لنبين استقلال القانون الاجتماعي، في بعض جوانبه، عن قانون الالتزامات و العقود، و السؤال المطروح الآن هو هل يطبق الفصل230 من ق .ل .ع .[12] على إطلاقه في المادة الاجتماعية أم لا ؟ وبالتالي هل هناك استقلال للقانون الاجتماعي عن الفصل 230 من ق .ل .ع . ؟

الجواب بالنفي، وللتدليل على ذلك نسوق المثال التالي، نعلم أن ظهير 18 يونيو 1936 حدد ساعات العمل في 48 ساعة في الأسبوع، ولنفرض أن عقد العمل الفردي تضمن شرطا اتفاقيا بالنسبة لأحد أطر المؤسسة يحدد ساعات العمل في الأسبوع في 44 ساعة كامتياز لهذا الإطار، ثم في تاريخ لاحق أبرمت هذه المؤسسة اتفاقية شغل جماعية مع إحدى النقابات، فحددت هذه الأخيرة ساعات العمل في 40 ساعة في الأسبوع، ولكن عند تطبيق هذه الاتفاقية حرم رب المؤسسة هذا الإطار من الاستفادة من 40 ساعة في الأسبوع ، بدعوى أن بينهما عقدا يحدد ساعات العمل في 44 ساعة وان العقد شريعة المتعاقدين، ماذا كان سيكون موقف القضاء المغربي لو رفعت إليه هذه القضية ؟

لا نشك لحظة واحدة انه سيعطل تطبيق الفصل 230 من ق .ل .ع . ، مما يبرز انه ينبغي استبعاد هذا الفصل كلما رأت المحكمة ذلك، و هذا ما يؤكد استقلال القانون الاجتماعي عن هذا الفصل خصوصا وعن ق .ل .ع . عامة ، و هذا ما أكده المجلس الأعلى في عدة مناسبات[13]. ولا ندري ما الذي جعله يعطي للفصل 230 من ق .ل .ع . صفة مطلقة في هذه النازلة .

مفهوم النظام العام والطابع الحمائي للقانون الاجتماعي :

10- نعلم أن وجود القانون الاجتماعي و خلقه كان بقصد حماية الطرف الضعيف. و هو هنا الأجير. في علاقة الشغل وخلق توازن داخل عقد العمل بينه وبين الطرف القوي اقتصاديا. رب العمل، ولتحقيق هذه الحماية، كان لابد من إعطاء القواعد الاجتماعية صفة آمرة تجعلها في منأى عن أي تجاوز من رب العمل .

إذن إذا كانت المحكمة في إسباغ الصفة الآمرة على هذه القواعد وتحريم مخالفتها هي حماية العامل، فان ذلك يقتضي إجازة مثل هذه المخالفة إذا كان من شأنها توفير حماية اكبر للعامل. معنى ذلك أن الحماية التي يقررها المشرع والصفة الآمرة للقواعد لا تمتد إلى الطرفين، بل جعلها مقتصرة من حيث الاحترام على المشغل فقط[14]. وهذا يعطي للصفة الآمرة لقواعد قانون الشغل معنا خاصا يصرفها فحسب إلى تأكيد ما تقرره هذه القواعد من حد أدنى لحماية العمال [15] بمنع النزول عنه دون منع الزيادة فيه بحيث يكون البطلان هو جزاء كل مخالفة تنقص من هذه الحماية، بينما تعتبر صحيحة كل مخالفة تزيد من هذه الحماية، فان الصفة الآمرة لقواعد قانون الشغل إذن صفة نسبية لا مطلقة[16].

- انطلاقا من هذه المعطيات نتساءل عما هو حكم الاتفاق الوارد في النازلة التي بين أيدينا و الذي يعطي حق إنهاء العقد ولو بدون مبرر من جانب المشغل ؟

-هناك الفصل 230 من ق .ل .ع . الذي يجعل العقد شريعة المتعاقدين من جهة ، وهناك الفصل 754 من ق .ل .ع .[17] الذي يقضي بعدم إمكانية إنهاء العلاقة التعاقدية بين الأجير والمؤاجر إلا لسبب جدي يبرر هذا الإنهاء من جهة ثانية . فهل ينبغي التضحية بالفصل 230 من ق .ل .ع . أم بالفصل 754 من نفس القانون ؟

- انطلاقا مما سبق وقررناه من استقلال القانون الاجتماعي عن القانون المدني ومن كون أن قواعد قانون الشغل قواعد آمرة

مقررة لفائدة الأجير نقول انه هنا لابد من التضحية بالفصل 230 من ق .ل .ع . وذلك للأسباب التالية :

1- من هذا المنظور يكون الفصل 230 من ق .ل .ع . نص عام و الفصل 754 من نفس القانون نص خاص و القاعدة أن الخاص يقيد العام .

2- من خل التحليل السابق لمفهوم النظام العام في القانون الاجتماعي، وانطلاقا من الفقرة الخامسة من الفصل 754 من ق .ل .ع . ، نستطيع القول بان الشرط الوارد في هذا العقد هو شرط تعسفي .

ذلك أن التعسف في استعمال الحق بالمفهوم المدني المشار إليه في الفصل 94 من ق .ل .ع .[18] تجاوزه الفقه [19] والقضاء [20] و اصبح رب العمل الذي يتخذ بادرة الطرد يعرض نفسه للتعويض عن هذا التصرف ، مما أدى إلى القول بان الحق نفسه اصبح قابلا للتعسف [21] والإكثار من وصف الطرد بالتعسف يرجع إلى أن الغالبية العظمى من العقود تفسخ من طرف المشغل، بالإضافة إلى أن الضرر الذي يلحق بالأجير في حالة الطرد، هو اكثر بكثير من الضرر الذي يلحق بالمؤاجر عند استقالة الأجير، لهذا فاستبعاد التعسف بمفهومه المدني الصرف [22] وسع من جهة ثانية من مفهومه الاجتماعي، ليتحقق حتى ولو لم يقصد المشغل الأضرار بالأجير.[23]

- و تجدر الإشارة إلى أن التوسع في مفهوم التعسف يبقى محصورا في نطاق الطرد، ولا يمتد إلى الطرف الآخر- الاجير- الذي ترك له المشرع حرية تقديم الاستقالة وقت ما شاء، وبدون أن يقدم أي تبرير لها، أو أي التزام بالمقابل سوى احترام مهلة سابق الأعلام ، في حين أن المشغل ليست له نفس الحرية، ونحن لا نسانده ، و ابداء الملاحظات التالية :

-يقول الأستاذ الودغيري : " أن هذا القرار . . . يتمشى مع المبدأ القائل بحرية التعاقد . . . فلا وجود لأي نص قانوني يحول دون تحديد تعاقدي لنوع التعويض ولاسس تقدير ذلك التعويض لفائدة الأجير في حالة فصله من لدن المشغل بدون مبرر".

-ونعتقد بصحة هذا الطرح في إطار القواعد العامة، ولكن في المادة الاجتماعية لا يمكن الأخذ به، لأنه يتعارض مع روح قانون الشغل، الذي وجد من اجل الحد من الحرية التعاقدية، وتحقيق التوازن بين الطرف القوي والضعيف في العقد، يضاف إلى ذلك أن مقتضيات هذا القانون تعتبر الحد الأدنى الذي لا يجوز الانتفاض منه ولكن تجوز الزيادة فيه، و|إجازة مثل هذا الشرط يزيل الاستقرار ويهدد السلم الاجتماعي الذي ينشده المشرع من وراء وضع قانون الشغل، كما انه يتعارض مع ما استقر عليه الفقه والقضاء في هذا المجال .

إذ أن تطور قانون الشغل جعل حريته مقيدة في اتخاذ أي إجراء يرمي إلى وضع حد لعلاقة العمل دون مبرر مشروع.[24]

خلاصة القول انه أمام غياب نصوص قانونية تعرف الإعفاء التعسفي، فان المحاكم سواء في مصر[25] أو فرنسا أو المغرب [26]

تميل إلى اعتبار الإعفاء تعسفيا حين لا يبرره سبب مهني بالمعنى الواسع .

-ومن هنا نستنتج أن الشرط الوارد في هذه النازلة والذي يعطي للمؤاجر الحق في إنهاء العقد ولو بدون مبرر يجعل الطرد هنا تعسفيا لأنه لا يستند إلى مبرر حسبما هو ثابت فقها وقضاء كما بينا سابقا .

_ يضاف إلى ذلك انه يعتبر بمثابة شرط الاسد الذي تنمحي أمامه الحماية القانونية التي يوفرها المشرع للأجير، كما انه يمس السلم الاجتماعي في أساسه ، لأننا إذا تمسكنا بهذا الطرح الذي أتى به المجلس الأعلى فهو يعطي خللا خطيرا بيد أرباب العمل إذ سيدفع الجميع - نقصد أرباب العمل - إلى تضمين مثل هذا الشرط في جميع عقود العمل، مما سيمكنهم من إنهاء العقد في أي وقت دون مخالفة أن يعتبر طردهم تعسفيا، وهنا نكون قد أحدثنا خللا خطيرا في السلم الاجتماعي وبالتالي سنفتح بابا واسعا لاهدار الحماية التي يقررها المشرع للإجراء .

الشرط الجزائي :

11- يحدث كثيرا أن الدائن والمدين لا يتركان تقدير التعويض إلى القاضي كما هو الأصل، بل يعمدان إلى الاتفاق، مقدما، على تقدير هذا التعويض، فيتفقان على مقدار التعويض الذي يستحق الدائن إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه، وهذا هو التعويض عن التأخير.هذا الاتفاق مقدما على التعويض يسمى بالشرط الجزائي[27].

- والشرط الجزائي ليس هو السبب في استحقاق التعويض، فلا يتولد عنه التزام اصلي بالتعويض، و لكن يتولد عنه التزام تبعي بتقدير التعويض بمبلغ معين، وشروط استحقاق هذا الالتزام هي نفس شروط الالتزام الأصلي، وتكييفه القانوني هو التزام تابع لا التزام أصيل .

- وشروط استحقاق الشرط الجزائي هي نفس شروط استحقاق التعويض ، وهي خطأ من المدين، و ضرر يصيب الدائن، و علاقة سببية ما بين الخطأ و الضر، واعذار المدين .

أ- شرط الخطأ : لا يكون للشرط الجزائي اثر إلا إذا كان هناك خطأ من المدين .

و الغالب أن يكون هذا الخطأ عقديا. فإذا لم يكن هناك خطأ من المدين فلا مسؤولية في جانبه، و لا يكون التعويض مستحقا، لانه لا مجال لاعمال الشرط الجزائي .

ب - شرط الضرر : لا يتحقق الشرط الجزائي إذا لم يكن هناك ضرر أصاب الدائن، ذلك أن الضرر من أركان استحقاق التعويض، فإذا لم يوجد ضرر لم يكن التعويض مستحقا .

ج . شرط علاقة السببية: لا يتحقق الشرط الجزائي إلا إذا قامت علاقة السببية بين الخطأ و الضرر. أما إذا انتفت هذه العلاقة بثبوت السبب الأجنبي، أو انتفت بان كان الضرر غير مباشر، أو كان في المسؤولية العقدية مباشرا و لكنه غير متوقع

إذ ذاك لا تتحقق المسؤولية. ولا يستحق التعويض ولا مجال لاعمال الشرط الجزائي .

د . شرط الاعذار : وهو ضروري في جميع الأحوال التي يجب فيها اعذار المدين ، أما في الأحوال التي لا حاجة فيها للأعذار، فانه لا يشترط[28].

- فإذا حاولنا، من خلال هذا العرض البسيط، التقصي والتنقيب عن صحة الشرط الجزائي الوارد في هذه النازلة ، نستطيع القول : أن تحقق هذا الشرط يقتضي صور خطأ من طرف المدين. و هو هنا المؤاجر. والحالة هذه انه في هذه النازلة لم يرتكب رب العمل أي خطأ بل استعمل رخصة منحها له العقد .

- يضاف إلى ذلك انه لولا الشق الأول من الشرط الذي يعطي للمشغل الحق في إنهاء العقد بدون مبرر لما وجد الشق الثاني- منح التعويضات- . فكلاهما يكمل البعض .

- نخلص من ذلك أن الشرط الجزائي في هذه النازلة لا تتوفر فيه الشروط القانونية خاصة الخطأ وعلاقة السببية ، وبالتالي فحكمه هو البطلان[29].

_ كما أن شرط الإنهاء بدون مبرر، هو إعفاء من المسؤولية عن خطأ جسيم هذا الخطأ الذي يتجسد في الطرد التعسفي و هو ما منعه المشرع صراحة في الفصل 232 من ق .ل .ع[30].

- وهنا نصل إلى أن المجلس الأعلى بإقراره لهذين الشطرين، يكون قد زاغ عن الخط الذي رسمه المشرع في الإطار الاجتماعي، وهو توفير الحماية القانونية للإجراء، وبالتالي يكون قد فتح الباب واسعا لأرباب العمل للتعسف عن طريق استعمال مكر هذه الشروط .

خلاصة:

إذا كنا قد قمنا بهذا التعليك، فذلك لسبب وحيد هو أن نثير الانتباه إلى خطورة هذا القرار، لأنه يمكن أرباب العمل من سلاح خطير يستطيعون بواسطته إنهاء العقد غير المحدد المدة في أي وقت ، دون أن يوصف فعلهم هذا بالطرد التعسفي ، خاصة ونحن في بلد نامي يعرف مشاكل اقتصادية كثيرة وبطالة تتنامى يوما بعد آخر، خاصة وان هذا المجلس عودنا ، خلال مسيرته القضائية التي فاقت الثلاثين سنة، على الانضمام دائما إلى صف الاجراء وحمايتهم ، سواء من عدم الاستقرار في العمل [31] أو أثناء تنفيذ العمل [32] أو عند إنهاء عقد العمل[33].

لذلك نعتقد أن هذا الموقف هو مجرد هفوة من المجلس الأعلى، ولا نشك لحظة واحدة انه سيتدارك الوضع في قرارات لاحقة إذا قدر وعرضت عليه مثل هذه النازلة .

واختم عرضي المتواضع هذا بندا ء سبق وان وجهه الدكتور محمد أو من المفروض أنها الكشبور : " يجب على المشرع وهو بصدد وضع النصوص التي تحكم العلاقات بين كل من الطبقة العاملة وأرباب العمل، وعلى القاضي وهو يطبق تلك النصوص أو فسرها، وأخيرا يجب على الفقيه وهو يتناول، بالدرس والتحليل، النصوص التي وضعها المشرع والأحكام الصادرة عن القضاء، أن يقفوا جميعا إلى جانب طبقة العمال، وهي الطبقة الضعيفة الطبقة الضعيفة في تلك العلاقات"[34].



[1] ابتداء من الفصل 723 وانتهاء بالفصل 780 من نفس الظهير

[2] مكرر قرار منشور في المجلس الأعلى، العدد 41 ص .167 وما بعدها. نونبر 1988 .

[3] Paul DURANT et André VITU, Traité de Droit de travail, t.II,p.839 , Dalloz 1950.

[4] حسن كيرة، أصول فقه قانون العمل، عقد العمل، ص .755 طبعة ثالثة 1979 منشأة المعارف بالإسكندرية.

5- عبد النبي ميكو، المدخل لدراسة القانون، نظرية الحق في القانون المغربي والمقارن، الجزء الثاني ، ص 194، وما بعدها، الطبعة الأولى 1974 ، المطبعة العالمية.

[5] احمد شكري السباعي، نظرية بطلان العقود وإبطالها في قانون الالتزامات والعقود، ص .131 وما بعدها، الطبعة الأولى 1971 . المطبعة المثالية .

[6] الذي جاء فيه ما يلي: "إجارة الصنعة وإجارة الخدمة لا تقعان صحيحتين إلا إذا كان عاقداهما متمتعين بأهلية الالتزام ، وتجب مساعدة المحجور عليه والقاصر ممن له الولاية عليهما" ولكن هذا لا يمنع أن يكون الإذن ضمنيا، انظر موسى عبود، دروس في القانون الاجتماعي، ص .143 .

[7] الفصل 21 من الظهير المؤرخ في 24 دجنبر 1960.

[8] الفصل 2 من المرسوم المؤرخ في 4 يوليوز 1957 .

نلاحظ هنا الاختلاف ، فرغم أن القانون المدني يعطيه الحق في إبرام العقد في المرحلة المتراوحة بن سن 12 و 15 بمعونة المشرف عليه، فهو في إطار القانون الاجتماعي يحرمه من هذه الإمكانية .

لمزيد من الإيضاح، انظر مقال أستاذنا آمال جلا ل، بعض الجوانب القانونية لرعاية الطفل في المغرب"، مقال منشور بالمجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، عدد 5-1979.

[9] آمال جلال، مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل والأمراض المهنية في التشريع المغربي، ص .158، 1977.

سلسلة الكتب القانونية ، منشورات كلية الحقوق ، الرباط.

[10] للمزيد من الإيضاح، انظر محي الدين إسماعيل علم الدين، أصول القانون المدني : الجزء الأول، الالتزامات ، ص .354، الناشر مكتبة عين الشمس القاهرة.

[11] للمزيد من الإيضاح، انظر مصطفى عبد الحليم النوري، اتفاقية العمل الجماعية ، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، جامعة الحسن الثاني كلية الحقوق الدار البيضاء 1976.

انظر أيضا مقالا لأستاذنا الدكتور محمد الكشبور، علاقات العمل الجماعية وأثرها على استقرار واستمرارية النشاط البنكي الخصوصي بالمغرب، منشور بالمجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، ندوة حول القانون والممارسة البنكية، العدد16-1988 تصدرها كلية الحقوق بالدار البيضاء .

[12] الذي جاء فيه ما يلي: "الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضائهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون".

[13] مثلا قرار الغرفة الاجتماعية رقم 152 بتاريخ 9 مارس 1987، منشور بالمجلة المغربية للقانون، عدد 16، سنة 1988، ص. 43 وما بعدها.

[14] ادريس فجر، دور القضاء في حماية الأجير، مقال منشور في المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية، ص. 18، عدد خاص، القانون الاجتماعي حصيلة وآفاق، العدد 22-1990، تصدرها جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- الدار البيضاء.

أنظر أيضا محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب، علاقات الشغل الفردية، ص.15 وما بعدها، طبعة 1981، دار النشر المغربية- الدار البيضاء.

[15] Paul DURANT et André VITU, Traité de Droit de travail, t.I, Dalloz 1947, N° 140.

[16] حسن كيرة، م.س.، ص. 74.

أنظر أيضا عبد الحليم النوري، م.س.، ص.153، و ما بعدها.

[17] ظهير 26 سبتمبر 1938 في فقرته الخامسة.

[18] للمزيد من الإيضاح محيي الدين إسماعيل علم الدين، أصول القانون المدني، الجزء الثاني، ص. 28، 1977، مطابع دياب القاهرة.

[19] أنظر كيرة، م.س.، ص.770 ، وما بعدها.

أنظر أيضا محمد سعيد بناني، م.س.، ص.559 وما بعدها.

[20] ملف اجتماعي 8020/86 القرار 221 بتاريخ 14 يوليوز 1986، قضاء المجلس الأعلى، عدد 40، دجنبر 1987، ص. 177.

أنظر أيضا قرار المجلس الأعلى رقم 667 الصادر بتاريخ 15 أكتوبر 1984 ملف اجتماعي 191 96، قضاء المجلس الأعلى، العددان 37-38، ص. 150، يونيو 1986.

[21] م.س.، ص.867.

[22] عبد الرزاق أحمد السنهوري، حق الملكية، الجزء الثامن، ص. 867، طبعة 1967، الناشر دار النهضة العربية.

[23] محمد سعيد بناني، م.س.، ص. 560.

وهنا لابد من الإشارة إلى تعليق قام به الأستاذ محمد الودغيري على نفس القرار في المجلة المغربية للقانون (العدد 18، ص. 192 وما بعدها، السنة 1988) مع الفارق هو أنه يؤيد هذا القرار.

[24] محمد سعيد بناني، م.س.، ص.561.

[25] كيرة، م.س.، ص.804.

[26] موسى عبود، م.س.، ص.156.

[27] أنظر عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام، ص. 851، الجزء الثاني، طبعة 1968، الناشر دار النهضة العربية.

[28] عبد الرزاق السنهوري، إثبات آثار الالتزام، م.س.، ص.859.

[29] وقد ذهب الأستاذ الودغيري إلى القول: " فلو أراد المشرع استبعاد مقتضيات عقد العمل المتضمنة لهذا الشرط الجزائي لكان نص على ذلك الاستبعاد صراحة...".

وإن كنا مع الأستاذ المحترم في هذا الطرح، فإننا نرى أن الأمر لا يتعلق باستبعاد أو عدم استبعاد الشرط الجزائي، وإنما بتطبيقه تطبيقا صحيحا، وهو الأمر الذي لم يحدث في النازلة التي بين أيدينا.

محمد الودغيري، م.س.، ص.195.

[30] الذي جاء فيه ما يلي: لا يجوز أن يشترط مقدما عدم مسؤولية الشخص عن خطئه الجسيم وتدليسه، وهذا ما أكده المجلس الأعلى في القرار 2226 الصادر بتاريخ 13 نونبر 1989 ملف مدني 7210/85، مجلة القانون والقضاء، ص.82، العدد 142، نونبر 1990.

[31] مثال ذلك ما جاء في قرار المجلس الأعلى غير منشور مؤرخ في 16/06/86 بالملف الاجتماعي عدد 6266/85.

[32] ا نظر إدريس فجر، في هذه النقطة بالذات، م.س.، ص.26 وما بعدها.

[33] مثال ذلك: القرار رقم 460 المؤرخ في 26/04/1983 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 33-34 ص. 122.- القرار 707 المؤرخ في 12/11/ 1984 ملف اجتماعي 5212 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 39 ، ص. 137 ، نونبر 1986.

تكييف الخطأ الجسيم والطابع الحمائي للقانون الاجتماعي، مقال منشور بالمجلة المغربية للقانون، ص 26، العدد 16-1988.[34]

No comments:

Post a Comment