Sunday, February 17, 2008

من أجل مراقبة عمل المقرر

من أجل مراقبة عمل المقرر

الأستاذ: محمد المجدوبي الإدريسي قاضي ملحق بوزارة العدل

تمهيد:

لقد أحدث المشرع المغربي مؤسسة القاضي المقرر بمقتضى ظهيري 12 غشت 1913 والمتعلقين بقانون المسطرة المدنية الملغى وقانون التحفيظ العقاري.

وقد كان الهدف المتوخى من إحداث هذه المؤسسة القضائية نخلق قاضي حكم يتولى التحقيق نيابة عن هيئة الحكم الجماعية -والتي يعتبر أحد أعضائها- مع تمتيعه بسلطات تدخلية قوية وصلاحيات واسعة لتسيير المسطرة.

فإذا كان من حق الخصوم إقامة الدعوى المدنية،وباستطاعتهم كذلك إنهاؤها بمشيئتهم عن طريق الصلح أو التنازل غير أنه لاعتبارات تتعلق بحسن سير المرفق العام الذي هو القضاء يتعين على القاضي - والذي هو في مرحلة التحقيق القاضي المقرر- أن يتحكم في سير الدعوى وألا يتركها بيد الخصوم.

فإذا كان هذا هو الهدف الذي أحدثت من أجله هذه المؤسسة الطلائعية والتي قرر المشرع المغربي لا حقا بمقتضى تعديل 29 مارس 1954 تعزيز صلاحيتها بتمكينها من إصدار أحكام تمهيدية بإجراءات التحقيق ومخففا عن كاهلها بعض الإجراءات ذات الطبيعة الإدارية،بحيث تم تكليف كتابة الضبط بإجرائها ، والجهل بمدى صلاحيتها مع إسقاطها في نوع من الروتينية واللامبالاة، مما شكل انتكاسة لمؤسسة كان يرجى منها الكثير، علما أن المشرع الفرنسي اقتبس هذه المؤسسة من القانون المغربي[1] ويعتبر هذا سابقة كان من الملائم استثمارها وتطويرها ليصبح المغرب مصدر إشعاع حقوقي،بحيث يتم الارتقاء من وضعية المتلقي إلى وضعية المبتكر.

و إن السبب في هذه الانتكاسة يرجع بالأساس على عدة عوامل أهمها : الطابع البدائي لضبط الإجراءات من طرف المقرر، غياب الشفافية ، تعثر الإجراءات من طرف كتابة الضبط ، تجاوز هيئة الحكم الجماعية لمسطرة المقر بتبادل المذكرات الدفاعية بالجلسة العلنية ،عدم مقاومة المقرر لأساليب التسويف والمماطلة التي يمارسها الخصوم بمناسبة تبادل المذكرات الدفاعية او تقديم المستندات ،تسيير المسطرة من طرف المقرر بشكل انفرادي سلطوي.

لذا نعتقد أنه قد خان الوقت لتنفض الغبار والرواسب التي علقت بهذه المؤسسة وأن نعيد لها برقيها الذي فقدته وهذا لا يمكن أن يتأتى من وجهة نظرنا غلا من خلال خلق أو تعزيز ميكانيزمات المراقبة على عمل المقرر.

ونفصل في هذا السياق أن تتم المراقبة على ثلاث مستويات:

مراقبة يمارسها المقرر على عمله عن طريق تتبع العمليات التنفيذية للإجراءات المتخذة من طرفه ونسميها مراقبة ذاتية ،مراقبة يمارسها رئيس المحكمة ورئيس هيئة الحكم كل في حدود اختصاصه، ونسميها تجاوزا مراقبة رئاسية ومراقبة يمارسها الخصوم عن طريق إطلاعهم على الإجراءات وخاصة تقرير المقرر ونسميها مراقبة الخصوم.

وسنحاول التطرق على كل نوع من هذه الأنواع من المراقبة في مبحث مستقل.

المبحث الأول: مراقبة ذاتية

يقوم المقرر بمناسبة التحقيق في القضية المعين لها عدة إجراءات منها : إصدار أوامر بتبليغ المقال والمذكرات الدفاعية ، توجيه الإنذارات لتصحيح المسطرة أو الإدلاء بالمستندات أو لاحترام آجال الردود ، إصدار أوامر بإجراءات التحقيق،إصدار أمر بالتخلي عن ملف القضية لفائدة هيئة الحكم، تعيين الجلسات واستدعاء الأطراف أو الشهود أو الخبراء للحضور إليها.

فالمقرر يتخذ هذه الإجراءات بمساعدة كتابة الضبط.هذه الأخيرة تتولى القيام بجميع العمليات المادية التي يقتضيها تنفيذ تلك الإجراءات وخاصة بتبليغ الطيات القضائية وإنجاز المحاضر ومسك السجلات.

ويتعين على المقرر أن يراقب بنفسه وعن كثب سير العمليات المادية للإجراءات التي أمر بها والتي تتولى كتابة الضبط تنفيذها فالتزامه بأجراء هذه المراقبة الذاتية التزام قانوني سبق للمشرع المغربي أن نص عليه صراحة بقوله " يراقب القاضي المقرر سير الإجراءات"[2].

وقد جرى العمل على أن المقرر يقوم بضبط ومراقبة سير الإجراءات بواسطة إحدى الطريقتين التاليتين ك طريقة البطاقات أو الجذاذات وطريق السجل.

ويفضل بعض المقررين طريقة البطاقات أو الجذاذات لأنها تكون في متناول اليد، ويتمكن من البحث عن الملف المتخذ فيه الإجراء في وقت وجيز ، فضلا عن كونها تعطي نظرة شمولية للإجراءات المتخذة في القضية بينما يفضل البعض الآخر طريقة السجل لكون هذا الأخير يتميز بطابعه الرسمي فضلا عن كونه يكون اقل عرضة للضياع اعتبارا لحجمه ولرسميته ، على أننا نفضل الطريقة الحديثة التي تأخذ بها بعض المحاكم الإدارية والمتمثلة في ضبط الإجراءات بواسطة الحاسوب وهي طريقة تتطلب إمكانيات مادية مهمة وتأهيلا خاصا،كما ان تعميمها على المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف والمجلس الأعلى تعترضه عدة صعوبات عملية اعتبارا للكم الهائل من القضايا الرائجة أمام تلك المحاكم.

وقد تبين لنا من خلال الممارسة أن المراقبة المجراة من طرف المقرر وفق الطرق السالفة الذكر تبقى ناقصة إذا ما اختار المقرر البقاء في مكتبه-أو في برجه العاجي- ينتظر ما يتوصل به من إجراءات من كتابة الضبط، بحيث نرى أنه من الضروري ألا يبخل المقرر بجهده ووقته لتتبع الإجراءات على أرض الواقع بالتنقل إلى مصالح كتابة الضبط للإطلاع على السجلات وأوراق الدعوى مع توجيه تعليماته لتنفيذ الإجراءات بسرعة وإتقان.

كل هذا يقتضي أن يتوفر المقرر على ضمير مهني حي، وأن يتحلى بروح المبادرة وبديناميكية في العمل، وبالمقابل يتعين على الوزارة الوصية على قطاع العدل أن توفر الإمكانات المادية الضرورية لتحفيز المقرر ولتمكينه من التجهيزات المكتبية كالجذاذات والرفوف بدل أن يعمد المقرر مضطرا على الحصول عليها من ماله الخاص.

وندعو بالمناسبة على خلق علاقة مباشرة بين المقرر وكاتب الضبط المكلف بتنفيذ الإجراءات علاقة ذات طابع رئاسي بينما هي حاليا علاقة مشوبة بالغموض.فالمقرر لا سلطة له قانونا على عمل كاتب الضبط،بينما المفروض أن يلعب كاتب الضبط دور السكرتارية للمقرر.

ونفضل في هذا السياق أن تتم مراقبة المقرر على عمل كتابة الضبط ابتداء من تسجيل المقال وانتهاء بإصدار أمر بالتخلي وليس بشكل بعدي كما هو الحال بالنسبة لبعض المحاكم الفرنسية.هذه الأخيرة تتولى فيها كتابة الضبط السهر على تبادل المذكرات بين الخصوم وضبط آجال الردود بمبادرة منها ودون الرجوع إلى المقرر الذي يحال عليه ملف القضية إلا بعد استكمال التحقيق.

ونرى أن هذه الطريقة العملية تتميز فعلا باختصار الإجراءات وبربح للوقت لأنه يتم تلافي انتقال ملف القضية من كتابة الضبط إلى المقرر ومن المقرر إلى كتابة الضبط، وذلك بمناسبة اتخاذ أو تنفيذ الإجراءات ،غير أنه يعاب عليها- وعن حق- تجاوز سلطات المقرر وتطلع كتابة الضبط في إجراءات القضية تحكما يخشى منه التعسف ، كما أن إنهاء تبادل

المذكرات بسبب الإدلاء بمذكرة لا تتضمن وسيلة أو عنصرا جديدا هو عمل قضائي يرجع تقديره للقاضي ويخرج بطبعه عن اختصاص كتابة اضبط.

المبحث الثاني: مراقبة رئاسية

يمكن لرئيس المحكمة ولرئيس هيئة الحكم ان يمارسا مراقبتهما على حسن تصريف الإجراءات من طرف المقرر.

أولا : رئيس المحكمة

لقد خول المشرع المغربي لرئيس المحكمة الابتدائية وللرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وللرئيس الأول للمجلس الأعلى سلطة إجراء مراقبة على جميع قضاة الأحكام العاملين بمحكمته وكذا على مصالح كتابة الضبط (الفصول15،17،19 مكن ظهير 15/7/1974 المتعلق بالتنظيم القضائي).

يظهر من هذا أن لرئيس المحكمة سند قانوني لإجراء مراقبته على عمل القاضي أو المستشار المقرر باعتباره قاضيا للحكم غير أننا نرى أن أي إجراء هذه المراقبة يتحكم فيها ضابط أساسي ألا وهو الحفاظ على استقلالية القضاء.

ومما ذكر، يتبين أنه من حق بل من واجب رئيس المحكمة الإطلاع على الإجراءات المتخذة من طرف المقرر بمناسبة التحقيق وأنه ليس من حق هذا الأخير الامتناع عن اطلاع رئيس المحكمة على ملف القضية المقرر بمناسبة التحقيق وأنه ليس من حق هذا الأخير الامتناع عن اطلاع رئيس المحكمة على ملف القضية إذا ما طلبت منه ذلك. هذا باستثناء الحالة التي تحجز فيها القضية إذا ما طلب منه ذلك.هذا باستثناء الحالة التي تحجز فيها القضية للحكم[3].استنادا لمبدأ السرية الذي يطبع هذه المرحلة من الدعوى.

ونحبذ في هذا الصدد أن تنصب مراقبة رئيس المحكمة لعمل المقرر على توقيت اتخاذ الإجراءات وخاصة بالنسبة لأول إجراء يتخذه المقرر ألا وهو إصدار أمر بتبليغ المقال وتعيين أو جلسة علنية تعقدها هيئة الحكم الجماعية ، ذلك أنه لا يوجد قانون ما يلزم المقرر بتحريك الدعوى باتخاذ الإجراء المذكور داخل اجل معين .هذه المدة قد تطول لعدة شهور ن مع العلم أن رئيس هيئة الحكم لا يكون على علم بإحالة ملف القضية على المقرر والتي تتم مباشرة بين رئيس المحكمة والمقرر أي دون وساطة رئيس الهيئة [4].

ثانيا : رئيس الهيئة

إن رئيس هيئة الحكم يترأس جلسات الحكم والمداولة ولا يعتبر رئيسا للقاضي أو المستشار المقرر العضو في هيئة الحكم،غير أننا نرى تدخل رئيس الهيئة ومراقبته لعمل المقرر مرغوب فيه لكونه له اتصال مباشر ويومي بالمقرر، وأن مراقبته تتم في هدوء ودون حساسيات على خلاف ما إذا تم اجراؤها من طرف رئيس المحكمة .

ويطرح التساؤل هنا بخصوص الحالة التي يكون فيها رئيس الهيئة مقررا في بعض القضايا ففي هذه الحالة لا تصور أدبيا إجراء المراقبة من باقي أعضاء هيئة الحكم ن بحيث يفضل هنا الاكتفاء بالمراقبة التي يجريها رئيس المحكمة.

وفي هذا الإطار نقترح لاستمرارية وفعالية المراقبة المجراة على المقرر أن يلزم هذا الأخير بعد مرور ستة أشهر على حيازته ملف القضية بعرض الملف على رئيس هيئة الحكم أو على هيئة الحكم مجتمعة بغرفة المشورة لتقرر ما إذا كان يتعين استمرارية إجراءات التحقيق من طرف المقرر أو من الملائم عرض القضية بالجلسة العلنية اعتبارا لكون حل

القضية ظاهر بصفة يقينية أو أن المذكرات الأخيرة للخصوم ما هي إلا تكرارا لما سبق أن أثاروه في مذكرات سابقة ولا تتضمن أي عنصر جديد أو لأي سبب آخر يبرر إنهاء التحقيق.

المبحث الثالث: مراقبة الخصوم

يمارس الخصوم مراقبتهم على عمل المقرر بإحدى الوسيلتين : الأولى الاطلاع على مستندات القضية وأوراقها والإجراءات المتخذة فيها طبقا للفصل 331 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه:" يمكن للأطراف أو لوكلائهم الاطلاع على مستندات القضية في كتابة الضبط دون نقلها" مع العلم أن لفظ المستندات الوارد في الفصل المذكور لا يقتصر على العقود والرسوم والتصاميم والحجج التي دلي بها أحد الخصوم في مواجهة خصمه لإثبات ادعاءاته بل يشمل أيضا المحاضر وطلبات التبليغ وشواهد التسليم وكل الأوراق المضمونة إلى ملف الدعوى.

والثانية الاطلاع على تقرير المقرر.ومما يؤسف له أن تعديل 10 سبتمبر 1993 المدخل على الفصل 342 من قانون المسطرة المدنية قد أعفى المقرر من تلاوة تقريره بالجلسة العلنية الشيء الذي أصبح معه تقرير المقرر عمليا مجرد تحرير لوقائع الحكم تطلع عليه هيئة الحكم أثناء المداولة وبعد ذلك يستكمل تحرير الحكم من طرف المقرر.

وهكذا لم يعد لتقرير المقرر تلك الغاية المرجوة من إنشائه ألا وهي إطلاع الخصوم على الإجراءات المتخذة في القضية مع فسخ المجال أمامهم لإبداء ملاحظتهم الشفاهية بالجلسة العلنية خاصة إذا ما لاحظوا أن تقرير المقر لا يشير إلى مذكرة أو سند سبق لهم أن ألوا به، أو أن المقرر لم يحترم حقوق الدفاع عند اتخاذه لأحد إجراءات التحقيق أو بمناسبة تسييره للمسطرة.

والواقع أن تلاوة تقرير المقرر إجراء يطعم المسطرة الكتابية بعنصر شفوي وفي ذلك تدعيم للعلنية والشفافية بدل الغموض والسرية لذا لم يكن من الملائم إلغاء هذا الإجراء دون التنصيص على بديل له.

والبديل في نظرنا يتمثل في السماح للمقرر بعقد جلسة بمفرده دون باقي أعضاء هيئة الحكم، وذلك لتلاوة تقريره.هذا الإجراء يتميز بكونه يتم في متسع من الوقت وتضمن فيه حقوق الدفاع بصورة أفضل.



[1] راجع ج.ب، بيلوكوين: ط من القاضي السلبي إلى القاضي الإيجابي، القاضي المقرر والتوجه الجديد للمسطرة ". مجلة القصر بتاريخ 30/5/1969 ،ص226 ن وما يليها.

[2] الفصل 156 من قانون المسطرة المدنية الملغى.

[3] يمكن للمقرر أن يحجز القضية للحكم بمناسبة أمر بأجراء التحقيق كالخبرة والمعاينة.

[4] باستثناء المسطرة المتبعة أمام المجلس الأعلى على ذلك ان رئيس الغرفة المختصة هو الذي يعين المستشار المقرر (الفصل 362 من ق.م.م).

No comments:

Post a Comment