Tuesday, January 29, 2008

انتحار

انتحار

الانتحار ( Suicide ) : أن يقتل الإنسانُ نفسَهُ ، وقد يكون الانتحار متعمداً بقتل النفس بالسكين أو بالسُّمِّ أو بغيره ، أو يكون خطأً كأن يريد صيداً فيصيب نفسه فيموت ، أو يكون بالامتناع عن الفعل كالإضراب عن الطعام والشراب ، كما يفعل بعض المساجين ، أو الامتناع عن الحركة في الماء حتى يغرق !

وتدلُّ الإحصائياتُ على أن الانتحار يأتي في مرتبةٍ متقدِّمةٍ بين أسباب الوفاة في كثير من الدول الصناعية ( Industrial ) التي توصف عادةً بأنها ( بلدان متقدمة )(1) ، وتقدَّر محاولات الانتحار التي تجري يومياً في أنحاء العالم بعشرات الآلاف ، لكن هذه المحاولات لا تنتهي كلها بالموت ، بل يموت منها حوالي ( 10% ) ، بينما يصاب البقية بعاهات وإصابات بدنية ونفسية متفاوتة ! وتُشير الإحصائيات إلى أن ( 10 ـ 20% ) من الذين يحاولون الانتحار يكررون المحاولة في غضون سنتين أو أقلّ بعد المحاولة الأولى ، وتبلغ نسبة محاولات الانتحار بين النساء ( 3 أضعاف ) ما هي عليه بين الرجال(2) ، وهذه من الفوارق ذات الدلالة بين الجنسين ( انظر : جِنْس )

وتختلف دوافع الانتحار من مجتمع لآخر ، وتتوقف على عوامل عدة ، في مقدمتها ضعف الوازع الديني وتفشي الفواحش والانحرافات الأخلاقية من زنى وخمر ومخدرات وغيرها.. ولهذا نجد أن حالات الانتحار تُسجِّلُ أرقاماً مذهلةً في المجتمعات التي حادَتْ عن فطرة الله عزَّ وجلَّ ، وأطلقت العنان لشهواتها ونزواتها الشيطانية ، وعلى سبيل المثال فقد سجلت هنغاريا أعلى نسبة انتحار في العالم سنة 1977م فبلغت فيها نسبة المنتحرين ( 42.6 من كل مائة ألف من السكان ) بينما سجل الأردن في عام 1970م أقلَّ نسبة ( 0.04 من كل مائة ألف نسمة )(3) ، أي إن كل حالة انتحار في الأردن وقع مقابلها أكثر من ألف حالة انتحار في هنغاريا ! وهذا بلا ريب مؤشر علمي واضح على التفاوت الكبير في معدلات الانتحـار بين الأمم المسلمة والأمم غير المسلمة !

أحكام الانتحار

حرمة الانتحارُ : الانتحار حرامٌ ، لعموم قوله تعالى في تحريم قتل النفس : (( ولا تَقْتُلوا أَنفسَكم إنَّ اللهَ كانَ بكمْ رحيماً )) النساء 29 ، والانتحار من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله تعالى ويقع على فاعله وزْرٌ أعظم من وزر الذي يقتل غيره دون حقٍّ حتى قال بعض الفقهاء فيه : المنتحر لا يُغَسَّل ولا يصلَّى عليه ، وقيل لا تُقبل توبتُهُ تغليظاً عليه(4) ، ويدلُّ ظاهرُ بعض الأحاديث على خلود المنتحر في النار ، ومنها قول النبيِّ e : ( مَنْ تَرَدَّى من جبلٍ فقتلَ نفسَهُ فهو في نارِ جهنَّم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومَنْ تَحَسَّا سُمَّاً فَقَتَلَ نفسَه فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نـار جَهَنَّمَ خالداً مُخَلَّداً فيها أبداً ، ومَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بحديدةٍ فحديدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأ بها في بَطْنِهِ في نار جَهَنَّمَ خالداً مُخَلَّداً فيها أبداً )(5) ولكن لم يقُل بكفرِ المنتحرِ أحدٌ من العلماء ، لأنَّ الكفر هو الإنكار والخروج عن دين الإسلام ، أما صاحب الكبيرة ـ كالانتحار وغيره مما ليس شركاً بالله تعالى ـ فلا يخرج عن الإسلام ، وقد صَحَّتِ الرواياتُ أن العُصاة من أهل التوحيد يُعذَّبون في النار ثم يُخْرَجُون منها(6) ، ولهذا فإن المنتحر إذا ماتَ غُسِّل وكفِّن ، وصُلّي عليه ، ودُفن في مقابر المسلمين

الفشل بالانتحار : من حاول الانتحار ولم يَمُتْ ، يعاقب تعزيراً على محاولته الانتحار لأنه حاوَلَ قَتْلَ النفس التي حَرَّم الله إلا بالحقِّ ، وفي العقوبة لمن حاول الانتحار رَدْعٌ لَهُ أن يعود لمثلها مرة أخرى ، وفيه أيضاً ردع لغيره عن هذا الفعل المحرَّم ، ولكن لابد إلى جانب العقوبة من معالجته نفسياً واجتماعياً ، والبحث في الأسباب التي دعته لمحاولة الانتحار ومساعدته للتغلب عليها ، مع تذكيره بالعقاب الشديد الذي ينتظر المنتحر في الآخرة وحضِّهِ على العبادة والذِّكر وما شابه ذلك من الوسائل التي تعيد تأهيله نفسياً واجتماعياً لكي يكفَّ عن المحاولة مرةً أخرى !

الانتحار بالامتناع : من امتنع عن المباح كالطعام والشراب حتى مات كان قاتلاً لنفسه متلفاً لها(7) وهذا ما يفعله غالباً السجناء احتجاجاً على أوضاع سياسية سيئة ، أو احتجاجاً على تعذيبهم أو سوء معاملتهم ( انظر : سجن ) أما من امتنع عن التداوي حتى ماتَ أو تَرَكَ علاجَ جُرْحِهِ فماتَ ، فلا يعدُّ منتحراً ، لأنَّ البُرْءَ غير موثوق به حتى وإن عولج(8) ، ولكنه يكون قد عَرَّضَ نفسَهُ للتَّهْلُكَةِ المنهيِّ عنها شرعاً ( انظر : تداوي )

الانتحار لضرورة : قد يتعرَّض المسلم لظروف معينة يرى فيها ضرورة الانتحار لمصلحة يراها راجحة ، كأن يقع أسيراً في أيدي الأعداء ، وتكون لديه معلومات مهمة جداً يخشى أن يجبره الأعداء على إفشائها ، وقد جرت العادة في معظم جيوش العالم أن يعطى قادة الجيوش الكبار الذين في حوزتهم معلومات سرية خطيرة حبوباً سامَّة سريعة المفعول يؤمرون بابتلاعها إذا ما وقعوا بالأسر ! وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز الانتحار في مثل هذه الظروف لما فيه من دفع ضرر أكبر بضرر أقل(9).

الانتحار للخلاص من آلام المرض : قد تصل شدة الألم الناتج عن المرض إلى درجة لا يعود المريض قادراً على تحملها ، وبخاصة إذا لم تتيسر له المسكنات أو المخدرات التي تخفف من آلامه ، أو قد يصاب المريض بداء عُضال لا أمل في شفائه ، فيفكر بالانتحار ، أو يطلب من طبيبه إنهاء حياته بوسيلة طبية ما ، وكلا الفعلين حرام لا يجوز الإقدام عليه ، فالمريض إذا أقدم على الانتحار للخلاص من الألم أو المرض يعدُّ قاتلاً لنفسه ، والطبيب الذي يُنهي حياة المريض أو يقدِّم له وسيلة لينتحر بها يعدُّ قاتلاً للمريض أيضاً ( انظر : قتل ، مرض )

6 ـ الوقاية من الانتحار : إذا لاحظ الطبيب ، وبخاصة الطبيب النفسي ، عوارض الميل للانتحار عند المريض يجب عليه اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحمايته ، وعليه إعلامُ ذويهِ ، ويحسن في مثل هذه الحالات الحَجْر ( Quarantaine ) على المريض في المستشفى أو المصحّة ( Sanatorium ) خلال تأهيله ومعالجته مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة للحيلولة دون إقدامـه على الانتحار في غفلة عـن أعين الممرضين أو المشرفين على مراقبته ( انظر : حَجْر ) ولا ننس تأثير التوعية وتحذير الناس من الإقدام على الانتحار ، لما يترتب عليه من خراب للبيوت في الدنيا ، وعذاب أليم في الآخرة ، كما أن للتأهيل النفسي والاجتماعي تأثيراً طيباً في الذين يميلون للانتحار يجعلهم يتراجعوا في الغالب عن هذا السلوك المدمِّر !



(1) على سبيل المثال ، فقد أفاد تقرير لوزارة الصحة الفرنسية صدر في أوائل شهر شباط ( فبراير ) 1999 إن الانتحار هو ثالث أسباب الوفاة في فرنسا بعد السرطان وأمراض القلب وقبل حوادث السيارات وذلك بين مجمل السكان ، ولكن الانتحار يأتي في مقدمة أسباب الوفاة بين الذين أعمارهم ( 25 ـ 34 سنة ) وهو ثاني أهم سبب للوفاة بين الذين أعمارهم ( 15 ـ 24 سنة ) كما أفادت الوزارة أنه في كل( 43 دقيقة ) تقع حادثة انتحار ، وفي كل عام يموت من جراء الانتحار ( 12.000 شخص ) ، ويحاول ( 160.000 شخص ) الانتحار ولكنهم يفشلون ! ويفيد التقرير أيضاً بأن معدل الانتحار قد تضاعف على مدى الأعوام الخمسة والعشرين الماضية [ الشرق الأوسط ، العدد 7375 ، السبت 20/10/1419هـ ، الموافق 6/2/1999

م ]

(2) الشرق الأوسط ، 24/11/1997م

(3) جنس : موسوعة المعلومات العامة للأرقام القياسية ، ص 155 ، مؤسسة نوفل ، بيروت 1987 .

(8) حاشية ابن عابدين 5/215 ، المغني 9/326

No comments:

Post a Comment